(19) مدينة و(50) قرية حررها الحشد الشعبي.. ماذا حررتم؟


 

حمزة الجناحي

موقع الإمام الشيرازي

 

سنة ونصف السنة مرت على صدور فتوى السيد السيستاني لتظهر الى العلن قوة لم تكن بحسابات المتصيدين والمخططين في البيوت والقاعات البعيدة عن العراق, ولم تكن هذه القوة المتمثلة بالحشد الشعبي قد مر عليها عام واحد لتبدأ بتسطير انتصارات أذهلت وأرعبت المتابعين للشأن العراقي؛ أعادت الى الحاضرة العراقية مدنا كبيرة وقرى وطرقا لا يمكن الحديث عنها إلا بعد ثلاث أو أربع سنين، كما توقع البنتاغون الأمريكي، لدرجة أن اختصاصي تقدير قوة الجيوش صنفوا قوات الحشد الشعبي بالمرتبة الخامسة، وجعلوها في مصاف القوات الضاربة العالمية الامريكية والروسية والكندية والاسبانية.

منذ اليوم الأول لسقوط مدن العراق كالموصل وتكريت وديالى والرمادي والفلوجة بيد قوات داعش ظهرت الى العلن تصريحات لم يألفها الشعب العراقي، ولا حتى الحكومة وفاجأت تلك التصريحات وأرعبت العراقيين وملأت القلوب رعبا بمستقبل العراق حتى أن الكثير من الناس بدأ يفكر بطريقة غريبة اقرب من الهروب الى المجهول منها الى التمسك بالوطن، ومحاربة داعش، والصمود بوجهها. كانت الماكنة الاعلامية لهذا البعبع اقوى حتى من قوة داعش وتسير بسرعة اكبر من سرعة داعش وهي تسقط المدن الواحدة تلوى الاخرى.

في الوقت عينه بدأت الاصوات تتعالى بالمرحلة الجديدة لعراق مختلف عما هو عليه قبل سقوط الموصل بعضهم قسمه على هواه، وبعضهم اسقط أمة عمرها آلاف السنين وبعضهم رسم خريطة، وبدأ يتحدث عنها بوقاحة وخسة على قنوات اعلامية مغرضة... هكذا الحال بدا يسير وبسرعة صاروخية نحو الانهيار وبدأت مدينة بغداد العاصمة ترزم ممتلكاتها لتهرب الى الضياع، وربما الى الهاوية. الجميع يتحدث عن سقوطها، وكأن الامر بات قاب قوسين او أدنى من المغادرة والقبول بما يريدونه وما خططوا له. ولا يمكن العودة الى ما قبل هذه الاحداث، فقد اصبح العراق حديث الساعة اينما تولي وجهك تسمع الخوف والرعب والمجهول والتحليلات الرهيبة وكلا يدلو بدلوه وهو يمسك بسكينه.

