نحو الحرية: القذافي يهدد شعبه بالإعدام والإبادة
موقع الإمــام الشيرازي 19/ربيع الأول/1432 للمرة الأولى بعد أكثر من أسبوع على بدء الاحتجاجات ضد نظام بلاده، خرج الرئيس الليبي معمر القذافي، أمس، مرتين. ففي حين كان خروجه الأول، فجراً بالتوقيت المحلي، ولمدة لا تتجاوز نصف دقيقة، مؤكداً فيها على وجوده في بلاده، كان خروجه الثاني طويلاً واستمر أكثر من ساعة، هدد فيه بما سماه «الزحف المقدس» على الشعب الليبي لقمع الاحتجاجات الجارية حالياً، وقال إن المحتجين يستحقون الإعدام وفقاً للقانون الليبي, معلناً أنه أعطى أوامره إلى «الضباط الأحرار للقضاء على الجرذان» في إشارة إلى المحتجين. وأكد القذافي أنه ليس رئيساً حتى يستقيل, فهو «قائد ثورة إلى الأبد», متهماً «أجهزة عربية شقيقة» بالوقوف وراء الاضطرابات التي تشهدها بلاده، وقال أن «أجهزة عربية للأسف شقيقة تغركم وتخونكم وتقدم صورتكم بشكل مسيء». وقبيل اختتامه خطابه قال: «أسأل الأشقاء في قطر لمصلحة من هذا؟ ولماذا يزورون الحقائق ويكذبون علينا؟». دولياً، ندد البيت الأبيض بما وصفه «العنف المروع» ضد المحتجين، في حين قال وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ إن هناك ما يشير إلى أن هياكل الدولة تتداعى في ليبيا. أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فقد وصفت الخطاب المتلفز للزعيم القذافي بـ«المرعب». من جهته, قرر مجلس الجامعة العربية في ختام اجتماع عقده على مستوى المندوبين الدائمين تعليق مشاركة ليبيا في اجتماعات الجامعة وجميع مؤسساتها. إلى ذلك، حذر مصدر رفيع مقرب من الحكومة الليبية من أن بلاده على شفير حرب أهلية، لافتاً إلى خطورة الوضع هناك. وفي تطور ميداني، افادت تقارير بأن وزير الداخلية الليبي أعلن تأييده لـ«ثورة 17 فبراير»، داعياً، الجيش الليبي الى الانضمام الى الشعب والاستجابة الى مطالبه المشروعة. القذافي يصف المتظاهرين بالجرذان.. ويصدر أوامره إلى الضباط الأحرار للقضاء عليهم وقد رفضت قطاعات من المعارضة الليبية التي تجري مشاورات مع أطراف من الداخل الليبي لمرحلة ما بعد العقيد معمر القذافي الخطاب المتحدي الذي ألقاه الزعيم الليبي أمس، وبثه التلفزيون الليبي، ووصف فيه المحتجين المطالبين بتخليه عن الحكم بأنهم «جرذان ومرتزقة ويريدون تحويل ليبيا إلى دولة إسلامية». وتوعد القذافي المحتجين بحرب طويلة باستخدام القوى الأمنية والجيش، لإعادة الاستقرار إلى البلاد. وقال القذافي: «أنا قائد أممي تدافع عني الملايين لتطهير ليبيا شبراً شبراً وبيتاً بيتاً وزنقة زنقة، ولن أسمح بضياع ليبيا، معي الله والملايين». وأضاف: «إذا وجهت النداء، الملايين ستزحف الليلة زحفاً سلمياً من الداخل للقبض على هؤلاء»، متوعداً بأنه إذا رأى أن وحدة ليبيا تتعرض للخطر من قبل من سماها القوى المعادية للحرية والديمقراطية سيأتي الزحف الخارجي ثم الأممي، داعيا في الوقت نفسه إلى منح مزيد من السلطات المحلية في مناطق القبائل التي كانت ترفض إنشاء شعبيات في مناطق ترى أنها قريبة من نفوذ قبائل أخرى. وقالت المعارضة وزعماء في اللجان الشعبية المدافعة عن ثورة المحتجين، إن الخطاب