الفهرس

الثقافة الاسلامية

الصفحة الرئيسية

 

الفائدة الصحية

أنّ الفائدة الصحية للصوم، تتجلى في مظاهر متنوعة كثيرة، ضجت بها الكتب، وعرفها أقدم الأطباء، وقد لخصها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في قولته الخالدة (صوموا تصحوا).

ويمكن إفراز الفوائد الصحية للصوم، إلى ثلاثة أقسام، هي:

1: الفوائد العامّة، الناتجة من الإمساك عن المباشرة الجنسية، والإمساك عن الأطعمة والسوائل.

2: الفوائد الناتجة من الإمساك عن المباشرة الجنسية.

3: الفوائد الناتجة من الإمساك عن الأطعمة والسوائل.

الفوائد العامّة

فإما الفوائد العامّة، فتظهر فيما يلي:

1: تهدئة الأعصاب

إنَّ أعصاب الإنسان قوية، قادرة على احتمال عمل كثير. فالمخ، يستطيع أنْ يعمل بلا انقطاع، دون أنْ يرهقه العمل، والعضلة البشرية، وتطيق العمل عشرات الساعات، قبل أنْ يبهضها التعب.

وإليك حقيقة مدهشة: (إنَّ العمل الذهني وحده، لا يفضي إلى التعب) وقد يبدو لك هذا القول سخيفاً، ولكن طائفة من العلماء، وحاولوا ـ منذ بضعة أعوام ـ أنْ يتعرفوا على مدى احتمال المخ الإنساني للعمل، قبل أنْ يدركه الكلل، ولشد ما كانت دهشتهم، حين وجدوا إنَّ الدماء المندفعة من المخ وإليه ـ وهو في أوج نشاطه ـ خالية من كل أثر للتعب.

فأنت إذا أخذت (عينة) من دماء عامل يشتغل بيديه ـ بينما هو يزاول عمله تراها حافلة، بـ (خمائر التعب) وأفرازاته. أما إذا أخذت (عينة) من الدماء المارة، بمخ عامل مثل (انشتاين) فلن تجد بها أثراً لـ (خمائر) التعب، حتى في نهاية يوم حافل بالنشاط الذهني.

ويذهب الطبيب النفسي الأمريكي (ا. ا. بريل) إلى حقيقة مدهشة أخرى، فيقول: (إنّ مائة في المائة من التعب، الذي يحسّه العمّال، الذين يتطلب عملهم الجلوس المتواصل، راجع إلى عوامل نفسية، أي عاطفية).

فإذا كان المخ الإنساني، لا يتعريه التعب قط، والعضلة البشرية، لا تتعب إلى أمد طويل، فإذن، ما الذي يشعرنا بالتعب؟

يقول الأطباء النفسيون: إنَّ معظم التعب، الذي نحسّه، ناشئ عن طبيعة اتجاهنا الذهنية والعاطفية، وفي ذلك يقول الدكتور (هادفيلد) ـ العالم النفسي الإنكليزي ـ في كتابه (سيكولوجية القوة): (إنّ الجانب الأكبر من التعب، الذي نحسه، ناشئ عن أصل ذهني، بل الحقيقة: إنّ التعب الناشئ عن أصل جسماني، لهو غاية في الندورة.

فماذا ترى من العوامل العاطفية، يشعر (العمال الجالسين) بالتعب؟

تلك هي العوامل العاطفية، التي تشعر الموظفين والعمال الجالسين بالتعب، وترسلهم آخر النهار إلى بيوتهم، وهم يمسكون أدمغتهم من (الصداع العصبي).

وقد أشارت إلى ذلك (شركة متروبوليتان) ـ للتأمين على الحياة، في نشرةٍ وزعتها، بعنوان: (التعب) قالت فيها: (إنّ المجهود الشاق، في حد ذاته، قلما يسبب التعب ـ ونقصد ذلك النوع من التعب، الذي لا يزول بعد نوم عميق، أو فترة معقولة من الراحة ـ إنّما القلق، والتوتر، والثورات العاطفية، هي العوامل الثلاثة الأساسية، في انبعاث التعب، ولو بدا إنّ المجهود العقلي أو الجسماني، هو الأصل والسبب).

* * * * *

وإذا كان التعب ـ الذي يأكل الأعمار ـ ناجماً من القلق، والتوتر، والثورات العاطفية، فلا يمكن مكافحته، إلاّ عن طريق التوسل، بالهدوء والاسترخاء.

يقول دانيل جوسلين: عندما أحسُّ بالتعب، أو بتوتر في الأعصاب ـ في نهاية يوم من الأيام ـ أعلم يقيناً: إنّ مجهود ذلك اليوم، كان عميقاً من ناحية (الكم) وناحية (الكيف) ـ على السواء ـ. ولو أنَّ كل شخص وعى هذا الدرس، وعمل به، لقلة نسبة الوفيات، الناشئة عن أمراض التوتر العصبي، ولتوقفنا عن تزويد المصحات والمستشفيات، كل يوم بمرض التعب، والقلق.

