الفهرس

المؤلفات

الأدعية

الصفحة الرئيسية

 

(5)

دعاؤه لنفسه ولأهل ولايته

وكان من دعائه (عليه السلام) لنفسه ولأهل ولايته:

يا مَنْ لا تَنْقَضي عَجآئبُ عَظَمَتِهِ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاحْجُبْنا عَنِ الإلْحادِ في عَظَمَتِكَ؛ وَيا مَنْ لا تَنْتَهي مُدَّةُ مُلْكِهِ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَأعْتِقْ رِقابَنا مِنْ نَقِمَتِكَ؛ وَيا مَنْ لا تَفنى خَزآئٍنُ رَحْمَتِهِ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدعاء الخامس

الشرح

وكان من دعائه (عليه السلام) لنفسه ولأهل ولايته:

(يا من لا تنقضي عجائب عظمته) العجائب المستندة إلى عظمة الله سبحانه في السماء والأرض لا تنقضي، لأن فيضه العام يأتي كل يوم العجائب تورث عجب الإنسان (صلّ على محمد وآله واحجبنا) أي احفظنا (عن الإلحاد في عظمتك) الإلحاد الميل، أي أن نميل في هذه الجهة، بأن لا نعظمك حق عظمتك (ويا من لا تنتهي مدة ملكه) لبقاء الله سبحانه إلى الأبد وبقاء ملكه معه (صلّ على محمد وآله واعتق رقابنا من نقمتك) أي غضبك، والنسبة إلى الرقبة لأنها موضع القتل والغل، وكل ما يشابه ذلك منسوباً إليها (ويا من لا تفنى خزائن رحمته) فإن خزائن الله عبارة عن الشمس والأرض والهواء والماء، ومن المعلوم أن كل شيء منها يتحول إلى غيره فلا يفنى. هذا إذا أخذنا بحسب المادة، أما بحسب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَاجْعَلْ لَنا نَصيباً في رَحْمَتِكَ. وَيا مَنْ تَنْقَطِعُ دُونَ رُؤْيَتِهِ الأبْصارُ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأدْنِنا إلى قُرْبِكَ؛ وَيا مَنْ تَصْغُرُ عِنْدَ خَطَرِهِ الأخْطارُ؛ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَكَرِّمْنا عَلَيْكَ، وَيا مَنْ تَظْهَرُ عِنْدَهُ بَواطِنُ الأخْبارِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَلا تَفْضَحْنا لَدَيْكَ؛ اللّهُمَّ أغْنِنا عَنْ هِبَةِ الوَهّابينَ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العموم فإن رحمة الله عامة يصدرها سبحانه بقوله: (كن) فلا فناء لها (صلّ على محمد وآله واجعل لنا نصيباً في رحمتك) بأن تتفضل علينا بالرحمة كما تتفضل على غيرنا (ويا من تنقطع دون رؤيته الأبصار) أي أن الأبصار لا تصل إلى حد تتمكن من رؤيته سبحانه، وذلك لاستحالة رؤية الله تعالى (صلِّ على محمد وآله وأدننا إلى قربك) المراد بالقرب قرب الشرف والرضا، لاستحالة المكان عليه سبحانه كما لا يخفى.

(ويا من تصغر عند خطره) أي عظمته (الأخطار) أي عظمة العظماء، إذ كل عظيم فهو صغير إذا قيس بعظمة الله سبحانه (صلّ على محمد وآله وكرِّمنا عليك) بأن نكون كرماء عندك (ويا من تظهر عنده بواطن الأخبار) إذ ليس شيء يخفى عليه سبحانه (صلّ على محمد وآله ولا تفضحنا لديك) أي وفقنا لئلا نعمل بالمعاصي حتى نفتضح لديك بسبب المعصية، والفضيحة كشف ستر الإنسان حتى يظهر أن باطنه كان مخالفاً لظاهره.

(اللهم أغننا عن هبة الوهابين) أي الذين يعطون الهبات والعطايا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بِهِبَتِكَ، وَاكْفِنا وَحْشَةَ القاطِعينَ بِصِلَتِكَ حَتّى لا نَرْغَبَ إلى أحَدٍ مَعَ بَذْلِكَ؛ وَلا نَسْتَوْحِشَ مِنْ أحَدٍ مَعَ فَضْلِكَ؛ اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَكِدْ لَنا وَلا تَكِدْ عَلَيْنا، وَامْكُرْ لَنا وَلا تَمْكُرْ بِنا، وَأدِلْ لَنا وَلا تُدِلْ مِنّا؛ اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَقِنا مِنْكَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(بهبتك) بأن تعطينا بدون واسطة وهاب موجب للمنة (واكفنا وحشة القاطعين) فإن الشخص إذا قطع عن الإنسان استوحش الإنسان لقطعه إياه (بصلتك) فإن الإنسان إذا وفقه الله سبحانه لطاعته والأُنس به لا يستوحش لقطع صديق (حتى لا نرغب إلى أحد مع بذلك) وعطائك لنا (ولا نستوحش من أحد مع فضلك) وإحسانك إلينا.

