فاز أردوغان وهُزمت تركيا


 

 

قاسم حسين

موقع الإمام الشيرازي

 

وصف أحد المحللين السياسيين فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في الاستفتاء الدستوري بفارقٍ بسيط، بأنه فوز بطعم الهزيمة.

لقد ألقى أردوغان بكل ثقله للفوز بالاستفتاء، وقضى الأسابيع الأخيرة وهو يجول عبر المحافظات التركية لإقناع الجمهور بأن المشروع يهدف إلى مستقبل تركيا، في محاولة يائسة لإبعاد فكرة أنه يسعى لبناء مجده الشخصي في السلطة.

أردوغان له في داخل تركيا محبون كثر وخصوم كثر أيضاً، كما أن له محبين كثيرين في العالم العربي، ومثلهم من الكارهين. وبعيداً عن الحب والكره، يجب النظر إلى ما تتجه إليه تركيا بعد الاستفتاء.

هذا الفارق الضئيل في نتيجة الاستفتاء، يدل على انقسامٍ حادٍ وعميقٍ في الشعب التركي، بين مؤيد مخلص يجاري أردوغان في طموحاته الرئاسية، وبين معارض يناهضه بقوة. ونسبة 51.35 في المئة من الأصوات، لا تمنحه تخويلاً مطلقاً لتطبيق ما يريد من تغييرات كبرى، إذا كان ينظر إلى مصلحة تركيا ومستقبلها، فضلاً عن مستقبل التيار الإسلامي الحاكم الآن.

لقد شاهدنا حركة صعود نجم أردوغان قبل خمسة عشر عاماً، حين انتخب رئيساً للوزراء العام 2003، وسيرة الرجل فيها الكثير من الوهج، حيث نشأ بأحد أحياء إسطنبول الشعبية، والتحق بمدرسة دينية، وبدأ حياته بائعاً متجولاً، ثم تحوّل لفترة قصيرة إلى لعبة كرة القدم، قبل أن يلتحق بالعمل السياسي الإسلامي ضمن «حزب الرفاه»، وانتهى به المطاف إلى رئاسة بلدية إسطنبول في 1994. وحين حُظر الحزب في 1998، أُدخل السجن بتهمة «التحريض على الحقد الديني» بعد تلاوته قصيدة إسلامية!

عاد أردوغان للعمل السياسي في 2003 مع تعيينه رئيساً للوزراء، ليبدأ الخطوة الأولى في مشروعه الطموح للوصول إلى الرئاسة، بعد أن يحوّلها إلى قطب الرحى ومركز الثقل في السياسة التركية، على حساب البرلمان. وهو ما يخشاه المعارضون بأن تستبطن هذه النزعة مشروع ولادة دكتاتور جديد، تركيا والمنطقة في غنى عنه.

سياسة أردوغان في السنوات العشر الأولى من حكمه كانت تحظى بتأييد واسع على المستوى الشعبي بالعالم العربي، حين رفع شعار «سياسة صفر مشاكل»، مع جميع الدول المجاورة لبلاده، بما فيها عدوتها التاريخية اليونان. إلا أنه غيّر بوصلته في الأعوام الخمسة الأخيرة، فانقلب على نفسه، لينسف سياسته تماماً، حتى بات على تماسٍ مع أغلب هذه الدول. وحتى الهدنة مع الأكراد، وهي أكبر إنجازاته على الإطلاق، انقلب عليها، وأعلن الحرب عليهم من جديد.

فيما يخصنا نحن في العالم العربي، رأينا نتائج انقلابه المدمّر على الأوضاع السياسية والأمنية في كلٍّ من سورية والعراق. ومع زيادة تورّط بلاده في دعم الحركات المتطرفة في البلدين، كان الإعلام الغربي يؤكّد أن تسعين في المائة من المقاتلين الإرهابيين الأجانب القادمين من ثمانين بلداً، يتدفقون على سورية عبر الحدود التركية.

في صيف العام الماضي، تعرّض أردوغان لمحاولة انقلاب عسكري، واتهم خصمه الداعية الإسلامي فتح الله غولن بتدبيره، بالتواطؤ من الأميركيين والأوروبيين. وسرعان ما شرع في عمليات تطهير وانتقام، من أنصار غولن المدنيين والعسكريين، فسجن أكثر من 47 ألفاً، وأقال 100 ألف من وظائفهم. وهي إجراءات قوبلت بالكثير من الانتقادات من الساسة الغربيين فضلاً عن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. واستحثه هاجس الخوف من الانقلاب والضغط الدولي، للإسراع بمشروعه للوصول إلى الرئاسة.

اليوم يبلغ أردوغان 63 عاماً، وقضى في الحكم 15 عاماً، ويفتح له الفوز بالاستفتاء الطريق لحكم تركيا متمتعاً بصلاحيات واسعة، حتى العام 2029، يكون يومها قد بلغ سن الـ 75.

تركيا بهذا الاستفتاء، تسير على نهج غيرها من البلدان العربية والإسلامية، المبتلاة بميراث تاريخي طويل من حكم الدكتاتورية والفردية والاستبداد. لقد فاز أردوغان حقاً... ولكن هُزمت تركيا بكل تأكيد.

* كاتب من البحرين

 

22/ رجب الأصب/1438هـ