|
مكوّنات فكر الإمام الشيرازي |
نلاحظ أن فكر الإمام الشيرازي، وتطبيقاته المنهجية، في جميع ما يتصل بالحياة الإنسانية، بميادينها المتنوعة في السياسة والاجتماع والاقتصاد، يتكون من مركز تنبثق منه أشعة تقود متابعيها إلى الخاتمة النهائية وهي الفوز برضوان الله، سبحانه وتعالى. وإذا أخذنا بتعريف السياسة الشامل للميادين الأخرى أمكننا أن نعبر عن ذلك الفكر بالفكر السياسي الذي سيتضمن الاجتماع والاقتصاد وغيرهما مما تحتاجه الدول لإقامة كيانها. المركز الشرعي عند الإمام الشيرازي هو الشريعة، ويتكون هذا المركز من أربعة أقسام، هي مصادر التشريع المعروفة القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة والإجماع والعقل(1) ثم ما ترتب على ذلك من احترام للإنسان وحرص على تحقيق إنسانيته، وتقديس للوطن الإسلامي والدفاع عنه والعمل على تطوره ورقيه. أما الأشعة المنطلقة من ذلك المركز، فتؤدي إلى ما نسميه بالهدف النهائي من العمل التغييري. فوحدة الوطن الإسلامي والمجتمع المسلم ـ مثلاً ـ أشعة تنبثق من المركز الشرعي، وهي من الثوابت في الفكر الإسلامي. ونهوض المسلمين أشعة تنبثق من المركز الشرعي، لإعمار الأرض وبناء أركان الحضارة، لكنها أشعة متغيرة الشكل والحجم بتغير الوسائل المؤدية إلى النتائج. أما المؤسسات، وهي التشكيلات الإدارية، فالمراد بها الأساليب والوجودات القانونية التي تساعد على رفع كفاءة الجهاز الإداري بحيث يحظى بالاحترام والتقدير، وتمثل أشعة من نوع آخر لكنها ليست ثابتة، لأن من طبيعة الحياة أن تتطور الوسائل والتكتيكات والخطط، مع ثبات الأهداف، كالتطور الزراعي والصناعي وما إلى ذلك. ويمكن أن نمثّل لذلك بدائرة تضمّ أساس الفكر نفسه، وهو المركز وتنبثق عنه أشعة تمثّل التشكيلات والمؤسسات وأخيراً الأشعة التي تمثل هدف العمل التغييري. ففي المسألة السابعة والعشرين من كتاب (السياسة) يتحدث سماحة الإمام الشيرازي عن شعاع سيادة الدولة ويقسمه إلى أشعة أخرى يشترط لها شروطاً معينة، فيقول: (إن سيادة الدولة سيادة مطلقة لا تشابهها في القدرة سيادة أخرى، سواء السيادة الداخلية للأحزاب والجمعيات، أو السيادة الخارجية للأمم المتحدة أو السيادة للأحزاب والمنظمات العالمية كسيادة منظمة العمال العالمية وسيادة حقوق الإنسان، وغيرها. ونقول إن للدولة سيادة داخلية، وسيادة خارجية، والسيادة الداخلية هي المطلقة نوعاً ما، حيث ان الدولة قادرة على التشريع والتنفيذ، ضمن ما تسالم عليه الشعب كله، من الدستور أو الدين أو العادات التي هي كالدستور وإن لم تكن مدونة، كما في بريطانيا، والذي يحفظ هذه السيادة المطلقة في الداخل هو المال والسلاح حيث إن المال يعطى للموظفين، ولولاه لم يكن خضوع وضبط أمور، والسلاح لإسناد القانون وعقوبة المجرم بسبب الجيش والشرطة والنجدة، وما أشبه)(2). وبعد أن ينتهي سماحته من تحليل أوضاع الدول والحكومات القائمة الآن، يصل إلى رسم (الأشعة) التي تنبثق من المركز، وتؤدي إلى النتائج، فيقول: (فالحرية إنما تقدر على الانطلاق إذا لم تكن حرية أخرى إلى جانبها، وإلا فكلّ حرية تأخذ نطاقاً لنفسها تمنع نفوذ الحرية الأخرى إلى تلك المنطقة، كحال الأفراد في داخل الدولة، فإن حرية تصرف زيد محدودة بشعاع حرية عمرو، وبالعكس. وحرية حركة منظمة محدودة بحرية حركة منظمة أخرى، وكذلك حال الدولة، فلكل منها شعاع سيادة لنفسها، وذلك الشعاع يمنع من تعدّي الدولة الأخرى في محيط ذلك الشعاع. فإذا أرادت دولة فتح الأسواق لها في خارج بلادها، لم تتمكن من ذلك إلا بقدر ما تسمح الدولة الأخرى ذات السوق، وكذلك في مجال الثقافة والإعلام والدبلوماسية وغيرها. بينما الدولة في داخل بلادها، تقدر من كل ذلك بدون أن يكون لها مقاوم، وإذا قاومها فرد أو جماعة سحقته بقواها المسلحة. ثم إنه ـ يستمر سماحته بالبيان ـ كما لا تساوي في شعاع حرية الأفراد والجماعات في داخل الدولة، حيث إن الفرد المقتدر مالياً، أو علمياً، أو ما أشبه له شعاع حرية أكبر من الفرد الذي ليس كذلك، وهكذا بالنسبة إلى جماعتين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دولتين في سطح الأمم، فالدولة الأقدر مالاً وعلماً وما أشبه لها من شعاع الحرية ما ليس للدولة التي ليست بتلك القدرة مالاً وعلماً)(3). ثم يضع سماحته حدود تلك الأشعة فيقول: (ليس من الحق أن يكبر الشعاع حسب كبر الإمكانيات للدولة، إلا إذا كانت الإمكانيات نابعة من الكفاءات، فاللازم قياس الدولة بالأفراد، من هذه الجهة (....) وتبعاً للأقدرية مالياً يكون الفرد الأول أقدر انطلاقاً وأوسع دائرة لشعاع الحرية.. وإذا صحّ هذا الشيء، عقلاً ومنطقاً، في الفرد، صحّ مثله في الدولة. فالدولة الأقدر المستندة قدرتها إلى الكفاءة في أفرادها، إذ كفاءة الدولة بمعنى كفاءة أفرادها، يحق لها أن يكون شعاع حريتها وانطلاقها أكثر من شعاع حرية وانطلاق الدولة التي ليست بتلك المثابة من الحرية. أما أن يكون الشعاع حسب الأمر الباطل، كما في أمريكا حيث إنّ قدرتها بحسب الرأسمالية المستغلة، بالكسر، وفي روسيا حيث إن قدرتها بحسب الديكتاتورية المستبدة، فذلك خلاف موازين العدالة التي هي