| الفهرس | المؤلفات |
|
الصيغ الفنية للقرار |
|
ثم إن جعل القرار محدوداً في وقت أو ما أشبه، أفضل من القرار الطويل الأمد، حتى تظهر صحة القرار، أو يتبين زيفه للتجربة الخارجية، مثلاً قد يستخدم فلاناً، استخداماً مطلقاً، حيث يتردد الاستخدام بين فلان وفلان، وقد يستخدمه لمدة ثلاثة أشهر، ثم يستخدم الثاني لمدة ثلاثة أشهر أُخرى، في موضع التجربة، وكذلك بالنسبة إلى تسويق البضاعة إلى هذه المدينة أو المدينة الأخرى، فقد يُسوّق كل البضاعة إلى هذه المدينة، وقد يُسوّق جزءاً من البضاعة إلى هذه المدينة وجزءاً من البضاعة إلى المدينة الثانية، حتى يظهر أيهما أربح، إلى غير ذلك من الشؤون والأنشطة، لمختلف الأعمال والقرارات والبدائل. ثم إنه كلما كانت البدائل أكثر غموضاً، أو الأخطار أكثر، أو ما أشبه، يكون اتخاذ القرار أصعب، فإن الحالات التي تكون القيم فيها غير واضحة، والمعلومات قليلة والأخطار مجهولة تماماً، فإن الحاجة هنا لاتخاذ القرار، تصبح بمكانة من الأهمية، فاللازم إحالة الرأي والاستشارة والنظر إلى البدائل المختلفة، من جميع أطرافها حتى يمكن اتخاذ القرار، لترجيح بعض البدائل، على بعض، وترجيح البديل قد يكون من جهة وضوح الأفضلية، وقد يكون من جهة أقلية الأخطار في هذا الجانب، بينما الأخطار في الجانب الآخر كثيرة، مثلاً هناك احتمالان: البقاء في هذا المكان من الصحراء، حيث أخطار اللصوص والسيول والسباع و ما أشبه، أو السفر حيث الأخطار أقل، وإن كانت المصارف أكثر من جهة أن وسائل النقل في الليل، تأخذ الأجرة الكثيرة المضاعفة أضعافاً، يقدم السفر لأن خسارته المقطوعة، أقل من احتمال خسارة المال والنفس والعرض، المحتملة في البقاء. ثم ان القرار لا يؤخذ في الفراغ، وإنما في الغالب يتخذ القرار داخل حدود وقيود معينة وشرائط خاصة زمانية أو مكانية، أو ما إلى ذلك، فمثلاً المركز المالي في المنشأة الاقتصادية، قد لا يتمكن من اتخاذ قرار، بسبب تطلبه نفقات رأسمالية ضخمة، وليس مرادنا من عدم التمكن عدم القدرة، فإنه إذا لم تكن قدرة، لم تكن بدائل، كما تقدم الإلماع إلى ذلك، بل بمعنى أن مثل هذا الرأسمال، صعب جداً على المؤسسة، كما أن كل القرارات دون استثناء، تتقيد بقدرة العاملين على تنفيذها، ولا نريد أيضاً عدم القدرة في قبال القدرة، وإنما القدرة الصعبة والقدرة السهلة، ولذا فإن المدير الحصيف، هو الذي يأخذ هذا الاعتبار بالحسبان، وكذلك قد تكون القرارات محفوفة بالقيود الاجتماعية أو الحكومية أو ما أشبه، فإن الحكومة عن طريق القوانين واللوائح للتنظيمات المختلفة، تضع قيوداً كبيرة أحياناً، وأحيانا متوسطة، وأُخرى صغيرة، وهذه القيود لها وزنها على عملية اتخاذ القرارات الإدارية، وربما توضع القيود بسبب الناس، أو بسبب النقابات العمالية أو المنشآت الأخرى أو الشؤون الدولية أو ما أشبه، وعند اتخاذ القرار، لا بد من التركيز على الأمور الحقيقية للمشكلة، بأن المشكلة من هنا أو من هناك، أو من هاهنا، فإنه يساعد على اتخاذ القرار لهذه المشكلة في حلها، وقد تقدّم الإلماع إلى قول بعض العلماء، من أن فهم السؤال نصف الجواب، ومن الأشياء المشتركة في معظم المديرين الناجحين، قدرتهم على التقاط العوامل المعينة الأكثر أهمية، مع تركيز الجهد المبذول في اتخاذ القرارات على هذه العوامل، فإن موضع المشكلة، إذا لم يعيّن لا يتمكن المدير من اتخاذ القرار، كالطبيب إذا لم يعرف موضع المرض حقيقة، هل هو في الكبد أو في الكلية أو في المعدة أو في الرئة؟ لا يتمكن من اتخاذ القرار، بإعطاء الدواء الناجع للمشكلة، وكثيراً ما إذا لم يعيّن موضع المشكلة يكون العلاج سيئاً، بل يوجب الانتكاس، مثلاً كانت إحدى الشركات تتحمل خسائر لعدة سنوات، ومن ثم لجأت إلى أحد الخبراء، لمساعدتها في تحديد متاعبها، وبعد التحليل الدقيق لطرق الإنتاج، ولتصميم المنتجات، ولرقابة الجودة، ولظروف العمال، وللأسواق، وكيفية سير العمل، انتهى الخبير إلى ملاحظة واضحة، وهي أن الآلات المتاحة، لا تكفي لإنتاج الحجم الضروري، لتحقيق الربح المنشود، ولما عولجت المشكلة في موضعها، سارت المؤسسة بسلام، فاللازم التركيز على المسائل والعوامل المهمة، وذلك يبسط إلى حد كبير العمل اللازم لاتخاذ القرارات، واتخاذ القرار، ليس بالنشاط الإداري المنعزل عن سائر الأعمال، بل هو أمر متشابك مع سائر الأنشطة، فهي دائماً تتصل بمشكلة أو صعوبة أو منازعة أو بدائل، لا يعرف الإنسان ترجيح هذا على ذاك، إلاّ بعد الإمعان والمعرفة والمداولة والشورى، وما أشبه ذلك. ثم القرار، إنما يكون لتحديد الأهداف وتحقيقها، ولاستخدام الموارد المختلفة المتاحة، بطريق تعتبر الأفضل في ظل الظروف المعينة المكتنفة، بالزمان الخاص والمكان الخاص والشرائط الخاصة، مما يشعر المدير أنه أفضل لبلوغ هدفه، أما مطلقاً أو في أوقات خاصة. |
|
أنواع القرارات المتعلقة بالإدارة |
|
(مسألة): القرارات أنواع متعددة، بعضها تتعلق بإدارة معيّنة وبعضها تتعلق بإدارة أخرى من غير فرق، بين الإدارات الكبيرة، كإدارات الدولة أو الإدارات الصغيرة، كالشركات الصغيرة، أو الإدارات المتوسطة، كإدارة مدرسة أو معهد أو جامعة أو كلية أو مصح، على اختلاف المصحات، كدار الولادة أو المستشفى أو المستوصف أو غير ذلك، فيتعيّن على المديرين، اتخاذ القرارات في كثير من مناطق العمل، بالنسبة للوظائف الأساسية للمؤسسة، مثلاً بالنسبة إلى مؤسسة اقتصادية، تكون هناك أنواع من القرارات: الأول: القرارات، المتعلقة بالأفراد. الثاني: القرارات، المتعلقة بالتمويل. والثالث: القرارات، المتعلقة بالإنتاج. والرابع: القرارات، المتعلقة بالمبيعات. ففي النوع الأول ـ وهو القرارات التي تتعلق بالأفراد ـ هناك قرارات مرتبطة بمصادر الحصول على القوة العاملة، إذ القوة العاملة، قد تكون من البلد وقد تكون من خارج البلد، حيث الأيادي العاملة رخيصة هنا أو هناك، أو تتعلق بأساليب الاختيار من الأفراد، الذين هم لا يعرفون القراءة والكتابة، أو يعرفونهما أو أكثر من ذلك يكونون من خريجي الابتدائية أو الثانوية أو الكلية أو الجامعة، وكذلك مدى تدريبهم ونوعه وتحرير العمل وتقييمه وطرق الترقية، وترويج وسائل الأمان وعلاقته بالجماعات الخارجية