الفهرس

المؤلفات

 التفسير وعلوم القرآن

الصفحة الرئيسية

 

ما يؤيد جمع الرسول للقرآن

ويؤيده ما روي في تفسير علي بن إبراهيم(1) عن الإمام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه أمر علياً عليه السلام بجمع القرآن وقال صلى الله عليه وآله وسلم يا علي القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة فانطلق علي عليه السلام فجمعه في ثوب أصفر ثم ختم عليه(2) وهذه الرواية تدل على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمر بجمع القرآن وعلي عليه السلام هو الذي جمعه بأمر مباشر من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في حياته صلى الله عليه وآله وسلم كما يستفاد من ظاهر الرواية.
وعلى ذلك اتفقت كلمة جمهور فقهاء الشيعة ففي مجمع البيان نقلاً عن السيد المرتضى قدس سره انه قال إن القرآن جمع في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشكل الذي هو اليوم بأيدينا.
قال وذكر أيضاً رضوان الله عليه - إشارة للسيد المرتضى قدس سره- إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن واستدل على ذلك إن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وأنه كان يعرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتلى عليه وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبثوث(3) .
وقال بمقالته قبله الشيخ الصدوق والشيخ المفيد قدس سرهما وغيرهما من كبار علماء الشيعة.
وقال بمقالته بعده شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس سره والمفسر الكبير الشيخ الطبري قدس سره المتوفى سنة 548 هـ وباقي علماءنا الأبرار إلى يومنا هذا.
وعن زيد بن ثابت انه قال كنا نجمع القطع المتفرقة من آيات القرآن ونجعلها بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مكانها المناسب ولكن مع ذلك كانت الآيات متفرقة فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام أن يجمعها في مكان واحد وحذرنا من تضييعها.
وعن الشعبي انه قال جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل ستة نفر من الأنصار.
وفي الصراط المستقيم قال أنس جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعة أبي ومعاذ وزيد وأبو زيد(4) .
وعن قتادة انه قال سألت أنساً عن انه من جمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أربعة نفر من الأنصار ثم ذكر أسماءهم.
وروي عن أنس أيضا قال مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد(5) .
وعن علي بن رباح إن علي بن أبي طالب عليه السلام جمع القرآن هو وأبيّ بن كعب في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