إعطاء كل أحد بقدر كفاءته)(4). ويظهر من هذا التحليل للعلاقات بين الأفراد في داخل الدولة، والعلاقات بين الدول في الخاج، بناء الفكر السياسي الشيرازي على مركزية الشريعة، ونظرية الأشعة المنطلقة منها، حيث تنبثق عنها الأهداف التي تكون ثابتة تارة، ومتغيرة حسب الزمان والمكان، تارة أخرى. فالثوابت مثل الأمن الاجتماعي ووحدة الوطن الإسلامي ووحدة الشعوب الإسلامية وغيرها من أهداف استراتيجية هي أشعة تترابط فيما بينها، ويؤثر بعضها في بعض. أما المتغيرات فالوزارات وبقية التشكيلات الإدارية فهي أشعة متغيرة ولها مستويات عدة يجوز فيها التداخل، تنقل الفكر من مستواه النظري إلى مستوى العمل وتسير به نحو الهدف الشرعي. ومن هنا يأتي التركيز على قيمة العمل، والحثّ عليه، في الفكر السياسي للإمام الشيرازي. ومن الجدير بالملاحظة، هاهنا، ان التنظير السياسي للسيد الإمام ليس كلاماً نظرياً بل هو محصلة للجهاد من أجل الإسلام، مبنياً على إدارة حوزة علمية ممتدّة على امتداد الرقعة العالمية شرقاً وغرباً، وإدارة الحوزة العلمية هي ممارسة (سياسية) بالدرجة الأولى، نظراً إلى طبيعة تكوينها ومحتواها العلمي، وكونها جزءاً لا يتجزأ من البناء الاجتماعي، وممارسة متأصلة لبثّ الوعي، والتمهيد لإقامة دولة الإسلام التي تجمع أكثر من مليار مسلم متوزعين اليوم على دول شتى شرقاً وغرباً، وهذا التمهيد، هو تجلٍّ أمثل لأداء سياسي، متزاوج مع الوعي السياسي الذي (يقود) تلك العملية انطلاقاً من المركز الأساسي الذي هو الشريعة، وصولاً إلى انبثاق الأشعة نحو الأهداف الإسلامية. ولهذا فإن النظرية السياسية الشيرازية، تكتسب صفة العلمية بشكل لا نقاش فيه. ولنتابع هذا الحوار ذا الدلالة: (قال: إنك تعلم أنّ كل نظام يحتاج إلى قوة حافظة، وإلا انفلّ النظام فما هي القوة الحافظة لهذا النظام؟ إذ من الممكن أن لا يرضى بعض الفقهاء بمرجعيّة غيره فيكون لنفسه كياناً ويجمع مقلديه، ويرجع الأمر إلى نفس الفوضى التي جُعل النظام للحدّ منها؟ قلت: القوة الحافظة للنظام هي قوة الأمة، فإنه لما شعرت الأمة بوجوب النظام، وأن أسلوب المرجعية هو هذا النحو من الاختيار، حفظوا على النظام، وردّوا المتنكّب إليه)(5). كما يوجد فرق آخر يتمثل في أن النظرية السياسية الشيرازية يضعها رجل شمولي النظرة يريد تأسيس دولة إسلامية تعنى بالإنسان في مختلف جوانب حياته، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأيضاً استشراف آفاق المستقبل واحتمالاته المتعددة، اعتماداً على معطيات الماضي والحاضر، وانطلاقاً من مركزية الشريعة، في الأشعة السياسية المتضمنة لجميع أوجه النشاط للمجتمع الإسلامي.
|
دائرة المركز الشرعي |
1- الشريعة الإسلامية: ليس الفكر السياسي الشيرازي بدعاً في اعتباره الإيمان بالله، سبحانه وتعالى، جوهريّته الكامنة في أعماقه، والمفجّرة لابداعاته، والمتمظهرة في نشاطاته وتطوراته، نظرياً وعمليّاً. لقد اعتبر الفكر السياسي للإمام الشيرازي ذلك الجوهري أساساً في كل الأعمال البشرية فردية كانت أم جماعية تتمثل في الدولة على حدّ سواء، وهذا سر التألق الحضاري الذي ينطلق من جوهر الإيمان بالله تعالى بناءً على التصور الإسلامي. فالله، سبحانه وتعالى، قد وضع للسلطة السياسية أوامر كلها لازم وواجب التنفيذ وهذه الأوامر يجب على السلطة أن توجد القدرات اللازمة لتنفيذ تلك الأوامر، فمثلاً إن الأمر الإلهي بمكافحة الإلحاد والإرهاب والفساد، هو من الواجبات، وقيام السلطة بتلك الوظيفة نوع من الاستجابة لتلك الأوامر، وبحسب الفكر السياسي الشيرازي فإن تنفيذ هذه الوظيفة لن يتم إلا بتوفيق من الله سبحانه، وهكذا تجتمع المدخلات والمخرجات على صعيد واحد، ولننظر في هذه النصوص: * (إذا لم يعتقد الإنسان بإحدى العقائد الإسلامية، كأن لم يعتقد بالتوحيد، أو بالنبوة أو بالمعاد، فإسلامه باطل)(6). * (وعلى كل حال، فعلى الممارسين للتغيير أن يتوجّهوا إلى الله سبحانه وتعالى بتلاوة كتابه، وبالتوسل بأنبيائه وأوليائه كما قال سبحانه: (ابتغوا إليه الوسيلة)(7) وأن يكثروا من الدعاء والضراعة كما قال سبحانه في قصة يونس، عليه السلام: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)(8) كما أن على ممارسي التغيير أن يوسعوا صدورهم لكلّ من الرخاء والبلاء، فلا تبطرهم النعمة، ولا تؤيسهم النقمة)(9). * (وأما من ناحية السلوك فقد كان الإسلام لدى المؤمنين منذ أسس رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، الدولة الإسلامية الكبرى أفضل طريقة في الحياة)(10). ولعل متابعة نصوص الإمام الشيرازي في هذا الباب مما يعجز الحصر والعدّ، لأن الإمام، أولاً وقبل أي شيء آخر، فقيه يبني اجتهاداته كلها على الإيمان بالله، سبحانه وتعالى. فهذه النصوص، وأمثالها كثير في مؤلفات الإمام الشيرازي تظهر بجلاء مصداق التصور الإسلامي لله سبحانه، بأنه المبدئ والمعيد، والقادر الكريم والوهاب، وان الخير والبركة والنماء منه جلّت قدرته، فهو المركز الشرعي في تلك الأشعة العقائدية. إن الاعتراف بفضل الله، هدف من أهداف الخطاب السياسي الشيرازي حيث نستبين بوضوح أن الفكر السياسي