التكفير يتغلغل داخل تونس ودعوات لمكافحته


 

موقع الإمام الشيرازي

بدأت ظاهرة "التكفير" بأبعادها الدينية والسياسية تجتاح المشهد السياسي في تونس مع انتشار وتوسع دائرة نفوذ تيارات التكفير في البلاد بشكل خطير، دفع مختلف مكونات المجتمع المدني إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من استفحالها.

ولا تخفي أوساط سياسية تونسية قلقها من هذه الظاهرة، حتى أن الرئيس التونسي منصف المرزوقي لم يتردد في مطالبة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بسن قانون جديد يتم بموجبه تجريم "التكفير" في البلاد.

ودعا المرزوقي في بيان إلى "الكف عن تكفير الآخرين واستعمال هذا الأسلوب" الذي وصفه بـ"الخطير" في التعبير عن الاختلافات الفكرية، باعتبار أن "تكفير الآخرين، يمثل تهديداً للسلم بين مواطني البلد الواحد ويبث الفتنة بينهم".

غير أن هذه المطالبة التي أثارت جدلاً واسعاً لم يتوقف بعد، لم تجد صدى لها حيث سعت أطراف دينية إلى التقليل من شأنها، رغم رفضها لكل أشكال التطرف والغلو كما تقول.

وفي هذا السياق، قال وزير الشؤون الدينية التونسي نور الدين الخادمي من حركة النهضة الإسلامية، ليونايتد برس انترناشونال إن "أي ظاهرة من الظواهر غير المعتدلة هي ظاهرة غير صحية وتحتاج إلى معاملة فكرية وعلمية حوارية حتى نشخص الأسباب ونصل إلى حلول والمعالجة".

وأضاف الخادمي أن "التطرف والغلو مرفوض رفضاً قاطعاً مهماً كان نوع التطرف سياسياً كان أو دينياً، وبالتالي فإن أي خروج عن الوسطية إفراط أو تفريط، تكفير في هذا الاتجاه أو ذاك الاتجاه لهذا الطرف أو ذاك هو مرفوض ولا يجوز".

ورغم هذا الموقف الواضح، فإن الوزير التونسي رفض ضمنيا سن قانون يجرم التكفير، باعتبار أن هذه المسألة "تُحمل في سياقاتها وتعالج في إطار مقاربات شاملة أساسها الحوار وتحديد المسؤوليات والتجاوزات والتعامل معها بشكل فكري ومعرفي".

وقال إن"الموضوع في بدايته، ولم يوضع أي شيء، وما صدر عن الرئيس هو طلب، والطلب يحتاج إلى دراسة في شقها القانوني والفقهي والاجتماعي وسياسي بالتنسيق مع مكونات المجتمع".

وكانت مطالبة الرئيس التونسي بسن القانون المذكور تزامنت مع بروز جملة من القضايا المرتبطة بهذه المسألة الخطيرة على ضوء استفحال ظاهرة "التكفير" التي تطلقها مجموعات سلفية على كل من يخالفها الرأي من السياسيين والإعلاميين والنشطاء وحتى المواطنين العاديين. وتعرض سياسيون ومفكرون وصحافيون إلى "التكفير" وإلى أعمال عنف بشقيه المادي واللفظي، فيما تعرض عدد من النساء إلى ضغوط من أجل ارتداء النقاب وسط تونس العاصمة وضواحيها.

وبحسب فاضل موسى خبير القانون الدستوري، وعضو المجلس الوطني التأسيسي التونسي، فإن ظاهرة "التكفير"، تفشت وانتشرت في تونس، وهي وسيلة وأداة يستعملها البعض لإضعاف الخصوم السياسيين، والتنكيل بهم.

ودعا موسى في تصريح نشرته اليوم الأحد صحيفة "الشروق" التونسية، إلى ضرورة طرح هذه المسألة على طاولة النقاش، لأن هذا النوع من الاتهامات "يجوز النظر في تجريمه، خاصة وأن عدداً كبيراً من رجال السياسة تم تكفيرهم، وهذا نوع من المس بأعراض الناس وقيمهم".

ومن جهته، لم يتردد هيثم بن بلقاسم عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي أسسه المرزوقي، في المطالبة ليس فقط بسن قانون يجرم التكفير، وإنما تضمين الدستور التونسي الجديد مسألة "تجريم التكفير".

وبين هذا الرأي وذاك، يزداد خوف الشارع التونسي من استفحال هذه الظاهرة التي ترافقت مع بروز لافت للتيار السلفي في البلاد، فيما تكتفي الحكومة الحالية التي تسيطر عليها حركة النهضة الإسلامية بمراقبة الوضع دون تدخل.

ويتساءل مراقبون عن مغزى تساهل الحكومة مع أتباع التيار السلفي، وخاصة أولئك الذين يلجأون إلى العنف، ما ولد خشية لدى البعض من توزيع أدوار بين السلفيين وحركة النهضة. 

22/ربيع الثاني/1433