وبشركات التأمين، إلى غير ذلك من القرارات التي تتعلق بالأفراد. كما أن في النوع الثاني ـ وهو القرارات التي تتعلق بالتمويل - هناك قرارات مرتبطة بالهيكل المالي، وبشروط الائتمان، وبمقدار رأس المال، وبتوزيع رأس المال، بين الوحدات الإدارية، أو الهيكل التنظيمي العام، وبطرق الحصول على الأموال الجديدة، وجلبها من المصارف، أو من الأفراد،/ أو من الحكومة، أو من المؤسسات المعنية بهذا الشأن، وكذلك بالنسبة إلى توزيع الأرباح وخطط إعادة التمويل، وتحديد تكاليف العمليات والإجراءات المحاسبية والاندماج والتصفية، وما إلى ذلك من النثريات وغيرها. وفي النوع الثالث ـ وهو القرارات، التي تتعلق بالإنتاج ـ فهناك القرارات المتعلقة بحجم الإنتاج، وحجم المصنع، وموقع المصنع، وفروع المصنع، والتصميم الداخلي للمصنع، وطرق الإنتاج جودة، أو توسطاً، أو رداءة في بعض الأحيان، وإجراءات الشراء وكيفية المخزون ونوع المخزن، ومدى العمل الفني، وأهمية التفتيش، ومدى الرقابة المصاحبة لكل من مراحل الإنتاج. وفي النوع الرابع ـ أي القرارات، التي تتعلق بالمبيعات ـ فهو مثل تحديد الأسواق وموقع مكاتب البيع، وتغليف المنتجات، والعلامة التجارية المستخدمة، ومنافذ التسويق والسعر والإعلان، ونوع الإعلانات في الصحف أو سائر وسائل الإعلام، كالإذاعات المرئية واللامرئية وما أشبه، وطرق مكافآت رجال البيع، وكيفية ترويج المبيعات، وأقسام السوق المستخدمة ومداها إلى غير ذلك. فهذه الأمور الأربعة، من الأفراد والتمويل والإنتاج والمبيعات، كلها بحاجة إلى قرارات، يجب أن يتخذها المدير، أو جماعة من المديرين، أو بمساعدة المستشارين والمحللين وما أشبه، حتى تصل السلعة إلى يد المستهلك، وتكون المؤسسة الاقتصادية، قد ربحت ربحاً جزيلاً، وهكذا يقال بالنسبة إلى سائر المؤسسات الاجتماعية، أو التربوية، أو الفكرية، أو الثقافية، أو الزراعية أو غيرها. ثم إن هناك تصنيفاً آخر بالنسبة إلى القرارات، حيث إن القرارات على أقسام ثلاثة: قرارات دنيا، وقرارات متوسطة، وقرارات عليا. فالقرارات الدنيا العادية، تجعل بأيدي المديرين في القاعدة، والقرارات المتوسطة في الأهمية، تجعل بأيدي المديرين المتوسطين في الهيكل التنظيمي، أما القرارات الصعبة، فإنها تجعل في المستويات العليا من المديرين، وغالباً يحاول المديرون، تقليل الشك في قراراتهم الصعبة، ومن ضمن محاولاتهم في هذا الاتجاه، البحوث المختلفة الأنواع، والتي تشمل المواد والمنتجات والعمليات والأسواق، كما أن التأمين يستخدم على نطاق واسع، تفادياً للأخطار المحتملة، وكثيراً ما يتعامل المديرون، مع عدم اليقين بطريقة نظامية، أي عن طريق تقييم احتمالات حدوث الحدث، كما تتضح من استخدام الإحصائيات، كلما أمكن ذلك وبطريق السير والتقسيم على الاصطلاح المنطقي، ومن الواضح أنه ينطوي استخدام نظرية الاحتمالات، على وجهة نظر للمدير العام أو المديرين، الذين هم في القمة، بمشاركة المستشارين والمحللين وغيرهم، فإذا أمكن الحصول على وحدات قياساً للظاهرة، فإن نظرية الاحتمالات يمكن استخدامها، لتحديد فرص حدوث