أحمدي نجاد يتولى الرئاسة رسمياً.. والسبت محاكمة مائة إصلاحي


 

موقع الإمــام الشيرازي

14/شعبـــــــان/1430

بعد 7 أسابيع من الاضطرابات والمظاهرات، احتجاجاً على نتائج الانتخابات الإيرانية، وانقسام غير مسبوق في النخبة السياسية، وإدانات من مراجع التقليد في قم، وإجراءات أمنية مشددة، أقسم الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، اليمين الدستورية، أمس، أمام البرلمان في مناسبة تنصيبه.

وهاجم أحمدي نجاد قوى «الاستكبار» الغربي، مقللاً من أهمية عدم إرسال الدول الغربية رسائل تهنئة له، كما وعد بتغييرات لصالح الإيرانيين، فيما كانت الشرطة في الخارج تطلق قنابل مسيلة للدموع لتفريق مئات المتظاهرين المحتجين الذين رددوا «الموت للدكتاتور»، بينما غاب عن المناسبة كل رؤوس قادة الحركة الإصلاحية. وعلى الرغم من وجود ما لا يقل عن 5 آلاف عنصر أمن في طهران، فإن الآلاف خرجوا بشكل متفرق في عدة ميادين وشوارع بالعاصمة ومدن أخرى، وهم يرتدون اللون الأسود، في إشارة إلى الحداد، أو اللون الأخضر، الذي بات لون حركة المعارضة الإصلاحية في إيران. وحملت إحدى المتظاهرات في طهران صورة أحمدي نجاد كتب عليها: «إذا لم تستمعوا لأصوات الشعب فإن مصيركم سيكون مثل الشاه»، في إشارة إلى شاه إيران الذي أطيح به عام 1979.

وبنظر مراقبين فإنه بتولي أحمدي نجاد الرئاسة، أمس، رسمياً، يبدو وكأن القليل تغير، على الرغم من المظاهرات غير المسبوقة التي شهدتها إيران احتجاجاً على نتائج الانتخابات. إلا أن الحقيقة أن الكثير تغير، فأحمدي نجاد يدخل ولايته الثانية وهو في حالة ضعف كبيرة، نظراً للانقسامات بين المحافظين حوله، كما يدخل ولايته الثانية وعلاقته بالمرشد الأعلى لإيران، تشوبها التوتر، وسط مقاطعة كاملة من مسؤولين نافذين بالنظام، على رأسهم رئيس مجلس الخبراء، على أكبر هاشمي رفسنجاني، وعدد من آيات الله في قم، مثل آية الله بيات زنجاني، وآية الله يوسفي صانعي، وكلاهما لم يعترف بانتخابه أو حكومته.

وبينما يعتزم الإصلاحيون في البرلمان، وعددهم 70 عضواً، تشديد الضغوط على أحمدي نجاد، سيكون بيد أحمدي نجاد 70 عضواً آخرون مضمون دعمهم له، لانتمائهم إلى الحرس الثوري، فيما يبقى 150 مقعداً آخر في البرلمان من النواب المحافظين المعتدلين، والبراغماتيين، ممن يمكن أن يسببوا مشاكل للرئيس الإيراني في ولايته الثانية.

وقال مسؤول إصلاحي بارز لـ«الشرق الأوسط» إن الإصلاحيين في البرلمان «لن يتعمدوا تقصد أحمدي نجاد»، موضحاً: «لن نمارس في عملنا الانتقام. عندما نقف أمام الرئيس في البرلمان سيكون ذلك ضد سياسات محددة اتخذها، أو لقرارات نرى أنها غير نافعة»، مشدداً على أن «البرلمان لن يكون جبهة حرب ضد أحمدي نجاد». وأضاف: «المعارضة الإصلاحية ستواصل تصديها للنتائج والبعض داخل البرلمان يدعمها، إلا أنه لن يكون هناك تواطؤ لإسقاط حكومة أحمدي نجاد، لكننا نرى أن أفعالها قد تسقطها تلقائياً».