الى هنا والعراقيون كانوا ينتظرون أمرا ما لا بد ان يحصل ليولد من ركام تلك المأساة؛ يولد من رحم مصاب بالسرطان والرهاب؛ امر ربما يولد او ربما يولد مشوها لا نفع فيه. وهكذا ولدت قوة بفتوى رجل الدين السيد السيستاني، الذي افتى بالجهاد الكفائي، للحفاظ على العراق من السقوط، وهكذا ولد الحشد الشعبي قوة لم تكن بالحسبان لا للعدو ولا للصديق. ولم يتوقع احد ان تعاد الامور الى نصابها والى اعادة الثقة. وأن الرحيل لم يحن بعد وأن ما حصل ممكن اعادته الى وضعه الطبيعي, بدأت المعركة مع الدواعش من جهة، ومع رجال الخيانة وأصحاب الاجندات المهللين والمستوردين لأفكار الدول الجارة والبعيدة التي عزمت على تغيير الخارطة العراقية. اليوم يمر هذا المولود النقي والصادق بمرحلة ربما هي من الخطورة بمكان تعادل خطورة الدواعش تلك هي الحرب المستعرة ضده اعلاميا واقتصاديا وحكوميا ايضا؛ فلقد منعت عنه المساعدات وقطعت رواتب مقاتليه وتوقف الدعم اللوجستي فبات هؤلاء المقاتلون الاشداء يعانون الكثير من ظلم الحكومة من جانب وظلم الاعداء الاوائل له من جانب آخر؛ حددوا مسيرته ومنعوه من القتال لتحرير المدن وأمروه بعدم التقدم والتحرك لتحرير المدن بينما هو قادر على ذلك، حتى أن المرء ليكتشف بسهولة العداء السافر للحشد الشعبي من قبل المتنفذين من السياسيين وبدأوا يلعبون لعبتهم القذرة الجديدة لفت عضده ولي ساعده بتلك الألاعيب المشبوهة. نسي هؤلاء ان ما حققه الحشد يفوق حتى ما يفكرون به، لأنهم لا يستوعبون تلك الانتصارات، لعظمها وعلو شأنها؛ فبات الحشد بالنسبة لهم بمثابة السكين الناصل على رقابهم وهم لا يمكن أن يعدوا في سنة ونصف السنة انجازاته وما حرر من المدن والقرى العراقية. من خلال تلك السنة والنصف حرر الحشد الفقير بمؤونته وامكانياته، الغني برجاله وعقيدته، أكثر من تسع عشرة مدينة عراقية هي: ((آمرلي, العظيم, سليمان بيك, أنجانة, جرف الصخر, جلولاء, المقدادية, السعدية, بلد, يثرب, الاسحاقي, عزيز بلد, سيد غريب, الدور, العلم, العوجة, تكريت, الحجاج, بيجي)), وفتح طرقا، وأمن مسارات تربط بين تلك المدن بعضها ببعض، وأزال من الالغام والمفخخات من البيوت والدور ما لا يمكن حسبانه وأعاد الالاف من العوائل الى مدنها.. وحرره اكثر من خمسين قرية تحيط بتلك المدن. ومن هذه القرى ((شكر، رويرزات أوجتبّه، الكطة، البوغنام، خاصة دارلي ينگجة، السلام، الحليوة الكبيرة، الحليوة الصغيرة، خامشلي، البو رضا، قره ناز، بروجلي، ألبوحسن، ألكبير، بير احمد الكبير، الفاضلية، الحجير، الفارسية، البهبهان، السعيدات، العويسات، قره تبه، امام ويس، سيد جابر، سد الصدور، جميلة، مرجانة، ربيضة، الحظيرة الشرقية، الحظيرة الغربية، تل الذهب، البوحشمة، الجمعية، دور البكر، مكيشيفة، الزلاية، العوينات، البومطيري، البو طه، الرشاد، ابراهيم بن علي، الضابطية، شيخ عامر، النباعي، صدامية، الثرثار، بنات الحسن، المزرعة، البعيجي، الشويش، الهنشي، البوجواري)).

وأن هذه المدن والقرى كانت تشكل بمجموعها هلالا يطوق بغداد لتوشك ان تسقط بسياسييها وأهليها. وأن مساحة هذه المدن والقرى تزيد على 17500 كم2 ، بما يزيد عن ثلث المساحة التي سيطر عليها داعش!

وان الحشد قدم خلال معارك التحرير قرابة الاربعة آلاف شهيد، وضعف هذا العدد من الجرحى!

وبعد هذا كله... ألا تعتبرون ان التضييق على الحشد خيانة وعظمى. وأن قطع رواتب مقاتليه وذوي شهدائه او تقليصها مؤامرة كبرى؟

وأن التآمر عليه والتخطيط لتفتيته وتذويبه خسة ونذالة وطغيان؟ لماذا الخشية من قوات الحشد الشعبي؟ لماذا كل هذه الكراهية لتلك الجموع المقاتلة ومن فقراء العراق ورجاله الأشداء ومن أي شيء تخافون أنهم يقاتلون عنكم بالنيابة ويدفعون الثمن غاليا أرواحهم ودمائهم وخوف عوائلهم الفقيرة، لا لشيء فقط ليبقى هذا الوطن، كما هو، وتبقون أنتم على تلك الكراسي تسرقون بأموالهم واليوم تفكرون بتفتيت وتشتيت الحشد الشعبي بدون أن تفكروا عن بدائله ليحمي العراق. هل لدينا جيش جاهز عقائدي ليغير معادلات وطموحات الغرباء.

الجواب لا أبداً لماذا إذن كل هذه المطالبات؟ إن الحديث بهذه الصورة السخيفة عن قوات وطنية عراقية خالصة لم تات من الشيشان، ولا من افغانستان ولا من الصين أو أوربا؛ حديث ينم عن الخيانة العظمى التي أنتم أسقطتوا انفسكم في مستنقعها.

العالم العراقية

3/ جمادى الأولى/1437