نتيجة معينة من هذه الظاهرة، مثلاً المخزون يمكن قياسه بواسطة وحدات قياس خاص، فالمخزون الأكثر من اللازم، يؤدي إلى تجميد الأموال، وارتفاع نفقات التخزين، والتعرض لأخطار التقادم، والنفقات التي تصرف للحفظ والصيانة، ومن الناحية الأخرى فإن المخزون الصغير الحجم ينطوي، على تقليل في المبيعات، والاستخدام غير الكافي للمساحة المتاحة، وارتفاع نفقة الأعمال الكتابية، فعلى المدير أن يلاحظ مصارف المخزن، وعماله والصيانة واحتمال تقادم المخزون، بما لا يجوز بيعه شرعاً، أو يقف دون بيعه، ويلاحظ الأرباح والخسائر، ثم يقدم على الإنتاج والتخزين، أو الكف عن الأول، حتى لا يبتلى بالثاني، الذي هو أكثر كلفةً. ثم إن المسؤول عن اتخاذ القرار، قد يكون فرداً، وقد يكون جماعة، فالفرد فيما إذا كانت المؤسسة له، والجماعة فيما إذا كانت المؤسسة لجماعة من المساهمين، أو جماعة من المشاركين، واتخاذ القرارات الجماعية، يساعد على تنمية أعضاء الجماعة، ويمنحهم فرصة إبداء آرائهم، بخصوص الأمور التي تؤثر على عملهم، وأحياناً تكون المسائل في الإدارة الحديثة، ذات طبيعة فنية، مما يجعل من الضروري استخدام الخبراء في هذه المجالات الفنية، حتى يمكن الوصول إلى القرار، فهو بحاجة إلى مستشارين ومحللين ومن أشبه، وفي نفس الوقت هذا ينمي في الموظفين والمديرين في القاعدة، أو في الوسط، روح الفكر ومبادلة الآراء (ومن الواضح أن الفكر أيضاً ينمو، كما تنمو سائر الأشياء) وعندما تكون المؤسسة فرديّة، فالفرد متخذ القرار، هو الذي يقوم بنفسه بأداء كل هذه الخطوات، أما عند كون المؤسسة جماعيّة، فإن خطوات إضافية وهي عبارة عن خطوات الاقتراح والبحث والمناقشة، تدخل بين خطوتي التحديد والاختيار السابقتين، أي أن الأداء الجماعي يتكوّن من الخطوات الآتية: تحديد البدائل، وتقييم كل بديل على حدة وقياس كل بديل، إلى البديل المشابه له، واقتراح البديل الذي سيتبع، واختيار الجماعة للبديل الذي سيصبح قراراً، مع ملاحظة الظروف والخصوصيات والشرائط المكتنفة بكل بديل، وبالبدائل أجمع. ثم اتخاذ القرار على ثلاثة أقسام: لأنه إما اتخاذ قرار فردي، أو اتخاذ قرار جماعة محددة، أو اتخاذ قرار جماعة غير محددة، بأن يدخل فيهم المستشارون والمحللون، بل وأحياناً حتى رجل الشارع، حيث يرجح كثير من المديرين، النزول إلى الشارع بأنفسهم أو بعملائهم، ومسائلة الأفراد العاديين عن البدائل، سواء كان ذلك في السياسة، أو الاقتصاد، أو غير ذلك. وهناك شيء رابع يساعد في اتخاذ القرار، وهي المؤسسات المعنية بهذا الشأن، التي تُعنى بإعطاء الاستشارات الفنية في ترجيح البدائل وهذا موجود في كل الأصعدة، والتي منها الأصعدة السياسية، حيث هناك مؤسسات لتقويم الأفراد، الذين يريدون نيل وظيفة رفيعة، كرئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزارة أو رئاسة الحزب، أو ما أشبه، حيث تحلل تلك المؤسسات، قدر المحبوبية والشعبية في المتنافسين على الرئاسة وما إلى ذلك، فإن هذه أيضاً طريقة للمدير لأخذ الاستشارة، حول البدائل المتاحة أمامه، ثم إن خطوات عملية اتخاذ القرار، عبارة