(اللهم فصلّ على محمد وآله وكد لنا) الكيد: العمل الخفي لترفيع شخص أو وضع شخص، ومعنى كد لنا هيئ الأسباب لعلوّنا ورفعتنا، ومن المعلوم أن الأسباب الغيبية خفية، ولذا أطلق (عليه السلام) لفظ الكيد (ولا تكد علينا) أي لا تهيئ الأسباب الخفية لوضعنا وذلنا (وامكر لنا) المكر: معالجة الأسباب الخفية للوصول إلى المسببات المرغوبة، وهذا أصل معناه لغة، ومنه قوله سبحانه (ويمكرون ويمكر الله) [1] لكن الشائع عند العرف إطلاقه على المعالجة الضارة، ولذا يستبشع هذا اللفظ إذا أُطلق بدون قرينة (ولا تمكر بنا) أي امكر لعلونا لا لضعتنا (وأدل لنا) الأدلة صرف الدولة من أحد لآخر، أي اصرف دولة الأعداء إلينا (ولا تدل منا) بأن تأخذ الدولة منا وتعطيها لغيرنا.

(اللهم صلّ على محمد وآله وقنا منك) الوقاية الحفظ، أي احفظنا حفظاً ناشئاً من جانبك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

َواحْفَظْنا بِكَ؛ وَاهْدِنا إليك؛ وَلا تُباعدْنا عَنْكَ؛ إِنَّ مَنْ تَقِهِ يَسْلَمْ، وَمَنْ تَهْدِهِ يَعْلَمْ؛ وَمَنْ تُقَرِّبْهُ إليك يَغْنَمْ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنا حَدَّ نَوآئِبِ الزَّمانِ؛ وَشَرَّ مَصائدِ الشَّيْطانِ، وَمَرارَة صَوْلَةِ السُّلْطانِ، اللّهُمَّ إنَّما يَكْتَفي المُكْتَفُونَ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(واحفظنا بك) أي احفظنا بذاتك حتى تكون أنت حفيظاً لنا (واهدنا إليك) بأن توفقنا لسلوك الطريق الموصل إلى رضاك (ولا تباعدنا عنك) المباعدة عنه سبحانه بالعصيان الموجب لبعد الإنسان عن رضاه تعالى، وإلاّ فليس له سبحانه مكان حتى يكون البعد مكانياً (إن مَنْ تقه) أي تحفظه، من وقى يقي (يسلم) عن الآفات والأخطار (ومن تهده) إلى مرضاتك (يعلم) الخير والشر لأنه مهدي (ومن تقربه إليك) أي إلى رضوانك (يغنم) من الغنيمة بمعنى الفائدة، أي يحصل على سعادة الدنيا والآخرة.

(اللهم صلّ على محمد وآله واكفنا حد) أي شدة، فإن حد السيف والسكين شفرتهما (نوائب الزمان) جمع نائبة، وهي المصيبة (وشر مصائد الشيطان) جمع مصيدة: وهي الشرك الذي يجعله الشيطان لصيد الناس وإلقائهم في المعاصي كالمال والجاه والشهوات وما أشبه (ومرارة صولة السلطان) أي هجومه ونكاله.

(اللهم إنما يكتفي المكتفون) أي الذين يكتفون بأرزاقهم ولا يحتاجون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بِفَضْلِ قُوَّتِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاكْفِنا؛ وَإنَّما يُعْطِي المُعْطُونَ مِنْ فَضْلِ جِدَتِكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأعْطِنا؛ وَإنَّما يَهْتَدِي المُهْتَدُونَ بِنُورِ وَجْهِكَ؛ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاهْدِنا، اللّهُمَّ إنَّكَ مَنْ والَيْتَ لَمْ يَضْرُرْهُ خِذْلانُ الخاذِلينَ؛ وَمَنْ أعْطَيْتَ لَمْ يَنْقُصْهُ مَنْعُ المانِعينَ، وَمَنْ هَدَيْتَ لَمْ يُغْوِهِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى شيء (بفضل قوتك) أي قوتك التي تتفضل بها عليهم القوة في المال أو ما أشبه (فصلّ على محمد وآله واكفنا) حتى لا نحتاج إلى مَنْ سواك (وإنما يعطي المعطون) أي الباذلون (من فضل جدتك) الجدة: بمعنى الوجدان، مصدر [وجد] كعدة مصدر [وعد] (فصلّ على محمد وآله وأعطنا) حتى لا نحتاج إلى عطاء غيرك (وإنما يهتدي المهتدون) أي الذين يهتدون إلى سبيل السعادة في الدارين (بنور وجهك) هذا من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، فإن المراد بوجه الله سبحانه توجهه وإرادته، كما أن المراد بنوره ما يلقى في القلب مما يضيء السبيل للإنسان تشبيهاً بالنور الذي يسبب معرفة الإنسان للطريق في الليل المظلم (فصلّ على محمد وآله واهدنا) حتى لا نضل.