حديث ابن عباس في ترتيب آيات القرآن

في المناقب عن ابن عباس انه قال لما نزل قوله تعالى انك ميت وانهم ميتون(6)  قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتني أعلم متى يكون ذلك هذا وهو صلى الله عليه وآله وسلم يعلم الغيب بإذنه تعالى ووحيه فنزلت سورة النصر فكان بعد نزولها يسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين التكبير والقراءة ثم يقول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، فقيل له في ذلك، فقال أما أن نفسي نعيت إلي ثم بكى بكاءً شديداً، فقيل يا رسول الله أو تبكي من الموت وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم فأين هول المطلع وأين ضيقة القبر وظلمة اللحد وأين القيامة والأهوال؟
أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإلماع إلى الأهوال لا انه صلى الله عليه وآله وسلم يبتلى بها كما هو واضح، ثم قال فعاش صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول هذه السورة عاماً(7) .
ثم نزلت آيات وآيات حتى إذا لم يبق على ارتحال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الدنيا سوى سبعة أيام فنزلت واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون(8) فكانت هذه الآية على بعض الروايات هي آخر آية من القرآن الكريم نزل بها جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال له ضعها في رأس المائتين والثمانين من سورة البقرة(9) .
كما ان أول آية من القرآن كان قد نزل بها جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك الذي خلق(10) الآيات.
فأول آية من القرآن ابتدأ بأول يوم من البعثة النبوية الشريفة وآخر آية من آيات القرآن اختتم في الأيام الأخيرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما بينهما من فترة كان نزول ما بين هاتين الآيتين وتلك الفترة استغرقت مدة ثلاث وعشرين سنة.
وهنا ما يلفت النظر ويجلب الانتباه وهو قول جبرائيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند نزوله بالآية الأخيرة كما في الرواية ضعها في رأس المائتين والثمانين من سورة البقرة فإنه صريح في أن الله تعالى أمر نبيه بجمع القرآن وبترتيبه ترتيباً دقيقاً حتى في مثل ترقيم الآيات وقد فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في حياته صلى الله عليه وآله وسلم كما أمره الله تعالى ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم ليترك القرآن متفرقاً حتى يجمع من بعده.
وهل يمكن للرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع كبير اهتمامه وكثير حرصه على حفظ القرآن الكريم أن لا يقـــوم بجمع القرآن وتـــرتيبه وأن يـــتركه مبعثراً فــي أيدي المسلمين ويوكل جمعه إليهم مع أن الوحي أخبره بقوله انك ميت وانهم ميتون(11).
فهل يصح أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم حريصاً على القرآن من جهة حتى انه صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بحفظ القرآن والاهتمام به والتحريض على تلاوته والعمل به وخاصة في أيامه الأخيرة حيث كان يقول مراراً وبألفاظ مختلفة متقاربة إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً(12) وأن لا يجمع القرآن ويتركه مبعثراً من جهة أخرى
بل أليس القرآن هو دستور الإسلام الخالد ومعجزته الباقية على مر القرون والأعصار إلى يوم القيامة.
ومعه هل يعقل أن يتركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبعثراً من دون أن يجمعه
أم كيف يأذن الله تعالى لنبيه بأن لا يقوم بجمعه مع انه تعالى يقول إن علينا جمعه وقرآنه(13) ويقول سبحانه أيضاً إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون(14) فعلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إبلاغ القرآن مجموعاً ومرتباً إلى الناس كافة كما جمعه الله تعالى ورتبه.
إذن فهذا القرآن الذي هو بأيدينا على ترتيبه وجمعه وترقيم آياته وترتيب سوره وأجزائه هو بعينه القرآن الذي رتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجمعه للمسلمين في حياته صلى الله عليه وآله وسلم وذلك بأمر من الله تعالى لم يطرأ عليه أي تغيير وتحريف أو تبديل وتعديل أو زيادة ونقصان.

 

1 ـ تفسير القمي ج2 ص451 سورة الناس.

2 ـ بحار الأنوار ج 89 ص 48 ب 7 ح 7 ط بيروت.

3 ـ تفسير مجمع البيان ج1 ص15.

4 ـ الصراط المستقيم ج3 ص38 فصل النوع الثالث في عثمان.

5 ـ بحار الأنوار ج92 ص77 ب7.

6 ـ سورة الزمر 30.

7 ـ راجع بحار الأنوار ج22 ص471 ب 1 ح 20 وراجع المناقب ج1 ص234 فصل في وفاته ص عن ابن عباس والسدي لما نزل قوله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون قال رسول الله ص ليتني أعلم متى يكون ذلك فنزلت سورة النصر فكان يسكت بين التكبير والقراءة بعد نزولها فيقول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقيل له في ذلك فقال أما أن نفسي نعيت إليّ ثم بكى بكاءً شديدا فقيل يا رسول الله أو تبكي من الموت وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال فأين هول المطلع وأين ضيقة القبر وظلمة اللحد وأين القيامة والأهوال فعاش بعد نزول هذه السورة عام.

8 ـ سورة البقرة 280.

9 ـ تفسير شبر ص 83 سورة البقرة.

10 ـ سورة العلق 1.

11 ـ سورة الزمر 30.

12 ـ فقه القرآن ج1 ص63 وليس فيه بعدي أبداً وراجع إرشاد القلوب ص340 وفيه إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي هما الخليفتان فيكم وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض وراجع نهج الحق ص394 الفصل الثاني وفيه إن رسول الله ص قال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

13 ـ سورة القيامة 17.

14 ـ سورة الحجر 9.