نسخة مكررة من الخطاب الذي ألقاه نجله سيف الإسلام، قبل يومين. وقال إبراهيم عميش، مسؤول الدائرة السياسية بالتحالف الوطني الليبي (المعارض)، عضو المؤتمر الوطني للمعارضة الليبية، لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن القذافي تبادل مع ابنه رقصة المذبوح»، محذراً في الوقت نفسه من مغبة إقدام نظام القذافي على تصفية الرجل القوي، اللواء عبد الفتاح يونس، الذي أعلن انضمامه إلى المحتجين في بنغازي. بينما قال القذافي إن المحتجين في بنغازي أطلقوا النار على يونس، وإنه لا يعلم مصيره، لكن رواية مغايرة لقيادات في اللجان الشعبية التي أصبحت تدير مناطق من شرق ليبيا، أبلغوا بها «الشرق الأوسط» أمس، تقول إن يونس تم القبض عليه يوم أول من أمس عن طريق موالين للقذافي. وأيد هذه المعلومات مسؤولون في المعارضة الليبية مساء أمس. ويعتبر اللواء يونس، أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبية، التي قام بها القذافي عام 1969، من الشخصيات العسكرية ذات القبول الشعبي، ويشغل موقع وزير الداخلية في نظام القذافي، قبل أن تتضارب الأنباء عن مصيره بعد خطاب القذافي أمس. وتابع عميش قائلا إن القذافي سبق ودعا عبد الفتاح يونس للتحاور معه بعد أن انضم للمحتجين في بنغازي، كما دعاه للرجوع إلى طرابلس للإعداد لشكل جديد لانتقال السلطة. وأضاف: «القذافي اعتقل عبد الفتاح يونس أمس، ويمكن أن يقتله، خاصة أنه يتهم بكونه من قتله شباب بنغازي في برقة، ليخلق حالة مطالبة بالدم». وأضاف عميش أن ذكر القذافي لأسماء عدد من القبائل بعينها تهدف إلى ضرب القبائل والعائلات ببعضها البعض، «الرجل يريد أن يخلق حرباً شعبية في الداخل لينطلق إلى صراعات وتفتيت لليبيا»، محذراً من استمرار النظام الليبي في ارتكاب المزيد من المجازر ضد الليبيين. وقال موقع «جيل» الليبي على الإنترنت عقب خطاب القذافي: «ردود أفعال في كل المدن الليبية تستهجن منطق القذافي المتعالي، وأوساط ليبية تعتبر كلام القذافي إهانة للشعب الليبي، وقلباً للحقائق»، ونقل عن محللين ليبيين أن «القذافي أعلن إفلاسه بخطاب أمس، وأكدوا أن تهديداته ومحاولته للفتنة بين أبناء ليبيا لن تفلح». ومع استمرار استقالة العديد من المسؤولين والدبلوماسيين الليبيين تردد في القاهرة أمس أن أقرب المقربين من العقيد القذافي، وهو أحمد قذاف الدم، ابن عم القذافي ومبعوثه الشخصي، فر إلى مصر بسبب غموض مستقبل الزعيم الليبي. وقال محمد العبيدي القيادي في اللجان الشعبية الليبية الجديدة المناوئة للقذافي، والتي تسيطر على شرق ليبيا، لـ«الشرق الأوسط» إن قذاف الدم ربما يحاول حشد القبائل العربية المحاذية للحدود الليبية من الجانب المصري (شرق ليبيا)، خاصة أن قبائل «أولاد علي» التي لها وجود قوي على جانبي الحدود الليبية المصرية سبق واشتركت في «نصرة» القوات الليبية لتحرير أجزاء من جنوب ليبيا من دولة تشاد في عقد الثمانينات من القرن الماضي. وحذر العبيدي، قذاف الدم، الذي ولد في مدينة مرسى مطروح المصرية منذ نحو 59 عاماً، من القيام بأي محاولة لتأليب قبائل أولاد علي ضد الثورة الليبية، قائلا إن هذه القبائل أعلنت رفضها