الفهرس

الاخلاق والسلوك

المؤلفات

الصفحة الرئيسية

 

الاقتصاد

كان جاران، يملك أحدهما بقدر ما يملكه الآخر.

لكن الأول كان مبذراً متلافاً، فلم تمض مدة إلاّ وانكسر، وحجز على محله، وأصبح من فقراء المسلمين، يتكفف الناس.

والآخر أخذ في التقدم والتصاعد، حتى صار من التجار الكبار.

فسأله صديقه المنكسر: كيف صرت تاجراً، وقد كنا ـ أنا وأنت ـ في مستوى واحد؟

قال: لأني قنعت و (القناعة كنز لا يفنى)[1]، واقتصدت في المعيشة وتركت فضول المعاش، فمنّ الله عليّ بما ترى.

فاعتبر الجار المنكسر، وأخذ يعمل بما سمع، فلم تمض مدة إلاّ وردّ عليه ما فقده، وتحسنت حالته حتى صار في مصاف جاره الثري.

إن النازحين معرَّضون لخطر اقتصادي كبير، لأنّهم يعيشون في بلد لم يألفوه من ذي قبل، وأوجب الواجبات عليهم: الاقتصاد في الحاجة، والتوسط ـ بل دون التوسط ـ في الإنفاق، فإن صبر الإنسان على ترك ما يحب، أفضل من صبره على تجرع ما يكره، وقلّما ذهبت نعمة تمكّن الإنسان من ردّها.

قال تعالى حكاية عن لقمان في وصيته لابنه: ((وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ))[2].

وقال سبحانه: ((كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا))[3].

ويقول الشاعر الفارسي ما معناه: القناعة تثري الرجل، أخبر الحريص المطواف في العالم.[4].

التعاون

حضرت الوفاة بعض الملوك، وكان له من الأولاد اثنا عشر، فأحضرهم وأمرهم بإحضار حزمة من القصب، فلما أحضروها حزم بعضها ببعض، وأعطاها لأضعف الأولاد قوة وأمره بكسرها فلم يقدر، ثم أعطاها للثاني، والثالث، إلى آخر الأولاد، ولكنهم عجزوا عن كسرها.

ثم قال لهم: يا أولادي، إني ضربت لكم المثل في التعاون، إنكم إذا كنتم مجتمعين متعاونين، لم يتمكن الناس بمجموعهم من كسركم وإبادتكم.

ثم بعد ذلك فك الحزمة، وأخذ يعطي قصبة قصبة، لكلِّ منهم فكسروها جميعاً، فقال الملك: إن هذا مثل لكم إذا تفرقتم، فإنه يتمكن أضعف الناس من كسركم.

إن النازحين يجب عليهم التعاون فيما بينهم لحلّ مشاكلهم.

قال تعالى في القرآن الحكيم: ((وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوانِ))[5].

وفي الحديث الشريف: (يد الله على الجماعة)[6].

الأولاد

رأى حكيم ولداً جميلاً عليه آثار الهيبة والوقار، فسأله عن عمله.

فقال الولد: إني حمّال.

فتعجب الحكيم، وقال: هل لك أب؟

قال الولد: نعم.

قال الحكيم: وما عمل أبيك؟

قال الولد: إنه عالم.

قال الحكيم: نعم الأب، وبئس الولد.

قال الولد: لا تقل هكذا، بل قل: نعم الجد وبئس الأب.

قال الحكيم: ولمَ؟!

قل الولد: لأن جدي ربّى أبي عالماً، وربّاني أبي حمّالاً.

قال الحكيم: صدقت وأحسنت.

إن النازحين يجب عليهم أن يعتنوا بأولادهم أكبر اعتناء، فإن الولد في عصرنا هذا محاط بالأخطار، يحدق به خطر الانحراف في السلوك، خطر الزيغ في الحياة، والنازحون أقرب إلى هذه الأخطار، حيث إن شعور أولادهم بالغربة والضياع، يشكل لهم مشكلة نفسية، ومن يعيش مثل هذه المشكلةن قد يُغرى بالانضمام إلى منظمات إلحادية وما أشبهها.. أو إلى تخفيف عبء الحياة عن كاهله بالسلوك الشاذ، والعمل الزائغ.

