الفهرس

فهرس الفصل الثاني

المؤلفات

 العلوم الاخرى

الصفحة الرئيسية

 

المدن الإسلامية

نريد بالمدن الإسلامية ما بناه المسلمون من المدن لأنفسهم، وهي غير ما افتتحوه من مدائن الروم والفرس. والمدن الإسلامية عديدة في العراق والشام ومصر وأفريقية والأندلس وغيرها ومنها ما لم يزل عامراً إلى اليوم كالبصرة وبغداد والقاهرة ومنها ما انقرض وعفت آثاره كالفسطاط والزهراء.

فلما تأيد الإسلام واجتمع العرب على فتح الأمصار في العراق والشام ومصر كانوا في بادئ الأمر إذا ساروا إلى غزو أو فتح اصطحبوا نساءهم وعيالهم فإذا فتحوا بلداً أقاموا في ضواحيه بخيامهم وأخبيتهم وهو معسكرهم، فلما اتسع ملك العرب وتعددت دول المسلمين صاروا يختطون المدن تذكاراً لفتوحهم أو تحصّناً بها من أعدائهم ـ كما فعل المنصور ببغداد فإنه بناها حصناً له وكذلك فعل الفاطميون بالقاهرة ـ وكثيراً ما كان الخلفاء يبنون المدن للتنزّه بها وابتعاداً عن الغوغاء مثل سامراء والمتوكلية والزهراء وغيرها. وإليك وصف أشهر المدائن الإسلامية مرتّبة باعتبار قدمها.

البصرة

هي من أقدم المدن التي بناها المسلمون ولا تزال باقية إلى الآن.

مصّرها عتبة بن غزوان سنة 16 للهجرة، فعمرت البصرة واتسعت عمارتها حتى بلغت مساحتها في إمارة خالد بن عبد الله (القسري) فرسخين في فرسخين أي 16 ميلاً مربعاً في أرضٍ منبسطةٍ لا جبال فيها.

وكانت مياه البصرة مرسى مئات من السفن التجارية، وقد ذكرنا في مكان آخر مقدار ما كانت الحكومة تجبيه من تاجر واحد من تجارها وهو نحو 100.000 دينار في العام، فقس عليه التجار الآخرين وفيهم الكبير والصغير.

قال ابن حوقل والاصطخري: (ولها نخيل متصلة من عبدسي إلى عبادان نيفاً وخمسين فرسخاً متصلة لا يكون الإنسان منها بمكان إلا وهو في نهر ونخيل أو يكون بحيث يراها) ـ فاعتبر هذه المسافة طولاً في مثل نصفها عرضاً على الأقل أي 150 ميلاً في 75 وذلك 11.250 ميلاً مربعاً فيعقل أن يكون في الميل الواحد عشر ترع صغيرة ـ .

الكوفة

بنيت الكوفة بعد البصرة ببضعة أشهر بناها سعد بن أبي وقاص، وكان للكوفة شأن كبير عند الشيعة لأن الإمام علي (عليه السلام) جعلها عاصمة ملكه إلى أن قتل.

الفسطاط

هي أول مدن المسلمين في القطر المصري بناها عمرو بن العاص سنة 18هـ في ما بين القاهرة اليوم ومصر العتيقة. وبلغ طولها على ضفة النيل ثلاثة أميال.

وذكر مؤرخو العرب من مقدار عمارتها أنه كان فيها 36.000 مسجد و 8.000 شارع مسلوك و1.170 حماماً. وبلغ من تزاحم الناس في الفسطاط حتى جعلوا المنازل طبقات عديدة بلغ بعضها خمس طبقات إلى سبع وربما سكن في البيت الواحد 200 فرد من الناس وبلغت نفقة البناء على بعضها 700.000 دينار. ونقل بعضهم أن الأساطيل التي كانت مطلة على النيل بلغ عددها 6.000 أُسطول مزوّدة ببكر ولها أطناب ترخى وتملأ.

بغداد

هي عاصمة العباسيين بناها المنصور سنة 145هـ ولا تزال باقية إلى اليوم وقد تغير موضعها مراراً، وبلغت بغداد معظم عمارتها في أيام المأمون حتى امتدت أبنيتها وبساتينها على بقعة قالوا إن مساحتها 53.750 جريباً منها 26.750 جريباً في الجانب الشرقي و27.000 في الجانب الغربي والجريب 3.600 ذراع مربع، فتكون مساحة بغداد كلها نحو 16.000 فدان وهو شيء كثير ـ ولكن يظهر أنها عبارة عن مدن متلاصقة ـ قال الخطيب البغدادي في تاريخه أنها أربعون مدينة وأن الحمامات بلغ عددها في أيام المأمون 65.000 حمام وقد أراد صاحب (سِيَر الملوك) بيان مقدار عمارة بغداد فقال: (وكان عدد الحمامات في ذلك الوقت ببغداد ستين ألف حمام وأقل ما يكون في كل حمام خمسة نفر: حمامي وقيم وزبال ووقاد وسقاء، يكون ذلك ثلاثمائة ألف رجل وذكر أن إزاء كل حمام خمسة مساجد يكون ذلك ثلاثمائة ألف مسجد وتقدير ذلك أن أقل ما يكون في كل مسجد خمسة نفر يكون ذلك ألف ألف وخمسمائة ألف إنسان)، ناهيك عما كان من العمارة حول بغداد وفي سائر بلاد السواد، قال ابن حوقل وقد رآها في أثناء القرن الرابع للهجرة: (وبين بغداد والكوفة سواد مشتبك غير متميز تخترق إليه أنهار من الفرات.. إلخ).

وهناك مدائن أخرى من بناء المسلمين ذات شأن كالقيروان في بلاد المغرب وواسط في العراق وغيرهما في مصر والشام وفارس، ناهيك عما بالمدائن التي كانت عامرة قبل الإسلام وقد نزل فيها المسلمون وزادوا عمارتها مثل دمشق الشام وقرطبة وغرناطة وطليطلة والإسكندرية.