الفهرس

المؤلفات

 الأ د يان

الصفحة الرئيسية

 

الاستقراء

إن الإنسان، إذا استقرأ طبقات الأرض، يجد فيها متحجرات النبات والحيوان والإنسان، ومتحجرات كل طبقة تختلف عن متحجرات سائر الطبقات ـ غالباً ـ وكلّما كان المتحجر أقرب إلى قشرة الأرض، كان أقرب إلى الكمال، وبالعكس كلما كان المتحجر أبعد عن قشرة الأرض، كان أبعد عن الكمال.

المسلم: وأي ربط لهذا الكلام بالتطور، ومعرفة أصل الأشياء، وكون الإنسان كان قرداً؟

دارون: الآن أقول: الربط وهو:

إن الطبقة السفلى من الأرض اشتملت على متحجرات (المحّار)، (الإسفنج)، (المرجان)، (الجنبري)، (السمك)، (حيوان صدفي ذو خلية واحدة) و(نبات الجت).

والطبقة الثانية اشتملت على (الصنوبر)، (النخل)، (الزواحف)، (الطيور)، (الأسماك) و(الحيوانات الكيسية).

والطبقة الثالثة اشتملت على (الثعابين)، (القياطس)، (القردة) و(الأشجار الموجودة الآن).

والطبقة الرابعة اشتملت على (الفيل الأشعر المنقرض)، (ذوات الأربع الصوفية)، (الإنسان) و(جميع الأشجار الحاضرة)

المسلم: ثم ماذا؟

دارون: الآن وصلنا إلى النتيجة.

المسلم: وما هي النتيجة؟

دارون: النتيجة هي أن:

هذا النحو المترتب من المتحجرات يدل على أن الأحياء لم تُخلق كلها مرة واحدة، وإنما تدرّجت، مثلاً: لسنا نجد الإنسان في الطبقة الأولى والثانية والثالثة، ولكنا نجد الإسفنج في جميع الطبقات، ونجد الزواحف سبقت الطيور واللبونات.

فالإسفنج: أول حيوان متحجر.

والزواحف: ثاني حيوان متحجر.

والطيور واللبونات: ثالث حيوان متحجر.

إلى أن تصل النوبة إلى القرد والإنسان أخيراً.

ثم إن التدرج لم يكن بحيث يُخلق الإسفنج.. ثم يخلق الزاحف وهكذا.. بل الإسفنج تبدل زاحفاً بعد دهور، وهكذا. والدليل على هذا:

إن المتحجر من الحيوان يدلنا على هذا، إذ نجد في بعض متحجّرات الطير أسناناً مثل الزواحف، ونجد في متحجّر الفرس بدل الحافر أصابع، مما يدل على أن الطير كان زاحفاً، ثم صار طائراً مع الأسنان، ثم سقطت أسنانه، والفرس كان زاحفاً، ثم صار فرساً مع الأصابع، ثم سقطت أصابعه لاستغنائه عنها.. وهكذا.

المسلم:

أولاً: من أين تثبت هذه المتحجّرات الطبقية التي زعمتها؟ ومن أين تثبت مدّعاك بأن متحجر كل طبقة متطور من متحجرات الطبقة السابقة؟

ثانيا: نسألك: مَن جعل الحياة في أول خلية من الخلايا؟ وهل وُجدت في الطبقات السفلى خلية المتحجّرات؟ فإن تلميذك (سلامة موسى) يقول: (لسنا نعرف ماهية الحياة الأولى، فربما كانت أبسط من الخلية، ومما يجعل هذا البحث من أصعب الأبحاث، أن طبقات الأرض لا تسعفنا بشواهده).

فمن أين تتمكن يا دارون أن تدّعي أن أول حياة وجدت على الأرض كانت (خلية)، ما دُمت لم تجد لها شاهداً ولو في المتحجرات؟!

ثالثاً: من الأمثلة المشهورة: (عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود)، فإذا لم تجد أنت في طبقات الأرض السفلى إنساناً أو نحوه، فهل يدل ذلك على عدم وجود الإنسان هناك؟ وهل أنت حفرت جميع أطراف الأرض ولم تجد؟

رابعاً: فرضاً أنا حفرنا جميع أطراف الأرض ولم نجد إنساناً ونحوه، فمن الممكن أنه لم تتوفر عوامل التحجر للإنسان هناك، فمن أين لك أن تدّعي أنه لم يكن في الطبقات السفلى إنسان؟

خامساً: لو فرضنا عدم وجود الإنسان ـ إطلاقاً ـ في الطبقات السفلى، فهل هذا التدرّج في المتحجّرات، يدل على التطور الذي زعمت؟ وإذا قال لك قائل: إن الله خلق في الطبقات السفلى إسفنجاً... وهكذا، فما جوابك؟

وهل أن وجود سيارة صغيرة في الطابق الأول من العمارة، وسيارة أكبر في طابق ثان، وسيارة أكبر في طابق ثالث... وهكذا، مع اختلاف الهيئات، يدل على تطور السيارة بنفسها، من دون أن تكون كل سيارة قد صُنعت مستقلة؟

وإذا فرضنا: أن نيويورك خُسف بها، ثم بعد ألف عام جاء شخص وكشف عن عمارة كانت السيارات في طوابق إحدى بناياتها، فهل يحق له أن يقول مثل مقالك؟ وما تجيبه أنت إذا قال هذا المقال؟ وما هو الفرق بين مقالك ومقاله؟

سادساً: وجود طائر ذي أسنان، أو فرس ذي أصابع، لا ربط له بالتطور، وما المانع أن يكون ذلك المتحجر شاذاً في الخلقة، كما وجد في هذا الزمان طائر وإنسان ذو رأسين. ونحوهما من بعض الغرائب.

ثم: من الممكن أن لا يكون ذلك الفرس الذي تحجر ذا أصابع، وإنما عوامل الطبيعة نقشت له أصابع، كما نقشت آثار قدم الطائر وحوله قطرات المطر المتحجرة(1). وقد كانت هناك عوامل حول رجل الفرس جعلته كذات الأصابع.

سابعاً: إنه من الممكن أن يكون الطائر ذي الأسنان قسماً خاصاً من الطير، ولكن انقرض، كما انقرض كثير من الحيوانات، باعترافك يا دارون، ألست تقول بانقراض طيور وزواحف وأسماك؟

فليكن الطائر ذو الأسنان، والفرس ذو الأصابع من هذا القبيل.

ثامناً: لو كانت المتحجرات تدل على التطور، فلماذا لم تتطور هذه الزواحف الموجودة الآن، والطيور الموجودة الآن، والقردة الموجودة الآن.

وهل سُنّة التطور جرت على قسم خاص من الحيوانات فتطورت إلى أرقى، وبقي القسم الآخر جامداً؟ ولماذا هذا الفرق؟

تاسعاً: فرض الخلية الأولى حية، لا يكفي للحياة في ملايين الملايين من الأحياء، فمن أين توجد الحياة في هذه الأحياء؟ أرأيت لو كانت هناك قطعة من الحديد، فهل يكفي ذلك لتعليل وجود ملايين الأطنان من الحديد؟ كلا!

وأخيراً: كل هذه التساؤلات تطرأ على نظريتك يا (دارون)، فما جوابك عنها؟

دارون: أُفكر!

 

1 ـ انظر نظرية التطور وأصل الإنسان.