منظمة العفو الدولية تكشف عن انتهاكات مريعة بحقوق الإنسان في ليبيا


 

موقع الإمــــام الشيرازي

15/رجـــــــــــب/1431

حذرت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد لها من أن أوضاع حقوق الإنسان تتردى مع استمرار ليبيا في التلكؤ في الإصلاح على الرغم من الجهود التي بذلتها الدولة كي تلعب دوراً دولياً أكبر. ويوثِّق التقرير المعنون بـ: "ليبيا الغد": أي أمل لحقوق الإنسان؟ استخدام الجَلد كعقوبة على الزنا، والاعتقالات إلى أجل غير مسمى، وإساءة معاملة المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، فضلاً عن إرث حالات الاختفاء القسري للمعارضين التي لم تجد حلاً بعد. وفي هذه الأثناء تظل قوات الأمن محصَّنة من المحاسبة على عواقب أفعالها.

وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنه "إذا أرادت ليبيا أن تتمتع بمصداقية دولية، فإن السلطات يجب أن تكفل ألا يكون هناك أحد فوق القانون وأن الجميع، بمن فيهم الأكثر ضعفاً وتهميشاً، يحظون بحماية القانون. ويجب أن يتوقف قمع المعارضة".

ويستمر ارتكاب الانتهاكات على أيدي قوات الأمن، ولاسيما جهاز الأمن الداخلي، الذي يبدو أنه يتمتع بسلطات غير محدودة لتوقيف واحتجاز واستجواب الأشخاص الذين يُشتبه بأنهم معارضون أو يقومون بأنشطة ذات صلة بالإرهاب. ويمكن احتجاز الأشخاص بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة وتعذيبهم وحرمانهم من الاتصال بمحامين. ولا يزال مئات الأشخاص يعانون الأمرَّين في السجون الليبية بعد قضاء مدد أحكامهم أو تبرئة ساحتهم من قبل المحاكم على الرغم من إطلاق سراح مئات الأشخاص في السنوات الأخيرة، ومن بينهم الذين احتُجزوا بصورة غير قانونية. فقد ظل محمود حامد مطر خلف قضبان السجن من دون محاكمة لمدة 12 عاماً، ثم أُدين في محاكمة جائرة بشكل صارخ وحُكم عليه بالسجن المؤبد. واستُخدمت الإفادات المنتَزعة تحت التعذيب أو غيره من أشكال الإكراه كأدلة. وكان شقيقه جاب الله حامد مطر، وهو معارض ليبي، قد اختفى قسراً في القاهرة في التسعينيات من القرن الماضي. ولم تتخذ السلطات الليبية أية خطوات للتحقيق في حادثة اختفائه.

وخلال زيارة مندوبي منظمة العفو الدولية إلى سجن الجديدة في مايو/أيار 2009، وجدوا أن هناك ستة نساء مُدانات بالزنا ( إقامة علاقات جنسية بين رجل وامرأة خارج رباط الزوجية بحسب التعريف الوارد في القانون الليبي). وقد حُكم على أربعة منهن بالسجن لمدد تتراوح بين ثلاث سنوات وأربع سنوات، وحُكم على اثنتين بالجلد 100 جلدة. وكانت 32 امرأة أخرى بانتظار المحاكمة بتهمة الزنا.

في ديسمبر/كانون الأول 2008، قُبض على "منى" [اسم مستعار]، بعد إنجابها بفترة قصيرة. وزُعم أن إدارة المستشفى في مركز طرابلس الطبي أبلغت الشرطة بأنها أنجبت طفلاً خارج رباط الزوجية. فقُبض عليها في المستشفى، وعُقدت لها محاكمة بعد فترة قصيرة وحُكم عليها بالجلد 100 جلدة. وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة استخدمت السلطات الليبية "الحرب على الإرهاب" لتبرير الاعتقال التعسفي لمئات الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم معارضون أو يشكلون تهديداً أمنياً. وأعادت الولايات المتحدة عدداً من المواطنين الليبيين من مركز الاعتقال في خليج غوانتنامو أو من معتقلاتها السرية، ومن بينهم ابن الشيخ الليبي، الذي ذُكر أنه انتحر في عام 2009 أثناء احتجازه في سجن أبو سليم. ولم تُنشر أية تفاصيل بشأن وفاته على الملأ. ويظل المواطنون الليبيون الذين يُشتبه في قيامهم بأنشطة مرتبطة بالإرهاب عرضة لخطر الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي والتعذيب والمحاكمة الجائرة بشكل صارخ. ولاحظت منظمة العفو الدولية زيادة متواضعة في مرونة السلطات الليبية تجاه الانتقادات. فمنذ أواخر يونيو/حزيران 2008، سُمح لعائلات ضحايا أعمال القتل التي وقعت في سجن أبو سليم في عام 1996، والتي ذهب ضحيتها نحو 1200 معتقل يُعتقد أنهم أُعدموا خارج نطاق القضاء، بتنظيم احتجاجات.

