| الفهرس | المؤلفات |
|
البحوث التنظيمية للإدارة |
|
(مسألة): من مهمات الإدارة، جمع الحقائق والمعلومات، التي تساعد في سير العمل وتقدمه إلى الأمام باطراد، وتعتبر هذه العملية، من أهم خطوات البحث التنظيمي فهي أمر موكول إلى المدير بنفسه، أو إلى محلل يساعده في هذه المهمة، والأفضل في المؤسسات الكبرى، أن يكون المحلل قائماً بمثل هذا العمل، وعليه تعتمد النتائج والتوصيات، التي سيقدمها للمدير في تقريره، عند انتهائه من عملية إجراء الدراسة، حتى يكون المدير ومدراء الأقسام والمديرون في القاعدة، على علم بكيفية سير العمل وخصوصياته ومزاياه ونواقصه، ولهذا فإن على المحلل، أن يقوم بجمع الحقائق، بطريقة منظمة، وبموجب خطة موضوعة لهذا الغرض، والأفضل في ذلك، أن يعمل بالأمور التالية: الأول: الحاجة إلى جمع الحقائق. الثاني: الحقاق الواجب جمعها. الثالث: وسائل جمع الحقائق. أما بالنسبة إلى الأول: وهو عبارة عن الحاجة إلى جمع الحقائق، فإن الغرض من جمعها، هو التعرف على خصوصيات العمل، من المشاكل وغيرها، التي تعاني منها المؤسسة، ليكون بإمكان المحلل بعد تحديد المشكلة وصف الحلول المناسبة لها، ولذا فالمحلل يقوم بجمع المعلومات المتعلقة بموضوع البحث، واللازم أن يعتمد أسلوب انتقاء المعلومات، على نحو المناسبة، لغرض الدراسة، لا المعلومات الهامشية، التي لا ترتبط بالهدف، فيقوم بجمع معلومات كافية ومفصلة عن ناحية معينة، كما يقوم بجمع معلومات في الجملة، عن ناحية أخرى، وهي الناحية المرتبطة بالناحية الأولى، التي هي مهمته، إذ ليس على المحلل في المؤسسات الكبرى، أن يقوم بجمع كلّ المعلومات في جميع الأقسام، كما أن على المحلل، أن يتجنب الأسلوب العشوائي في جمع المعلومات، لأن من شأن هذا الأسلوب، أن يكدس عند المحلل كميات كثيرة من المعلومات غير المطلوبة، فيستهلك لجمعها وقتاً كبيراً، دون فائدة، ومن المحتمل أن تضيع المعلومات الأساسية اللازمة للدراسة، بين هذه المعلومات، غير الضرورية، وقد يكون من المفيد، وضع قائمة بالمعلومات والتفاصيل اللازمة للبحث، والحاصل أن على المحلل، أن يقوم بجمع المعلومات والأدلة والبراهين، والمشاكل والحلول، حتى يظهر مدى فعالية التنظيم، والإجراءات الموجودة في القسم، وحتى يظهر المشكلات ومواضع العثرة، للتعرف على مواطن الضعف والقوة فيه، وليتمكن المحلل على ضوئها، من وضع الاقتراحات، وتقديم التوصيات العملية الكفيلة بتحسين العمل في ذلك القسم، لوحده، أو مع المدير، أو مع بقية المسؤولين، أو حتى مع الأعضاء، والمعلومات التي يجمعها المحلل، تساعد المسؤولين في إقناعهم بأهمية وفائدة مقترحاته، أو مقترحات غيره، ممن أشرف على تلك المعلومات، فيسير الأمر حسب ما يرام، ويضع الرؤساء والمديرون، الاقتراحات موضع التنفيذ. أما الأمر الثاني: وهو الحقائق والمعلومات الواجب جمعها، فإنها تختلف من حيث الكم