الفهرس

المؤلفات

الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

الدراسة المنظّمة والدراسة الحرّة

يفترض في الحوزة العلمية أنْ تعتمد على أسلوبين :

الأسلوب الأول: الأسلوب المنظّم، حالها حال بقية المدارس في الدول المنظمة التي تبتدئ بالدراسة الابتدائية حتى الجامعية .

الأسلوب الثاني: الدراسة الحرّة مثلما كانت الحوزات العلمية قبل نصف قرن تقريباً .

وفائدة الدراسة الحرة أنّها :

1ـ هناك مجموعة ترغب في هذه الدراسة دون غيرها.

2ـ الدراسة الحرة تفتّق الطاقات ، وتجنّد الإمكانات لظهور الشخصيات البارزة ، فكبار علمائنا الأعلام : كالشيخ المفيد[1]، والشيخ الطوسي[2]، والسيد المرتضى[3]، خرّجتهم الدراسة الحُرَّة، ولربما لو كانت الدراسة منظمة لما كانت بعض هذه الأسماء اللامعة قد اقتحمت الدراسات الدينية، ولما بلغت هذه المستويات العالية من الاجتهاد والتحقيق في الفقه والأُصول والتفسير والعقائد، وحتى في مجالات العلوم التطبيقية كالرياضيات والطب والهندسة . كذلك نجد الأمر أيضاً بالنسبة إلى العلماء المعاصرين الذين برزوا كأديسون[4] وغيره الذين لم يتعلّموا في أية مدرسة، بل تعلموا خارج نطاق المدرسة.

هذا وإلى جانب هؤلاء هناك أشخاص كثيرون لا يتعلمون إلاّ بانضمامهم في الدراسات المنتظمة، فإذا لم تكن الدراسة منتظمة فسوف لا يحققون شيئاً في حياتهم .

3 ـ هناك مجموعة كبيرة من كبار السن ممن يرغبون في الدراسة، وهؤلاء سيواجهون في الدراسات المنتظمة مشكلة شرط العمر، ولأنّ أعمارهم لا تسمح لهم بمواصلة الدراسة فإنّهم سيحرمون منها ، وهذه خسارة دينية وعلمية وإرشادية كبرى.

فمثلاً السيد علي الطباطبائي[5] المعروف بصاحب الرياض دخل سلك التعليم الحوزوي وعمره ثلاثون عاماً[6]، فلو كانت الدراسة منتظمة لَحُرم السيد صاحب الرياض من الدراسة، ولَخَسر العالم الشيعي شخصية علمية مثل صاحب الرياض الذي أعطى بدراساته الفقهية روحاً جديدة للحوزات العلمية.

ولمّا كان معيار الحوزات العلمية هو النتائج وليس الأشكال، فإنْ استطاع الدارس الحر والدارس المنتظم في الدراسات المنظمة أنْ يحقق نتائج متساوية فإنّ معنى ذلك أنّ الطريقين ناجحان في التعليم الحوزوي .


[1] أبو عبد الله محمد بن محمـد بـن النعمـان الملقـب بالمفيد ، ولد سنة 336هـ (947م)، وتوفي سنة 413هـ (1022م)، وقد وجد على قبره مكتوباً بخط الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) :

لا صوت الناعي بفقدك أنه***يوم على آل الرسول عظيم

إن كان قد غيبت في جدث الثرى***فالعدل والتوحيد فيك مقيم

 والقائم المهدي يفرح كلما*** تليت عليك من الدروس علوم

ويعد (قدس سره) من الفقهاء المعروفين بالعلم والزهد والتقوى ، آلت إليه الرئاسة الدينية في زمانه ، وكان يحظى بمنزلة رفيعة في دولة آل بويه ، ألّف أكثر من مائتي كتاب ، منها : الرسالة المقنعة ، الأركان في دعائم الدين ، الإيضاح في الإمامة ، الإرشاد ، الإفصاح ، الاختصاص ، العيون والمحاسن ، نقض فضيلة المعتزلة.  ترجمه روضات الجنات : ج6 ص 153 .