* * * * *

والصوم أفضل وسيلة لتخفيف القلق، والتوتر، والثورة النفسية، لأمرين:

إنّه يرفع المستوى الفكري للإنسان، فوق مجال المادة، والحياة، حتى لا تلح به المصائب والهموم.

إنّه حيث يخفض ضغط الدم، يخفّف اللهب المسعور، الذي يطارد الإنسان إلى الهرع والاندفاع، والقلق والتوتر على أثر الخسارة.

وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد، فليقل: إنّي صائم...)

ليعلمنا طريقة الاستفادة الكاملة من الصوم، ورياضة الهدوء والاسترخاء.

فالأمراض الناشئة من القلق، والتوتر، والثورة النفسية، ولا دواء لها.

سوى الرضا عن الله، والاستسلام لتقديره، والتسامح مع النّاس، كما أوصانا الله تعالى بقوله: ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)).

وغالب الأفراد الذين يصبحون فريسة هذا المرض الخطير، هم:

إمّا من العابسين المتشائمين، ذوي الطباع الحادة.

وإمّا من الذي لا هم لهم ـ طوال اليوم ـ سوى أن يشعر بالهم واللهفة والأسى، على أمر كان، أو على أمر لم يكن.

وأما الذين يعانون المتاعب والهموم، لأنّهم ورطوا أنفسهم في أزمة مالية أو اجتماعية أو عائلية.

وهؤلاء ـ جميعاً ـ عرضه للمرض الجسماني، أو النفساني، الذي يتكون من سلسلة نبضات عصبية متواصلة، تتركز في المخ، ثم ينتقل أثرها إلى الجسد فتتوتر توتراً متصلاً.

فأغلب الانفعالات غير المقبولة، تؤدي إلى توتر الأعصاب، وأول مناطق هذا التوتر، مجموعة العضلات، في مؤخرة العنف، وعضلات الطرف الأعلى من (المريء) التي تشعرك بالغُصة، ثم أسفل (المرئي) ـ وهذا أخطر ـ إذ عندما تأخذ عضلات (المعدة) في الانقباض، فإنّك تشعر بضغط ثقيل كريه في الداخل، حتى يبلغ درجة لا تحتمل.

ومثل هذا النوع من تقلص العضلات، يمكن أنْ يحدث في أي جزء من (المصران الغليظ).

وكثير ممن يشكون آلاماً تشبه آلام (المرارة) ليسوا مرضى قط، وإنّما متبرمون بحياتهم، وهذا التبرّم، يحدث ذلك الانقباض في (المصران) ومن ثم الآلام.

وما يقال عن أعضاء البطن، يقال عن أعضاء الرأس، فـ (الصداع) الذي يحدث لهؤلاء، المتبرمين، سببه: أنّ (الأوعية الدموية) تنقبض بشدة من آثار عنيفة، فتحدث آلام.

ثلث أمراض الجلد والصدر، ناتجة عن هذا التوتر العصبي.

* * * * *

والآن، كيف العمل للخلاص من هذا البلاء.

والصوم، الذي فرضه الله علينا شهراً في السنة، يحقق لنا الاسترخاء، من هذا التوتر المهلك.

فالصوم، يعلّمنا: الصبر، والسماحة، والكلم الطيب، والرضا عن الله سبحانه ـ كما سبق في الحديث النبوي الشريف ـ.

والصوم، يعلمنا: كيف نتقبل المصائب بصبر جميل، حتى لا تهد كياننا إذا فاجأتنا الأرزاء دفعة واحدة؟.

والصوم، يعلّمنا: كيف نتسامح مع النّاس، ونكافح المشادّة بالرفق، والعقد والأزمات، وبالبساطة والسهولة؟

والصوم، يعلّمنا: كيف نقول الكلمة الطيبة، دون أنْ نتنازل إلى الابتذال، إنْ قذفنا لئيم بكلمة بذيئة.

2: ترويض النفس

إنّ أكثر الكوارث التي تدهم النّاس، نتاج طبيعي عن الهوسات الارتجالية، التي يفعلونها، تلبية لنزق الطائش، الذي يسوّله الشيطان لهم.

ولو فحصنا أكثر المحاكم والسجون في ظل الحكومات الصحيحة، لم نجد فيها من يساق إليها بدافع عقله ـ إلاّ إذا كانت الحكومات منحرفة تضطهد المفكرين ـ وإنّما هو الطيش، التي يزج بالألوف في المحاكم والسجون.

أو ليس في الحديث: (أعدى أعدائك، نفسك التي بين جنبيك)؟

وإذا كانت النفس، مصدر الويلات والنكبات، التي تنغّص حياة النّاس، فما أجدر الإنسان بأنْ يروض نفسه ـ قبل أنْ يدخل في الحياة المشتركة ـ حتى يستريح من غائلة هذا العدو الداخلي، ويتفرغ لمكافحة أعدائه الخارجيين في جبهة واحدة.