(اللهم إنك مَنْ واليت) موالاة الله سبحانه نصرته للإنسان وترفيعه تعالى له (لم يضرره خذلان الخاذلين) الخذلان ترك النصرة، فإن الله إذا شاء ترفيع أحد لم يؤثر فيه خذلان الناس وترك نصرتهم له (ومَن أعطيت) إياه من جودك وفضلك (لم ينقصه منع المانعين) إذ لا يبقى له موضع ناقص حتى يضره كفّ الناس يدهم عنه (ومَن هديت لم يغوه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إضْلالُ المُضِلّينَ؛ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَامْنَعْنا بِعِزِّكَ مِنْ عِبادِكَ، وَأغْنِنا عَنْ غَيْرِكَ بِإرْفادِكَ، وَاسْلُكْ بِنا سَبيلَ الحَقِّ بِإرْشادِكَ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ سَلامَةَ قُلُوبِنا في ذِكْرِ عَظَمَتِكَ، وَفَراغَ أبْدانِنا في شُكْرِ نِعْمَتِكَ، وَانْطِلاقَ ألْسِنَتِنا في وَصْفِ مِنَّتِكَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إضلال المضلين) فإن كل مَن أراد إضلاله لم يؤثر فيه، لأن الله سبحانه أقوى في هدايته من المضل الذي يريد إضلاله.

(فصلِّ على محمد وآله وامنعنا بعزك) أي بسلطانك (من عبادك) حتى لا يؤثر فينا أذاهم وخذلانهم (وأغننا عن غيرك بإرفادك) أي إعطائك حتى لا نحتاج إلى غيرك (واسلك بنا سبيل الحق بإرشادك) سلك به: بمعنى دلّه على الطريق، أو أخذه معه، وعلى الثاني فالمعنى: أن يكون عون الله سبحانه مع الإنسان في كل خطوة.

(اللهم صلّ على محمد وآله واجعل سلامة قلوبنا) أي وقت سلامتها عن الآفات (في ذكر عظمتك) حتى لا نصرفها في اللغو والهذر (و) اجعل (فراغ أبداننا) أي حال فراغ بدننا وعدم اشتغالها بالأمور الضرورية (في شكر نعمتك) والمراد الشكر العملي بأعمال الخير وإقامة الصلاة وما أشبه، كما قال سبحانه: (اعملوا آل داود شكرا) [2]، فإن للشكر مراكز ثلاثة: القلب، واللسان، والبدن (و) اجعل (انطلاق ألسنتنا) أي وفقنا لأن نصرف ألسنتنا المطلقة (في وصف منتك) منن الله: نعمه على الإنسان، حتى لا نصرف ألسنتنا في اللغو والغيبة وما أشبه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْنا مِنْ دُعاتِكَ الدّاعينَ إليك؛ وَهُداتِكَ الدّالِّينَ عَلَيْكَ؛ وَمِنْ خآصَّتِكَ الخآصِّينَ لَدَيْكَ؛ يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(اللهم صلّ على محمد وآله واجعلنا من دعاتك) جمع داعي (الداعين إليك) أي ندعو الناس إلى الإيمان بك والعمل بما أمرت (وهداتك) جمع هادي، والإضافة للتشريف (الدالين عليك) أي ندلّ الناس ونرشدهم إلى جنابك (ومن خاصتك) خاصة الرجل: الأقربون إليه، والمراد قرب الإنسان إلى رضوانه سبحانه (الخاصين) أي شديدي الخصوصية (لديك يا أرحم الراحمين) فإنه سبحانه أكثر ترحماً من كل راحم، والمراد برحمته تعالى عمله مع الإنسان عمل المترحم له من كشف البلية وإعطاء الرغبة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(6)

دعاؤه عند الصباح والمساء

وكان من دعائه (عليه السلام) عند الصباح والمساء:

الحَمْدُ للهِ الَّذي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بَقُوَّتِهِ؛ وَمَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِهِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما حَدّاً مَحْدُوداً وأمَداً مَمْدُوداً، يُولِجُ كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما في صاحِبِهِ؛ وَيُولِجُ صاحِبَهُ فيهِ بِتَقْديرٍ مِنْهُ لِلْعِبادِ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدعاء السادس

الشرح

وكان من دعائه (عليه السلام) عند الصباح والمساء:

