الفهرس

المؤلفات

  الإدارة

الصفحة الرئيسية

 

رعاية الصالح العام في الإدارة

وفي النظام الحر القائم على الاستشارية وتبادل الآراء، لا بد وأن يكون الصالح العام شيئاً وسطاً، لا بمعنى أن يجلبه هذا إلى نفسه، أو أن يجلبه ذلك إلى نفسه، أو أن تساند الحكومة مثلاً هذا الطرف، ضد الطرف الآخر، أو ذاك الطرف ضد هذا الطرف، وإنما يجب أن تعمل، كمنصف، يعطي النصف لهذا الطرف والنصف لذاك الطرف، مما يسمى بالحل الوسط بينهما مستندة في كل حالة على ما تقدم، حسب نظر الخبراء الحياديين بالصالح العام، الذي يدعم الاستقرار الاقتصادي والسلام والتقدم والإيمان في مثل البلاد الإسلامية، وسائر البلاد التي تؤمن بالله وباليوم الآخر.

ثم إن من الواضح، أن الإداري لا يتمكن أن يجلس في مكتبه في هدوء، يفكر في مختلف البدائل، مسترشداً في قراره الذي يريد تغيير السياسة في صالحه، بما يقدّر أنه الصالح العام، حتى إذا كان رجلاً إنسانياً وحيادياً إلى أبعد الحدود، ثم يضع قراره موضع التنفيذ، بما يصدره من تعليمات أعدها في جو منفرد هادئ، أو في جو استشاري مع سائر زملائه، فهو حتى إذا حاول ذلك فإنّه:

أولاً: الهدوء في مكتبه لا يبقى مستمراً، بل يقطع بسبب جماعات الضغط بالاتصالات الهاتفية، أو باللقاءات الشخصية، لينحاز إلى جانبهم في هذا الأمر، وسوف يدعونه لمأدبة أو لحفلات الاستقبال والعشاء أو يقدمون له الهدايا، ولذا فالكثيرون يذهبون إلى أن واجب الإداري، كواجب الوالي عليه أن يرفض الهدايا وعروض المزايا والخدمات، ذوات النيّات غير السليمة، فإن قبول الهدايا ونحو ذلك، يزيد من المؤثرات والأخطار التي يحتمل أن تتعرض لها عملية اتخاذ القرار، عندما تقع المصالح الخاصة أو مصالح الجماعة المتعارضة، في الميزان، في تنفيذ برنامج عام.

وثانياً: الإداري يجب أن يكون في نفس الوقت، سياسياً يفهم السياسة كاملاً، وإلاّ فجماعات الضغط المخالفة والسياسية، سواء بجانبها التشريعي (التأطيري) أو بجانبها كمنظمات أو أحزاب أو ما أشبه، تؤثر على الإدارة، تأثيراً يدعها قليلة الوفر كثيرة التكليف، وتصبح بالنتيجة خيانة بالنسبة إلى كثرة من المساهمين، أو إلى جميعهم وكذلك بالنسبة إلى سائر الإدارات الثقافية أو الصحية أو التربوية، أو ما أشبه، فالواجب على من يتهيأ لوظيفة الإدارة، أن يتزود بحصيلة من الفلسفة والاقتصاد والتاريخ والاجتماع وما شابه ذلك، حتى تتوفر له نظرة واسعة للسياسات والقرارات الاجتماعية، بدلاً من نظرة الخبرة الضيقة، التي يتّصف بها الفني، فإن نظرية الخبرة الضيقة في مزدحم وجهات النظر والأفكار والضغوط لا تكون، إلاّ كقول الشاعر:

((كريشة في مهب الريح طائشة***لا تستقر على حال من القلق))

فإذا لم يكن الإداري متصفاً بهذه الصفة، فكثيراً ما يتخذ قراراً خاطئاً، يسبب مشكلة كبيرة لإدارته، فإذا ما اتخذ شخص بحضرة خبرته، على أن يفهم تخصصه، فحسب القرار تكون النتائج منحرفة إلى ذات اليمين، أو ذات الشمال أو ضحلة أو ضئيلة، مما يضر الإدارة، ولذا فاللازم أن يتخذ القرار، إداريون لهم إحاطة بنواحي السياسة العامة العريضة والصالح العام، نعم يجب أن يلاحظوا أيضاً مصالحهم الخاصة، ومصالح المساهمين، أو القطاع الذي يقومون بإسداء الخدمات له، سواء كانت خدمات صحية أو ثقافية أو غير ذلك، وما ذكرناه بالنسبة إلى المديرين والإدارات الخاصة في قطاع الناس، يصدق بصورة أكثر بالنسبة إلى الإدارة العامة، التي هي عبارة عن وظيفة الحكومة، سواء كان الحزب في الجناح الحكومي، لأن الحكومة عبارة عن تهيئة مستمرة داخل الحكم وخارج الحكم، حتى تتكون في نفسية المجموعة العاملة للجانب السياسي، صور واضحة المعالم من المجتمع الصالح، ومما يقومون به في داخل الحكم، بل وكحكومة ظل خارجه، عندما يوردون الضغط على الحكومة، اللازم على الإداري، أن يكون مفعماً بحالة إقناعية يتمكن من إقناع الأطراف المعنية لوجهة نظره، التي يراها سليمةً، فإن الرئيس الإداري الذي يقابل الأطراف المعنية، يلزم عليه أن يعمل جاهداً لإقناع هذه الأطراف بوجهة نظره، حتى لا يعرّض برنامجه للتعثر، بسبب فشله في هذا الإقناع، أو يتعثر بسبب آخر، وكذلك فإن عليه أن يتحمل المسؤولية في اتخاذه التشريعات اللازمة لتسيير إدارته نحو الهدف المطلوب وللحصول على المال اللازم، لنهوض إدارته بعملها، وعلى ذلك فاللازم عليه أن يعرف، كيف يستطيع أن يلائم بين الأطراف المعنية المتضاربة المصالح، حتى يتمكن من تنفيذ خططه في مزدحم ينظر بعضهم إلى بعض، نظرات العداء، وكلهم ينظرون إليه يريد جلبه إلى جانبه، وهو قد لا يلتفت، لا إلى هذا الجانب، ولا إلى ذاك الجانب، بل يرى نظرة ثالثة أو يرى هذا الجانب فقط، في قبال ذلك الجانب أو بالعكس، أو يرى الحل الوسط بين الجانبين، وعلى هذا فاللازم على الإداري، أن يكون دائم الاتصال بالجوانب المتعددة في المجتمع، فمن جهة بالرأي العام، ومن جهة بالإعلام، ومن جهة بالسياسة، ومن جهة بالقضاء، ومن جهة بالتنفيذ، ومن جهة بالنظرات المختلفة، بين رؤسائه وبين مرؤوسيه، ومن جهة بالنظرات المختلفة بين زملائه في الإدارة، مهما كانوا في صفّه، أو أرفع منه، أو أخفض. هذا من ناحية، ومن الناحية الثانية بينه وبين الناس، الذين يتقاضون ويتعاملون مع هذه المؤسسة، سواء كانت المؤسسة سياسية، أو اجتماعية، أو صحية أو غير ذلك.