والنفس، كالأرض ـ أو ليست من الأرض؟ إنْ أهملت تنبت الحشائش والأشواك، وإنْ روعيت، تنبت كلما حلى وطاب.

((وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً)) فإذا تركت النفس، تعبِّر عن طاقاتها في الشهوات، وإنْ روضت تعبِّر عن طاقاتها في الملكات.

وإذا راضت النفس، يصح الجسم، ويستريح الجسد، أو ليس المجرمون أكثر النّاس شقاءً ورهقاً؟ وأوَ ليس الصالحون، أقل النّاس شقاءً ورهقاً؟ فالمجرم ـ وإنْ قلت مصائبه ـ يعيش في قلق وارتباك، يحسب كل صيحة عليه، ويحسب كل ضربة خسارة، بينما الإنسان الصالح ـ وإنْ كثرت مصائبه ـ يعيش في ثقة واطمئنان، يعلم أنّه لا يصيبه إلاّ ما كتب الله له، ويعلم أنّه لا يصيبه مكروه إلاّ كتب له به عمل صالح.

وإذا اطمئنت النفس وهدئت، واطمأنت الأعصاب وهدئت، فاستطاعت الأجهزة العاملة في داخل الإنسان، أنْ تؤدي واجباتها، بتوفر واطراد، فتحصّنت من الأمراض الكثيرة، والناجمة عن اضطراب عمل الأجهزة الداخلية في الإنسان، وإذا قلقت النفس، وارتبكت الأعصاب، واضطربت الأجهزة الداخلية، فلم تطق أداء واجباتها الرتيبة بانتظام، وفسد الجسم كله.

لقد قال (أفلاطون): (إنّ أكبر أخطاء الأطباء، أنّهم يحاولون علاج الجسد، دون العقل، في حين أن العقل والجسد، وجهان لشيء واحد، فلا ينبغي أنْ يعالج أحد الوجهين على حدة).

مطاردة القلق

و (القلق) إنّه الداء الذي يصيب أكثر النّاس، ولا تزداد الحضارة توسعاً إلاّ ويزداد النّاس قلقاً، حتى كتب الدكتور (الكسيس كاريل): (إنّ رجال والأعمال، الذين لا يعرفون كيف يطاردون القلق، يموتون مبكراً).

وأخطار القلق كثيرة تحدث عنه الدكتور (جوبر) ـ كبير أطباء اتحاد مستشفيات جالت، وكلورادو، وسانتافي ـ فقال: (إنّ في استطاعة سبعين في المائة، من المرضى الذين يقصدون إلى الأطباء، أنْ يعالجوا أنفسهم، إذا هم تخلّصوا من القلق، والمخاوف التي تسيطر عليهم).

(ولا تحسبن أنني أقصد بذلك إنّ أمراضهم وهمية، بل هي حقيقية، لها ألم يعدل ألم الأسنان التالفة، وربما كان أشد منها بمئات الأضعاف، وأذكر ـ مثلاً ـ لهذه الأمراض ـ عسر الهضم العصبي، وقرحة المعدة، واضطرابات القلب، والأرق، والصراع، وبعض أنواع الشلل).

(هذه الأمراض تحدث حقيقة، فأنا نفسي قد شكوت قرحة المعدة مدى أثني عشرة سنة).

(فإنَّ الخوف، يسبب القلق، والقلق يسبب توتر الأعصاب، واحتداد المزاج، ويؤثر في أعصاب المعدة، ويحيل العصارات الهاضمة، إلى عصارات سامة، تؤدي في كثير من الأحيان إلى قرحة المعدة).

وكتب الدكتور (جوزيف، ف. مونتاجي): (إنّ قرحة المعدة، لا تأتي مما تأكله، ولكنها تأتي مما تأكلك).

وقال الدكتور: (و. س. الفاريز): (كثيراً ما تنشأ قرحة المعدة نتيجة لتقلّب العاطفة، واضطراب الإحساس).

والتقى الدكتور (هارولداس. هايين) رسالة في اجتماع (الجمعية الأمريكية، للأطباء والجراحين، والعاملين في المؤسسات الصناعية).

قال فيها: (إنني درست حالة 176 رجلاً من رجال الأعمال، من أعمال متجانسة، معدلها44 سنة، فأتضح لي أنّ أكثر من ثلث هؤلاء، يعانون واحداً من ثلاث أمراض، تنشأ كلها عن توّتر الأعصاب، وهي اضطرابات القلب، وقرحة المعدة، وضغط الدم).

وخطب الدكتور (وليم ماك كونيك) أمام (الجمعية الأمريكية، لطب الأسنان) فقال: (إنّ الانفعالات، التي يسببها القلق، والخوف، والنزاع الدائم، قد تصيب ميزان الكلسيوم في الجسم باختلال، ينشأ ـ عنه ألم الأسنان وتلفها).