[2] أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، ولد بخراسان سنة 385 هـ (995م) ، وتوفي 460هـ (1068م) ، ودفن في داره في النجف الأشرف ، وهي الآن مسجد يسمى بـ(مسجد الطوسي) ، هاجر إلى العراق سنة 408 هـ (1017م) ، واستوطن بغداد ؛ وكان يدرس فيها عند الشيخ المفيد ، وأدرك شيخه الحسين بن عبد الله الغضائري المتوفى سنة 411هـ ، كما تتلمذ عند السيد المرتضى قرابة 23سنة ، وفي سنة 447هـ  تعرض الشيعة في بغداد للقتل والنهب والسلب ، من قبل الحاكم السلجوقي طغرك بك ، وأحرق كرسيه الكلامي الذي كان يدرّس عليه والذي يعدّ منصباً مهماً ، وما كان يعطى إلاّ لذوي المرتبة العالية في العلم والمعرفة ، وأحرقت المكتبات والمدارس التي أسسها آل بويه سنة 381 هـ ، وتعرض الشيخ للهجوم وأنقذه الله من القتل ، وأحرقت داره بما فيها من الكتب المخطوطة والنفيسة ، فبعد هذه الحادثة هاجر الشيخ إلى النجف الأشرف وأسس حوزة علمية هناك. وبقي اثني عشر عاماً بين درس وبحث ، وهداية وإرشاد ، وقد بلغ عدد تلاميذه المجتهدين ثلاثمائة مجتهدٍ . يقول عنه العلامة الحلي في الخلاصة صفحة 72 : (شيخ الإمامية ووجيههم ، رئيس الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، ثقة ، صدوق ، عين ، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب ، وجميع الفضائل تنسب إليه).  بلغت مؤلفاته ستةً وأربعين مؤلفاً في الأخبار والأصول والفقه والتفسير والدعاء والرجال ، منها : التهذيب ، الاستبصار ، العدة ، المبسوط ، التبيان ، المصباح ، الرجال ، الأمالي ، الفهرست ، الغيبة ، النهاية ، الخلاف .

[3] أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى المشهور بالمرتضى أو عَلَم الهدى، ولد سنة 355هـ (966م) في بغداد ، وتوفي سنة 436 هـ (1044م)  ، ودفن في حرم الإمام الحسين (عليه السلام) . من فقهاء الشيعة ، عرف بالعلم والفضل والفقاهة، واهتم بتأسيس المكتبات في بغداد ، وكانت مكتبته الشخصية تحتوي على 80 ألف كتاب ، وقد اهتم بتربية الطلاب والمفكرين بعد أن أسس مدرسة لهذا الغرض وبعد أن خصص لهم رواتب شهرية ، ومن تلامذته : الشيخ الطوسي وسالار الديلمي وأبو صلاح الحلبي والشيخ الكراجكي ، وقد بلغت مؤلفاته التسعين ، منها : الشافي في الإمامة ، الطيف والخيال ، درر القلائد وغرر الفوائد والمشهور بـ(الأمالي) ، تنزيه الأنبياء . وله ديوان شعري . ترجمه الكنى والألقاب : ج2 ص482.

[4] توما أديسون ، ولد سنة 1847م ، وتوفي سنة 1931م ، عالم فيزيائي إمريكي، مخترع الآلات الكهربائية ، ومنها : المصباح  الكهربائي ، وقد سجل لـه مئتا اختراع .

[5] السيد علي بن محمد علي بن أبي المعالي الصغير بن أبي المعالي الكبير ، عالم جليل ، وأصولي متبحر ، وفقيه متميز ، ولد في مدينة الكاظمية سنة 1161هـ وتوفي سنة 1231هـ ، ودفن في الحرم الحسيني في كربلاء ، تتلمذ عند خاله محمد باقر المشهور بالوحيد البهبهاني المتوفى سنة 1205هـ والشيخ يوسف البحراني المتوفى سنة 1186هـ . بلغت مؤلفاته العشرين كتاباً ورسالة وحاشية ؛ أشهرها كتاب (رياض المسائل في بيان الأحكام بالدلائل) وهو شرح على المختصر النافع للمحقق الحلّي ، ولعظمة كتابه هذا اشتهر به ، ترجمه تنقيح المقال للمامقاني : ج2 ص307 ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة للطهراني : ج11 ص336 ، ريحانة الأدب للميرزا محمد علي المدرس : ج3 ص370 ، منتهى المقال للشيخ محمد المازندراني : ج5 ص63 ، تحفة العالم : ص176 ، مقابس الأنوار للشيخ التستري : ص19 ، روضات الجنات : ج4 ص401 .

[6] يقول المامقاني في تنقيح المقال : ج2ص307 :(إنه شرع في طلب العلم في زمان الرجولية) .