ثورة تشرين العراقية
الاحتجاج المستميت والمنظومة المغلقة والثورة المضادة



 

موقع الإمام الشيرازي

 

عن دار سطور في بغداد صدر كتاب «ثورة تشرين العراقية: الاحتجاج المستميت والمنظومة المغلقة والثورة المضادة» للباحث الدكتور العراقي فارس كمال نظمي.

الكتاب يحاججُ أن ما حدث في العراق في تشرين 2019 هو ثورة، منطلقاً من مقاربة نفسية لمفهوم الثورة بوصفها انتقالاً راديكالياً جوهرياً في الوعي الاجتماعي والثقافة السياسية من التسليم الخضوعي إلى المواجهة التمردية، وما ينجم عن ذلك من مخرجات احتجاجية جمعية مستميتة، قبل أن تكون تقويضاً لمؤسسات النظام القديم. وقد مثّلت لحظة تشرين تجسيداً لمفهوم الثورة بهذا المعنى، لكونها حققت أقصى لحظة وعي صراعية فارقة -خلال قرنٍ من تاريخ الدولة العراقية المعاصرة- في مخيال الثوار الشباب، بين الماضي/ القديم الذي يريدون دفنَ فساده وحرمانه وطائفيته، والمستقبل/ الجديد الذي يتطلعون لاستيلاد الوطن والحقوق من رحمه.

هذا الكتاب محاولة توثيقية وتحليلية لحدثٍ تاريخي شهد أكبر مشاركة سياسية مارسها المجتمع العراقي لمغادرة اغترابه السياسي ومحاولة صنع مصيره بالضد من أبوية السلطة وقهرها.

يضم الكتاب مجموعة من النصوص التي تحاول أن توثق أولاً الديناميات السيكوسياسية المحركة للثورة التشرينية في عنفوانها سعياً لرصد خصائصها التي جعلت منها ثورة غير مكتملة. كما تسعى هذه النصوص ثانياً إلى رصد سيكولوجيا السلطة المغلقة في توظيفها لأقصى درجات العنف ضد المحتجين، وما رافقه من اصطفاف شامل لكل قوى الثورة المضادة ذات المصالح المتجذرة في أعماق النظام القديم.

وتغطي هذه النصوص مرحلتين: المرحلة الأولى الثورية منذ بداية الحراك في تشرين 2019 وحتى تراجعه في ربيع 2020 بتأثير الثورة المضادة وجائحة كورونا وغياب التنظيم القيادي للثورة؛ والمرحلة الثانية اللاحقة التي شملت تشكيل الحكومة المؤقتة في أيار/ مايو2020 وصولاً إلى اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في تشرين الأول/ اكتوبر 2021. كما يحتوي الكتاب في جزئه الأخير نصوصاً متفرقة للمؤلف سبق أن نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، أثناء رصده للبيئة السياسية التي رافقت الحراك التشريني في ذروته وفي خفوته.

يستنتج الكتاب أن الأمر قد يكون مبكراً اليوم لإجراء تقييم يقيني عن مدى نجاح أو فشل هذه الثورة غير المكتملة في تعبيد الطريق نحو أهدافها البعيدة المدى، إذ لم تُرصَدْ جميعُ ارتداداتها الآنية والمستقبلية بعد. إلا أن ما تحقق على مستوى تفتت الوعي الزائف لدى شرائح مهمة من جيل شبابي يمثل أغلبية السكان، وإنضاج ثقافة سياسية لديه قوامُها المساءلة والاعتراض ونزع القدسية وكسر التابوات والاعتقاد بحتمية التغيير والتفتيش عن شرعية سياسية جديدة، إنما تؤشر جميعاً أن هذا الحدث غير المكتمل قد افتتح مسلسلاً راديكالياً ستكون له محطاته التكميلية القادمة.

ويصل الكتاب إلى أن سلوكَ منظومة الحكم المغلقة في إصرارها الثابت على أن لا تُمَسَّ سلطتُها الغائرة عميقاً في أحشاء الدولة وحواشيها الموازية، وامتناعها عن ممارسة أي إجراءات إصلاحية ذاتية فاعلة لاحتواء السخط الأخلاقي المتصاعد، ودون أن تبدي استعداداً فعلياً لعقد أي صفقات “تاريخية” بالحد الأدنى مع القوى الجديدة المنتفضة والمُجهَضة في آنٍ معاً، فإن كل ذلك يعدّ تمهيداً موضوعياً لحراك احتجاجي ثوري قادم أشد استماتة لتحريك عجلة الانتقال السياسي. وعندها سيمكن الحديث بثقة أشد عما حققته ثورة تشرين من تمهيدٍ لتغيير سياسي جذري في قلب المستقبل.

18/ ذو الحجة/1443هـ