(والحمد لله الذي خلق الليل والنهار بقوته) فإن الخلق يحتاج إلى القوة على المخلوق، وهو عبارة أخرى عن القدرة (وميز بينهما) بأن جعل أحدهما مظلماً والآخر مضيئاً (بقدرته) إذ التميز شيء غير الخلق (وجعل لكل واحد منهما حداً محدوداً) حسب الأماكن والأزمان، حتى أنه لا يتجاوز عن المعتاد ولو قدر ثانية (وأمداً ممدوداً) أي نهاية، فإن الليل والنهار باقيان إلى أن تقوم الساعة (يولج) أي يدخل (كل واحد منهما في صاحبه) فإن الليل يدخل في وقت النهار إذا أخذ الليل في الطول وأخذ النهار في القصر، فكأن الليل دخل في النهار (ويولج صاحبه فيه) فيدخل النهار في الليل إذا كان الطول للنهار، ويمكن أن يراد بالجملتين إيلاج أحدهما في الآخر في كل صباح ومساء (بتقدير منه) تعالى (للعباد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيما يَغذُوهُمْ بِهِ، وَيُنْشِئُهُمْ عَلَيْهِ، فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فيهِ مِنْ حَرَكَاتِ التَّعَبِ وَنَهَضاتِ النَّصَبِ وَجَعَلَهُ لِباساً لِيَلْبَسُوا مِنْ راحَتِهِ وَمَنامِهِ، فَيَكُونُ ذلِكَ لَهُمْ جَماماً وَقُوَّةً؛ وَلِيَنالُوا بهِ لَذَّةً وَشَهْوَةً؛ وَخَلَقَ لَهُمُ النَّهار مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فيهِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فيما يغذوهم به) أي إنما يفعل سبحانه ذلك لما قدر من تغذية العباد، وهذه الكيفية في النهار والليل موجبة لتحصيل غذاء العباد، فإن بعض الأغذية فصلها الصيف وبعضها فصلها الشتاء وهكذا، والفصول تحصل من هذا الإيلاج (وينشئهم عليه) فإن نشء الإنسان إنما هو بتغيير الفصول كما ورد في الطب.

(فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه) بالمنام وعدم التقلب (من حركات التعب) أي الحركات الموجبة للتعب (ونهضات النصب) النهضة: القيام بالعمل، والمراد القيام بالعمل الموجب للتعب، والنصب لغة بمعنى التعب (وجعله لباساً) فإنه كاللباس الذي يشتمل على الإنسان (ليلبسوا من راحته ومنامه) فإن الراحة والمنام حيث يشملان جسد الإنسان شبّها باللباس الشامل للبدن (فيكون ذلك) المنام (لهم جماماً) أي راحة (وقوة) فإن الإنسان ترجع قوته ونشاطه إذا استراح في الليل (ولينالوا به) أي بسبب الليل (لذة) بالاجتماع مع أولادهم وأهلهم (وشهوة) بمقاربة أزواجهم.