والكيف، والأهمية والتفاصيل، باختلاف هدف البحث، وكلما كان الهدف واضحاً ومحدداً، كانت مهمة المحلل في تحديد المعلومات الواجب جمعها سهلة ويسيرة، وبوجه عام فإن المعلومات، التي يراد جمعها عادة، تشمل أموراً متعددة: الأول: أهداف الوحدة، إذ يقوم المحلل عادة، بجمع معلومات أولية وبصورة إجمالية عن أهداف الوحدة، التي عنيَ بجمع المعلومات عنها، فإن المنشآت الكبرى تشتمل على وحدات، مثال ذلك: وحدة التخزين، ووحدة التسويق، ووحدة الإدارة، وما أشبه من الوحدات التي أشرنا إلى جملة منها سابقاً، فيقوم المحلل بجمع هذه المعلومات المرتبطة بأهداف الوحدة، بالدراسة الأولية، ولا سيما في مرحلة التخطيط، وفي هذا المجال يجمع المحلل المعلومات التفصيلية، عن أهداف كل قسم من أقسام الوحدة، وعند الانتهاء من جمع الحقائق، يقوم المحلل بالتأكّد من أن الأقسام المختلفة، تتعاون مع بعضها البعض، في تحقيق الهدف الأساسي المحدد للوحدة. الثاني: الهيكل التنظيمي للوحدة، فإن المحلل يقوم بجمع المعلومات الكافية، عن جهاز تنظيم الوحدة، ومن شأن هذا العمل، أن يسهل عليه فهم العلاقات الموجودة داخل الوحدة، كما يقوم المحلل بمتابعة التطورات، التي حدثت على جهاز الوحدة، منذ بداية تكوينها، وعليه أن يحصل على خريطة تنظيمية حديثة للوحدة، ثم يقوم بوضع خريطة تنظيمية جديدة لنفس الوحدة، تمثل الوحدة كما هي وقت الدراسة في الحال الحاضر، وتبين أقسامها، وعلاقة الأقسام بعضها ببعض، ثم يقارن بين الخريطتين السابقة واللاحقة، وتساعد نتيجة المقارنة هذه، المحلل على اكتشاف الفروقات والتغييرات، بين التنظيم السابق الرسمي، وبين التنظيم الحالي، ويجب على المحلل، أن يلاحظ مدى تطبيق الوحدة في تنظيمها الحالي، للقواعد الأساسية المتعارف، عليها للتنظيم الإداري، كما أنه يظهر بذلك، مدى الخلل الذي طرأ على الوحدة، من الخريطة السابقة، مقارنة بالقواعد الأساسية، التي وضعت عليها المنشأة، فهي إذن أعمال متعددة: الخريطة السابقة، والخريطة اللاحقة، ومدى التطابق بين الخريطتين، ومدى التطابق بين أي منهما، وبين القواعد الأساسية للمنشأة، ثم إذا كانت هناك خريطة قديمة، فبها ونعمت، حيث ذكرنا لزوم التطبيق، بين الخريطة الجديدة، والخريطة القديمة، وعندما لا تكون هناك خريطة قديمة، فالواجب على المحلل، أن يقوم بجمع المعلومات السابقة لتلك الوظائف، من الموظفين الذين يشغلونها، وهنا تظهر المصاعب للمحلل، كصعوبة تحليل الواجبات، ومسؤوليات الوظائف العليا، فإن الشاغل للوظيفة يكرّس معظم وقته، لوضع السياسة العامة، واتخاذ القرارات، وحضور الاجتماعات والمؤتمرات، والإشراف على أعمال الموظفين الآخرين، وهذه الأعمال لا تتكرر كثيراً، فإذا لم تكن هناك خريطة تعين تلك الأمور وتشير إلى تواريخها، فإن المحلل يقع في صعوبة، لأن عدم الاستقصاء قد يوجب عدم فهم النتائج، ولذا يصعب تدوينها وتقديرها