رحيل كاتب صوت العدالة الإنسانية .. جورج جرداق


 

موقع الإمام الشيرازي

 

   توفي الكاتب الكبير والشاعر الشهير (جورج جرداق) عن عمر يناهز 83 عاماً، وهو المثقف والباحث الذي اشتهر بكتابات رائعة عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

رحل الأستاذ المسيحي جورج جرداق، قبل ظهر الأربعاء 5 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد معاناة مع المرض.

ونعت نقابة محرري الصحافة اللبنانية الأديب جرداق، وقالت في بيان:

"خسرت الصحافة اللبنانية والعربية، وعالم الأدب والشعر، جورج جرداق بعد 83 عاما تميزت بالإبداع الفكري والثقافي والموهبة المتوقدة التي أغنت لغة الضاد بروائع من نتاج قلمه الخلاق، سواء في الشعر أو النثر أو النقد". 

ولد جورج سجعان جرداق عام 1931، من والد يعمل مهندس بناء، "في بقعة سكانها يتحدرون من أسر عربية عريقة، أما البيئة البيتية فكانت من جماعة الفكر والعلم والأدب والشعر.

كان جورج الصغير يهرب من المدرسة، بحثا عن عين ماء من عيون السهل الشرقي تلك التي سمي المرج باسمها "مرج عيون"، فينتقي صخرة تحت شجرة تظلله، ليحفظ شعر المتنبي، وفقه اللغة العربية في مجمع البحرين للشيخ ناصيف اليازجي.

وعندما اشتكت المدرسة من فراره الدائم، حاول ذووه معاقبته، فتدخل شقيقه فؤاد معلا: "إن ما يفعله جورج يفيده أكثر من المدرسة". وتشجيعا له أهداه "نهج البلاغة" للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، قائلاً: "إقرأه واحفظه".

بعد انتهاء دراسته التكميلية في مدارس جديدة مرجعيون، انتقل جورج جرداق إلى بيروت، ليلتحق بـ "الكلية البطريركية" عام 1949.

منذ ذلك الحين، سكن بيروت وسكنته، من دون أن ينفي ذلك حنينه إلى الجذور وتواصله مع الأهل والأصحاب في "الجديدة".

يرد خصوبة فكره وذاكرته إلى اختياره الكلية البطريركية الذائعة الصيت بتخريج أقدر الطلاب في اللغة العربية وآدابها. "كانت مهمة جدا بحاضرها وقديمها، فالشيخ إبراهيم اليازجي، أكبر علماء العربية على الإطلاق، كان أحد أساتذتها في القرن التاسع عشر، ومن تلامذته خليل مطران شاعر القطرين. درس على يد الأديب المعروف رئيف خوري، وعلامة عصره فؤاد أفرام البستاني مؤسس الجامعة اللبنانية، وكان أستاذ اللغة والأدب الفرنسي الشاعر ميشال فريد غريب الذي كتب شعره بالفرنسية".

في عام 1953 بعد تخرجه من الكلية البطريركية، انتقل جورج جرداق إلى التأليف والكتابة في الصحف اللبنانية والعربية من جهة، وإلى تدريس الأدب العربي والفلسفة العربية في عدد من كليات بيروت من جهة أخرى.

استهل عمله الصحافي في مجلة "الحرية"، ويقول عنها: "كنت أكتبها من الغلاف إلى الغلاف، وكنت أحرر مقالات وأوقعها بأسماء صارت لاحقا معروفة لدى أصحاب الصحف، حتى إن أحدهم طلب مني أن أعمل عنده، فرفضت".

عمل أيضا في مجلة "الجمهور الجديد" وانتقل إلى "دار الصياد" عام 1965، وعمل في مجلة "الشبكة" وفي صحيفة "الأنوار"، ولا يزال أحد أركان الكتابة في منشورات "الصياد".

وضع موسوعة كاملة عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، سمّاها "الإمام علي صوت العدالة الإنسانية"، وتقع في خمسة أجزاء بعنوان "علي وحقوق الإنسان"، "بين علي والثورة الفرنسية"، "علي وسقراط"، "علي وعصره"، "علي والقومية العربية"، ثم أتبعها بملحق كبير بعنوان "روائع نهج البلاغة".

في موسوعته يستشهد جرداق بقول لميخائيل نعيمة: “يقيني أنّ مؤلف هذا السفر النفيس، بما في قلمه من لباقة، وما في قلبه من حرارة، وما في وجدانه من إنصاف، "قد نجح إلى حد بعيد في رسم صورة لابن أبي طالب، لا تستطيع أمامها، إلا أن تشهد بأنّها الصورة الحيّة لأعظم رجل عربي بعد النبي”.

طبعت الموسوعة أربع مرات، في ثلاث دور نشر مختلفة خلال سنة واحدة، وتشير الإحصاءات إلى أنّ أكثر من خمسة ملايين نسخة طبعت منها حتى اليوم. “بالطبع لا أجني قرشاً واحداً من هذه المطبوعات التي ترجمت إلى الفارسية والأوردية ـ لغة مسلمي القارة الهندية ـ والإسبانية والفرنسية. وعندما أحتاج إلى مجموعة عربية أو أجنبية أشتريها، فيما لم تكلّف دار نشر واحدة نفسها أن ترسل لي نسخة هديّة من باب رفع العتب”.

من مأثوراته في حق الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:

علي بن أبي طالب هو في الحقيقة والتاريخ واحد، سواء عرفته أم لم تعرفه، فالتاريخ والحقيقة يُذعنان بأنّ له ضميراً حيّاً وقهّاراً، وأبو الشهداء والأحرار، وهو صوت العدالة الإنسانية، وشخصية الشرق الخالدة.

يا أيّها العالَم، ماذا سيحدث لو جَمَعتَ كلّ قواك وقدراتك وأعطيتَ الناسَ في كلّ زمان عليّاً بعقله وقلبه ولسانه وذو الفقاره؟!

وقال أيضاً: هل سمعت عن حاكم لم يُشبع نفسه برغيف خبز؟ لأنّ في بلاده من ينام وهو غير شبعان، وهل سمعت عن حاكم لم يلبس الملابس الناعمة؟ لأنّ في شعبه مَن يلبس الملابس الخشنة، فهو لم يكنز لنفسه حتّى درهماً واحداً؟! وأوصى أبنائه وأصحابه أن لا يتّبعوا سوى هذه الطريقة.

فحاسب أخاه لأخذه ديناراً واحداً غير حقّه من بيت المال، وهدّد وأمر بمحاكمة حكّامه بسبب رغيف خبز أخذوه من غني وأكلوه رشوةً؟!

يشار الى ان مراسم الجنازة، الأولى تقام بعد ظهر الجمعة، في كاتدرائية مار نقولا للروم الأرثوذكس في الأشرفية، على أن ينقل جثمانه إلى مسقط رأسه في جديدة مرجعيون حيث يوارى الثرى في مدافن العائلة.

13/محرم الحرام/1436