هذا الداء العضال، الذي يسميه الطب بـ (القلق) ويصح أنْ نسميه (رأس الداء) ينشأ من عوامل كثيرة، ولكن ماذا يشفيه؟ لا بد لنا من الاعتراف بأنّ هنالك أدوية كثيرة له، غير أنّه يصح أنْ نعتبر (الاستسلام) رأس كل دواء له، وخاصة إذا كان الاستسلام لإرادة حكيمة يوافق العقل على الاستسلام لها، فمن ركن إلى إرادة الله سبحانه وتعالى، جدير بأنْ لا يقلق أبداً، أو ليس الله تعالى أولى به من نفسه، وأحكم بما يصلحه؟

ولنفس السبب لم يستطع القلق أنْ ينال من المؤمنين الراسخين، حتى في أعنف ساعات حياتهم، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مستلقياً على قفاه في غفوة، غمرته عن أصحابه في غزوة، وإذا فتح عينيه، فرأى أحد أعدائه مصلتاً سيفه، وهو يقول: من ينقذك مني يا محمد؟ قال الرسول بثقة واطمئنان: الله، وأنقذه الله، فصعق العدو وسقط، وسقط من يده السيف فتناوله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: (ومن ينقذك مني الآن؟ فلم يجد الرجل إلاّ أنْ يقول الله. ثم أعلن إسلامه. وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، صلى بين المعسكرين في ليلة الهرير ـ من واقعة صفين، والحرب على ساق، وكان الحسن بن علي (عليه السلام)، يزيد انطلاقة ـ يوم عاشوراء ـ كلما تراكمت عليه المصائب.

وأمثال هذه النماذج، تظهر في حياة جميع المؤمنين الصادقين، لأنَّ الأيمان بالله، يؤدي إلى الاستسلام لله، الذي هو أعظم من كل قوة، ولا يكون شيءٌ في الكون إلاّ بإرادته، وإذن فماذا يفعل الإنسان لنفسه؟ إنّه تحت حراسة الله، قبل أنْ تحين ساعة القدر، وحانت ساعة القدر، فإنّ جميع قوى الكون لو تظاهرت لم تدرأ عنه مكروها، لأنّ الله أعظم من كل قوة، وإذا شاء فلا مرد لأمره، وهكذا يطمئن الإنسان بالله، فيزول قلقه، وكل ما ينشأ من جراء القلق..

لقد كتب الدكتور (الكسيس كاريل): (إنّ الذين يسعهم الاحتفاظ بالسلام، والطمأنينة النفسية ـ وسط ضجيج مدينة عصرية ـ معصومون ولا ريب من الأمراض العصبية).

والصوم، يستطيع هذا الأيمان في الإنسان، ومن ثم الاستسلام لله، لأنّه يدع الإنسان الجائع الذي يجد ألوان الطعام الشهي يتركه ويتضوّر من الجوع، والإنسان العطشان، الذي يرى السلسبيل الزلال يترقرق أمامه، ويلوي عنه عاطشاً، والإنسان الشبق، الذي ينال الجنس في أجلّ مظاهره، ويتراجع عنه ملتهباً، لإرادة الله وحده، فيستقر في قلبه أنّ الكون كلّه يجري بإرادة الله سبحانه، وأنّه جزء من هذا الكون، فلا يطيق أنْ يكسب خيراً ولا يدفع شراً، إلاّ عندما يريد الله، وإذا أراد الله شيئاً فلا راد لقضائه، فلماذا يقلق ويضطرب؟

وهكذا يذكي الصوم ـ في الإنسان ـ الاستسلام لله، وإذا استسلم الإنسان لله، غمره السلام والاطمئنان، وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة عندما قال: (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

فوائد الكفِّ عن الجنس

وأما الفوائد الناتجة من الإمساك عن الجنس، فتتلخص فيما يلي:

وهو إنّ الاعتدال في كل أمر، وسيلة للاتزان الحيوي، وصلاحية البقاء، وقد أباح الله تعالى للغرائز الجنسية أنْ تنال رغباتها بالأسلوب المشروع، في حدود (المُباح) وأما الاستجابة المطلقة بها، فإنّها تجعل المرء أسيراً متوتر الإرادة، بحيث لا يجد طاقة تساعده على مباشرة الأمور الجدية، بقوة وحماس.

فضلا عن أنَّ الانسياق مع الغرائز، يضعف حيوية الجسم، وقدرته على الإخصاب والإنجاب.

وقد ألفت الله سبحانه الأنظار إلى هذا الاتجاه، حيث أكد على أنَّ الهدف من الغرائز الجنسية، ليس هو مجرد التمتع الرخيص، وإنّما هو حفظ النسل البشري، وامتداد الحياة، ثم التجاوب النفسي السامي ـ بين الوالد والولد ـ على أساس المودة والرحمة ((وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ...)).

((وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)).