بيد أن النشطاء مازالوا يواجهون المضايقات، ومنها الاعتقال، ويتعين على السلطات أن تستجيب لمطالبهم بمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة. وأطلقت ليبيا سراح نحو 15 سجين رأي في السنتين الأخيرتين، ولكنها لم تعوِّضهم عن الانتهاكات التي اقتُرفت بحقهم، ولم تقم بإصلاح القانون القاسي للغاية الذي يحرم المواطنين من الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات. ويقول التقرير إن اللاجئين والمهاجرين وطالبي اللجوء - ويأتي العديد منهم من شتى بلدان أفريقيا - الذين يحاولون إيجاد ملاذ لهم في إيطاليا وبلدان الاتحاد الأوروبي، يتعرضون بدلاً من ذلك للتوقيف والاحتجاز إلى أجل غير مسمى وإساءة المعاملة في ليبيا.

إن ليبيا ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لعام 1951، ولذا فإن اللاجئين وطالبي اللجوء يخاطرون بإعادتهم إلى بلدانهم بغض النظر عن حاجتهم إلى الحماية. وفي مطلع يونيو/حزيران، طلبت السلطات الليبية من المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مغادرة البلاد، وهي خطوة يرجح أن يكون لها تأثير قاس على اللاجئين وطالبي اللجوء.

ولا تزال عقوبة الإعدام تُستخدم على نطاق واسع في ليبيا، وتؤثر بشكل خاص على المواطنين الأجانب، على ما يبدو، ويمكن فرضها على طائفة واسعة من الجرائم، ومنها الأنشطة التي ترقى إلى حد الممارسة السلمية للحق في حرية التعبير والاشتراك في الجمعيات. وقال المدير العام للشرطة القضائية لمندوبي منظمة العفو الدولية إنه في مايو/آيار 2009، كان هناك 506 أشخاص من المحكوم عليهم بالإعدام، منهم نحو 50 بالمائة من المواطنين الأجانب. وقالت حسيبة حاج صحراوي "إن شركاء ليبيا الدوليين لا يمكنهم تجاهل سجلها المريع في مجال حقوق الإنسان في سبيل مصالحهم الوطنية."

وكدولة عضو في المجتمع الدولي، تقع على عاتق ليبيا مسؤولية احترام التزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان ومعالجة سجلها في هذا المجال بدلاً من إخفائه. إن التناقض بين عضوية ليبيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وبين رفضها السماح لخبراء حقوق الإنسان المستقلين التابعين للهيئة نفسها، يعتبر تناقضاً صارخاً ومثيراً للدهشة."

إن هذا التقرير، الذي يغطي التطورات التي حصلت حتى أواسط مايو/أيار 2010، يستند جزئياً إلى نتائج الزيارة التي قامت بها منظمة العفو الدولية إلى ليبيا في مايو/أيار 2009 واستغرقت أسبوعاً، وهي الزيارة الأولى للمنظمة منذ خمس سنوات. وقد جاءت الزيارة عقب مفاوضات مطولة مع السلطات المعنية، حاولت فيها المنظمة زيارة مدن في شرق وجنوب شرق البلاد، بالإضافة إلى طرابلس. ولكن في النهاية اقتصر خط سير الزيارة على طرابلس والقيام بزيارة قصيرة إلى مصراتة. وقامت بتسهيل الزيارة مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية، وهي منظمة يرأسها سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي، التي لعبت دوراً أساسياً في تأمين وصول منظمة العفو الدولية إلى عدد من مراكز الاعتقال، كما ساعدت على تأمين إطلاق سراح بعض المعتقلين. وخلال الزيارة، ناقش مندوبو منظمة العفو الدولية بواعث القلق القديمة بشأن حقوق الإنسان مع كبار المسؤولين الحكوميين، والتقوا بممثلي مؤسسات المجتمع المدني، وسُمح لهم بزيارة عدد من المعتقلين لأسباب أمنية أو المحتجزين من المهاجرين غير الشرعيين.

وذكر موقع منظمة العفو الدولية أنه قد منع أفراد الأمن الليبيون مندوبي المنظمة من السفر إلى بنغاري كما كان مقرراً من أجل مقابلة عائلات ضحايا الاختفاء القسري، كما منعوهم من مقابلة عدد من السجناء. كما ذكر الموقع أنه في أبريل/نيسان 2010، أرسلت منظمة العفو الدولية النتائج التي توصل إليها وفدها إلى السلطات الليبية، وعرضت إدماج أية تعليقات أو ردود في التقرير، ولكنها لم تتلق رداً حتى الآن.