|
۞ مقدمة المنسق ۞ |
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة على محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين. 1 من يشعر بنقص في الأمة، يؤرقه ذلك النقص، مهما سعى وراء ردمه. لأنه لا يتمكن ـ بإمكاناته المحدودة ـ من رفعه بصورة نهائية، وإن عاش ما عاش من عمر مديد. ومن يشعر بنقصين، يكون أرقه ضعفين. ومن يشعر بأكثر من نقصين، يكون أرقه أضعافاً. أما من يعيش الشعور بنقائص.. ونقائص.. فيعيش الأرق طوال عمره، ويلازمه العذاب مدى حياته. * * * ومن يعيش الأرق الممض لا يفتر عن العمل الدؤوب، ومن يلازمه العذاب الأليم لا يتهاون في النشاط الجاد. ولكن الإمكانات المحدودة، تجعل عمله الدؤوب على مفتتح الطريق، وتفرض على نشاطه الجاد الحبو بدل الزحف. * * * من هنا.. لا ينتهي ذلك الإنسان ـ فيما إذا استوفى عمره الطبيعي ـ إلا ومشاريعه ناشئة ضعيفة الأقدام، متقاربة الخطوات، بعيدة عن النتائج. فكيف إذا لم يستوف عمره الطبيعي، منعكفاً على قارعة الطريق؟ 2 هذه.. قصة الإمام الشهيد (السيد حسن الشيرازي) قدس سره: شعر بنقائص الأمة فتأرق وتعذب. وعمل ـ في سبيل ردمها ـ دائباً ونشط جاداً. ولكن الإمكانات المحدودة، ورصاصات (الإلحاد) التي أطلقها (موكب الاغتيال)؛ جعلت مشاريعه ناشئة ضعيفة الأقدام، متقاربة الخطوات، بعيدة النتائج ـ بالقياس إلى المستوى الذي كان هاجسه دائماً ـ كل ذلك بشكل مضاعف: لأنه استشهد في بيروت، بتاريخ: 16/ 6/1400 الهجري، ولما يبلغ الخمسين من العمر. 3 ومن مشاريعه التي بقيت ناشئة، ضعيفة الأقدام، متقاربة الخطوات، بعيدة عن النتائج ـ بحكم الإمكانات المحدودة، والشهادة (الكتاب) الذي أتشرف بتقديمه الآن. ابتدأ المؤلف يسجل الخواطر القرآنية التي تحط على فكره، مقدمة لتكميلها وتنسيقها، وثم دفعها إلى المطبعة في صورة (دورة) كاملة: ـ والخاطرة التي قد تنبعث من: سورة، أو مجموعة آيات، أو آية واحدة، أو ـ حتى ـ بعض آية. ـ والخاطرة قد تجد ظروفاً ملائمة، فتستريح على الورق متكاملة: فكرة وأداء. وقد تعاكسها المفاجآت ـ التي كانت تكثر عند المؤلف، بحكم إعطائه الأولوية للعمل أي عمل، على حساب الكتابة مهما كانت ـ فتتولد مبتورة أو مؤوفة ـ وحتى التكامل المذكور، نسبي. كما سيبدو للقاريء ـ وذات الشيء، وارد بالنسبة إلى (مقدمة المؤلف) كما سيلاحظ أيضاً. ـ والخاطرة قد تتكرر بالنسبة إلى مادة قرآنية معينة، ولكن: من زوايا متنوعة، أو بالاختصار والتفصيل، أو بالنقص والكمال... ـ والخاطرة المنكبتة بمعاكسة المفاجآت، قد ترى النور مرة أخرى فيبني عليها المؤلف مستمراً في الكتابة. وقد لا ترى النور أبداً، بفعل مزاحمة خاطرة جديدة، تستبد ـ دونها ـ بالكتابة استبداداً. ونتيجة للإمكانات المحدودة والشهادة المبكرة؛ لم يقدر للمؤلف أن يكتب حول أكثر القرآن الكريم: سوراً عديدة، ومجموعات آيات من كل سورة ـ إلا أقل من القليل ـ ، وحتى كلمات من كل آية ـ إلا أقل من القليل أيضاً ـ . 