الشيرازي، يوثّق كلّ نشاطات الإنسان وسعيه في الحياة، بفكرة الإيمان بالله، سبحانه وتعالى، فالعبادة واجبة، والعمل عبادة، وطلب العلم عبادة، والجهاد في سبيل الله عبادة. ولذا فإن ذلك الفكر يدعونا، دائماً إلى الاعتراف بفضل الله ودعائه وطلب الهداية لما فيه الخير والصواب. وحتى النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ليس هدفاً في حد ذاته، بل ان ذلك النشاط طريق لرضا الله، سبحانه وتعالى. إن هذه الرؤى المنبثقة من المركز الذي هو الشريعة تعلم المدى الكبير الذي استطاع الإمام الشيرازي أن يطور به علم السياسة الحديث، بتجاوزه لنظريات الغرب لأن تلك النظريات مادية بحتة وهي وصف لواقع النظم السياسية في الغرب، من غير أن يكون ثمة تأثير للدين في الصياغة النظرية؛ على عكس الحال في الفكر الشرقي، والتنظير السياسي للمجتمعات الشرقية عموماً، وللمجتمع الذي يريد الإمام الشيرازي تكوينه، خصوصاً. ويمكن استبيان مدى أهمية مركزية الشريعة في الأشعة السياسية التي قنّنها الإمام الشيرازي من خلال فهم الظروف التاريخية التي تعرضت لها الأمة الإسلامية عبر التاريخ، وكيف نجح الفكر السياسي الشيرازي في تمثّلها تمثلاً معاصراً، واكتشاف عبقرية ذلك الفكر الفذ في الاستفادة كثيراً من الاتجاه التاريخي لصنع مستقبل الإسلام والمسلمين، وكم سيؤثّر ذلك، في حال الأخذ به اليوم على نمو البلاد الإسلامية وإنجاح عملية التغيير فيها. ولنا أن نمثل على ذلك، بكثير من نصوص كتب الإمام الشيرازي وبحوثه وتحليلاته لأحداث التاريخ، ولكننا نكتفي بالإشارة إلى بحثه العلمي الرائع (من فقه الزهراء، عليها السلام). فالسيدة الزهراء، عليها السلام، قد تعرّضت لظلم فادح، كان نتيجة للظلم المركز الذي تعرض له زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام، ثم كان الظلم الذي وقع عليهما تمهيداً للظلم الذي حلّ بأبنائهما، عليهم السلام ثم بشيعتهما وأتباعهما. وبالرغم من عنف ذلك الظلم، والضغوط التي تعرضت لها السيدة الزهراء، عليها السلام، فإن الفكر السياسي الشيرازي، استطاع، أن يستخلص من حديث الكساء، وأحاديثها هي عليها السلام، قواعد فقهية وسلوكية عامة، تتعلق بأمور السياسة والاجتماع، أي أن ذلك الفكر استنبط منه (القدرات) التي يحتاج إليها الإنسان المعاصر، رجلاً أو امرأة، في ترصين السلوك اليومي، في جميع الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كما استطاع الفكر السياسي للإمام الشيرازي، وبالمنهجية التحليلية ذاتها، أن يستخلص القدرات من الضغوط المعاصرة نفسها، فيحيل عوامل الضعف إلى عوامل قوة، ومن الشتات وحدة وإخاء ولقاء. ولم يكن هذا الاستخلاص نظرياً مسطراً في الكتب فحسب، بل كان سيرة وسلوكاً نهجهما الإمام الشيرازي، تجاه الضغوط الهائلة التي تعرّض لها، وما يزال إلى هذا اليوم، يتعرّض لها بصورة تثير الغضب على أولئك الذين يجهدون في الإساءة إليه، لا لشيء إلا لحسد استقرّ في نفوسهم، وإلا لحبّ الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة. والأمثلة على هذا الاستخلاص الرائع للقدرات من الضغوط ذاتها، ثمة كثير من الأحداث والحوادث التي وقعت، وما تزال تقع، والتي كان السيد الإمام يحيلها من ضغوط إلى قدرات خاصة، تنفع المسلمين عموماً. فقد حدث، مثلاً، أن بدأت سلطات عبد الكريم قاسم تضايقه، وترسل إليه الوفود لغرض التأييد أو التوقف عن النشاطات التوعوية الإسلامية، وبخاصة أن السيد الإمام كان وما زال على صلة بجميع أطياف المجتمع المسلم، من الفلاحين والعمال والمثقفين والعلماء وحملة الشهادات وغيرهم. وكان سماحته يرفض كل الإغراءات ولا يرضى عن تطبيق الإسلام الحقيقي بديلاً. ومن عجائب الأمور، أو ربما من غير العجيب، أن سماحته ما زال يتعرّض للضغوط ذاتها حتى اليوم، في بلد لا أثر فيه لعبد الكريم قاسم. يقصّ سماحته بعضاً من تلك الضغوط التي لم يكن يبالي بها، لأن في استطاعته دائماً أن يحيلها إلى قدرات له، ونهجاً لمن يريد أن يأتي إلى الله بقلب سليم. جاءه مندوب السلطة زائراً (فتكلمت معه حول تردّي الأوضاع وكتب الحريات، ولما لم يتمكن من الدفاع أخذته العزة بالإثم، وحمل في نفسه عليّ ألف شيء وشيء. قال: نحن جئنا للحرية، ولم تقم الثورة إلا لأجل إرجاع حريات الناس. قلت: فما هي الحريات التي أرجعتموها إلى الناس؟ قال: الحرية في كلّ شيء. قلت: مثل؟ قال: حرية العمال والفلاحين والأحزاب. قلت: إن الفلاح والعامل في العهد السابق، كانوا ينتخبون نوابهم لمجلس الأمة، وكانوا إذا وقع عليهم ظلم ينشرونه في الصحف، فهل الآن بقيت لهم تلك الحريات، الحريات الأصلية؟ قال: رددنا لهم الحرية في شكل أحسن. قلت: وما هي تلك الحرية؟ قال: حرية النقابات. قلت: أنت تعلم أن النقابات ليست حرة، وإنما أجهزة من أجهزة الحكومة. قال: فهل أنت من أنصار العهد البائد؟ قلت: كلا، ويشهد لذلك أننا هاجمناه في مجلة الأخلاق والآداب، وكان بيننا وبينه توتّر شديد. قال: لكن، لا تنكر أنّا أطلقنا حرية الأحزاب؟ قلت: في العهد السابق أيضاً، كانت أحزاب، كحزب الدستور وحزب الأمة وغيرهما. قال: كانت تلك أحزاب استعمارية. قلت: ومن يقول إن هذه الأحزاب الموجودة الآن ليست أحزاباً استعمارية؟ قال، وقد ظهر عليه أثر الانفعال والتأثر: إذا أنت لم ترض بحريات العهد البائد، ولا بحريات الثورة، فبماذا ترضى؟ قلت: بالحرية الإسلامية. قال: حرية الأمويين والعباسيين؟ قلت: بل بحرية الرسول وخلفائه الطاهرين. قال: وما هي تلك الحريات؟ قلت: أصول تلك الحريات هي: 1 ـ حرية إبداء الرأي. 2 ـ حرية الكتابة. 3 ـ حرية التجارة، استيراداً وتصديراً. 4 ـ حرية الزراعة، أن يزرع كلّ إنسان ما يشاء من الأراضي التي لا مالك لها. 5 ـ حرية العمار، بأن يعمر الإنسان ما يشاء من الأراضي التي لا مالك لها، بدون احتياج إلى إجازة البلدية أو نحوها. 6 ـ حرية السفر والإقامة، والدخول في البلاد والخروج منها. 7 ـ حرية العمل، بأن يعمل ما يشاء من الأعمال كالتجارة والفلاحة والحدادة وغيرها. 8 ـ حرية حيازة المباحات، كصيد الأسماك وحيازة الحشائش والأحطاب ونحوها. 9 ـ حرية الزواج والطلاق. 10 ـ حرية التجمع ومختلف أقسام النشاطات. قال ضاحكاً: فلا شأن للدولة؟ قلت: شأنها حماية هذه الحريات، وقطع يد العابثين، واستئصال شأفة المجرمين، وتقديم البلاد إلى الأمام)(11). فقد تمكن الإمام الشيرازي من تحويل ضغوط السلطة عليه، إلى رسم منهج سديد لبناء الدولة وتحصيل حقوق الناس، وذلك باللجوء إلى الموحي بالفكر السياسي الذي يعتنقه السيد الإمام نفسه، أي إلى الخالق العظيم جلت قدرته، وفهم رسالته التي أوحى بها إلى الرسول الأكرم، محمد، (صلى الله عليه وآله وسلم). لقد كان هذا يمثل الضغط الأول أو التحدي الأول؛ ونعني به ما يفرضه الواقع الخارجي، على الفرد أو المجتمع أو السلطة، أو عليهم جميعاً. أما الضغط الثاني فينبعث من المركز الشرعي، لأن المركز الشرعي يضع على عاتق السلطة السياسية مهمة القضاء على جميع صور الظلم والضلال والاضطهاد وانتهاك حقوق الإنسان. وهي الأمور التي مورست، وما تزال تمارس في كثير من بقاع العالم الإسلامي بشكل مفزع. فالمركز الشرعي يضع على عاتق العلماء والفقهاء مسؤولية كبرى اتجاه إيجاد القدرات للقضاء على تلك الظواهر، كما وضع على عاتق الأطباء، مثلاً مكافحة الأمراض وإيجاد العلاج الشافي منها، بإذن الله، تعالى، كما وضع على عاتق كل فرد من الأفراد واجباته التي تأهّل لها. وليس ذلك فحسب، بل كان هنا ضغط ثالث مرده إلى الرأي العام الإسلامي الذي يريد من المرجعية إنقاذه من الدكتاتوريات السلطوية وظلمها، والاستعمار الأجنبي. فلم يعد المسلم يرضى من الفقيه بالاكتفاء بعقد زواجه، مثلاً، أو تحديد الحلال والحرام أمامه، بل أصبح يريد منه أن يقوم بدور أكبر، وذلك بمعونته على تحقيق إنسانيته التي ينتهكها أهل الظلم والطغيان والفساد. هنا ـ إذن ـ ثلاثة ضغوط، ثلاثة مسؤوليات تاريخية وشرعية، ليس لها صفة شخصية فقط، بل ترتقي إلى ضغوط عامّة، ويجب أن يُستجاب لها مهما بلغت التضحيات. وقد شخص الفكر السياسي للإمام الشيرازي هذه الضغوط، ووضع لها الحلول، سواء عبر رسالته الفقهية، أم عبر دراساته وبحوثه العديدة. وتكفي نظرة واحدة على موضوعات كتابيه القيمين (الصياغة الجديدة) و (السياسة) لنعرف مصداق ذلك. وربما كان من الضروري الإشارة هنا إلى أن علماء السياسة المعاصرين يقررون أن النظام السياسي الجدير بالاحترام هو الذي يستطيع تحقيق العدل والأمان؛ وهذا ما قام به فعلاً الفكر السياسي الشيرازي، حيث عاد إلى المركز الشرعي، فوفّر لنفسه قدرتين، قدرة الإيمان، وقدرة المؤمنين، للقضاء على كل عوامل البغي والفساد والضلال. وما دام المركز الشرعي يقوم بهذا التأثير الهائل في دائرة الفكر السياسي الشيرازي فأين يقع هذا الفكر في عالم الأفكار المتصارعة اليوم؟ هذه إشكالية تفرض نفسها على كل باحث في الهوية الحضارية للمسلمين المعاصرين، فهل هذا الفكر جامد أم هو نام ومتطوّر؟ للجواب على هذا السؤال يجدر بنا أن نعود إلى الإسلام نفسه، فلما كان الإسلام، بناء على معتنقات الفكر الإسلامي للإمام الشيرازي، أبعد ما يكون عن الجمود والتخلف، وأقرب ما يكون إلى الحيوية الإبداعية التي تفجر طاقات الشعوب والمجتمعات باتجاه بناء الحضارة والمدنية والرقي، فإن الفكر السياسي الشيرازي هو فكر علمي منطلق من الإسلام ذاته، ومن أجل تحقيق رسالته لما فيه خير البشرية جمعاء. ويتضح بجلاء للدارس السياسي أن الإسلام الذي ينطلق منه الفكر السياسي للإمام الشيرازي، والذي هو تجل لإرادة الله تعالى، هو جزء من المركز الشرعي، وهو المنطلق الجوهري الذي يتحرك بحيوية فائقة في الفكر السياسي الشيرازي، والحيوية ـ دائماً ـ تناقض الجمود والتخلف. والإسلام في الفكر السياسي الشيرازي جزء من المركز المقدس، الذي لا يجوز الخروج عليه في أي حال من الأحوال. وبهذا الاعتبار، يذهب الفكر السياسي الشيرازي إلى ضرورة محاربة الذين يتاجرون بالدين من أجل مصالحهم الذاتية، وكذلك المنافقين الذين يمسخون صورة الإسلام ويشوّهون تعاليمه، وبذلك فهو يعلن إيمانه بالقوة وسيلة لتحقيق أمن المجتمع بالدفاع عن عقيدة ذلك المجتمع. فيكون الجانب العسكري من القدرات التي لابد للسلطة السياسية من توفيرها وصولاً إلى أهدافها، ولكن على أن يتم استخدامها بالطريق الشرعي.