(وخلق لهم النهار مبصراً) أي موجباً لأن يبصروا الأشياء، إذ يتوفر في النهار النور الذي هو شرط الإبصار (ليبتغوا) أي يطلبوا (فيه)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مِنْ فَضْلِهِ؛ وَلِيَتَسَبَّبُوا إلى رِزْقِهِ؛ وَيَسْرَحُوا في أرْضِهِ، طَلَباً لِما فيهِ نَيْلُ العاجِلِ مِنْ دُنْياهُمْ وَدَرَكُ الآجِلِ في أُخْراهُمْ بِكُلِّ ذلِكَ يُصْلِحُ شَأنَهُمْ وَيَبْلُو أخْبارَهُمْ، وَيَنْظُرُ كَيْفَ هُم في أوْقاتِ طاعَتِهِ؛ وَمَنازِلِ فُرُوضِهِ، وَمَواقِعِ أحْكامِهِ، لِيَجْزِيَ الَّذينَ أسآءُوا بِما عَمِلُوا؛ وَيَجْزِيَ الَّذينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي في النهار (من فضله) وعطائه بالاكتساب والطلب (وليتسببوا) أي يطلبوا الأسباب (إلى رزقه) كالزراعة والعمارة والتجارة والاصطياد وما أشبه مما يدرّ الرزق على الإنسان (ويسرحوا) أي يسيروا طالبين كما تسرح البهيمة طلباً للعلف والماء (في أرضه طلباً لما فيه) الضمير عائد إلى [ما] (نيل العاجل) أي إدراك ما هم بحاجة إليه من العاجل (من دنياهم) بيان [العاجل] (ودرك الآجل في أخراهم) فإن الإنسان بالنهار ينفق ويبني المسجد ويجتمع للجهاد وما أشبه (بكل ذلك) الذي ذكر من فوائد الليل والنهار (يصلح) الله سبحانه (شأنهم ويبلو أخبارهم) أي يختبرها، والمراد امتحانهم (وينظر كيف هم) ومعنى النظر الاختبار والامتحان(في أوقات طاعته) من الصباح والمساء (ومنازل فروضه) المراد بالمنازل الأوقات، والفروض الواجبات، كأوقات صلاة الظهر والعصر وسائر الصلوات (ومواقع أحكامه) بأنها هل تخلو عن الأحكام أم لا؟ (ليجزي الذين أساءوا) أي عملوا السيئات (بما عملوا) أي بمقابل أعمالهم السيئة (ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) أي بالصفة الحسنى مؤنث أحسن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللّهُمَّ فَلَكَ الحَمْدُ عَلى ما فَلَقْتَ لَنا مِنَ الإصْباحِ، وَمَتَّعْتَنا بِهِ مِنْ ضَوْءِ النَّهارِ؛ وَبَصَّرْتَنا مِنْ مَطالِبِ الأَقْواتِ؛ وَوَقَيْتَنا فيْهِ مِنْ طَوارِقِ الآفاتِ، أصْبَحْنا وَأصْبَحَتِ الأشْيآءُ كُلُّها بِجُمْلَتِها لَكَ: سَمآؤُها وأَرْضُها؛ وما بَثَثْتَ في كُلِّ وَاحِدٍ منْهُما، ساكِنُهُ وَمُتَحَرِّكُهُ وَمُقيمُهُ وَشاخِصُهُ؛ وَما عَلا فِي الهَواءِ؛ وَما كَنَّ تَحْتَ الثَّرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(اللهم فلك الحمد على ما فلقت لنا) الفلق هو الشق (من الإصباح) فإن ضوء الصباح يشق ظلمة الليل (ومتعتنا به من ضوء النهار) المتعة اللذة، فإن الإنسان يتلذذ بالنهار (وبصّرتنا من مطالب الأقوات) مطالب: جمع مطلب اسم مكان بمعنى محل الطلب، فإن الإنسان بالنهار يرى المحلات التي يطلب الرزق فيها (ووقيتنا) أي حفظتنا (فيه) أي في النهار (من طوارق الآفات) طوارق: جمع طارق، ما يرد على الإنسان بسوء، والآفات: جمع آفة بمعنى البلية والمصيبة (أصبحنا وأصبحت الأشياء كلها بجملتها) تأكيد بعد تأكيد للتعميم (لك) وحدك لا شريك لك فيها (سماؤها وأرضها وما بثثت) أي فرقت ونشرت (في كل واحد منهما ساكنه) كالأشجار والكواكب الواقفة (ومتحركه) كالحيوان والماء (ومقيمه) أي اللازم لوطنه (وشاخصه) أي المسافر الخارج من بلده (وما علا) وارتفع (في الهواء) كالأطيار والسحاب وما أشبه (وما كنّ) واستتر (تحت الثرى) كماء العيون والمعادن والحيوانات والحشرات وما أشبه، والثرى: الأرض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أصْبَحْنا في قَبْضَتِكَ يَحْوينا مُلْكُكَ وَسُلْطانُكَ وَتَضُمُّنا مَشِيَّتُكَ، وَنَتَصَرَّفُ عَنْ أمْرِكَ؛ وَنَتَقَلَّبُ في تَدْبيرِكَ، لَيْسَ لَنا مِنَ الأمْرِ إلاّ ما قَضَيْتَ؛ وَلا مِنَ الخَيْرِ إلاّ ما أعْطَيْتَ؛ وَهذا يَوْمٌ حادِثٌ جَديدٌ؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(أصبحنا في قبضتك) كناية عن القدرة التامة، كما أن الشيء الذي في قبضة الإنسان يكون تحت سيطرته التامة، والقبضة: القبض بالكف (يحوينا ملكك) أي يشتمل علينا الملك الذي هو لك، فإن الإنسان محاط بملك الله تعالى (وسلطانك) فإن سلطته تعالى شاملة للإنسان، والملك غير السلطان كما لا يخفى (وتضمنا) أي تشتمل علينا (مشيتك) أي إرادتك وقدرتك حتى أنك تقدر على كل تصرف فينا (ونتصرف) أي نعمل كل عمل (عن أمرك) فإنه سبحانه شاء أن يكون الإنسان قادراً مختاراً، وإلاّ لم يتمكن الإنسان من أي عمل مهما كان صغيراً (ونتقلب في تدبيرك) فإن الله سبحانه دبّر الكون وهيّأه هكذا، فكل حركة للإنسان وتقلب له إنما هي حركة في تدبيراته تعالى.