* * * * *

فكان الاتصال الجنسي، محظوراً أثناء فترات الصيام ـ كما كان ممنوعاً خلال فترة الحيض ـ ففي هذا المنع، إشعار للإنسان بأنّه سيد شهواته، وليس عبدها المطيع، وتحديد الإسراف، الذي قد ينساق إليه الكثيرون، فيصابون بأمراض لا قبل لهم بها.

زيادة على أنَّ الطبيعة الصوم، تحدّ من اندلاع الشهوات، التي قد تثيرها عوامل خاصة، ثم لا تطيق السيطرة عليها، ولهذا كان الصوم وجاءً لشبق العزوبة في منطق الرسول الحكيم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطعه فعليه بالصوم، فإنّه له وجاء).

فالإسراف في الاتصال الجنسي، ينهك الجسم كما أنّ الإسراف في الكبت عن الجنس يبلّد الإنسان، وقد قرر علم الوراثة إنّ الذكر إذا أسرف في الابتعاد عن الأنثى، وإنّ الأنثى إذا ابتعدت عن الذكر، لم ينتج إلاّ شراً، والتجاوب التي أجريت على ذكور الحيوانات، فأزيلت أعضائها التناسلية، وكانت نتيجتها أنْ تبلّدت حياتها، وتغيرت معالمها، فلا هي ذكور، ولم تصبح كالإناث... ومثلها الإناث، فقدت أنوثتها، دون أنْ تصبح كالذكور... ومن اليسير ملاحظة المرأة في سن اليأس، وكيف تضطرب أعصابها ونظرتها إلى الحياة؟... وكتلك النساء العوانس، والكهول العزاب.

فكل من يستطيع الباءة عليه أنْ يسارع إلى الزواج، حتى يبقى في مستواه اللائق به، وكل من لا يستطيع الباءة، عليه أنْ لا يسعِّر لهب شهواته من الداخل بالطعام الرتيب، وهو يكبتها من الخارج، حتى ترتبك أعصابه، وإنّما عليه أنْ يُهدأ غرائزه، بالصوم حتى لا يضر به كبتها ـ كما أرشد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

فوائد الكفِّ عن التغذية

وأما الفوائد الناتجة، من الإمساك عن الأطعمة والسوائل، فتختصر فيما يلي:

إتاحة الراحة للجهاز الهضمي

إنّ طاقة الأجهزة الداخلية ـ في الإنسان ـ كثيرة هائلة، ولو عرف طريقة استخدامها على ضوء الواقع، لعاش طويلاً، ولكن الإنسان حيث يحاول توفير القدرة عليها، يوفر الثقل عليها، فيحطمها، لأنَّ الإفراط ـ في كل شيء ـ لا يختلف عن التفريط، والزائد كالناقص، وللجسم حاجة محدودة إلى التغذية، التي لو زادت أو نقصت عرضته للانهيار.

ويؤكد الطب: إنّ الجسم لا يستطيع الاستغناء عن الماء، أكثر من ثلاثة أيام، ولا يستطيع الاستغناء عن الطعام، أكثر من بضعة عشر يوماً.

ومرتاضوا الهنود، الذي قد يطول صومهم أكثر من هذه المدة، فإنّهم يتناولون فيه الماء وعصير الفواكه، الذي يساعد على طول فترة الصيام، ومن هذا النوع، كان صيام غاندي الزعيم الهندي، الذي كان يتوسل بالصيام، لإنهاض حركته السلبية ضد الاستعمار.

* * * * *

والحكمة، التي رعاها الإسلام، من الإمساك عن الطعام والشراب، تقوم على أساس: أنَّ معظم النّاس، يفرطون في التغذية، إلى درجة تعرضهم لكثير من الأمراض الفتاكة.

ومن المعروف إنَّ غالب الأمراض، التي تصيب الجسم البشري، ترجع إلى اختلال الجهاز الهضمي، حتى قال أحد الأطباء: (إن معظم النّاس، يحفرون قبورهم بأسنانهم). وقد قام أحد الأطباء ـ في مصر ـ بدراسة علمية دقيقة، ثبت منها إنّ الأغلبية الساحقة من النّاس، يأكلون ثلاثة أمثال، ما تحتاج إليه أجسامهم.

أو لم يقل القرآن الكريم: ((كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا))؟ أو ليس في الحديث: (المعدة بيت الداء)؟ أو لم يقل النبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما ملأ ابن آدم وعاءً، شراً من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه؟...

ومعنى الثلث لنفسه أنّ (المعدة) إذا امتلأت، ضغطت على الحجاب الحاجز، فضغط ـ بدوره ـ على القلب، فعاق حركته، ثم ضغط على الرئتين فعاق حركة التنفس.

لقد وقف علماء النفس، جانباً كبيراً من وقتهم، خلال السنوات الأخيرة ـ لدراسة النّاس، وأساليبهم في الحياة، بغية الوصول إلى ما يوفر عليهم راحة البال، ويسبب لهم أكبر قدر ممكن من الاستمتاع بالحياة، فكان أهمّ وصاياهم: (لا تغلوا في عمل شيء).