وتحليل الوقت اللازم للقيام بها، إضافةً إلى أنه كثيراً ما يجد المحلل، صعوبة في إجراء المقابلة مع الموظف، لأنه لا يضمن وجوده في مكتبه، أو لأنه قد يكون مشغولاً في معظم أوقاته، أو أنه قد يترفع عن الإجابة عن كل سؤال، إلى غير ذلك، وعلى كل حال، فاللازم أن يحصل المحلل على سلسلة من المعلومات، التي تساعده على التعديل، وعلى التطبيق والمقارنة. الثالث: أساليب إجراءات العمل، فإنها سلسلة من الخطوات والعمليات، التي تتصل بعضها ببعض، وتؤدي إلى إنجاز عمل إداري ما، مهما كان ذلك العمل، فإن الواجب على المحلل، أن يقوم بتسجيل عمليات وخطوات هذه الإجراءات وتحديد طبيعة الدراسة للمحلل، يبيّن مدى التفصيل المطلوب لهذه الإجراءات، وإذا وضع المحلل خريطة تبين كل خطوة من الخطوات، التي تمر فيها المعاملات، أو مرت فيها المعاملات السابقة، فإن وجود مثل هذه الخريطة، يكشف نقاط الضعف الموجودة في الإجراءات المتبعة، أو النقاط التي يستحسن تبديلها، بنقاط أقوى منها، أو نقاط مشابهة، لكنها أبسط من حيث النوع، أو من حيث الكم، وبهذا فإن المحلل، يساعد على معالجة نقاط الضعف، أو نقاط التوسط، مما يتمكن من إدخال التحسينات والتبديل، وما أشبه. الرابع: كمية العمل والوقت، الذي يستغرقه ومدى تكراره، فإن المحلل يجمع المعلومات عن هذه الأمور، خلال فترة معينة، وتتضمن المعلومات التي يجمعها كمية العمل الوارد، وكمية العمل المنجز، وكمية العمل المتأخر المتراكم، ثم يصار بعد ذلك إلى دراسة مدى التكرار في الأعمال، فهناك أعمال تتكرر يومياً، أو تحدث مرة في الشهر، مثل دفع رواتب الموظفين، أو مرة في السنة، كعمليات تحضير الميزانية، ويقوم المحلل بدراسة الوقت اللازم لإنهاء المعاملات، وذلك بأخذ عينات من المعاملات، التي يتم إنجازها في الوحدة، أو في القسم من الوحدة، أو في الهيكل العام ـ فيما إذا كان الأمر مربوطاً بالهيكل العام للمنشأة ـ ثم يقوم بتحديد الوقت اللازم، للإعداد والانتقال والانتظار، إلى أن تصبح المعاملة في المرحلة الأخيرة، والتي هي مرحلة الإنجاز. والحاصل أنّه يضع مصوبة، بالوقت الذي تحتاج المعاملة إليه، من البداية إلى النهاية، ويحتفظ المحلل بدراسة الوقت في سجلات خاصة، للرجوع إليها فيما بعد. أما بخصوص دراسة التكاليف للقيام بالعمل، فتؤخذ عينات لعدد من العمليات، ويحصل على التكاليف اللازمة للقيام بها، وذلك بحساب رواتب الموظفين، الذين يقومون بالعمل، ورواتب الرؤساء المشرفين، وتكاليف اللوازم، وتدخل فيها الإيجارات وغيرها من التكاليف، فيقارن بين هذه التكاليف وبين النتائج، فبذلك تظهر الزيادة أو النقيصة أو التوسع، في كل من الأطراف، فمثلاً يحسب المحلّل، أنه لو وضع هذا المال، الذي وضع في المؤسسة الاقتصادية في التجارة، أو في المصرف، أو في المضاربة، كم ستكون أرباحه؟ ثم يقارن ذلك، بالأرباح التي تحصل من المؤسسة، فإذا ظهرت الأرباح، متساوية وكان المطلوب الكثرة، في الأرباح وصّى بلزوم الإتيان، بأعمال تنتهي إلى تلك النتيجة، والأولى بذلك إذا ظهرت الأرباح أقل. أما إذا ظهرت أكثر، بأكثرية مناسبة، دل التحليل على حسن سير العمل، وهكذا في سير المجالات غير الاقتصادية، كمجالات التعليم والثقافة والصحة والخدمات، بالنسبة إلى الإنتاج المطلوب، فقد يكون الإنتاج بقدر المطلوب، وقد يكون فوق المطلوب، وقد يكون دون المطلوب. الخامس: ربط الوحدة بالوحدات الأخرى، فإنه يلزم ـ بالإضافة إلى عمل المحلل في الوحدة المعنية ـ العمل في وحدات أخرى، لكن بقدر، إذ لا يتمكن محلل واحد في المؤسسات الكبرى، من تحليل كل الوحدات، وإنما يأخذ قسماً واحداً من الوحدات، وينتهي إلى تحليل بعض الوحدات الأخرى المرتبطة بهذه الوحدة بقدر ما، إذ تحتاج إجراءات بعض العمليات أحياناً، تجاوز حدود الوحدة المعنية، أو القسم الذي هو قيد الدراسة، إلى أقسام ووحدات أُخرى، فإن للوحدات الأُخرى أثرها على سير العمل، في الوحدة التي هي قيد الدراسة، ولذا يلزم على المحلل، إذا أراد تكميل العمل، أن يقوم بدراسة هذه الوحدات هامشياً، فيجمع المعلومات الضرورية للدراسة، لكن لا يتوسع في جمع المعلومات عن الوحدات الأُخرى، إذ ليس ذلك من شأنه، وإنما من شأنه، العمل على جمع المعلومات عن الوحدات الأُخرى، بقدر ما يرتبط بهذه الوحدة، التي هي قيد الدراسة. السادس: ظروف العمل، فإن على المحلل، أن يجمع معلومات عن ظروف العمل، كتوفير المعدّات والأثاث والتدفئة والتبريد والنور والماء، وغير ذلك، مما يحتاج إليه الموظف في أثناء عمله، مما ينعكس أثره على أعمال الوحدة التي هي قيد الدراسة، إذ الجو إذا لم يكن مهيئاً، فإن العامل، لا يعمل بالقدر الكافي، ثم إنّ عمله يكون مع الضجر، مما يشيع حوله الكراهية لجو المؤسسة، وذلك يؤثر تأثيراً سيئاً على عملها. السابع: ملاحظة معنويات الموظفين، فإنه يجب على المحلل، أن يجمع معلومات عن علاقة المدير بالموظفين، وعلاقة الموظفين بالمدير وعلاقة بعضهم ببعض، فيلاحظ إن كانت هناك حالات، تشير إلى تذمر الموظفين، أو سوء في حالة التدريب، أو الإشراف أو الإدارة، وعن الروح المعنوية عند الموظفين، لأن الأحوال النفسية للموظفين، وحبهم للعمل أو كرههم له، يؤثر تأثيراً كبيراً عليهم، في أعمالهم كماً وكيفاً، ومن الواضح أن مما يؤثر على معنويات الموظفين، هو ظروف العمل أيضاً، فاللازم على المحلل ملاحظة ذلك ملاحظة كافية. الثامن: احتياجات المنتفعين وأفراد الجمهور من المؤسسة، فإن الواجب أن يأخذ المحلل بعين الاعتبار، وجهات نظر جمهور المنتفعين، وأن يجمع المعلومات عن رأيهم في الوحدة، وكفاءتها في القيام بالعمل، وعن رأيهم في النتائج، التي تقوم الوحدة بها، وهل هناك صعوبة في التعبئة أم لا؟ وهل هناك كثرة في الإنتاج أو جودة في الكيفية، أو بالعكس، فعلى المحلل أن يراعي جمهور المنتفعين، عند وضعه للتوصيات، مثلاً يوصي بنقل عبء بعض العمل، من الموظف إلى جمهور المنتفعين، أو بالعكس، وذلك بقصد الاقتصاد في الوقت والجهد والنفقات، بالنسبة إلى الموظف، أو في الطرف الثاني، فإن كل واحد منهما، قد يؤدي إلى وجود النقص في المعاملات، وعرقلة سير العمل، فمثلاً في المؤسسة الثقافية، قد يرى المحلل أن لا يقوم الطلاب بأنفسهم، إلى السير إلى المعهد، بدون تهيئة وسائل النقل الجماعي لهم، فإن ذلك وإن كان يخفف على المعهد النفقات والخدمات، لكن ذلك يؤثر على إقبال الناس على المؤسسة، مما يوجب تأخر المؤسسة، وكذلك إذا عكس الأمر، بأن كان من القاعدة المتعارفة سيرالطلاب بأنفسهم فأوصى بجعل كلفة وسائل النقل الجماعي على المعهد، حيث يثقل ذلك كاهل المعهد بالنفقات وبالخدمات، إلى غير ذلك من الأمثلة في كل مؤسسة. أما الأمر الثالث: وهو وسائل جمع الحقائق والمعلومات، فهي ممكنة بعدة أمور من أهمها: دراسة السجلات الموجودة، والملاحظة الشخصية لأعمال الوحدة، والمقابلة الشخصية مع الأفراد، والاستبانة بقائمة من الأسئلة. أما الأول، فهو دراسة السجلات الموجودة، إذ المحلل يستطيع أن يحصل على بعض المعلومات، التي يحتاجها لأغراض دراسته، عن طريق دراسة السجلات والمستندات والوثائق الموجودة في الوحدة، وتعتبر هذه الوسيلة من أسهل الوسائل، لجمع المعلومات وأسرعها، لكن المعلومات التي يريدها المحلل حول المؤسسة، تكون غالباً مبعثرة وموزعة، كما أن كثيراً منها لا تمثل الواقع أحياناً، حيث إن المسجلين زادوا ونقصوا، لأهداف سياسية أو اقتصادية أو قانونية أو ما أشبه، لكنها بشكل عام تساعد المحلل، بإلقاء بعض الأضواء على النواحي، التي يقوم بدراستها. وأما الثاني، وهو الملاحظة الشخصية لأعمال الوحدة، فهذا من أحسن الوسائل، لجمع المعلومات المرتبطة بالمؤسسة، إذ يقوم المحلل بنفسه، بمشاهدة ما يجري داخل الوحدة، ويسجل ملاحظاته الشخصية، عن النواحي الإيجابية والسلبية، التي يلاحظها أثناء قيام الوحدة بأعمالها، لكن هذا النوع من الملاحظة: أولاً: تكلف زمناً كثيراً، وثم أن المحلل، لا يكون دائماً متواجداً، والأوقات بعضها ختلف عن بعض بالنسبة إلى كل الأنشطة، التي تقوم بها المؤسسة، ولذا فاللازم الاقتصاد في اللجوء إلى هذه الوسيلة، إلى دراسة النواحي الهامة عن الوحدة، وذلك بمراجعة عمل كل وظيفة، ومراجعة الموظف، وهما شيئان مختلفان، للفرق بين الوظيفة والموظف، كما ألمعنا إلى ذلك سابقاً، ثم متابعة معاملة ما، من البداية حتى النهاية، مثلاً ملاحظة حصول الترخيص من الدولة، منذ ساعة تقديمه إلى الجهات المختصة، إلى حين وضعه في صورته النهائية، وهكذا ثم التثّبت من مدى الإنجاز، وعدد المرات، التي يشار فيها إلى السجلات والقيود، ونحو ذلك، ثم فحص بعض المعاملات المنجزة، والمعاملات التي هي في طريق الإنجاز، والمعاملات التي ألغيت، ولم