مؤسسة الرسول الأعظم بسيهات تستشرف المستقبل في فكر المرجع الشيرازي الراحل




 

 

في الذكرى الحادية عشرة لرحيل سلطان المؤلّفين, المجدّد الشيرازي الثاني, المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله مقامه، نظّمت مؤسسة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الثقافية (سيهات) ندوة حوارية تحت عنوان (استشراف المستقبل في فكر الإمام الشيرازي) بمشاركة قمّتين من القمم الفكرية بالمدرسة الشيرازية, المفكّر الإسلامي الأستاذ محمد المحفوظ وفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف.

بدأت الندوة التي احتضنها مسجد الإمام زين العابدين عليه السلام بتلاوة عطرة لآيات من الذكر الحكيم, تلاها المقرئ الحاج عبد الجبار الشافعي أستاذ التلاوة بلجنة أنوار القرآن.

ثم كلمة مؤسسة الرسول الأعظم, ألقاها الإعلامي الأستاذ عبد الفتاح العيد الذي أشار إلى أن هذه الأمسية جاءت لتستشرف المستقبل الذي رسمه لنا الراحل العظيم والسبيل الذي خطه للأمة الإسلامية كي تنهض والرؤى التي سطرتها أنامله السخية لغد مشرق أفضل للأجيال التي لم تولد بعد. وقال مخاطبا روح الفقيد الراحل:

سيدي يا أبا الرضا: كم نفتقدك؟ في زمن المهرولين خلف الوهم الذي يروّج له المشعوذون والدجّالون والمنجّمون بعد أن ابتعدوا عن فكر الرسالة النقي الذي جاء به أجدادك الكرام النبي الأعظم والأئمة المعصومين من بعده صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. في زمن اليأس الذي يسكن القلوب. نتذكّر بشاراتك التي بحت بها فيعود الأمل لنا. في زمن التيه وضياع الهوية. أنت يا سيدي هويتنا التي نفخر بها ونتمسك بأطروحاتها لأنها السبيل إلى الوحدة بين الشعوب وقيام الدولة العالمية الموحدة.

بعد ذلك تم عرض فيلماً تسجيلياً يتحدّث عن أبرز التنبّؤات والمشاريع والرؤى التي جاد بها السيد الراحل وبقيت حية بعد رحيله.

بعدها دُعي السيد محمد الحسين (مدير الندوة) وضيفيه الكريمين لبدء الندوة, فتحدّث الشيخ الدكتور عبد الله اليوسف بداية عن استشراف المستقبل كمقوم رئيسي لصناعة أيّ نهضة أو حركة تغييرية، ولا يمكن لأي قائد أو مصلح أن يساهم في صناعة التغيير وتنمية الحضارة وبناء مشروع إلاّ إذا كان يملك رؤى مستقبلية واضحة الأهداف, موضّحاً بأن من أبرز سمات الإمام الراحل اهتمامه الكبير بالمستقبل وكان همّه على قضايا المستقبل لأنه يملك مشروعاً حضارياً يخطّط لإنقاذ الأمة من التخلّف والضياع, فكتب الصياغة الجديدة وممارسة التغيير والسبيل، وتميّز رضوان الله تعالى عليه بالنظرة الثاقبة التي اكتسبها من مطالعاته الكثيرة ومتابعته للأحداث وما يُكتب وما يُنتج.

في المجال الفقهي لم يعتمد سماحته على الأبواب المعتادة التي تبدأ بالاجتهاد وتنتهي بالديات بل استحدث أبواباً جديدة أو بلور أبواباً كانت مطروحة, فكتب فقه الاجتماع والسياسة والإدارة والحقوق وعلم المستقبل وعلم النفس والإعلام, فقدّم أبواباً لم تطرق وأبواباً طرقت ولكنه طوّرها.

فكان السيد صاحب خيال علمي واسع ورؤيا مستقبلية, وكتب في الافتراضات العلمية التي كانت بعيدة في ذلك الزمان عندما كتبها وهو في كربلاء في ستينيات القرن الميلادي الماضي وناقش بعض الافتراضات التي لم تصبح بعد حقيقة علمية كالمعدة المطاطية وإمكانية إيقاف الشمس وتقريب القمر إلى الأرض أو تحويل الدم إلى لبن أو تغيير لونه والنظارة التي ترى ما وراء الأشياء وتركيب رأس الإنسان على الحيوان أو العكس.

وختم الدكتور اليوسف كلمته بنبوءة السيد الراحل بانتشار الدين الإسلامي في أوروبا والغرب بعد خمسين عاماً ليكون الدين الأول هناك إذا أجتهد المشايخ والمبلّغين.

في الجانب الآخر تحدّث الأستاذ محمد المحفوظ عن الأفكار والرؤى المستقبلية في مسيرة السيد من خلال ثلاثة محاور هي:

- اللقاء الفكري والنظري الذي يشكل عليه نظرياته.

- أهم خصائص هذه التجربة وبعدها الديني والسياسي.

- مدرسة السيد وتحديات المرحلة.

فتحدّث بداية عن الركام التاريخي مشيراً إلى أن الإسلام كمجموعة مبادئ هو الذي حوّل المسلمين من حفاة عراة إلى بناة حضارة, ولكن بعد رحيل الرسول والتخلّي عن مبادئه ليتحوّل ذات العنوان من عامل بناء قوة إلى عامل للتبرير واستبداد السياسة واستمرار الجمود الديني والفكري.

مشيراً إلى أن الجذر الفكري لكل تغيير هي العمل على تجسير الفجوة بين ماهو قائم وما ينبغي أن يكون وهو ما انطلق منه السيد الراحل الذي لاحظ الواقع السيئ الذي يعيشه المسلمون الذي لا ينسجم مع ما ينبغي ان يكون عليه الإسلام, فكان التخلّف والاستعمار والتشرذم والتجزئة والاستبداد, فانطلق السيد من هذه الاشكالية ليرسم معالم التغيير مرتكزاً على ثلاث نقاط مهمة هي:

- صناعة الوعي الإسلامي الطارد لجذور التخلّف.

- بناء نخبة دينية واجتماعية جديدة تعمل للالتصاق بالمبادئ وتتحرك لزرع الوعي والمعرفة الدينية الصحيحة لتحوّل الإنسان إلى شخص فاعل.

- المساهمة في بناء الحركات السياسية والاجتماعية التي تتبنى الإسلام وتعمل لتنفيذه في الأرض وتأخذ على عاتقها مشروع الإسلام السياسي.

أما أبرز خصائص التجربة فلخّصها الأستاذ المحفوظ في النقاط التالية :

- الإصلاح والتغيير.

- إعطاء أهمية وأولوية للعمل الثقافي.

- الجماهيرية والعمل المسجدي.

- رسالية الخدمة.

وقد خلص الأستاذ المحفوظ إلى أن قوة المدرسة الفكرية الشيرازية كانت تكمن في إخلاص وصدق السيد الراحل وامتلاكه ناصية الأخلاق واتفاق ما يقوله مع العامة مع مايقوله للخاصة. وعلى تلامذة السيد ومريديه التمسّك بأخلاقه ورؤاه ومشاريعه الثقافية والفكرية التي ستمنحهم احترام الآخرين وعندما يتخلون عن فكره ومنهجه فإنهم يفقدون الكثير.