وذلك بعد أنْ وصل الطب، إلى أنَّ دستور الحكمة ورأس العلاج، هو عدم الإسراف في الأكل والشرب.

وقررت أبحاث الطب العلاجي والوقائي أنّ أعظم قاعدة لحفظ الصحة، هي العمل بالآية الشريفة: ((كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا)).

إذ قد ثبت طبياً: إنّ الشراهة، تفتك بـ (المعدة)، وتحطم (الكبد)، وترهق (القلب)، وتسبب تصلب (الشرايين)، (الذبحة الصدرية)، وارتفاع (ضغظ الدم) و (البول السكري)... وأنّه لا وقاية من هذه الأمراض، ولا علاج لها ـ إذا أصيب بها الإنسان ـ إلاّ الحد من شهوة الأكل، وعدم الإسراف في الطعام والشراب.

ويقول علم النفس: (إنّ الإسراف، هو الحماسة غير المتزنة، التي تصبح نوعاً من الهوس، فالإسراف في أي شيء، إنّما هو من قبيل الهوس، أو الجنون. فيجب مراجعة النفس، فيما نحن مقدمون عليه، فلا نغلو فيه مهما كان).

وينصح أحد علماء النفس، نصيحة غالية، إذ يقول: (لماذا لا نتمثل بالطبيعة، فكل ما خلقه الله، نجده معتدلاً في غير إسراف، فالليل يعقب النهار، إذا كان النهار خلق للعمل، فالليل خلق للراحة) فلا بد من الراحة بعد التعب.

وقال الدكتور (الكسيس كاريل): (علينا أنْ نقي أنفسنا شر الإسراف في أي شيء، كل شيء، حتى في ارتياد السينما، والاستماع إلى الراديو... وإنّ الإنسان يميل ـ بطبيعته ـ إلى الإسراف في شهواته، كالخمر، والأكل، والسرعة، وغيرها، وهذا الإسراف، يفضي إلى الانحلال، فعليه أنْ يروِّض نفسه على الاتزان، وعدم الإسراف في أي شيء، حتى في النوم...

إنّ رجل العصر، إمّا مفرط في النوم، أو مسرف في اليفظة، وهذا ضار به... وخير له أنْ يعوّد نفسه على أنْ يظل يقظاً، حتى تدركه الرغبة في النوم فينام.

فعلى الإنسان أنْ يمتنع عن الإسراف في التغذية، فترة تستهلك رواسب التخمة، حتى يستريج الجهاز الهضمي، فيستطيع استعادة نشاطه للوجبة التالية، دون أنْ يدركه الإعياء والانهيار.

الوقاية من البدانة

إنّ أقلّ فائدة وقائية يكسبها الصائم، هي الوقاية من السمن وأخطاره، فالإسراف في الأكل، يؤدي إلى السُمنة، وكلما زاد عن الوزن الطبيعي للجسم، يكون ثقلاً على الأعضاء الرئيسية، التي تقيم الكيان الجسمي.

يقول الدكتور (سالم محمد): (إنّ القلب، الذي هو مضخة ماصة كابسة، يرفع الدم من هنا، ليدفعه إلى هناك، وهو عضو في الجسم، عليه أنْ يؤدي عمله المستمر، الذي لا ينقطع، ولا شك أنَّ القلب يقوم بالخدمة لجسم يزن ثمانين كيلو غراماً، أقل جهداً ورهقاً من زميله، الذي يخدم جسماً، يزن مائة كيلو، وكلنا نعلم أنَّ الساقية، التي تقوم بري ثلاثين فداناً، أكثر جهداً ورهقاً، وتبلى أسرع، من أخُت لها، تقوم بخدمة عشرة فدادين، ويعبر عن الأخيرة بـ (الساقة المرتاحة). فما بال الإنسان لا يريح قلبه، فيخفّف من العبء الملقى على عاتقه، بأنْ يخفّف من وزنه، وإلى الحد الطبيعي؟).

وليت الأمر في جسم الإنسان، يقف على القلب وحده، ولكن هذا الجهد، يصيب باقي أجهزة الجسم، فـ (الكلى) و (الكبد) و (البنكرياس) في جسم يزيد على مائة كيلو ـ مثلاً ـ تحمل عبئاً ثقيلاً، وكلما خفَّ الحمل، نضمن للجسم السلامة، أطول مدة ممكنة.

ويقول الدكتور (جورجي صبحي): (إنّه يجب تنظيم المطبخ المصري، الذي ورثناه، وأنْ نطهِّره من السمن والدهنيّات، والمواد الحريفة، وزيادة الوجبة، مما يفتك بـ (المعدة)، ويهد كيان (الكبد)...