عن تحديد المشكلة أو تحديد أفضل أفراد البدائل، ثم تحليل المشكلة أو تحليل أفضل أفراد البدائل، ومن الواضح أن التحديد، غير التحليل، ثم تنمية الحلول البديلة، ثم تقييم كل بديل على حدة، ثم اختيار أفضل حل بديل، ثم تحويل القرار إلى عمل فعّال، وحيث قد عرفت موجز الخطوات الست، التي ذكرناها في عملية اتخاذ القرار، نقول في بعض تفصيل تلك الخطوات: أوّلاً: وهو تحديد المشكلة، فإن الخطوة الأولى في عملية اتخاذ القرار، هي تحديد المشكلة، أو الموضوع الواجب اتخاذ القرار بشأنه، إذ قد تكون هناك مشكلة نريد حلها، أو قد يكون هناك أمرٌ نريد اتخاذ القرار بشأنه، لأجل الهدف المنشود، فعملياً لا توجد في الحياة مشكلة، تصرح هي بنفسها لنفسها، بل يجب علينا أن نستكشف المشاكل، يضاف إلى ذلك أن المظاهر التي تبدو من أول وهلة، أنها عناصر المشكلة، قد تكون غير واقعية وبعيدة عن الأسباب الحقيقية للمشكلة، فمثلاً قد ترى الإدارة أن المشكلة، هي اصطدام بين الشخصيات، بينما المشكلة الحقيقية، هي ضعف ا لهيكل التنظيمي، أو قد ترى أن المشكلة، تتعلق بتكاليف التصنيع وتبدأ في برنامج لتخفيض التكاليف، بينما قد تكون المشكلة الحقيقية في سوء التصميم الهندسي، أو ضعف تخطيط المبيعات، مثل ذلك الطبيب الذي قد يرى أن المرض كامن في الكلية، بينما الحقيقة أن المرض كامن في القلب إلى غير ذلك، وبالنتيجة فإن المهمة الأولى في عملية اتخاذ القرارات، هي العثور على المشكلة الحقيقية وتحديدها، وهذا التحديد على جانب كبير من الأهمية، لأنه يحدد بدوره، مدى فعالية الخطوات التالية، ففي حالة عدم معرفة المشكلة الحقيقية، فإن القرار الذي سيتخذ يكون قراراً غير سليم، لعدم ملاءمته للمشكلة، التي صدر بصددها، وكثيراً ما يكون مثل هذا القرار، موجباً لتفاقم المشكلة، كالطبيب الذي يرى أن المرض في القلب، فيعطي للمريض أدوية لعمل وحماية القلب، بينما أن المرض في الرئة، فهذا الدواء يزيد الرئة مرضاً وضعفاً. ثانياً: تحليل المشكلة وتصنيفها وتجميع الحقائق حولها، فإن من الضروري، تصنيف المشكلة، لغرض معرفة من الذي يجب أن يتخذ القرار، ومن الذي يجب استشارته عند اتخاذه، ومن الذي يجب إبلاغه به، وبدون مثل هذا التصنيف المسبق، يكون من الصعب جداً تحويل القرار النهائي إلى عمل فعال، فتحليل المشكلة يتوقف على أمور: مثل وقع القرار على الوظائف، والنواحي الأخرى، والفترة الزمنية التي يجب أن تلتزم المؤسسة للقيام بالعمل المتعلق بالقرار إلى غير ذلك. وهذا التصنيف يضمن إمكانية مساهمة القرار في تحقيق أهداف المؤسسة، وبذلك لا يصبح القرار مجرد حل لمشكلة عاجلة أو محلية، على حساب المنشأة ككل، ولا يجلب هذا الحل مشاكل، إذ ربما يحل الإنسان مشكلة هذه الوحدة على حساب الوحدات الأُخر، مما يولد فيها مشاكل، أو يزيدها مشاكل، فالتصنيف يقسم المشاكل، طبقاً لارتباطها بكل من الأهداف الشاملة للمنشأة، والأهداف الفرعية لهذا الجزء من المنشأة، والذي يريده المدير، فاللازم رؤية مشكلته من وجهة نظر المنشأة ككل، لا من بعد واحد، وعملية تجميع الحقائق من الأمور الحيوية عند اتخاذ القرار، وهذه العملية لا يمكن القيام بها، إلاّ بعد تحديد المشكلة وتصنيفها، حيث يمكن للمدير إبعاد المعلومات غير المتصلة بالموضوع، والمعلومات المضللة، وعند تجميع الحقائق، فعلى المدير أن يسأل نفسه، ما هي المعلومات التي أحتاج إليها بخصوص هذا القرار؟ وعليه أن يقرر مدى صحة البيانات، التي لديه ومدى ارتباطها بالموضوع، كما أن عليه أن يحدد المعلومات الإضافية، التي تلزمه وكيفية الحصول عليها، سواء من المستشارين أو المحللين أو المراقبين أو الموظفين أو المديرين الذين هم تحت المدير بدرجة أو بدرجتين، إلى غير ذلك. ومن الواضح أن تشابك الحياة وتداخل بعضها في بعض، لا يجعل الإنسان يعرف كل الحقائق حول شيء ما، وليس من الضروري الحصول على كل الحقائق، لاتخاذ قرار سليم، ولكن من الضروري معرفة ما هي المعلومات الناقصة، حتى يمكن تقدير درجة الخطر التي ينطوي عليها القرار، ومدى دقته، مثل ذلك مثل الطبيب، إذا كان تشخيصه للمرض أنّه في القلب، فليس عليه أن يفحص سائر أعضاء الجسد، وإلاّ لم يتمكن طبيب من علاج مرض، والله سبحانه وتعالى جعل الحياة، بحيث إن الإنسان لو ألمّ بالطرف المهم من المشكلة في أي بعد كانت، فسوف يتمكن من الحل، ولو كان الحل ناقصاً، لكنه حل بالنتيجة ينتهي إلى الصحة، من غير فرق بين الأمراض، اجتماعية كانت أو سياسية أو صحية أو ثقافية أو غيرها. ثالثاً: وهي خطوة الحلول البديلة، فبعد الأمرين السابقين، يأتي دور وجوب معرفة الحلول البديلة، فإنها الطريق الوحيد لجلب البديل الصحيح إلى مستوى الواقع، لأنه يستلزم تفكيراً ابتكارياً، وقدرة على التخّيل، حتى يمكن العثور على الحلول الجديدة، والتي يتمكن الإنسان بسببها من تمييز البدائل بعضها عن بعض، كما يأتي في الخطوة الرابعة، أما ما هي الحلول البديلة، فهي تختلف باختلاف المشاكل، كما أن المشكلة، تختلف باختلاف المؤسسات، ويجب أن يجعل المدير في نظره عدم القيام بأي عمل بالمرّة باطراد الأسلوب السابق، ففي بعض الوقت قد يترتب على القيام بأي عمل مساوئ ومضار تساوي أو تفوق بكثير أية مزايا قد تحققت، ومن ثم فمن الأفضل عدم القيام بأي عمل بالمرّة وقد ألمعنا سابقاً بالنسبة إلى الحلول إلى أنه قد تكون الحلول المحتملة كلها إيجابية، وقد تكون كلها سلبية، وقد تكون الحلول المحتملة بعضها إيجابيّ وبعضها سلبيّ، فعلى المدير المقارنة واختيار الأفضل منها، وهنا يأتي دور الخطوة الرابعة. رابعاً: الخطوة الرابعة وهي تقييم كل بديل على حدة، أي تحديد المزايا والعيوب المتوقعة لكل حل بديل،وهذه الخطوة بطبيعتها تستلزم التنبؤ بالمستقبل لا تنبؤاً غيبياً بل تنبؤاً من الأسباب إلى المسبَّبات، فإن الإنسان إذا اعتاد رؤية الأسباب والمسبَّبات يعرف أن هذا السبب ينتهي إلى هذا المسَّبب، كما أنه إذا رأى النور في الصباح في الأفق، يتنبأ بأنه ستطلع الشمس، بقرائن التكرر في سابق حياته، فإن المزايا والعيوب لن تظهر إلا في المستقبل، ويساعد تحديد العوامل الهدفية في كل بديل مساعدة كبيرة لاختصار الجهود الخاصة بالتنبؤ، فعند التنبؤ بالنتائج المتوقعة يهتم