2 ـ من مركزية الشريعة: ضمن مركزية الشريعة، ومن خلال التعاليم الإسلامية، يتبنى الفكر السياسي الشيرازي جملة مقولات وقواعد يعدّها مرتكزات أساسية ينطلق منها إلى (التشكيلات الإدارية) بهدف الوصول إلى (الهدف الشرعي). هذه المقولات والقواعد هي: أ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا تحديد ضروري لازم لفهم المسار الذي يتخذه التفكير الشيرازي في المسألة العقيدية، ومن أجل رسم الحد الفاصل بين الفهم الجامد للعقيدة، والفهم المستنير لها، حين يتم الانطلاق من العقيدة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن المسلم إنما يحمل السلاح دفاعاً عن العقيدة والوطن والكرامة(12). ومن هنا فإن الفكر السياسي الشيرازي يعمل على ترسيخ مفهوم أن المسلمين تربطهم أواصر التمسّك بالعقيدة الإسلامية الراسخة، وعرى التكافل الاجتماعي، ومصلحة شريعتهم الإسلامية. فالتنظير هنا في إطار البناء والإعمار والحضارة، فينبغي أن تتوضح المرتكزات والمنطلقات التي توصل إلى ذلك، متجنّبة ـ في الوقت نفسه ـ السلبيات التي تواكب عادة العملية التغييرية، فيتمّ التركيز على الأخلاق والفرق بين (المعروف) و (المنكر) من أجل وضع القواعد الأخلاقية التي تصون مسيرة التغيير والتقدم من مزالق الانهيار القيمي الأخلاقي وما يستتبعه من احتمال تحول التحضر إلى الضرر بدل النفع والخير. ولذلك فالإمام الشيرازي يذكرنا دائماً بالإسلام ويعتبر أن مواصلة درب الإيمان بالله وبتعاليم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومواصلة التمسك بكتاب الله، لا يمكن ان يتحقق إلا بعون الله وما يستمدّه المسلمون من عونه تعالى. وينقلنا الفكر السياسي للإمام الشيرازي في هذا المستوى من التحليل إلى ذلك التداخل المتميز بين المركز والأشعة المنطلقة منه، سواء في السلوك أو في تأسيس الإدارات والوزارات والمؤسسات وغيرها من نشاطات وكيانات سياسية واجتماعية واقتصادية. يقول الإمام الشيرازي: (المجتمع السليم هو المجتمع المؤمن بالله واليوم الآخر، الخاضع لأحكام الله ورسوله، ويكون الجميع فيه أخوة متساويين أمام القانون، والكل حر مسؤول عن عمله، بدون إكراه فرديّ أو أجوائي، وله أجره بدون استغلال إنسان لإنسان آخر، ولكلّ حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية على قدم المساواة، وبقدر الكفاءات، ولو تعدى إنسان على إنسان عوقب المعتدي، فالإنسان محترم متخلّق بالفضيلة، وليس عبداً لشهوة أو مال أو جاه، وهو يملك كلّ آثاره مما حصّله، فهو مسلّط على نفسه وماله في إطار عدم الإضرار بالآخرين من جيله المعاصر والأجيال الآتية، وتُحفظ في مثل هذا المجتمع أواصر العائلة والأقرباء، والأصل في هذا المجتمع بالنسبة إلى كلّ فرد (البراءة) حتى تثبت إدانته)(13). وبعبارة أخرى، تستلهم معناها من هذا المنطلق، أن الغاية الشريفة يجب أن تنبعث من عقيدة شريفة أيضاً، وهذه العقيدة الشريفة هي التي توحي بالوسائل المؤدية إلى تلك الغاية فلابد للوسيلة أن تكون شريفة أيضاً انسجاماً مع العقيدة ورسالة الأمة وكرامة أبنائها. وبناءً على هذا فإنّ الغاية مطلقة لا تبرر الوسيلة مطلقة، بل ان الغاية مقيدة بكونها شريفة ونبيلة هي فقط التي تبرر الوسيلة على أن تكون هذه الوسيلة نبيلة وشريفة أيضاً، سواء كان هدف الأداء السياسي بناء المجتمع المسلم أم بناء العلاقات الأخوية السليمة مع الخارج. ويقودنا الفكر السياسي للإمام الشيرازي إلى الإقرار بأننا ونحن، ننتمي إلى الأمة الإسلامية يجب أن نضع نصب أعيننا القيم النبيلة والأفكار السامية والتمسك بمبادئ ديننا الحنيف انطلاقاً من التفهم لدورنا حيال منطقتنا بوجه خاص والمنطقة العربية بوجه عام. لأننا ونحن عندما ننظر حولنا، نرى النعم التي أسبغها الله علينا، وعلى بلداننا الإسلامية، وفيرة، بالرغم من تبديدها وتبذيرها من قبل الحكام المستبدين الفاسدين المفسدين، ولذا ينبغي علينا أن نضع نصب أعيننا ـ دائماً ـ وجوب المحافظة عليها بتكريس أنفسنا ـ دائماً ـ لخدمة الإسلام والمسلمين، وإسعاد البشرية جمعاء، مدركين دائماً، واجبنا تجاه ربنا وديننا ومجتمعنا؛ وقد جاءت هذه المثل السامية في بحوث السيد السياسية جميعاً، وبخاصة الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام. وكل هذا يصدر عن النظرية السياسية الشيرازية القائلة: إن التهاون في حماية دين الله له عواقب وخيمة. ب ـ لا دولة بلا علم وعمل: العلم والعمل قيمتان أكّد عليهما الإسلام، باعتبارهما خاضعين لسنن الله سبحانه في الكون، أي أنهما قيمتان محايدتان، بمعنى أنهما يمكن أن يستخدما في الخير كما يمكن أن يستخدما في الشرّ. الفكر الإسلامي، حينما ينظر إلى قيمة العلم والعمل، فإنما يتم ذلك بمنظور الخير والصالح العام. وبالنظر لتحكّم العقيدة كمحور ثابت مقدس في الفكر السياسي الشيرازي، فإننا نلاحظ أن العلم والعمل أينما أطلقا في التعبير الإسلامي فإنما يراد بهما العلم النافع والعمل الصالح. ومفهوم (النفع) و (الصلاح) تحدده العقيدة ومدى المساهمة في الحفاظ على الأمن الاجتماعي والنظام العام وتنفيذ القوانين الإسلامية لتحقيق أهداف التغيير الإسلامية، وهي الأهداف التي اصطلحنا عليها بـ(الهدف النافع) في الفكر السياسي الشيرازي. لأنّ التغيير إنما يتحقّق وتزدهر البلدان بكفاح أبنائها البررة الأوفياء. وان أي عمل لا يقصد به المصلحة العامة ولا يقوم أساساً على خطة مدروسة هو عمل معرض للفشل وضياع الوقت والجهود. وأن الاعتناق السلبي للإسلام لا يكفي، والإخلاص للأمة الإسلامية يجب أن يتخذ شكل العمل الدائب المستمر الذي يتوجب على كل رجل وكل امرأة القيام به، كلّ بحسب ما أهّله الله له. ويعلّمنا الفكر السياسي الشيرازي اننا نعيش عصر العلم ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وان ذلك ليزيدنا يقيناً بأن العلم والعمل الجاد هما معاً وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر وبناء نهضة قوية ومزدهرة على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية. فالعلم