ويعد الدكتور (محمد زكي شافعي) ـ زميل معهد الصحة العامّة بلندن ـ أخطار السمن، فيقول: (إنّ من أخطار السمنة، الإعداد للأمراض المعدية، والحادة، الإنذار السيء، للعمليات الجارحية، كما تُعِدُ لإلتهاب (حوصلة المرارة) وحصواتها، و (التهاب المفاصل) و (دوالي الأطراف) وارتشاح (عضلات القلب) و (النزلة الشعبية) المزمنة، و (الذبحة الصدرية)... والتوّقي من السمنة أول ما يلزم المستعدين لها، وذلك بالإقلال من الطعام).

ولعل من المشاهد المعروفة إنّ أول ما ينصح به الطبيب، هو الاعتدال في الأكل، ولكل من السليم والمريض.

الصحة العامّة

ويستعمل الصوم، وقاية من أمراض، وعلاجاً لأمراض.

فأما الفوائد الوقائية للصوم، فتظهر فيما يلي:

يقرر الطب الحديث: الواجب ـ لا يسما على المتقدمين في السن ـ أنْ يصوموا يوماً في كل أسبوع، أو أسبوعاً كل شهر، والأفضل شهر من كل عام.

فقد ثبت: إنّ الإنسان، كثيراً ما يصاب ببعض البؤرات الصديدية، التي تتكوّن داخل الجسم، وتصب إفرازاتها السامة في الدم، غير أنّ الإنسان لا يشعر بها، إلاّ إذا تضاعف ذلك الإفراز، فإذا بالإنسان يمرض فجأة، بأمراض قد يكون أقلها التسمّم... والصوم، خير وسيلة لتجنب الإصابة بمثل هذه البؤرات، إذ عندما تقل الموادّ الغذائية في الجسم ـ والأجهزة الداخلية تدبُّ في الاستهلاك ـ تبدأ أول ما تبدأ، باستهلاك الأنسجة الداخلية، ومنها الخلايا الصديدية، التي ضعفت نتيجة الالتهاب.

كما أنَّ الصوم يذيب الأورام الصغار، في ابتداء تكونها، قبل أنْ تستفحل... ويمنع تكوّن الحصوات والرواسب الجيرية... ويتيح الفرصة لجهاز الهاضمة المرهقة، حتى يستريح قليلاً، فلا يصاب بالضعف أو الالتهاب... ويقي الإنسان من أمراض (الكلى)... و (المفاصل)... و (النقرس)... ويرفّه عن القلب، ويمكّنه أنْ يتنفس، وينبض بهدوء، كيلا يصيبه (التوّرم) أو (تصلب الشرايين).

والصوم ـ بصورة أوسع ـ يريح جميع الأجهزة، والأنسجة، والخلايا، والغدد، من الانهماك في العمل المتواصل، وبذلك يقيها من الضعف، والاحتقان، والموت الباكر، والمرض المزمن، وزيادة على أنَّ الصوم ـ بذاته ـ يعتبر من عوامل طول العمر، والنشاط الدائب؟

ويخلّص الإنسان من الخمول، الذي يلازمه على أثر التخمة.

لأنّه يسبب تنشيط القوى الفكرية، وإيقاظ الذكاء، وإرهاف الذهن ويقيه من الترهّل والكسل.

* * * * *

والصوم يستعمل علاجاً لاضطرابات الهضم، والبدانة، وأمراض القلب، والكبد، والكلى، والبول السكري، وارتفاع ضغط الدم.

كما أنّ الصوم، يقلل كمية الماء في الدم، وينظم إفرازات الغدد، فيشفي الأمراض الجلدية، ويذيب الشحم الزائد، ويقضي على السموم التي تحدثها البطنة.

* * * * *

ولعل أشهر مصحة في العالم ـ الآن ـ هي مصحة الدكتور (هنريج لاهمان) في (سكسونيا) يقوم العلاج فيها بالصوم، وقد أنشئت مصحّات أخرى على غرارها، عند ما كثر ضغط المرضى، على هذا النوع من العلاج، وأساس العلاج في هذه المصحات، هو التخلص من الفضلات الزائدة عن حاجة الجسم، التي ترهق الأعضاء على اختلافها.

* * * * *

هذه الفوائد الصحية، وغيرها هي التي قادت الأطباء قديماً وحديثاً، إلى جعل الصوم ـ وإنْ لم يتسِم بحدوده الشرعية ـ قبل كل دواء، وهذه الفوائد وغيرها، هي حَدتْ بهم إلى الاعتراف، بأنّ في الصوم حكمة بالغة فجرها الإسلام، يوم أعلنه فريضة لا يمكن التخلي عنها فسجلوا للأبد اعترافات نذكر بعضها:

قالوا في الصوم

قال الدكتور (روبرت بارتولو): (لا شك في أنَّ الصوم، من الوسائل الفعّالة، في لتخلص من الميكروبات، وبينها ميكروب الزهري، ولما يتضمن من إتلاف للخلايا، ثم إعادة بنائها من جديد).