لحكم القذافي وسياساته في قمع الاحتجاجات. وأضاف: «إذا حاول قذاف الدم التدخل فإنه يعرض نفسه للتصفية في مرسى مطروح. المعلومات التي لدينا مفادها أنه يريد إنفاق خمسة مليارات دولار لإغراء قبائل (أولاد علي) على القتال ضد إخوانهم في ليبيا». إلا إن مسؤولا في مكتب أحمد قذاف الدم في ضاحية الزمالك بالقاهرة رد على أسئلة «الشرق الأوسط» أمس بأن مبعوث القذافي «في زيارة عادية لمصر». وتابع المسؤول في مكتب قذاف الدم: إن المكتب أصدر مساء أمس بياناً (بعث منه نسخة لـ«الشرق الأوسط»)، تضمن نفيا أن يكون قذاف الدم يحمل أي تكليف بمهمة إلى قبائل «أولاد علي». ونقلت مصادر اللجان الشعبية في شرق ليبيا أنه في العديد من المدن التي انسحبت منها القوات النظامية التابعة للقذافي، يجري تشكيل مجالس أمنية وعسكرية ومحلية فيها لإدارة شؤون هذه المدن وتوفير الحماية والمؤن الغذائية فيها، وأن من بين من يديرون هذه المجالس مسؤولين سابقين في القطاع المدني والعسكري، وأن هذه المجالس تعمل أيضا على مد يد العون إلى المحتجين في طرابلس، خاصة مع تزايد قبضة الكتائب الأمنية والعسكرية، من الليبيين والمرتزقة، على العاصمة. وقال سليمان فرج بو زغيليل، الناشط الليبي الشعبي المعروف على نطاق واسع في إقليم برقة شرق ليبيا، بعد وصوله لمرسى مطروح أمس: «المتظاهرون الليبيون يتعاملون مع مرسى مطروح باعتبارها ظهرا وسندا لمدن برقة في محنتها». وقال محمد عبد الغني، وهو ناشط من قبائل أولاد علي في طبرق، لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة الليبية انسحبت من طبرق.. الشباب أسقطوا لافتات التوجيه الثوري في شارع سوق النسر. جاء رجال ونساء وأسر، وسكنوا في المباني الحكومية بعد أن احتلوها. تم إحراق مباني الدعم الأمني والضمان الاجتماعي وهناك مخاوف من الاستيلاء على المصارف. يوجد صبية وشبان يحملون أسلحة آلية ورشاشات ويجوبون الشوارع. كتيبة قاعدة جمال عبد الناصر تم احتلالها من جانب المواطنين. في بوابات المعبر بين المدن الشرقية لليبيا شبان مسلحون حلوا محل رجال الأمن.. وعلى منفذ السلوم البري المؤدي إلى مصر لا يوجد موظفو جمارك، لا أحد يختم الجوازات.. لا توجد دولة». وقد رفض القذافي فكرة مغادرة بلاده أو التنحي عن السلطة مبديا استعداده لـ«مواصلة القتال والاستشهاد على أرض ليبيا الطاهرة». وأعرب عن أسفه لطبيعة التغطية الإعلامية لبعض الأجهزة العربية وما تصوره من تشويه للحقائق بشأن الوضع في بلاده، وقال إن هناك أجهزة مخابرات أجنبية تعمل ضد مصالح بلاده. وتطرق من موقعه وسط مبنى متهالك إلى ممارسات الاستعمار الإيطالي في الحقبة السابقة مؤكداً أنه مناضل وطني تلتف حوله قبائل ومدن عدة ضد بعض الجرذان. ورفض القذافي أن يترك الأرض الليبية، معتبرا أنه محارب حقق المجد لليبيين، وقال: «أنا مجد لا تفرط به ليبيا»، مؤكدا أنه من أجل ليبيا دفعنا ثمنا غاليا، ولفت إلى أن مجموعة قليلة من الشبان المخدرين تهاجم المقرات الرسمية. وأعلن القذافي أنه أعطى أوامره إلى «الضباط الأحرار للقضاء على الجرذان» في إشارة إلى المتمردين الذين سيطروا على عدد من المدن الليبية، مؤكدا أنه لن يتنحى