الفهرس

الاخلاق والسلوك

المؤلفات

الصفحة الرئيسية

 

الثقة بالله

ثريّ، نكبهُ الدهر، فصودرت أمواله، وقتل أولاده، وألقي به في غياهب السجن، وعذّب أمرّ العذاب، وبعد مدة طويلة زاره أحد أقربائه في السجن، فرآه في كمال البشر والاطمئنان وكأنّه يقضي أحسن أيام العمر! فدهش الزائر لما رأى، وسأله: كيف أرى فيك هذه الحالة الحسنة وأنت تعيش أمرّ ساعات الحياة؟ فتبسّم السجين ملء شدقيه وقال: إن هذا البشر والاطمئنان نتيجة الثقة بالله، إنه لا يخلو الأمر أن يكون ما ورد عليّ بدون استحقاق، فذلك: مما يوجب لي حسن الثواب وجميل الذكر، أو باستحقاق على أثر ذنب اقترفته، ومعصية ارتكبتها، فما أُلاقيه من الألم والحرمان يطهرني من ذنبي، فأنا بين طهارة عاجلة أو خيرات آجلة، وهل يوجد ـ بعد ذلك ـ مبرر للتقطيب والانقباض؟

إن النازحين يجب أن يزدادوا ثقة بالله، ورجاءً لفضله وثوابه، وإيماناً به، فتقلّب الأحوال يدلّ على وجود المقلّب المدبّر، والشدائد توجب التطهير من الذنوب، وجميل الذكر في المستقبل، ورفعة الدرجات في الآخرة، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لفاطمة سيدة نساء العالمين: (تعجلي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة)[1].

التوكل على الله

أمر أحد الملوك بإعدام بريئين، وكان الملك ديكتاتوراً لا يناقش ولا يفهم المنطق، حتى كانت ليلة الإعدام، فكان أحدهما في غاية الاضطراب، والآخر في غاية الهدوء!

قال الأول للثاني: ما لي أراك هكذا؟ ألسنا نعدم بعد ساعات؟

قال الثاني: إني واثق بأنّا لا نعدم.

قال الأول: وكيف؟!

قال الثاني: ألست تقرأ في القرآن الحكيم: ((مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ))[2]؟

فقال الأول: وأنا أيضاً أتوكل على الله.

ثم أخذ الاثنان في البكاء والتضرّع إلى الصباح، ولما حان الصبح جاء السجّان وقال لهما: قد أُطلق سراحُكما، لأنه ثبت عند الملك أنكما بريئان، وأنَّ المجرم غيركما، وقد نفّذ في المجرم حكم الإعدام مع طلوع الصبح.

فانطلقا من السجن وهما يشكران الله تعالى، ويقول أحدهما لصاحبه: (إن من توكل على الله كفاه الأمور، ومن لاذ به وقاه الشرور).

إن النازحين يجب أن يتوكلوا على الله سبحانه، فإنه قادر على أن يردّهم إلى ديارهم سالمين، أو يهيئ لهم في منازحهم من أمرهم رشداً، والمتوكّل لا يُعدم الاطمئنان أبداً، فإن من علم أن من ورائه قوة خفية تحرسه وتحميه، وأنَّ تلك القوة ستُصلح أمره، لابد وأن يطمئن.

قال تعالى: ((وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ))[3]، وقال سبحانه: ((ألا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))[4].

نعم؛ التوكل وحده لا يكفي، بل يجب العمل أيضاً حسب الموازين الطبيعية، ففي الحديث: (اعقل وتوكل)[5].

 الصبر

سجن الملك (أنو شيروان) وزيره (بذرجمهر) من غير ذنب، ولما سئل الملك عن ذلك قال: إن بذرجمهر ينظر إليّ نظرة رئيس الوزراء إلى ابن الملك، إذ كان وزيراً لأبي، فأردتُ أن أدخل رعبي في قلبه (كان ذلك قبل أن يتصف بالعدل).

وبعد أيام أرسل الملك رسولاً إلى السجن ليرى كيف حال الوزير، ولما جاءه الزائر رآه في كمال الهدوء والاطمئنان والبشر، فتعجب من حاله، وقال:

أيها الوزير الحكيم! ما لي أراك لم تتغير، ولم تتأثر، وقد كنت رئيس البلاد ثم صرت في هذا السجن المظلم؟

قال الوزير: إن معي حباً أستعمله كل صباح ومساء، ولذا بقيت على نشاطي واطمئناني.

قال الزائر: وما هو ذلك الحب؟

قال بذرجمهر: إنه مركّب من أشياء:

الأول: الصبر

والثاني: أني أعلم أن كل حالٍ يزول

والثالث: التوكل على الله!

إن النازحين يجب أن يصبروا على ما يلاقونه من الشدائد والمشاكل، فإن الصابر يبقى هادئ البال مطمئن القلب، بالإضافة إلى أنه يتمكن أن ينجز ما ينبغي لحل مشاكله، أما الجازع: فقد أتلف نفسه، وأبقى مشكلته، ثم لم ينفعه الجزع شيئاً، والله سبحانه يعطي الصابر الأجر والثواب.

ففي القرآن الحكيم: ((إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ))[6].

وقال تعالى: ((وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ))[7].

وفي الحديث: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد)[8].