وقال الدكتور (عبد العزيز إسماعيل): (إنّ الصوم، يستعمل طبياً، في حالات كثيرة، ووقائياً في حالات أكثر، وإنّ كثيراً من الأوامر الدينية، لمن تظهر حكمتها، وستظهر مع تقدم العلوم، فلقد ظهر أنَّ الصيام، يفيد طبياً في حالات كثيرة، وهو العلاج الوحيد في أحوال أخرى، فالعلاج يستعمل في اضطراب الأمعاء المزمنة، والمصحوبة بتخمّر ويستعمل في زيادة الوزن، الناشئة من كثرة الغذاء، وكذلك في زيادة الضغط، أما في البول السكري، فلما كان قبل ظهوره، يكون مصحوباً بزيادة في الوزن، فالصوم بذلك يكون علاجاً نافعاً، لا يزال الصيام، مع بعض الملاحظات في الغذاء، أهم علاج لهذا المرض والصيام يعتبر علاجاً لالتهاب الكلى الحاد والمزمن، وأمراض القلب والصيام مدة شهر في السنة، يعتبر خير وقاية من كل هذه الأمراض).

قال الدكتور: (محمد الظواهري): (إنَّ كرم رمضان، يشمل مرضى الأمراض الجلدية، إذ تتحسن بعض الأمراض الجلدية بالصوم، وعلاقة التغذية بالأمراض الجلدية متينة... إذ أنَّ الامتناع عن الغذاء والشراب، مدة ما، يقلل من الماء في الجسم، هذا بدوره، يدعو إلى قلته في الجلد، وحينئذٍ، تزداد مقاومة الجلد، للأمراض الجلدية، المعدية والميكروبية، ومقاومة الجسم في علاج الأمراض المُعدية، هي العامل الأول، الذي يعتمد عليه، في سرعة الشفاء، وإنَّ الجسم، الذي لا يقاوم الميكروبات، ولا يدفعها ينهار... ويضعف تأثير الدواء، والمبيد للميكروبات، مع الجسم، القليل المقاومة، وقلة الماء في الجلد، تقل ـ أيضاً ـ من حدة الأمراض الجلدية الالتهابية، والحادة، والمنتشرة، بمساحات كبيرة في الجسم. وأفضل علاج لهذه الحالات، من جهة الغذاء، هي الامتناع عن الطعام والشراب، فترة ما، ولا يسمح إلا بالقليل من السوائل البسيطة، وقلة الطعام، تؤدي إلى نقص الكمية، التي تصل منه إلى الأمعاء، وهذا بدوره ـ يريحها، ويقلل من تكاثر الميكروبات الكامنة بها وما أكثرها! وعندئذ، يقل نشاط تلك الميكروبات المعوية، ويقل إفرازها للسموم، بالتالي، يقل امتصاص تلك السموم من الأمعاء، وهذه السموم، تسبب العدد الكثير، من الأمراض الجلدية، وإنَّ الأمعاء، لبؤرة خطرة، من البؤر العفنة، التي تشيع سمومها، عند كثير من النّاس، ويؤذي الجسم والجلد، وتسبب لهما أمراضاً لا حصر لها. وشهر الصيام، هو شهر الهدنة، للراحة من تلك السموم وأضرارها).

(والصيام كذلك، علاج لأمراض زيادة الحساسية، أمراض البشر الدهنية).

وكتب الأستاذ (فريد وجدي): كان (النّاس إلى زمان قريب، يحسون أنَّ الصيام، من الشؤون الخاصة بالأديان، ولكن لم يكد ينتشر تاريخ الطب بين النّاس، حتى علموا أنَّ الصيام قد اعتبر ـ في كثير من الأمراض ـ من مقومات الصحة الجسمانية، كلما علموا أنَّه من عهد (ابقراط) عامل قويّ من العوامل المنقية للجسم، من سموم الأغذية، فإن الموادّ الحيوانية، التي نتناولها، بشراهة، تحتوي على مواد دهنية، ومواد رباعية العناصر، لا تطيق البنية البشرية، أنْ تختزن مقداراً يزيد عن الحاجة منها. وإطلاق الحرية للإنسان، يجعله يتناول كلما يقع تحت يده، وكثيراً ما يصاب ـ بسبب هذه الحرية ـ بآفات مرضيّة، تكون وبالاً عليه).

(والصوم، ذو تأثير بالغ، في تخفيف الأعراض، التي تنتاب الأعضاء الظاهرة والباطنة، وتحويل محمود في حالة المريض، يتأدى منه إلى التخلّص مما أصابه من الآلام والانحرافات، حصة الروح من هذا التحويل، لا تقل قيمة عن حصة الجسم).

وقد استفاد الطب، من ناحية الصوم، ما لم يستفده من ناحية العلاج بالعقاقير، ولكن أكثر المسلمين، لا يأبهون كثيراً بالمستقبل، ولا يحسبون حساباً للشيخوخة، ولا يعرفون للقوى حدوداً. فيعيشون كما يجيء، لا كما يجب.