تتمكن من الصمود أمام المشكلات والصعوبات المحتّفة بها، ثم قياس مقدار العمل، الذي أنجزه موظف ما، أو جماعة من الموظفين، أو المدير، أو المدراء في الوسط، والمدراء الآخرين، في خلال مدة معينة، ومن اللازم أن يكسب المحلل ثقة وتعاون مدير وموظف الوحدة، التي يقوم بدراستها، إذ بدون ذلك لا يتمكن من فهم ما وراء الستار، وإنما يرى بعض الظواهر، ومن الواضح أن بعض الظواهر، لا تكفي للإحاطة بالشيء من جميع جوانبه، حتى يجعل الحلول والتوصيات والاقتراحات، حسب ما ينبغي. وأما الثالث، وهي المقابلة الشخصية، فإنها من أفضل الوسائل للحصول على المعلومات، لكن يتوقف نجاح المقابلة في الحصول على المعلومات، في الدرجة الأولى على مهارة المحلل، الذي يقوم بإجراء الدراسة، حتى يتمكن من كسب ثقة الأشخاص الذين يريد مقابلتهم، فيفتحوا له قلوبهم، واللازم على المحلل في المقابلات الشخصية، أن يطلب من الشخص، الذي تجري معه المقابلة، الجواب على الأسئلة التي يعرفها جيداً، فإذا لم يعرف الشخص المسؤول، الأجوبة على الأسئلة، فأجاب بأجوبة غامضة، أو مهلهلة وغير صحيحة، أو حسب عقليته الغير مؤهلة، فالجواب في ذلك يسبب إضلالاً للمحلل، كما أنه في بعض الأحيان يجيب الشخص، الذي يجري المحلل معه المقابلة، إجابة مغرضة، لأجل إرضاء المحلل، ولا يبيّن النواحي السلبية في العمل، خوفاً من التأثيرات، التي قد تجلبها عليه هذه المقابلة في المستقبل، فاللازم على المحلل، أن يكون لبقاً وذكياً وفاهماً بمثل هذه الأمور، ثم إن المقابلات الشخصية، تستغرق وقتاً طويلاً، كما أنه يحتاج إلى عدد كبير من المحللين، للقيام بإجراء مقابلات مع موظفي المؤسسة، إذا كانت المؤسسة كبيرة، وإذا أراد المحلل أن تكون المقابلة ناجحة، مائة في المائة فاللازم أولاً وبالذات، أن يحضر المقابلة بعد تحديد موعد للمقابلة سلفاً، ويبلغ الشخص المطلوب مقابلته بموضوع البحث، وبنوع المعلومات المطلوب جمعها، وأن تكون المقابلة سرية، إذا كان الطرف غير مستعد للإجابة إذا كانت علنية، ولا تجري في مكتب مفتوح وعلى مسمع من الموظفين الآخرين، الذين يعملون في نفس المكتب. نعم لا إشكال في عدم ضرورة أن لا تكون المقابلة سرية، إذا كانت خالية عن مثل هذا المحذور، لأن الديمقراطية (الاستشارية) حتى في مثل هذا الأمر تسبّب ظهور الواقع أكثر فأكثر، ومن الممكن للمحلل، أن يجعل بعض المقابلة سرية، وبعضها علنية، ويتكلم كل موظف بالجزءين السري والعلني، وهكذا على المحلل أن يهيئ الجو المناسب للمقابلة، حتى يكون الموظف في جو نفسي وجسدي صحيحين، فإن في أوقات الجوع، أو أواخر أوقات العمل اليومي، أو عند الغضب، أو ما أشبه ذلك، لا تكون المقابلة ناجحة. ثم في الوقت المناسب يبدأ المحلل في الكلام، عن الغرض من المقابلة، بأن يشرح أسباب حضوره، ويكون الحديث في جو من الود والتفاهم والمجاملة، وأن لا تتسم المقابلة بالجفاف