4 وقد فضلت أن أترك الكتاب ـ وكذلك: (مقدمة المؤلف) ـ على حالهما، مع كل نقائصه الكمية والكيفية، لثلاثة أمور: الأول: حتى يعرف المعنيون ماذا تعني (الإمكانات المحدودة)،فيسعون في سبيل بناء مستقبل مرضي، للعمل الإسلامي الصحيح، متمثلاً في رجال الريادة والاقتحام. الثاني: حتى تكون حال الكتاب إدانة عملية حية، للاغتيال الذي قام به الإلحاد، وإن كان ـ في وجهه الآخر ـ قد شرف المؤلف بفرصة (الشهادة) رافعاً يديه إلى السماء بالدعاء ـ كعادته مفتتح ركوبه السيارة ـ، متجهاً إلى حفلة تأبين لتلاوة القرآن الكريم. الثالث: إن أي حذف أو تغيير أو زيادة مني، كان تدخلاً في نتاج الغير، وذلك مما لا يجوز، بالإضافة إلى: أنه يحمل نكهة أدبية مغايرة لنكهة المؤلف، فتختلط النكهتان، ويتعكر صفاء النص الأدبي، ويتشوش ذهن القارىء بالنتيجة. طبعا: قمت بـ (التنسيق والتصحيح والتجميل) قدر المستطاع. وإن كنت قد فضلت ـ أيضاً ـ عدم مناقشة موضوع لم أستوعب وجهه، وذلك: حتى يكون الحوار بين القارىء بدون تدخل طرف ثالث يقطع استرساله. 5 وهناك: كتابات ومحاضرات قرآنية، سجلها أو ألقاها المؤلف، تحت اعتبارات مختلفة: مقال تفسير، مقدمة كتاب، خطبة توجيه... ولكني لم أضعها هنا، لأنها كانت مطبوعة مسبقاً ـ اللّهم إلا القليل المخطوط الذي لم أعثر عليه حتى الآن ـ، عسى من يوفق لجمعهاـ في المستقبل القريب أن شاء الله تعالى ـ، في صورة كتاب مستقل عن هذا الكتاب أو مندمج معه. 6 وينبغي الإشارة إلى (خواطر قصيرة) وجدت خلال مسودات الكتاب، لم تكن مناسبة لوضعها بين مواده لقصرها. ولذلك: جمعتها ـ مبعثرة ـ في فصل يأتي آخر الكتاب بإذن الله تعالى. 7 بقي أن نعرف الغاية الجديدة، التي يسعى وراءها هذا الكتاب؟ مضافاً إلى قسم من الفوائد المتوفرة في بقية كتب التفسير، يسعى الكتاب وراء غايتين جديدتين ـ وربما أكثر ـ حسب استيعابي: الأولى: عرض القرآن الكريم، بلغة أدبية عفوية عصرية، تكون قمة القمم. اللّهم إلا في (المطبات الأدائية) المشار إليها فيما سبق. الثانية: إرساء قاعدة (حوار: ديني ـ إسلامي ـ شيعي)، بين المؤلف من طرف وبين المثقف العصري الباحث عن الحقيقة من طرف آخر، في جو حر منطقي متزن. وإذا عرفنا كثرة وعمق تجارب المؤلف في حقول شتى، نعرف مدى فاعلية هذا الحوار. 8 أما اسم الكتاب؟ يصر المؤلف مكرراً ـ كما يأتي في مقدمته المطولة ـ على أن الكتاب ليس (تفسيراً) بالمعنى المصطلح، وإنما هو شيء آخر. (تأملات في القرآن) ـ العنوان العريض الثابت، الذي تصدر العناوين الخاصة، لمقالات نشرها المؤلف، بدون توقيع، في مجلة (الإيمان) البيروتية، في التسعينات الهجرية ـ. (مذكراتي عن القرآن) ـ العنوان الذي حبذه المؤلف في صدر إحدى مسودات الكتاب ـ . (خواطري عن القرآن) ـ عنوان آخر محبذ من قبل المؤلف في إحدى المسودات، منسجم أكثر مع فكرة الكتاب، وقع عليه الاختيار لذلك ـ . 9 وقبل أن أنسحب حتى يتصل القارىء بالكتاب مباشرة، جدير أن أسجل قطعة من الدعاء (الثاني والأربعين) من (الصحيفة السجادية)، ونحن نستقبل القرآن الكريم هادياً مرشداً: «اللهم صل على محمد وآله، واجعلنا ممن: يعتصم بحبله، ويأوي ـ من المتشابهات ـ إلى حرز معقله، ويسكن في ظل جناحه،ويهتدي بضوء صباحه، ويقتدي بتبلج إسفاره،ويستصبح بمصباحه، ولا يلتمس الهدى في غيره.». 10 أما الآن.. فإلى (مقدمة المؤلف)، وثم إلى خواطره عن كتاب الله الوحيد على الأرض.
|