وقال الرئيس الإيراني، خلال جلسة التنصيب التي نقلها التلفزيون الإيراني على الهواء مباشرة: إن «ملحمة الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو (حزيران) هي بداية تغييرات مهمة في إيران والعالم».

وأضاف في خطابه: «سنقاوم قوى الاستكبار، وسنواصل العمل على تغيير الآليات التمييزية في العالم لصالح جميع الأمم».

وتغيب عن الجلسة الرئيس الأسبق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يرأس مجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء، وهما الهيئتان الأساسيتان في السلطة الإيرانية. كما تغيب المرشح الخاسر في الانتخابات، رئيس البرلمان سابقاً، مهدي كروبي، والرئيس الإصلاحي السابق، محمد خاتمي، وكذلك قائد حركة الاحتجاج على إعادة انتخاب أحمدي نجاد، المرشح الخاسر مير حسين موسوي.

وما زال كروبي وموسوي يطالبان بإعادة تنظيم الانتخابات الرئاسية، فيما حضر المرشح الرئاسي الخاسر، محسن رضائي. وأفاد موقع الإنترنت التابع للكتلة الإصلاحية في البرلمان أن 13 نائباً إصلاحياً فحسب من أصل 70 حضروا الجلسة. ويتألف البرلمان من 290 نائباً.

وفرقت الشرطة أمام مبنى البرلمان مئات المعارضين الذين كانوا يحاولون التجمع، وكانوا «يرددون شعارات ضد أحمدي نجاد»، على ما أفاد شهود عيان. واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع واعتقلت عدة متظاهرين. ثم غادرت الشرطة محيط البرلمان والساحات الرئيسية في العاصمة عند منتصف نهار أمس، فيما تم قطع إرسال الجوّالات.

ثم أفاد شهود عيان أن مئات من عناصر الشرطة، وأفراد ميليشيا الباسيج، انتشروا مجدداً ليلاً في وسط طهران لمنع أي مظاهرة. وقال الشهود إن عناصر الشرطة، وبينهم عناصر تابعون لقوة مكافحة الشغب، تمركزوا في ساحات مركزية عدة في العاصمة. وقال شاهد عيان لوكالة «رويترز»: إن «الشرطة وعناصر الميليشيا تمركزوا مجدداً في ساحة ولي عصر، وساحة فناك، وشارع فاطمة، وشارع مطهري».

ويأتي ذلك فيما أعلن موسوي، عبر موقعه على الإنترنت، أمس، أن الاعتقالات التي تطال المتظاهرين لن تحول دون مواصلة الحركة الاحتجاجية على إعادة انتخاب أحمدي نجاد.

وقال موسوي، بعد ساعات من حفل تنصيب أحمدي نجاد: «بعد الانتخابات، شهدت ولادة شعور وطني جديد.. جمع مختلف فئات المجتمع». وتابع موسوي على موقعه «غلام نيوز»: «ظن البعض أن المسألة ستسوى باعتقال من ظنوهم قادة المظاهرات، لكن الحركة الاحتجاجية تواصلت وبرهنت عدم جدوى الاعتقالات».

ورفض موسوي الاتهامات التي يطلقها المحافظون بأن مناصريه يسعون لقيادة «ثورة مخملية»، قائلا إن هذه الاتهامات «لا أساس لها». وأكد موسوي، مرة أخرى، أن المعارضة لا علاقة لها بالخارج.

ولقد تم توقيف المئات من أنصار المعارضة، أطلق سراح غالبيتهم، في حين يَمثُل، منذ السبت الماضي، أكثر من مائة منهم، بينهم قيادات إصلاحية كبيرة، أمام المحاكم بتهمة القيام بأعمال شغب خلال الحركة الاحتجاجية. ويواجه المعتقلون عقوبة بالسجن خمس سنوات لإخلالهم بالنظام والمساس بالأمن القومي. وقد يحكم على من يعتبر «عدو الله» بالإعدام.

وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى طريقة معالجة السلطات للأزمة، فإن السلطات واصلت اعتقال المقربين من موسوي، فقد أعلنت صحيفة «سرماية» الإيرانية، أمس، أن السلطات اعتقلت صحافيين اثنين، أحدهما، مير حامد حسن زادة، المدير السابق للموقع الإلكتروني لموسوي «غلام نيوز».

وقالت الصحيفة: «كان مير حامد حسن زادة، خلال الانتخابات الرئاسية، مدير موقع (غلام نيوز)، وترك منصبه الأسبوع الفائت».

وأضافت أنه أوقف «بأمر من المحكمة الثورية في طهران». وأكدت الصحيفة أيضاً توقيف رضا نوربخش، الثلاثاء، رئيس تحرير صحيفة «فرهيختيغان» (المثقفون) التي دعمت موسوي. وترتبط «فرهيختيغان»، التي تحولت قبيل انتخابات 12 يونيو (حزيران) من مجلة إلى صحيفة يومية، في الجامعة الإسلامية المستقلة.

وفي واشنطن قال المتحدث باسم البيت الأبيض، روبرت غيبس، إنه أخطأ التعبير عندما وصف محمود أحمدي نجاد بالرئيس الإيراني المنتخب، وأضاف أن واشنطن ستترك للشعب الإيراني أن يقرر ما إذا كانت الانتخابات الإيرانية نزيهة.

ويأتي ذلك فيما قالت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إنها «معجبة بالمقاومة المستمرة» للإصلاحيين في إيران من أجل التوصل إلى «تغييرات يستحقها الشعب الإيراني»، وذلك في تصريحات للصحافة في نيروبي.

وصرحت كلينتون: «سياستنا ستبقى على حالها» بعد أداء الرئيس الإيراني اليمين لولاية ثانية أمام البرلمان. وأكدت وزيرة الخارجية أن «الشخص الذي تسلم منصبه سيعتبر الرئيس»، بالنسبة إلى واشنطن، قبل أن تضيف: «لكننا مقدرون ومعجبون بالمقاومة المستمرة والجهود التي يبذلها الإصلاحيون من أجل إحلال تغييرات يستحقها الشعب الإيراني». 

ويبدأ الرئيس الإيراني فترته الثانية رئيسا للبلاد وقد أضعفته الاضطرابات التي اندلعت منذ إعادة انتخابه. ويقول محلل في مؤسسة أبحاث «راند كوربوريشن» إن تجاهل الرئيس، البالغ من العمر 53 عاما، قد يمنحه ميزة. وأضاف لـ«رويترز»: «عزل أحمدي نجاد على المستوى الدولي ربما يعزز جاذبيته بين أنصاره المتشددين. كسياسي، يتوق أحمدي نجاد للمواجهة، خاصة في قضايا السياسة الخارجية مثل البرنامج النووي».

وقال محمد سحيمي، الأستاذ في جامعة ساذرن كاليفورنيا: «ليس له مصداقية في أعين العامة، عدا بين أنصاره المتشددين. إنه يخسرهم أيضاً. حتى قبل الانتخابات كان لأحمدي نجاد خصوم أقوياء حتى داخل المعسكر المحافظ». لكن يبدو أنه يحتفظ بمساندة قادة الحرس الثوري، الذي قاد الإجراءات الصارمة ضد الاحتجاجات بعد الانتخابات التي يقول خصومه إنها زورت. وأمام أحمدي نجاد الآن أسبوعان لتقديم تشكيل حكومته إلى البرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون. وقد يغضب مشرعين إذا ما اقتصر اختياره الوزراء على دائرته المقربة. وقال نادر من «راند كوربوريشن»: «ربما يواجه صعوبات متزايدة في الموافقة على حكومته».

ورفض البرلمان عدة اختيارات لأحمدي نجاد خلال فترته الأولى. ورئيس البرلمان، علي لاريجاني، ليس من المعجبين بالرجل الذي هزمه في انتخابات الرئاسة عام 2005. وأضاف نادر: «أظهر لاريجاني معارضة قوية لأحمدي نجاد وسياساته في الماضي. كما أبدى شيئا من عدم الرضا حيال طريقة معالجة الاحتجاجات بعد الانتخابات».