وقد جاء في الحديث عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) قال: ياعلي حق الولد على والده أن يُحسِّنَ اسمه وأدبه ويضعهُ موضعاً صالحاً.....)[7].

فالأولاد يحتاجون إلى:

تغذية صحية، فإن سوء التغذية يؤثر في جسم الأولاد بالأمراض، وفي نفسهم بالعقد.

تربية كاملة.

دراسة وثقافة.

عمل لائق.

تزويج إن حان وقته.

النساء والفتيات

شُرّدتْ عائلة من وطنها إلى بلدٍ ناء، وكانت مؤلفة من: زوج وزوجة، وثلاث بنات.

وكانت زوجة الرجل امرأة حكيمة، فبمجرد أن اشتدت بهم الدار في المهجر أخذت تنظم شؤونها: فخصصت جزءاً من وقتها للخياطة من أجل الاسترباح، وجزءاً آخر لتربية بناتها تربية فضيلة وجدّ وعمل، وجزءاً آخر من وقتها لإدارة البيت، حتى تمكنت من أن تربي بناتها الثلاثة تربية مثالية:

فصارت إحداهن مديرة مدرسة أهلية.

والثانية زوجة نائب من نواب البرلمان.

والثالثة زوجة أحد الضباط الكبار.

وهكذا أثرت التربية الصحيحة في رفع مستوى البنات إلى مقام رفيع.

إن النازحين يجب عليهم أن يعتنوا بنسائهم وفتياتهم عناية فائقة، فإن سوء تربية المرأة أو عدم الاعتناء بشأنها، يسبب أكبر الخطر على المجتمع، وقد قالت منظمة الحادية: (إن امرأة واحدة تنفعنا أكثر من مائة رجل).

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)[8].

وفي الحديث: (الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله)[9].

وفي كلمة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (فإن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة)[10].

يقول الشاعر

الأم مدرسة، إذا أعددتها***أعددت شعباً طيب الأعراق

النشاط

فقد أحد الرجال عمله فجأة، ولم يكن له رأسمال يتمكن أن يتاجر به، فاستنصح أحد أصدقائه.

فقال له الصديق: تنوع في العمل وانشط.

فعمل الرجل بنصح الصديق، فأخذ يبيع الخبز صباحاً، فإذا طلعت الشمس يخدم حماماً بنشر المآزر في الشمس، وبعد ذلك يبيع الجرائد، وعند الظهيرة يبيع العصير، وقبل المغرب إلى ساعتين من الليل، يعمل صباغاً للأحذية في المقاهي والشوارع، فاستغرقت أعماله أربع عشرة ساعة، فلم تمض إلاّ خمس سنوات وإذا به يصبح من كبار الأثرياء.

إن النازحين يحتاجون إلى نشاط دائب، وعمل لا يعرف الكلل، ومن الضروري أن لا يستسلم النازحون للمصاعب والتعب في سبيل العيش أولاً، وفي سبيل التقدم في الحياة ثانياً، بل يمشون مرفوعي الرأس، يعملون ويعملون، وينشطون وينشطون، حتى يفتحوا طريقهم في الحياة المزدحمة، لا هذا فحسب، بل يكونوا في الرعيل الأول من أهل البلاد.

أما الكسل، والضجر، والانسحاب من الميدان والتردد في الإقدام، فعواقبها الفشل المحتم، والتأخر الواضح.

[1] مستدرك الوسائل: ج15، ص226، ب9، ح18072 وفيه: عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (القناعة مال لا ينفد)، وقال: (القناعة كنز لا يفنى).

[2] سورة لقمان، الآية 19.

[3] سورة الأعراف، الآية 31.

[4] قناعت توانگر كند مرد را***خبر كن حريص جهان گرد را.

[5] سورة المائدة، الآية 2.

[6] نهج البلاغة: الخطبة 127، الفقرة 7.

[7] وسائل الشيعة، ج21 باب 22ص 389.

[8] الفقيه، ج3، ص555، ب2، ح4908.

[9] الكافي، ج5، ص88، ح1.

[10] نهج البلاغة، الرسالة 31، الفقرة 118.