والروتينية والرسمية، وقد تقدم أنه يلزم على المحلل، أن يبذل الجهد لكسب ثقة الموظف، وأن يشجعه على الكلام بحرية، وأن الشيء الذي يريده أن يبقى سراً، لا يبوح المحلل به أمام الآخرين، أو أنّه لا يبوح باسم الموظف، وإنما يظهر أنه استقى معلوماته، من مجموعة أمور، لا من هذا الموظف بالذات، ومن الواضح أن من قواعد مقابلة المحلل ـ بل هي قاعدة كلية في كل طرف، يريد الاكتساب من الطرف الآخر ـ الإصغاء الكامل والانتباه لما يقوله الموظف، فيبدي له اهتماماً بالغاً، وعليه أن يتجنّب مقاطعة الموظف أثناء كلامه، وأن يترك له الحرية الكاملة في الكلام عن عمله، وفي كثير من الأحيان تقطع المكالمات الهاتفية، أو ما يشبه الاستفسارات والأجوبة، مما يقع الكلام مبعثراً، فمن اللازم عدم المقاطعة أثناء المقابلة، وذلك بتحويل المكالمات الهاتفية إلى موظف آخر، للإجابة عليها، وعدم السماح للموظفين الآخرين، أو للأفراد بالمقاطعة، في مثل هذا الوقت، وينبغي أن يكون القصد من طرح الأسئلة، هو توجيه المقابلة نحو وجهتها الرئيسة، لا الهوامش، وأن يعيد المحلل الحديث إلى مجراه الأصلي، إذا تشعّبت المقابلة أو انحرفت عن الغاية الأساسية، كما أن على المحلل، أن يتجنب أسلوب التحقيق مع الموظف، عند طرح الأسئلة، لأن مثل هذا الأسلوب، يثير الخوف والتشكيك في الموظف، بدلاً من التعاون، ومن اللازم أن يعطي المحلل للموظف، الوقت الكافي للإجابة التي يريدها، لا أن يجيب بمجرد لا أو نعم، كما أن على المحلل أن يظهر احترامه للموظف، وأن يتجنب انتقاده أو انتقاد الموظفين الآخرين، الذين يعملون معه مطلقاً، وإذا سأل الموظف من المحلل طالباً رأيه في العمل، أو في الإدارة، أو في الموظف نفسه، أو في سائر الموظفين، فعلى المحلل أن يتجنب الإجابة على ذلك صراحةًً، إذا كانت الإجابة محرجة، بل يتجنب ذلك ويجيب بصورة لبقة، كأن يقول مثلاً: ليست عندي المعلومات الكافية، لإصدار حكم بخصوص ذلك. أو أنه ليس من اختصاصه مثل ذلك، أو يقول: الآن أنا في صدد التحقيق، وعند إتمام التحقيق سوف أقول ما أرى، إلى غير ذلك، ثم إنه كثيراً ما يقابل المحلل، الموظف الصعب، الذي لا يستعد لإجراء المقابلة معه، فإذا تمكن المحلل من استدراجه، إلى الجواب بتهيئة الجو المناسب، فبها ونعمت، وإلاّ فعليه أن يترك ذلك إلى بعض أصدقاء الموظف، حتى يشرح ذلك الصديق، الذي بينهما أغراض المحلل للموظف، ويستخلص منه الجواب، الذي يريده المحلل، فإن الموظف، قد يكون خجولاً، وقد يريد الفخفخة مدعياً أنه مشغول دائماً، وليس عنده أي وقت لإجراء المقابلة، وقد يكون متذمراً ولا يستعد للإجابة، إلى غير أولئك من الموظفين الذين يصعب استجابتهم، فعلى المحلل أن يلتمس الطريق الموصل إلى ذلك، وإذا لم يتمكن من استدراج مثل ذلك الموظف، تركه وشأنه، فإن تركه وشأنه، خير من الإجابات المغلوطة والمنحرفة والغامضة، التي يجمعها من