(ليس لنا من الأمر إلاّ ما قضيت) أي حكمت، فإن الله سبحانه شاء ان يكون الإنسان قادراً على بعض الأشياء وعاجزاً عن بعض الأشياء، فليس للإنسان تجاوز الحدود المقررة له مهما جد واجتهد (ولا من الخير) المراد به الأعم من الهداية والإيمان وسائر الخيرات (إلاّ ما أعطيت) فإن الإنسان لا يتمكن أن يستفيد بأكثر من الخير الذي أعطاه الله له (وهذا يوم حادث جديد) الحادث ما حدث بعد العدم، والجديد مقابل البالي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَهُوَ عَلَيْنا شاهِدٌ عَتيدٌ، إنْ أحْسَنّا وَدَّعَنا بحَمْدٍ، وَإنْ أسَأنا فارَقَنا بِذَمٍّ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَارْزٌقْنا حُسْنَ مُصاحَبَتِهِ، وَاعْصِمْنا مِنْ سُوءِ مُفارَقَتِهِ بِارْتِكابِ جَريرَةٍ؛ أوِ اقْتِراف صَغيرَةٍ أوْ كَبيرَةٍ؛ وَأجْزِلْ لَنا فيهِ مِنَ الحَسَناتِ؛ وَأخْلِنا فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ وَامْلأ لَنا ما بَيْنَ طَرَفَيْهِ حَمْداً وَشُكْراً وَأجْراً وَذُخْراً وَفَضْلاً وإِحْساناً؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وهو علينا شاهد عتيد) أي حاضر، فإن الأيام تشهد على الناس بما عملوا فيها، في يوم القيامة (إن أحسنا) فيه بالأعمال الصالحة (ودّعنا) وذهب عنا (بحمد) أي مادحاً لنا عملنا فيه (وإن أسأنا) وعملنا فيه بالشر (فارقنا بذم) أي في حال كونه ذاماً لنا عملنا.

(اللهمّ صلِّ على محمد وآله وارزقنا حسن مصاحبته) بأن نعمل صالحاً فيه حتى نكون صاحباً حسناً له (واعصمنا) أي احفظنا (من سوء مفارقته) بأن لا نفارقه بالعمل السيئ (بارتكاب جريرة) فإن سوء المفارقة إنما يكون بارتكابنا فيه للمعصية (أو اقتراف) أي عمل (صغيرة أو كبيرة) من المعاصي، وقد وقع الاختلاف في ميزان الصغيرة والكبيرة، والكلام في ذلك موكول إلى الفقه (وأجزل لنا فيه من الحسنات) أي أكثر لنا فيه من إعطاء الحسنات، وذلك بأن توفقنا لما نستحق به ذلك (وأخلنا فيه من السيئات) بأن تعصمنا عن اقتراف السيئة والمعصية.

(واملأ لنا ما بين طرفيه) أي طرفي هذا اليوم أوله وآخره (حمداً وشكراً) بأن نشكرك ونحمدك أول النهار وآخره وأول الليل وآخره (وأجراً وذخراً) أي ذخيرة الثواب لآخرتنا (وفضلاً وإحساناً) بأن تتفضل علينا وتحسن إلينا مجاناً بدون مقابل وعوض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اللّهُمَّ يَسِّرْ عَلَى الكِرامِ الكاتِبينَ مَؤُونَتَنا، وَامْلأ مِنْ حَسَناتِنا صَحآئِفَنا؛ ولا تُخْزنا عِنَدَهُمْ بِسُوءِ أعْمالِنا، اللّهُمَّ اجْعَلْ لَنا في كُلِّ ساعَةٍ مِنْ ساعاتِهِ حَظّاً مِنْ عِبادِكَ وَنَصيباً مِنْ شُكْرِكَ؛ وَشاهِدَ صِدْقٍ مِنْ مَلآئِكَتِكَ؛ اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاحْفَظْنا مِنْ بَيْنَ أيْدينا،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(اللهمّ يسّر) أي سهّل (على الكرام الكاتبين) أي الملائكة الكاتبين لأعمالنا، وكونهم كراماً لأنهم لا يثبتون باطلاً ولا يسقطون حقاً (مؤونتنا) فإن الإنسان إذا أحسن فرّح الملائكة وسهّل عليهم، وإذا أساء حزنوا وثقل عليهم، فمعنى الدعاء توفيقنا لأن نعمل ما يسرّهم (واملأ لنا من حسناتنا صحائفنا) بأن توفقنا لأن نملأها (ولا تخزنا عندهم بسوء أعمالنا) الخزي الفضيحة، والمعنى احفظنا عن العصيان حتى لا نفضح أمام الملائكة

(اللهمّ اجعل لنا في كل ساعة من ساعاته) أي من ساعات هذا اليوم (حظاً من عبادك) أي من دعاء عبادك وخيرهم، بأن تجعلنا مشمولين لصالح أدعية الداعين وتوصل إلينا خير أهل الخير (ونصيباً من شكرك) بأن نشكرك في كل ساعة (وشاهد صدق من ملائكتك) بأن تحوطنا بالملائكة حتى يشهدون هناك في الآخرة لنا بالأعمال الصالحة وهذا لتشريف الإنسان، فإن الملك من عظمته أن يحيط به الأعوان والأنصار، والمراد شهادة منهم بصدق أعمالي وأنها كانت لك بدون رياء أو سمعة أو ما أشبه.