الحزم

ملكان كانت بينهما أشد المنافسة على الملك، وكانت بينهما حروب ومهاترات، ومن غريب الأمر، إن الملك الذي كان يبدو أقل قدرة وعِدَّة وعُدَّة، كان ينتصر في الحروب دائماً، فتعجب الملك الأقوى من هذه الظاهرة، وأرسل جاسوساً ليدخل بلاط الملك الأضعف، ويستخبر السبب، وبعد مدة مديدة وحيل عديدة، تمكن الجاسوس من كسب ثقة بعض حاشية الملك، ولما استخبر عن السبب لظفر الملك قيل له: إن السبب هو حزم الملك، إنه يحسب حساباً دقيقاً لعدده وعدته وقوته وسلاحه، ويصرف أعزّ أوقاته في الفكر والسعي والاستعداد، ويرتب الأمور أدق ترتيب، ولذا تأتي النتائج حسب رغبته، بينما الملك الأقوى مستهتر ومغرور وهذا هو سبب انهزامه.

إن النازحين يجب عليهم (الحزم)، فقد قال الشاعر:

وأحزم الناس من لم يرتكب عملاً***حتى يفكر ما تجني عواقبه

وفي القرآن الحكيم ((وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ؟))[9]، ((أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ؟))[10]، ((كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ))[11]، ((وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى))[12].

فاللازم: أن يجمعوا قواهم، ويرتبوا طاقاتهم، حتى يتمكنوا من العيش السعيد في الوطن الجديد، وإلاّ كابدوا المشاكل، وذهبت أعمارهم عليهم حسرات.

حسن الخلق

أختان كانتا زوجتين لأخوين، أحدهما يبيع الخل والآخر يبيع العسل، لكن بائع الخل كان أرفه حإلاّ وأكثر مالاً، بالعكس من بائع العسل الذي كان في ضيق وضنك وشدة وتأخر، وذات يوم حاولت زوجة بائع العسل أن تعرف السبب، فجاءت إلى دكان زوجها، وإذا بها ترى زوجها يعامل الناس معاملة سيئة، مما يسبب انزعاج الناس فينصرفون عنه إلى غيره، ثم جاءت إلى دكان الخلاّل فرأت أن الدكان مزدحم بالزبائن، وإن البائع يحسن معاملة الناس، فيعطي بالنسيئة، ويضع البضاعة في متناول يد المشتري ليختبرها بنفسه، ويزيد في الميزان، ويسامح في البيع والشراء، فرجعت المرأة وقالت لزوجها: إنك تبيع العسل الحلو حامضاً، وإن أخاك يبيع الخل الحامض حلواً، ولذلك أنت متأخر وهو متقدم.

إن النازحين يجب عليهم أن يُحَسنِّوا أخلاقهم مع عوائلهم وأصدقائهم، ومع أهل البلد الذي يعيشون فيه، فقد فاز حسن الخلق بخير الدنيا وثواب الآخرة، وفي القرآن الحكيم: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ))[13]، وليس للإنسان أن يُسيء خلقه مع أهله، وهم يعيشون معه المشكلة، أفهل هم سبب مشاكله؟ ((وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى))[14]، فلم يسيء خلقه مع الناس؟ وهل إنه إذا أساء أخلاقه معهم يكون أقرب إلى سعادته؟ بل العكس هو الصحيح: إنه إذا أساء أخلاقه تجنبوه فيزيدوه مشكلة على مشكلة.

تحمل المكاره

وضع القدر إنساناً في ملتقى المشاكل والمكاره؛ فقد كان خادماً لإنسان سيء الخلق، كثير التوقع، قليل الصبر، فكان يأمره بالقيام بكل الأعمال المنزلية، ويكلفه بأعمال إضافية خارج نطاق البيت، ومع ذلك كله: لا يطعمه إلاّ القليل، ولا يلبسه إلاّ البالي، ويهينه كل يوم مرات، لكن الخادم يتلقى كل ذلك بصدر رحب، فلا يقطب وجهه، ولا يضيق بذلك ذرعاً، فتعجب بعض معارفه، ولما سألوه عن السبب قال: لأني وطّنت نفسي على التحمل فيسهل الأمر عليّ، وإني أعلم أن للشدة فرجاً، وللصبر عاقبة، فاتفق أن أفلس مولاه واثرى الخادم حتى صار مولاه خادماً عنده، ورأى الخادم نتيجة صبره واحتماله.

إن النازحين يجب عليهم أن يوطّنوا أنفسهم على تحمّل المكاره، فإن توطين النفس يوجب خفة المُعضلة، وهو من المسلّمات في علم النفس، قال الشاعر:

للمتقين من الدنيا عواقبها***وإن تعجّل فيها الظالم الآثم

وفي القرآن الحكيم: ((وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ))[15].

يقول الشاعر:

تحمل صروف الدهر فالدهر منقضٍ***ومن يتحمل صرفه كان أسعدا

نعم، يجب أن يكون تحمل المكاره بروح إيجابية لا بروح سلبية، فإن الدنيا للعاملين، وقد قال القرآن الحكيم: ((لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ))[16].

[1] بحار الأنوار، ج65، ص220، ب23، ح9، وفيه (تجرعي مرارة...).

[2] سورة الطلاق، الآية 3.

[3] سورة التغابن، الآية 11.

[4] سورة الرعد، الآية 28.

[5] بحار الأنوار، ج68، ص137، ب13، ح20.

[6] سورة الزمر، الآية 10.

[7] سورة العصر، الآية 3.

[8] الكافي، ج2، ص89، ح5.

[9] سورة الأنعام، الآية 50.

[10] سورة محمد، الآية 24.

[11] سورة الطور، الآية 21.

[12] سورة النجم، الآية 40.

[13] سورة القلم، الآية 4.

[14] سورة الأنعام، الآية 164.

[15] سورة الأنبياء، الآية 105.

[16] سورة النساء، الآية 123.