على طريق التحديد .. الفكر


(من كتابات المرجع الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي)

 

موقع الإمام الشيرازي

 

إنّ أبرز أسباب التخلّف هو الفكر الهابط والمتحجّر والسلبي، فإن الإنسان يسير بحسب فكره ـ فيما إذا كانت هناك حرية ـ، وهذا من أهم ما يسبب اختلاف المهن والصنائع والاختصاصات ونحوها، كما يسبب اختلاف المآكل والمشارب والملابس والمراكب وغيرها..

وقد أشار إلى ذلك الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله: (وضعهم من الدنيا مواضعهم)(نهج البلاغة: الخطبة 193/الفقرة 2).

وكل إنسان ارتقى وكل إنسان انحط ـ إذا لم يكن ضغط خارجي ـ فإنما هو بسبب فكره أولاً وبالذات، فالنجّار والعطّار والبقال والعالم والخطيب والمؤلف والسياسي والاقتصادي والطبيب والمهندس وألف شخص وشخص من مختلفي المهن والأعمال والاتجاهات هم ولائد أفكارهم.

وقد فُسِّر قول النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): ( لكل امرئ ما نوى)(بحار الأنوار: ج67 ص186 ب53 ح1) بهذا التفسير أيضاً، كما فسّر بمعنى آخر ليس هنا محل ذكره.

ومن أهم أسباب الشروع بالتجديد هو أن (نجدِّد الفكر).

فلماذا طالب الحوزة يبقى طالباً، مع أنه يرى أن بعض زملاءه وصلوا إلى مرحلة المرجعية، وبها يتمكن أن يخدم الدين والدنيا.

ولماذا البقال يبقى بقالاً وهو يرى زميله صار تاجراً محترماً بإمكانه أن يؤسس أويدعم المشاريع الإسلامية؟.

وهكذا في المعلِّم الذي بقي معلماً، وهو يتمكن من أن يصبح أستاذاً في الجامعة؟،

والخطيب الضعيف أبقى نفسه في مرتبته السابقة وهو قادر أن يصبح من أكبر الخطباء.

والسياسي الضعيف بقي في الدرجة المنحطة وهو يقدر أن يكون وزيراً أو رئيساً للجمهورية أو ما أشبه؟.

وهكذا وهلمّ جرّاً ...

أليس كل ذلك في الإنسان ـ أي: صاحب الكفاءة ـ من انحطاط الفكر، وضعف الهمة، وخور القناة، وخطأ الرأي؟.

يقول أصحاب النار كما حكى عنهم سبحانه: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)(سورة الملك: 10).

وقال الإمام علي (عليه السلام): (المرء يطير بهمته كما يطير الطائر بجناحيه)(40). وقوله (عليه السلام): ("ما رفع امرأً كهمَّته ولا وضعه كشهوته)(عيون الحكم والمواعظ، ص484).

ولعله إشارة إلى العلم والعمل.

يقول المتنبي:

لولا المشقّة ساوى الناس كلهم          الجود يفقر والإقــدام قتّال

وعلى هذا، فاللازم على من يريد تجديد حياته وتقديم نفسه إلى الأمام، أن يُجدِّد في فكره أيضاً، وأن يفكر في أفضل الأعمال وأرفعها، في الدنيا والآخرة، ثم يتقدم خطوة خطوة فإنها معدات الوصول إلى الهدف.

 

2/جمادى الأولى/1440هـ