الفهرس

فهرس الفصل الثاني

المؤلفات

 الأخلاق والسلوك

الصفحة الرئيسية

 

الجود والبخل

الجواد محبوب، والبخيل مكروه...

والبخيل مطوية أحشائه على الفقر، وإلا فلم يبخل؟ والجواد مطوي ضميره على الغنى، وإلا فلم يعطِ؟.

وهما سجيتان، فلا يلازم الجود الثروة، ولا البخل الفقر، فرب بخيل غني، ورب جواد فقير.

وهناك منزلة بين السرف والبخل، هو الجود، وهو الممدوح عقلاً وشرعاً.

يحكي الله تعالى في القرآن الحكيم وصية لقمان لولده التي هي ملاك الإعطاء والقبض: (.. ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً)(1).

والبخيل إنما يضيع على نفسه المدح والارتياح ـ في الدنيا ـ والثواب والأجر في الآخرة.

يقول الله تعالى: (وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)(2).

إن المال وديعة (ولابد يوماً ان ترد الودائع) فَلِمَ يبخل الإنسان بما إن أعطاه كان له أجراً، وإن منعه كان عليه وبالاً؟ والخلف من الله، فلماذا لا يثق بخلفه؟

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إن كان الخلف من الله عز وجل حقاً، فالبخل لماذا؟)(3).

وقد تقدم حديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (خصلتان لا تجتمعان في مسلم: البخل وسوء الخلق)(4).

إن الشح رذيلة تافهة، ينبغي أن يستعيذ الشخص منها، وان يهيئ ما عنده من حول وطول لطرده.

قال فضل بن أبي قرة: رأيت أبا عبد الله ـ الصادق ـ عليه السلام يطوف من أول الليل إلى الصباح، وهو يقول: اللهم قني شح نفسي! فقلت: جعلت فداك، ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء؟! قال: وأي شيء أشد من شح النفس؟ إن الله يقول: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)(5).

هذا إمام معصوم مقرب يدعو بهذا الدعاء، في خير بقعة، في ليل بأكمله، انه يستحق التأمل، والاعتبار..

إن الدنيا قد تقبل على أقوام وقد تدبر عن أقوام فالمقبلة لا ينقصها العطاء، والمدبرة لا يبقيها البخل، ويتحسر البخيل على أي حال..

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (عجبت لمن يبخل بالدنيا، وهي مقبلة عليه! أو يبخل بها، وهي مدبرة عنه! فلا الإنفاق مع الإقبال يضره، ولا الإمساك مع الإدبار ينفعه)(6).

إذا جادت الدنيا عليك فجد بـها          على الناس طراً قبل أن تتفلت

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت          ولا البخل يبقيها إذا هـي ولـت

والبخيل بعيد عن الجنة، قريب إلى النار، أو فيها لا محالة.

يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (حرمت الجنة على المنان، والبخيل، والقتات)(7) والقتات: النمام.

إنه لا يدخل الجنة، وليس بمؤمن، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن، ولا يكون المؤمن جباناً ولا حريصاً، ولا شحيحاً)(8).

إنه ليس بمؤمن كامل، ولا يدخل الجنة، إلا إذا تداركته رحمة من الله الكريم ـ لا البخيل ـ.

والظالم بنظر الإسلام أقل جرماً من الشحيح، وقد بين سبب ذلك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ فيما يرويه الإمام الصادق عن أبيه الإمام الباقر (عليهما السلام) ـ قال: (إن علياً سمع رجلاً يقول: الشحيح أعذر من الظالم، فقال: كذبت ان الظالم يتوب ويستغفر الله، ويرد الظلامة على أهلها، والشحيح إذا شح منع الزكاة والصدقة، وصلة الرحم، وإقراء الضيف والنفقة في سبيل الله، وأبواب البر، وحرام على الجنة أن يدخلها شحيح)(9).

والمثال الرائع المثال الذي ضربه حاتم الطائي ـ الجواد المشهور ـ حين سئل منه: ممن تعلمت الجود؟ قال: (من البناء رأيت ما لم يجعل على البناء آجراً، لم يعط آخر).

إنه كذلك فالدنيا في الدوران، كل شيء منها دائر، الفلك، والأرض، والحيوان، والنبات.. وكذلك فلتكن الأموال يرثها الأبناء من الآباء، والأحفاد من الأجداد..

فلم البخل؟ لا سبب له إلا جشع البخيل وسوء نظره، ولذا قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الشح المطاع سوء الظن بالله تعالى)(10).

إن البخيل بمعزل حتى عن المشورة، فإنه لضيق نظره يقرب الفقر، ويبعد الغنى..

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا علي، لا تشاورن جباناً، فإنه يضيق عليك المخرج، ولا تشاورن البخيل، فإنه يقصر بك عن غايتك، ولا تشاورن حريصاً، فإنه يزين لك شرها، واعلم يا علي: ان الجبن والبخل والحرص غريزة واحدة: يجمعها سوء الظن)(11).

الظن الحسن يهدي إلى الإقدام ـ فيشجع الشخص ـ وإلى الإعطاء ـ فيجود ـ وإلى عدم الاهتمام الزائد بالمستقبل ـ فيرضى بالقسمة انه يرى النجاح والغنى وضمان المستقبل، فلم الجبن والبخل والحرص؟

وأخيراً: (السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار)(12).

 

1 ـ سورة الاسراء: الآية 29.

2 ـ سورة محمد: الآيات، 36 ـ 38.

3 ـ من لا يحضره الفقيه: ج4، ص393.

4 ـ وسائل الشيعة: ج6، ص23.

5 ـ بحار الأنوار: ج66، ص301.

6 ـ بحار الأنوار: ج66، ص300.

7 ـ بحار الأنوار: ج66، ص301.

8 ـ وسائل الشيعة: ج6، ص23.

9 ـ بحار الأنوار: ج66، ص303.

10 ـ وسائل الشيعة: ج6، ص24.

11 ـ بحار الأنوار: ج63، ص386.

12 ـ المصدر السابق: ج64، ص355.