(اللهمّ صلّ على محمد وآله واحفظنا من بين أيدينا) أي من أمامنا حتى لا يصل إلينا مكروه من جهة الأمام

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَمِنْ خَلْفِنا وِعَنْ أيْمانِنِا وَعَنْ شَمآئلِنا وَمِنْ جَميعِ نَواحينا، حِفْظاً عاصِماً عَنْ مَعْصِيَتِكَ؛ هادِياً إلى طاعَتِكَ، مُسْتَعْمِلاً لِمَحَبَّتِكَ؛ اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَوَفِّقْنا في يَوْمِنا هذا وَلَيْلَتِنا هذِهِ وَفي جَميعِ أيّامِنا لإسْتِعْمالِ الخَيْرِ، وَهِجْرانِ الشَّرِّ؛ وَشُكْرِ النِّعَم وَاتِّباعِ السُّنَنِ وَمُجانَبَةِ البِدَعِ؛ وَالأمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ وَحِياطَةِ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(ومن خلفنا وعن أيماننا) أي طرف اليمين، ومن القاعدة أن الإنسان إذا تكلم عن نفسه وعن غيره جاء بالجمع فلا يقال ليس للإنسان أيمان وإنما يميناً (وعن شمائلنا) جمع شمال (ومن جميع نواحينا) كطرف الرأس والرجل (حفظاً عاصماً) أي كان ذلك الحفظ موجباً للعصمة (عن معصيتك) حتى لا نعصيك (هادياً) ذلك الحفظ ـ وهذا من باب الإعجاز كما لا يخفى ـ (إلى طاعتك مستعملاً) بصيغة اسم المفعول، أي قد استعمل ذلك الحفظ (لمحبتك) أي أن الكف عن العصيان والإتيان بالطاعة لأجل حبك لا رياءً ونحوه.

(اللهم صلّ على محمد وآله ووفقنا في يومنا هذا وليلتنا هذه وفي جميع أيامنا لاستعمال الخير) بأن نعمل الخير (وهجران الشر) بأن نهجره ونتركه (وشكر النعم) جمع نعمة (واتباع السنن) جمع سنّة وهي الطريقة التي قررها الإسلام لمختلف جوانب الحياة (ومجانبة البدع) والبدعة النسبة إلى الدين ما ليس منه (والأمر بالمعروف) وهو كل حسن شرعاً أو عقلاً (والنهي عن المنكر) الذي حرّمه الشارع أو الأعم مثل ما تقدم (وحياطة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإسْلامِ، وَانْتِقاصِ الباطِلِ وَإِذْلالِهِ؛ وَنُصْرَةِ الحَقِّ وَإعْزازِهِ، وَإرْشادِ الضّآلِّ؛ وَمُعاوَنَةِ الضَّعيفِ؛ وَإدْراكِ اللّهيفِ؛ اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَاجْعَلْهُ أيْمَنَ يَوْمٍ عَهِدْناهُ؛ وَأفْضَلَ صاحبٍ صَحِبْناهُ، وَخَيْرَ وَقْتٍ ظَلِلْنا فيهِ؛ وَاجْعَلْنا مِنْ أرْضى مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ الَّليْلُ وَالنَّهارُ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِكَ؛ أشْكَرَهُمْ لِما أوْلَيْتَ مِنْ نِعَمِكَ، وَأقْوَمَهُمْ بِما شَرَعْتَ مِنْ شَرآئعِكَ؛

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإسلام) أي حفظه عن المفاسد التي أُريدت للقضاء عليه (وانتقاص الباطل) أي بيان نقصه ليجتنبه الناس (وإذلاله) حتى لا يرغب فيه أحد (ونصرة الحق) بترويجه (وإعزازه) ليرغب فيه الناس (وإرشاد الضال) الذي ضلّ عن الطريق (ومعاونة الضعيف) أي إعانته (وإدراك اللهيف) أي المظلوم برفع ظلامته.

(اللهم صلّ على محمد وآله واجعله) أي اجعل هذا اليوم (أيمن يوم عهدناه) أي أكثر يمناً وبركة من الأيام السابقة (وأفضل صاحب صحبناه) بأن توصل إلينا خيره، حتى يكون كأنه أحسن أصحابنا (وخير وقت ظللنا فيه) أي كنا فيه (واجعلنا من أرضى من مر عليه الليل والنهار) أي أرضى الناس بالقضاء والقدر، فإن الرضا بهما يوجب سعادة الدنيا والآخرة (من جملة خلقك) بيان [من مر] ثم بين معنى [أرضى] بقوله: (أشكرهم) أي أكثر الناس شكراً (لما أوليت) وأعطيت (من نعمك) بأن نشكر نعمك أكثر من شكر غيرنا لها (وأقومهم بما شرعت من شرائعك) أي أكثر الناس قياماً بما شرعت من الأحكام،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَأوْقَفَهُمْ عَمّا حَذَّرْتَ مِنْ نَهْيِكَ، اللّهُمَّ إني أُشْهِدُكَ وَكَفى بِكَ شَهِيداً؛ وَأُشْهِدُ سماءَكَ وَأرْضَكَ وَمَنْ أسْكَنْتَهُما مِنْ مَلآئكَتِكَ وَسائرِ خَلْقِكَ في يَوْمي هذا وساعَتي هذِهِ وَلَيْلَتي هذهِ وَمُسْتَقَرِّي هذا؛ أنِّي أشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللهُ الَّذي لا إلِهَ إلاّ أَنْتَ؛ قائِمٌ بِالقِسْط، عَدْلٌ فِي الحُكْمِ؛ رَؤُوفٌ بِالعِبادِ؛ مالِكُ المُلْكِ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بتطبيق أحكامك كما أمرت (وأوقفهم عما حذرت من نهيك) أي أكثر الناس وقوفاً عند المحرمات بعدم اختراقها واقترافها.