والعمل على مستوى التنظير وعلى مستوى الفكر السياسي مرتبطان بالعقيدة كما هما متوجهان لخدمة البلاد والعباد. ولذلك فإن الفكر السياسي الشيرازي يفترض ان العلم والعمل لا يوجدان خارج إطار المجتمع، وإنما هما قيمتان (أخلاقيتان) فاعلتان، بكل حيوية، في إطار وطن إسلامي موحّد وأمة إسلامية واحدة، أي أن يكون كل منهما عملاً جماعياً تعاونياً باعتباره موجّهاً لمصلحة الجماعة ككل. وذلك لأن الحضارات لا تقوم إلا إذا توفّر لها المقومات الأساسية وعلى رأسها حبّ العمل بين الأمة الإسلامية الواحدة. كما أن المستقبل أمام الأجيال يكمن في الارتباط القوي بهذه الأرض الطيبة والاعتزاز بتقاليد الآباء والأجداد في تقديس العمل وبذل الجهد والعرق لاستغلال الموارد الطبيعية في بلاد المسلمين وتوظيفها لمصلحتهم جميعاً، ومواصلة العمل الجادّ والمخلص من أجل رفعة الإسلام والمسلمين، بالاعتماد على النفس ومواصلة التضحية والفداء والعطاء. فالعلم ضرورة لازمة، ولابد أن يتعلم الجميع ليصنعوا مستقبل الإسلام. وتدخل نظرية العمل هذه، التي هي جزء من أجزاء الفكر السياسي الشيرازي، ميدان الاعتماد على الذات، لتحاول معالجة واحدة من أكثر مشكلات العمل إشكالية وخطورة، وهي أنّ كثيراً من البلدان الإسلامية ما زالت تعتمد على الخبراء غير المسلمين في تسيير دفة الدولة، وهذا وضع لا يمكن الإقرار به، فلابد من (أسلمة) الأعمال جميعاً ما أتيحت لها الكفاءات الإسلامية. وبالطبع فإن هذا العمل بحاجة إلى شروط كثيرة لإنجاحه، يقف في طليعتها الكادر الإسلامي المؤهل والماهر والذي لا يأنف من أداء الأعمال التي تسند إليه. مع الإقرار بأن توفير هذه الكوادر ليست بالمهمة السهلة. ولو أمكن لهذه الرؤية أن تدخل مضمار التطبيق الحقيقي لسارت عملية (أسلمة) الوظائف والأشغال بنجاح مطّرد، حتى يمكن اعتبار الرؤية الشيرازية في هذا الصدد، مثالاً يحقّ للفكر السياسي الإسلامي أن يفخر به. وذلك بفعل كونها استجابة للإرادة الإلهية. فلابد أن يعمل المسلمون على تطوير الكادر الإسلامي. وتوفير التعليم والعناية الصحية والتدريب المهني وبث الوعي. وقد استنبط الفكر السياسي الشيرازي لهذا الموضوع قدرة إحلال المسلم المؤهل في الموقع المناسب، بغض النظر عن الشهادات والدراسات الأكاديمية، وهو حلّ يتجاوز ـ من وجه نظر علم السياسة ـ جميع الحلول المتبعة حالياً في الدول الإسلامية، أو التي تحب أن توصف بذلك. واستمر الإمام الشيرازي في توجيه الدعوة للمسلمين في بذل أقصى الجهود في العلم والعمل. في نفس الوقت الذي يوجّه أصحاب الأعمال والمشاريع إلى توظيف أبناء الإسلام أولاً، وابتغاء رضوان الله في كل أعمالهم. والحق أن هذه رؤية متفردة في بابها، ويفرضها الواقع الحالي فنحن، كمسلمين، نعيش الآن في مرحلة تتطلب منا أقصى درجات الجدية للقيام بالعبء الأساسي في جميع مجالات العمل التغييري بغير استثناء. ويجب أن يمنح الشباب فرصتهم في العمل النافع من أجل أن يضرب المثل في الجدية والجدارة ويعد نفسه للمشاركة الإيجابية في قطاعات العمل كافة، من دون أن يربط مستقبله بالحصول على الشهادات فقط أو يحصر اهتماماته في مجالات محدودة بطبيعتها. ويمكن إنجاح هذه الخطط باعتماد مبدأ (التقوى) باعتباره رائد العلم والعمل في آن واحد(14). ج - مفهوم العدالة والمساواة: لعل أبرز مشكلة جابهت وتجابه علم السياسة بما يضمه من نظريات سياسية وأداء وظيفي سياسي، عبر التاريخ وإلى اليوم هي تحديد المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بالعلاقات بين السلطة السياسية والمواطنين، وأيضاً بين المواطنين أنفسهم في شؤون حياتهم وأدوارهم في الايقاع العام للحركة الاجتماعية. ومن تلك المصطلحات مصطلحا العدالة والمساواة، فالإسلام له منظوره الخاص به والذي يختلف عن منظور كتاب ما يسمّى بعصر التنوير في أوروبا، وتختلف النظرية الماركسية عنهم جميعاً، ويختلف كل هذا عن التطبيقات السياسية المتبعة اليوم في ميداني العدالة والمساواة في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وحتى هذه البلدان فتختلف فيما بينها بالنسبة لتحديد هذين المفهومين. الفكر السياسي الشيرازي، وباعتبار انطلاقه من المركز الشرعي، فقد حسم موقفه من هاتين المسألتين، معتمداً على تراثه العريق، ومستلزمات الواقع اليومي المعاش. لأنه يرى بأن جميع مسلمي العالم سواسية لا فرق بين واحد وآخر، وهم لا يتفاضلون إلا بالتقوى. فالمساواة تفرض أن يكون الكل أخوة في ظل العدالة الاجتماعية الإسلامية. والميزة والتفاضل بمقدار الإخلاص والكفاءة في العمل المثمر البناء. حيث يتحدد مفهوم المساواة اعتماداً على هذه المرتكزات: 1 ـ الأخوة الإسلامية. 2 ـ توفير العدالة الاجتماعية بالمنظور الإسلامي. 3 ـ لا فضل لفرد على آخر إلا بمقدار إخلاصه وكفاءته في أداء عمل مثمر بنّاء يخدم المجتمع الإسلامي، ويكون مبنيّاً على التقوى. وهذا الفرد الذي يخدم أمته بإخلاص وكفاءة ستترقى علاقته بأمته إلى مستوى (الأخوة)، وهكذا يكون متساوياً مع غيره في ظلال العدالة الاجتماعية الإسلامية. بمعنى أن المركز الشرعي يشرع العدالة الاجتماعية الإسلامية، وأنّ العمل المثمر البناء يقود إلى الأخوة التي تتحقّق المساواة في ظلالها. فالمركز الشرعي (يشرّع) العدالة الاجتماعية الإسلامية التي تظلل العمل المثمر البناء فتفرض في مؤديه الإخلاص والكفاءة، ثم إن ذلك العمل يقود إلى تحقيق معنى الأخوة، تلك هي الأخوة عينها التي تعود في جوهرها إلى المركز الشرعي ذاته، والتي تمنح المساواة معناها المحدد والواضح في الفكر السياسي الشيرازي. فمن المفهوم أن الناس سواسية كما علّمنا ديننا وأنه لا فرق بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وان أكرمكم عند الله أتقاكم. د ـ الحرية والاستقلال: يتبنى الفكر السياسي الشيرازي بشكل قاطع مسألة الحرية والاستقلال، حرية المسلمين ضمن أطر القوانين المنظمة للعلاقات الاجتماعية، والأداء السياسي، واستقلال الدولة في اختياراتها، ومنهجها في السيطرة على شؤونها ومواردها وعلاقاتها