وسيقاتل حتى «آخر قطرة دم» لديه. وقال الزعيم الليبي «أعطيت أوامر إلى الضباط الأحرار للقضاء على الجرذان» في إشارة إلى المتمردين. وأضاف مخاطباً الليبيين وبدا شديد العصبية «اخرجوا من بيوتكم إلى الشوارع غدا، أنتم يا من تحبون معمر القذافي، معمر المجد والعزة، واقضوا على الجرذان». وتابع: «لم نستخدم القوة بعد، وإذا تطورت الأمور سنستخدمها وفق القانون الدولي والدستور الليبي» وتلا مواد من الدستور والقانون الليبيين تعاقب بالإعدام من يقوم بأعمال مخلة بالأمن. ودعا إلى تشكيل «لجان الأمن الشعبي في المدن لحفظ الأمن» واعتبر أنها ستكون «لجان الدفاع عن الثورة وعن كل مكتسبات الثورة في كل المدن الليبية». وأضاف مخاطبا أنصاره: «انتم ملايين، أمسكوهم في الشوارع وأعيدوا السلطة الشعبية وأعيدوا الأمن» إلى البلاد. وهدد القذافي المتمردين برد شبيه بقصف الجيش الروسي للبرلمان في موسكو أثناء وجود النواب بداخله خلال الفترة الانتقالية بين تفكك الاتحاد السوفياتي ونشوء دولة روسيا في مطلع التسعينات، وبسحق الصين لحركة تيان انمين في بكين في أواخر الثمانينات، والقصف الأميركي للفلوجة في العراق. وقال إن «رئيس روسيا أحضر الدبابات ودك مبنى مجلس النواب والأعضاء كانوا موجودين بداخله حتى طلعوا مثل الجرذان، والغرب لم يعترض بل قال له أنت تعمل عملا قانونيا». وأضاف أن «الطلاب في بكين اعتصموا لأيام قرب لافتة كوكا كولا، ثم أتت الدبابات وسحقتهم». من جهته، قال وزير الداخلية الليبي، عبد الفتاح يونس العبيدي، لـCNN، الأربعاء، انه استقال من منصبه ويؤيد "الثورة الشعبية" التي تجتاح بلاده منذ أسبوع وتوقع انتصارها، لافتاً إلى أن الزعيم الليبي، معمر القذافي، لن يستسلم وأنه "إما سينتحر أو يتم اغتياله." واتهم العبيدي القذافي بالتخطيط لمهاجمة المدنيين على نطاق واسع، وأنه انشق عن الحكومة لدى علمه بمقتل قرابة 300 مدني أعزل في بنغازي خلال الأيام القليلة الماضية. وأضاف قائلاً في مقابلة تمت عبر الهاتف: "القذافي أخبرني أنه يخطط لاستخدام الطائرات ضد الشعب في بنغازي، وقلت له إن الآلاف ستقتل إن قام بذلك." وأبدى العبيدي دعمه للشعب والثورة وتوقع أن يكون النصر حليفها قائلاً إن الأمر لا يعدو مسألة "أيام أو ساعات" ودعا قوات الأمن الليبي للانضمام إلى "الانتفاضة" التي انشق بالفعل عدد عناصرها وانحازوا إلى جانب المتظاهرين، على حد قوله. والعبيدي هو آخر مسؤول ليبي ينشق عن النظام بعد استقالة عدد من السفراء والدبلوماسيين احتجاجاً على العنف المفرط الذي قابلت به حكومة طرابلس الاحتجاجات القائمة منذ 17 من الشهر الجاري. وأشار وزير الداخلية الليبي السابق إلى أن كافة المناطق الشرقية للبلاد خرجت عن نطاق سيطرة القذافي، الذي وصفه بـ"الرجل العنيد" الذي لن يتخلى عن السلطة، مضيفاً "اما سيقدم على الإنتحار أو سيتم اغتياله." وتواجه ليبيا أخطر ثورة شعبية تهدد نظام القذافي الذي يقبض على الحكم هناك بقبضة حديدية منذ أربعة عقود، تصدي لها باستخدام "مرتزقة أفارقة" وقصف جوي، وفق ما نقلت تقارير لم يتسن للشبكة تأكيدها بشكل مستقل نظراً لتجاهل طرابلس طلباتها المتعددة لدخول البلاد. |