الفهرس

المؤلفات

  الإدارة

الصفحة الرئيسية

 

وظائف المتابع

وقد تقدم أن من الأفضل أن يكون المتابع غير المدير نفسه، لأن المدير إذا اشتغل بالمتابعة من ناحية وبإدارته من ناحية ثانية أضرّ بالجانبين، نعم إذا كانت لديه شواغر فمن الأفضل المتابعة بقدر تلك الشواغر، وإلاّّ فمن اللازم جعل جهاز فرعي لدى المدير ليكون متفرغاً للمتابعة، والمتابعة عبارة عن ملاحظة الأقسام والدوائر والمديريات والمزارع والمدارس والمعاهد والمستشفيات والمستوصفات والمطارات والقطارات والمواصلات وغير ذلك كل في مقامه ومنزلته، سواء كانت المتابعة على مستوى الحكومة أو على مستوى الإدارات الكبرى أو الإدارات الصغرى.

ثم اللازم على الجهة المتابعة مراعاة العدل والحزم والثواب والعقاب بقدر، وإلاّ فقدت المتابعة، كنهها وواقعها، فإن الإنسان إذا رأى الظلم أو لم ير الحزم لم يستجب لما يطلب منه، فمن اللازم أن توضع مسبقاً معايير المتابعة وضوابط للقياس، كي توضح المسؤوليات والواجبات وطريق المتابعة والحساب وحدودها والثواب والعقاب والتشجيع والتقريع وغير ذلك مما المتابعة محفوفة به، لكن من اللازم أن يحذر من كثرة الجهات المراقبة أو المتابعة أو المحصية أو الدقة الخارجة عن المتعارف، مما سماه الله سبحانه وتعالى في القرآن الحكيم بـ (سوء الحساب) [1] فإن الكثرة تؤدي إلى شلل الإدارة وإرباكها وتخديرها ومن ثم فقد تفقدها مع الزمن الثقة في جديّة الطلبات الواردة إليها، فلا تستجيب باهتمام وعناية أو تقعد لتتفرّج وتنتظر العواقب، وكذلك إذا اشتدت المراقبة وصارت دقيقة جداً، فإن الإنسان لم يخلق كما خلق الشجر والحجر مستجيبة لكل صغيرة وكبيرة يعمل بهما، وإنما الإنسان مركب من العواطف والعقل والأهواء والجهات المختلفة، فمن اللازم أن تكون المتابعة متوسطةً لا فضفاضةً ولا دقيقةً جداً.

ثم إنّا قد أشرنا سابقاً إلى موضوع أن لا يكون عدد الوحدات المرتبطة مباشرة برئيس ما، زائدة عن الحد الذي يفوق قدراته البشرية والفنية، فإن كثرة عدد الوحدات سوف يخرجها عن ساحة الرؤية المتاحة لهذا الرئيس، فيصعب عليه بالتالي القيام بوظيفة المتابعة الدقيقة، وذلك يضر هذا الجانب أو ذاك الجانب أو كلها، ويجب أن تكون المتابعة موضوعية ومتواضعة وهادئة ومحيطة وتفعم بالأخلاق بدون تدخل مربك من المتابع في التفاصيل، لأن المتابعة تهدف التعرف على مدى الإنجاز والتحقيق من المسار حتّى الهدف والتوجيه والمساعدة في تذليل الصعوبات وتعديل الانحرافات وتصحيح اللف أو الدوران، وكل ذلك لا يمكن إلاّّ بتلك الصفات التي ذكرناها في المتابع.

ثم إن المتابعة يمكن أن تكون من حيث الزمن، أو من حيث الإحاطة، أو من حيث المضمون، أو من حيث الأُسلوب، فمن حيث الزمن يمكن أن تكون المتابعة سابقة للعمل الإداري أو مرافقة له أو لاحقة به، والمتابعة السابقة بمعنى الرقابة التي تخضع لها خصوصيات التعيين وبعض العقود قبل نفاذها، والمتابعة المرافقة واضحة، أما اللاحقة فبمعنى أن العمل المنجز يتابعه المتابع ليرى هل هو على نحو مرض أم لا، والمتابعة من حيث الإحاطة بمعنى أن تكون شاملة لسائر النشاطات وفعاليات الوحدة المعنية، وإذا تطلّب المقارنة بالنشاطات للوحدات الأخرى يجب أن تكون أيضاً ملاحظة لتلك النشاطات كأن يلاحظ المتابع، الأمور المالية أو المحاسبية أو الأمور الشخصية أو الفنية أو كل ذلك، لكن تقدم أن المتابعة إنما تنصبّ على شيء واحد. وإنما تكون للمتابعة جوانب أُخرى هامشية تتعرض إلى الوحدات الأُخرى.

[1] سورة الرعد: الآية 21.