مع دول العالم. وهذا التبني يقع في دائرة المركز الشرعي باعتبار أن الحرية والاستقلال شعاران نابعان من تعاليم العقيدة نفسها وتراث البلاد في مقاومة الاحتلال الأجنبي. وإضافة إلى ذلك فإن هذا التبني ينطلق من جملة ثوابت نظرية سياسية يمليها الواقع، وحسن قراءة الأحداث، وهذه الثوابت تنطلق من اختيارات الشعب والمجتمع السياسي ومتطلبات الموازين السياسية المحلية والعالمية. وفي التعليل لهذا التراضي الشعبي على ضرورة أن يعود الإسلام، بقيمه النبيلة، إلى قيادة الأمة، مرة أخرى، يرى الفكر السياسي الشيرازي أن السبب فيه يعود إلى التجارب المريرة التي مر بها هذا الشعب المسلم والتي صهرته حتى توصّل إلى القناعة الكاملة بضرورة أن يكون حراً كريماً فوق أرضه. ونجد مصداق هذا التحليل في النص التالي: (إن الإسلام دين الحرية بجميع معنى الكلمة، والحرية الإسلامية أكثر من الحرية الغربية عشر مرات أو أكثر، وقد استنبط الفقهاء من الآيات والروايات القاعدة الفقهية المشهورة (الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم) وهذه القاعدة تعطي ألوف الحريات للإنسان، فهو حرّ في أن ينتخب مرجع تقليده، وهو حرّ في أن ينتخب رئيس دولته، وهو حرّ في أن ينتخب نواب مجلسه، وهو حرّ في أن ينتخب إمام جماعته، وهو حر في أن ينتخب قاضيه، وهو حرّ في أن يسافر، ويبني، ويزرع، ويتاجر، ويكتسب، ويسبق إلى المباحات، ويستملك الأراضي)(15). إن الكثيرين من أبناء الإسلام قد خبروا القساوة والعبودية التي يفرضها الظالمون على ضحاياهم الذين يوقعهم سوء الطالع في قبضتهم يعرفون كيف أن الحقيقة تختلف عن أكاذيب ومفتريات الدعايات التي يبثها أولئك الظالمون. ومن هذا الاختيار، ومن هذا السبب يقرر الإمام الشيرازي معارضته بشدة لجميع الطغاة والدكتاتوريين، مهما كانت الظروف. بل انه أطلق صيحة مدوية (لا للطغيان) في كتابه (ممارسة التغيير). وانطلاقاً من قواعد علم السياسة ومقولاته، من أن الحرية والاستقلال، لا يأخذان مجالهما الحقيقي إلا بالتضامن بين الدول المتجاورة الواقعة في مناطق التنافس الدولي، فإن الفكر السياسي الشيرازي يتعهّد بتنفيذ ذلك التضامن، بدعوته المستمرة إلى الوحدة الإسلامية. وهذا التعهد مرتكز على قاعدة إسلامية أصلية منبثقة من المركز الشرعي في الفكر السياسي الشيرازي، ذلك المركز الشرعي الذي يقرر ردّ العدوان من حيث جاء مع توفير الضمانات الكافية لإنجاح ذلك الرد. فيعود الموقف السياسي برمته إلى ذلك المركز الشرعي بما يخدم قضية الحرية والاستقلال؛ وإلى هذه العودة أيضاً، وإلى البعد الإنساني لذلك الفكر يمكن أن نرجع المواقف السياسية للإمام الشيرازي من أحداث العالم ما كان قريباً من البلاد وما كان بعيداً، على أساس أن قضية الحرية في العالم كله قضية متماثلة الحلول. ويأتي الاهتمام بأحداث العالم المختلفة من قناعة الفكر السياسي الشيرازي بأن انتصار قوى الشر في مكان ما من العالم سيشجع تلك القوى على المغامرة في مناطق أخرى. وبالطبع فإن هذا الفكر، وقد تبلور نتيجة التحصيل النظري السياسي، والمعاناة الحقيقية قد وصل إلى قناعة سياسية متكاملة تتفهم ـ بوعي عال ـ خطورة الظلم وما يحمله معه من تخريب ودمار، وتركيع للحكومات والشعوب الخاضعة له والسائرة في ركابه. هذه الرؤية الدقيقة لأوجه الصراع العالمي بين الحرية والاستقلال من جهة، وبين الاستعمار والتبعية من جهة أخرى، دعت الفكر السياسي الشيرازي إلى استنباط قاعدة سياسية خطيرة جداً تدعو إلى مناهضة ذلك الاستعمار، بمختلف أساليب التوعية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حتى أنه حارب التبذير الفردي والجماعي وأمر بترشيد الإنفاق لما فيه صالح الشعوب، بمعنى تنظيم أمور الاقتصاد لتقوية البلاد الإسلامية كي تستطيع مقاومة إغراءات الدول الأخرى وضغوطها. وبسبب هذا التشخيص، ولغرض الحصول على الحرية التامّة والاستقلال الناجز، واستلهاماً لدروس التاريخ، دعا الفكر السياسي الشيرازي إلى ضرورة تحقيق دولة إسلامية حقيقية، وإلى أن يتمتّع الناس بروح الوفاء، والإخلاص والتفاني من أجل عقيدتهم. يقول سماحته: (نعم، الصيغة النهائية للتوسيع إنما تكون بتوحيد العالم تحت حكومة واحدة كما قال سبحانه: (وان هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم)(16) وفي آية أخرى ذكرت طريقة الوصول إلى ذلك، قال سبحانه: (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم)(17) فالشعوب والقبائل للتعارف والمعيار في التقدم الكفاءة (التقوى) ولذا كانت المهمة الإسلامية أن يسعى كل فرد لتضعيف الحاكمية المحلية لتقوية الحاكمية العالمية، إذ الحاكمية المحلية قوقعية، بينما الحاكمية العالمية انطلاقية، وكلما ضعفت الأولى قويت الثانية، وبالعكس، ومن الواضح أنه ليس المراد بالتضعيف الفوضى، بل تكثير الحريات والانطلاقات، وتوسيع مجال عمل الكفاءات، فإذا تمكنت الكفاءات من العمل بأقصى قدرتها، كان معنى ذلك سقوط الحكومات المحلية، وقيام الحكومة العالمية الواحدة)(18) والمراد، بلا شك، الحكومة الإسلامية الواحدة الممتدة على كل العالم. وينبّه الفكر السياسي الشيرازي إلى حقيقة سياسية واضحة ولكن طالما تغافل عنها كثير من زعماء العالم الإسلامي، تلك الحقيقة تتمثل في حاجة الأمة إلى توحيد مواقف البلدان الإسلامية بما يضمن مكافحة الاستعمار وتحقيق الحرية والاستقلال للشعوب والحكومات، خاصة وأن المطامع الاستعمارية أصبحت واضحة جداً بما تحمله معها من مخاطر ودمار واستغلال وتبعية. فمحور هذا التنظير السياسي للواقع الإسلامي، ومتطلبات تجاوزه، هو مصلحة الشعوب الإسلامية التي لا يمكن تحقيقها في ظل الخلافات الرسمية بين المسلمين. إن مسألة كرامة الشعوب وحريتها واستقلالها وتحقيق رفاهيتها وسيادة الطمأنينة والسلام فيما بين بعضها البعض ومستلزمات الوصول إلى ذلك من خلال مكافحة الظلم الخارجي والداخلي والغزو الأجنبي هي مسألة تقع في المركز الشرعي من الفكر السياسي الشيرازي، هذا المركز الشرعي الذي هو بطبيعته، مبدءاً وعقيدة، لا يقبل المساومة.