مثل هذا الموظف، ثم إذا أكمل المحلل الأسئلة والأجوبة، فمن المستحسن أن يقرأ المحلل أمام الموظف، المعلومات التي أخذها منه، وعلى المحلل أن يسأل الموظف، إن كانت هناك معلومات أخرى، قد نسي ذكرها أو تعليقات أو اقتراحات، يود أن يضيفها، أو أن الأجوبة التي كتبها، لم يفهمها المحلل فهماً صحيحاً وإنما فهمها فهماً منحرفاً والموظف يريد تصحيحها وتعديلها، وقد يذكر الموظف بعض المعلومات، التي كان قد نسيها أثناء المقابلة، فيذكرها حينئذ عند الاستعادة، كما على المحلل أن يشجع الموظف، على تقديم بعض الاقتراحات الهامة، التي يراها مناسبة، مما يسبب انشراح الموظف، بأنه وقع في موقع يستنصح، ويسترشد بآرائه. ثم يأتي دور الأمر الرابع، وهو الاستبانة بقائمة من الأسئلة، التي تكون من أقصر وأسلم الطرق وأسهلها، بالنسبة إلى الأسئلة والأجوبة، فإن المقابلة الشخصية، وإن كانت ذات فائدة لجمع المعلومات، لكنها تستغرق وقتاً طويلاً، وتتطلّب عدداً كبيراً من المحللين، لإجراء المقابلات في المؤسسات الكبيرة، كما أنها تكلف الكثير من الجهد والوقت والمال، خصوصاً إذا كان الأشخاص الذين سيقابلهم المحلل، متفرقين في أماكن جغرافية نائية، ولذا فإن الاستبيان، بجعل قائمة من الأسئلة موجهة إلى الموظفين المختلفين، تكون بديلاً أقل كلفة من المقابلة الشخصية، لجمع المعلومات، فإنه بالاستبيان، يتمكن المحلل من جمع المعلومات المطلوبة الموجودة في أماكن نائية، في وقت أقصر وبكلفة أقل. ثم اللازم في الأسئلة، أن تكون واضحة وسهلة الفهم، لا تحتاج إلى تفكير عميق، ولا إلى إجابات مطولة، ولا تكون في عبارات بلاغية، مما هو خارج عن طوق العرف، ولا بعبارات معقدة، وأن يكون عدد الأسئلة، لا كثيرة ولا قليلة، وأن تكون جميع الأسئلة متعلقة بموضوع الدراسة، لا في الهوامش، وما لا يرتبط بالموضوع، وأن يكون الترتيب بين الأسئلة، ترتيباً منطقياً، حتى لا يتشتت تفكير الموظف، الذي يجيب على الأسئلة، فإنه قد يكون التصاعد منطقياً في الأسئلة، وقد يكون مبعثراً على حساب اللّف والنشر المشوش على ما يقوله البلاغيون، وأن تكون أبعاد الأسئلة، توحي بإجابات معينة، لا أن تكون أسئلة محتملة لإجابات مختلفة، وان يتحاشى الأسئلة، التي تدفع الموظف إلى الكذب والإدعاء، أو ما أشبه ذلك، كما أنه يجب تجنب الأسئلة، التي تثير غضب أو اشمئزاز الموظف، أو تمس ناحية شخصية منه، أو ممن يعتقد به، أو تسبب إحراجاً له. إذا كان لا بد من بعض هذه الأسئلة فاللازم، أن ترقق ترقيقاً كبيراً، وكلما جُعلت في آخر قائمة الأسئلة، كان أفضل كما يلزم أن يتجنب التعابير العلمية والفنية الصعبة، التي قد لا يفهمها الموظف، فإن الاصطلاحات، العلمية لا يفهمها كل أحد، واللازم أن يبيّن في قائمة الأسئلة، أما في أوّلها أو في آخرها التعليمات، التي تبيّن كيفية الإجابة، وتوضح بعض الأسئلة العلمية، التي لا بد منها. |