(اللهم إني أُشهدك وكفى بك شهيداً) إذ هو سبحانه شهيد صادق لا يضل ولا ينسى (وأُشهد سماءك وأرضك) فإن السماء والأرض ـ كما يظهر من الآيات والروايات ـ تعقل وإن كنا لا ندرك الكيفية (ومن أسكنتهما من ملائكتك وسائر خلقك) من الجن أو حتى الجمادات والحيوانات والنباتات، لأن لها من الإدراك كما يظهر من النصوص الشرعية (في يومي هذا وساعتي هذه وليلتي هذه ومستقري هذا) أي مكاني الذي أنا فيه مما هو استقراري (أني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلاّ أنت) بلا شريك ولا شبيه (قائم بالقسط) أي بالعدل، وكونه قائماً من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، فكما أن الإنسان القائم على شيء لا يفوته خصوصيات ذلك الشيء كذلك الله سبحانه لا يفوته أي جزئي من الجزئيات حتى يتحقق ظلم أو جور هناك (عدل في الحكم) فإنك تحكم بالعدل، لا كالقضاة الذين يحكمون بالجور والظلم (رؤوف بالعباد) الرأفة أدق من الرحمة، والمراد في الله سبحانه نتيجة الرأفة (مالك الملك) فإن الملك كله لله تعالى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رَحيمٌ بِالخَلْقِ؛ وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَخِيَرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ، حَمَّلْتَهُ رِسالَتَك فَأدّاها؛ وَأمَرْتَهُ بِالنُّصحِ لأُمَّتِهِ فَنَصَحَ لَها، اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، أكْثَرَ ما صَلَّيْتَ عَلى أحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، وَآتِهِ عَنّا أفْضَلَ ما آتَيْتَ أحَداً مِنْ عِبادِكَ؛ وَاجْزِهِ عَنّا أفْضَلَ وَأكْرَمَ ما جَزَيْتَ أحَداً مِنْ أنْبِيائكَ عَنْ أُمَّتِهِ، إنَّكَ أنْتَ المَنّانُ بِالجَسيمِ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(رحيم بالخلق) ترحمهم ولا تغلظ عليهم.

(وأن محمداً عبدك ورسولك) ولعلّ تقديم لفظ العبد في قبال النصارى الذين يجعلون المسيح ابناً لله أو شريكاً له تعالى (وخيرتك من خلقك) أي الذي اخترته من جميع الخلق لجعله خاتم الرسل (حملته رسالتك فأداها) أي بيّنها للناس كما أمرت (وأمرته بالنصح لأمته) بأن يعمل عملاً ينفعهم (فنصح) لها أي للأمة.

(اللهمّ فصلّ على محمد وآله أكثر ما صليت على أحد من خلقك) وصلاة الله رحمته وفضله، ومن المعلوم أن النبي (صلى الله عليه وآله) يزداد مرتبة وقرباً بواسطة الصلوات عليه (وآته) أي أعطه (عنا) أي عن قبلنا حيث لم نتمكن نحن من إعطائه (أفضل ما آتيت) وأعطيت (أحداً من عبادك) من الفضل والمقام والجاه والثواب (واجزه عنا) فإنه حيث تعب لأجلنا وجب أن نعطي جزاءه لكنا لا نتمكن من ذلك فنسألك أن تتفضّل بإجزائه عن قبلنا (أفضل وأكرم ما جزيت أحداً من أنبيائك عن أمته) أي عن قبل أمة أولئك الأنبياء (إنك) يا رب (أنت المنان) أي المعطي (بالجسيم)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغافِرُ للْعَظيمِ؛ وَأنْتَ أرْحَمُ مِنْ كُلِّ رَحيمٍ؛ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ الأخْيارِ الأنْجَبينَ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي بالثواب العظيم (الغافر للعظيم) أي للذنب العظيم.

(وأنت أرحم من كل رحيم فصلِّ على محمد وآله الطيبين) مقابل الخبيث وهو كدورة العنصر (الطاهرين) مقابل النجس (الأخيار) جمع خيّر مقابل الشرير (الأنجبين) من النجابة بمعنى العفة والنزاهة.

[1]  ـ سورة الأنفال، آية: 30.

[2]  ـ سورة سبأ، آية: 13.