المدير بتلك النتائج التي تؤثر على الهدف السابق تحديده عند تحديد المشكلة واللازم التنبؤ بالمهم فقط، إذ أنّ محاولة التنبؤ بكل شيء يتعلق بالبديل، سوف يجعل عملية التقويم عملية شاقة إلى أبعد الحدود، ولذا يجب الاقتصار على العوامل الأساسية الإستراتيجية في كل حل بديل، مع تركيز عملية التنبؤ عليها، وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس) [1] فإن الإنسان إذا كان عالماً بزمانه وبالتيارات الجارية وبالمقدمات والأسباب فإنه يتخذ للمشاكل دروعاً للوقاية من التورط، فلا تهجم عليه اللوابس، بينما إذا لم يكن الإنسان عالماً بزمانه يفاجأ بمهاجمة اللوابس والمشتبهات عليه، مما يجعله في حيرة من أمره، كمن نام في بيته ولا يعرف أن في أطراف البيت لصوصاً، فإن اللصوص يأتون ويأخذون ما يشاؤون، بينما إذا كان الإنسان عالماً بذلك لا ينام بل يجلب إلى بيته أصدقاء يدافعون عنه إذا هاجمه اللصوص. وبعد هذه الخطوة تأتي الخطوة الخامسة. خامساً: وهي خطوة اختيار أفضل حل بديل، فيما يكون المدير في موقف يسمح له بمحاولة اتخاذ الحل الأفضل فإذا قام بالخطوات السابقة بطريقة مرضية فسوف يجد أمامه عدة بدائل بينها للاختيار، فإن الإنسان إذا فحص بمثل هذه الدقة لا يجد أمامه فراغاً بلا حل أو حلاً واحداً للمشكلة، فإن ذلك نادر جداً لا تبنى عليه المطالب العلمية، فاللازم اختيار أفضل بديل، أي البديل الذي يحقق أحسن من غيره، الأهداف التي من أجلها يتخذ القرار وتوجد هناك بعض المعايير، التي يمكن استخدامها للمساعدة على اختيار أفضل حل من بين الحلول المحتملة. منها: ملاحظة الخطر، فإن كل عمل لا يخلو من خطر، سواء بالمعنى العام للخطر أو بالمعنى الخاص، ومن ثم فلابد من مقارنة أخطار كل حل بديل بالمكاسب المتوقعة منه، والمهم هنا هو ملاحظة النسبة بينهما وليس مجرد الأخطار المتوقعة أو المكاسب المنتظرة في حد ذاتها، بل ذلك مقدّمي، فإن المدير يجب أن يلاحظ النسبة حتى يختار هذا البديل على غيره، لأن أحدهما أقل خطراً وأكثر ربحاً. ومنها: توفير الجهد فإنه يلزم المقارنة بين النتائج المتوقعة والجهد اللازم لتحقيقها، فإن أفضل حل هو ذاك الذي يعطي أفضل النتائج بأقل جهد ممكن. ومنها: الموارد المتاحة وقيودها، والشروط المكتنفة بها، فإن اللازم هو اختيار البدائل التي تكفيها الموارد البشرية والمقصود من الموارد البشرية الأفراد الذين سيقومون بتنفيذ القرار فعدد هؤلاء الأفراد ومقدرتهم ومهارتهم ومعرفتهم وفهمهم وصلاحيتهم والتنسيق بينهم هي التي تحدد ما يستطيعون عمله وما لا يستطيعون، ومن ثم لا يمكن إطلاقاً حل المشكلة عن طريق بديل لا يمكن تنفيذه، نظراً لأن الموارد البشرية اللازمة غير متاحة أو غير موجودة في المكان المناسب. ومنها: الموارد المالية، فإن حل المشكلة في كثير من الأحيان يحتاج إلى موارد مالية، فإذا لم يكن بقدرة المدير تلك الموارد المالية أو كان بقدرته لكن من صعوبة متزايدة مما يجعل الحل غير مفضل فلا يتمكن المدير من القيام بذلك الحل البديل المتصور، وإن كان أفضل الحلول، فإن الأفضلية لا تكون إلا بعد ملاحظة