3 ــ مسؤولية جماعية: الفكر السياسي الشيرازي يضع الإنسان بواجباته وحقوقه في دائرة المركز الشرعي نفسه. وذلك للأسباب التالية: أ ـ ان العقيدة الإسلامية التي هي جوهر ذلك الفكر ونسغه الذي يمنحه دفء الحياة إنما هدفت إلى تحقيق سعادة الإنسان، وتوفير شروط العيش الهنيء، والحياة الكريمة له، تلازماً مع أدائه لواجباته تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه، تحقيقاً لإرادة خالقه. وهذا ما فهمه المسلمون جميعاً ـ بكل وضوح وجلاء ـ من آيات القرآن الكريم، والإرث الحضاري للأمة الإسلامية. ب ـ الطبيعة الإنسانية للفكر السياسي الشيرازي إذ يعتبر ان الإنسان هو وسيلة النهوض والغاية إسعاده في آن واحد وان كل التشريعات يجب أن تهدف إلى خدمة الإنسان وصوت إنسانيته وحقوقه في عالم من السلام والاطمئنان والسعادة. ج ـ كون الفكر السياسي الشيرازي فكراً واقعياً يعيش ضمن إطار التاريخ الحضاري للبلاد الإسلامية، ومادام ضمن إطار التاريخ فلابد له أن يرتبط بالإنسان وتطلعاته نحو غد أفضل. ويؤكد الفكر السياسي الشيرازي على هذه الأسباب مجتمعة من غير فصل بين الحقوق والواجبات، بل انه يمنح الواجبات المترتبة على المواطنين جزءاً من حقوقهم على السلطة السياسية، بمعنى أنه يضع على عاتق السلطة السياسية مسؤولية توفير الأجواء الإيجابية البناءة لتطوير أبناء المجتمع المسلم ومساعدتهم على المزيد من البذل والعطاء عن طريق التحسين المستمر للأداء السياسي نفسه، سواء كان متصلاً بالسلطة السياسية كحكومة أو كمجلس استشاري او كنشاط اقتصادي، أو كمجلس شورى فقهاء وما إلى ذلك من مؤسسات إدارية تحدد الأزمان جدوى وجودها من عدمها. وقد قدم الإمام الشيرازي، في هذا الخصوص، رؤية متكاملة، لعلاقة الحقوق والواجبات والدمج بينهما، في دراسته الفائقة الأهمية (الحريات). ولا يملك المنظرون السياسيون إلا الاعتراف بأن فهم الحقوق والواجبات على هذا الأساس، وتطوير الواجبات لتكون مظهراً ضميرياً، خطوة متقدمة جداً في التنظير السياسي وفي علم السياسة نفسه، وهذه الخطوة المتقدمة لا يمكن ان تحدث في النظم السياسية التي تعمد إلى الفصل بين السلطة والاجتماع، أو بين الحكومة والمواطنين. وبعبارة أخرى، يعتبر ذلك صورة حية من صور الأنظمة السياسية المنبثقة من المواطنين، من معاناتهم وآلامهم، وطموحاتهم وآمالهم، لا بمعنى كونها حكومة الظالمين، أو السلطة الطبقية المنفصلة عن المجموع، بل هي حكومة الشعب، أو سلطته. لذلك لا نجد في جميع نظريات الفكر السياسي الشيرازي فصلاً بين الحقوق والواجبات، مع وجود المصطلحين جنباً إلى جنب، وهذا الربط الاصطلاحي توضيحيّ واصطلاحي فقط الذي بدأ من محورين، فيما يتعلّق بأي دولة تريد أن تصف نفسها بأنها إسلامية: الأول: الحكومة تمثل إرادة الشعب. الثاني: الشعب يساند الحكومة لأنها منه وإليه. وهذان المحوران واضحان جداً في البواكير الأولى للنظرية السياسية، ثم في مجمل رأي الإمام الشيرازي عن علاقة الحكومة الإسلامية والمجتمع المسلم، ثم في التركّز في منطوق الفكر السياسي نفسه. فالنهوض ليس غاية في حدّ ذاته، وإنما هو من أجل بناء الإنسان الذي هو أداته وصانعه، ومن ثم ينبغي ألا يتوقف عند مفهوم تحقيق الثروة وبناء الاقتصاد، بل عليه أن يتعدى ذلك إلى تحقيق تقدم الإنسان وإيجاد المواطن القادر على الإسهام بجدارة ووعي في تشييد صرح الإسلام، من جديد، وإعلاء بنيانه على قواعد متينة راسخة. وعلى السائرين في دروب التغيير والنهوض ألا تهولهم الصعوبات بل يجب أن يتحدّوها من أجل أن يخرجوا بالناس من عزلتهم ويأخذوا بيدهم إلى طريق العزة والكرامة. وفي نفس الوقت عليهم أن يتحمّلوا مسؤولية حمايتهم من التمزق والضياع، وإحياء حضارتهم واستعادة أمجادهم، وربطهم ربطاً وثيقاً بإسلامهم ليشعروا بعمق الانتماء ومدى التجاذب بين الإنسان وكل هذا الوجود من حوله. ويحلل الفكر السياسي للإمام الشيرازي الواقع الذي نعيش في خضمّه فيصل إلى نتيجة مفادها أننا نعيش مرحلة تتطلب من أبناء المجتمع المسلم أقصى درجات الجدية للقيام بالعبء الأساسي في مجالات العمل كافّة بغير استثناء. وانه لمن الأهمية بمكان أن يضطلع كل مسلم ومسلمة بمسؤوليتهما تجاه الرسالة التي أوكلها الله سبحانه وتعالى للبشر، من دون اتكالية أو اعتماد على الآخرين ويساهم الاجتماع كله بكل الجدية والإخلاص في إنجاز عمليات التطوير الحقيقي، ذلك التطوير الذي يدعو جميع المسلمين إلى تمجيد العمل كقيمة نبيلة تعطي للحياة مضموناً إيجابياً نافعاً وكواجب مقدس يحتمه الإيمان على المؤمنين وتحض عليه تعاليم الشريعة الإسلامية الغراء. ونعتقد ان هذا النص الأخير يمثل ترصيناً للعلاقة بين السلطة والمواطنين على أساس الاندماج الكامل بين الطرفين حتى يصيرا طرفاً واحداً، وسبيكة متماسكة الأجزاء، متوازنة الإيقاع، في أداء الوظيفة السياسية تجاه المجتمع والدولة ككل. ولا يمكن أن يتحقّق هذا إلا في ظلال الدولة الإسلامية. فالمسؤولون مواطنون، وكل المواطنين مسؤولون. وعلى الجميع يقع واجب العمل. والعمل في حدّ ذاته قيمة نبيلة تعطي للحياة مضموناً إيجابياً. والعمل واجب مقدس يحتمه الإيمان وتحض عليه تعاليم العقيدة. فيعود الأمر كله إلى المركز الشرعي في الفكر السياسي الشيرازي. |
1 ـ السياسة: ج 1 ص 7 . 2 ـ نفس المصدر: ج 1 ص 285 . 3 ـ نفس المصدر: ج 1 ص 286 . 4 ـ نفس المصدر: ج 1 ص 287 . 5 ـ حوار حول تطبيق الإسلام ص 126 . 6 ـ المصدر نفسه ص 81 . 7 ـ سورة المائدة، الآية: 35 . 8 ـ سورة الأنبياء، الآية: 87 ـ 88 . 9 ـ ممارسة التغيير ص 63 . 10 ـ ممارسة التغيير ص 27 . 11 ـ حوار حول تطبيق الإسلام 152 وما بعدها . 12 ـ يُنظر باب (السلام) في الفصل الرابع من الصياغة الجديدة ص 349 وما بعدها . 13 ـ الصياغة الجديدة ص 152 . 14 ـ السياسة: ج 1 ص 290 . 15 ـ الصياغة الجديدة: 505 . 16 ـ سورة الأنبياء، الآية: 22 . 17 ـ سورة الحجرات، الآية 13 . 18 ـ السياسة: ج 1 ص 290 . |