جميع الأبعاد المكتنفة بالحل. ومنها: ملاحظة المشاكل القانونية، فإنه ربما يكون هناك حل أفضل من كل الجهات السابقة، لكن المشاكل القانونية تقف دون هذا الحل، وواضح بالنسبة للمسلم، يجب أن لا يكون حله حلاً غير شرعي، فالمسلم لا يقدم على الحل غير الشرعي. سادساً: ويأتي دور الخطوة الأخيرة وهي تحويل القرار إلى عمل فعال، إذ أنّ عملية اتخاذ القرار تنتهي بانتهاء خطوة اختيار أفضل البدائل، بمعنى وضع القرار موضع التنفيذ بتحويله إلى عمل فعال، سواء كان التنفيذ بسبب المدير نفسه أو بسبب الآخرين من الموظفين ونحوهم، فإذا كان هو المنفذ فبها ونعمت، وإذا كان المنفذ غيره فاللازم أن يباشر حكمه باختيار أفضل حل بالنسبة إلى من ينفذه، فيبلغ الآخرين بماذا ينبغي عليهم عمله ويحفزهم ويرغبهم على عمل ذلك، والإبلاغ يجب أن يُقارن الإقناع، فإنه في لزوم تحويل الحل إلى عمل خارجي، يجب أن يتفهم القائمون بالتنفيذ، التغيرات المتوقع حدوثها في سلوكهم وتصرفاتهم، وكذلك التغيرات المتوقعة في تصرفات الأشخاص الآخرين الذين يعملون معهم، ولكن هذا الفهم إنما يكفي لو كان القرار إلى الأسهل، أما إذا كان القرار يؤدي إلى المساوئ لكونه خلاف التقليد والعادة أو إلى الأصعب فالفهم وحده لا يكفي، إذ لا بد من تحفيزهم وترغيبهم بالترفيع معنوياً أو مادياً، ومن وسائل التحفيز والترغيب أن يقنع المدير القائمين بالتنفيذ بأن هذا القرار هو قرارهم، ولا يتأتّى ذلك إلا بإشرافهم، فاللازم اتخاذ القرار بالمشورة، ومشاركتهم، حيث إن ذلك كثيراً ما يؤدي إلى تحسين نوعية القرار النهائي عن طريق الكشف عن أمور قد تغيب عن المدير، مثل الصعوبة الخفية غير الظاهرة، أو الموارد المتاحة البشرية وغير البشرية، والتي لم تكن مستخدمة، إلى غير ذلك، وحيث إنه كثيراً ما يؤثر القرار للبديل الأفضل على أعمال الأشخاص الآخرين فلابد أن يساعد هؤلاء الأشخاص على تحقيق أهدافهم، وأن يعاونهم في عملهم وأن يساهم في جعل آرائهم أكثر فاعلية، فلا يكون القرار مصمماً فقط لمساعدة المدير على القيام بعمله بطريقة أسهل وأفضل، وكثيراً ما يكون، مما يحفز الموظفين الذين ينفذون القرار جاعلاً التنافس بينهم، فإن الإنسان جبل على أن لا يتأخر، فإذا رأى صديقه يتقدم إلى الأمام حفزه على أن يتقدم أيضاً، ومن هنا نشأ تعدد الأحزاب فإن تعدد الأحزاب بما فيه من الفوائد التي ذكرناها في كتاب فقه السياسة توجب التنافس بين الجهات المختلفة حتى تقوم كل جهة بالتحسين أكثر فأكثر، وقد قلنا هناك أن الله سبحانه وتعالى جعل التنافس حتى في الجنة، قال سبحانه: (... وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) [2] بالإضافة إلى الآيات الأُخرى، مثل قوله سبحانه وتعالى: (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالأَرْضُ …) [3]، وقوله سبحانه: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً...) [4] إلى غير ذلك من الأدلة العقلية والشرعية التي تدل على حسن التنافس، فعلى المدير أن يجعل التنافس بين الموظفين الذين يريدون جعل البديل الأفضل مكان البديل السابق. |