الفهرس

المؤلفات

الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

الثبات والاستقامة

الثاني: إن الإسلام يأمر المسلمين بالثبات على العقيدة، والاستقامة في سبيل تبلغيها ونشرها، قال تعالى: (فاستقيموا إليه)(1) وقال سبحانه: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً)(2) وقال تعالى: (إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)(3) ولذلك كان المسلمون يتحملون مختلف أنواع الأذى والمشقّة في سبيل عقيدتهم، ويثبتون عليها ، ويناضلون من أجلها حتى الموت، كما هو مذكور في التاريخ من مثل قصة عمّار، وأبيه ياسر، وأمه سميّة، وقصة بلال، وخبّاب، وذي البجادين وغيرهم، وذلك من غير فرق بين من أراد المشركون صدّه عن عقيدته ودينه، أو أراد المسلمون المنحرفون ردّه عن إيمانه وولائه لأهل بيت نبيّه (صلّى الله عليه وآله) كما نشاهد ذلك في قصّة مالك بن نويرة، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وأبي ذر وتبعيده مكرراً إلى الشام ثم إلى الربذة، وموته بها هو وزوجته أمّ ذر، وولده ذر، جوعاً، كل ذلك صموداً منهم على إيمانهم، وثباتاً منهم في ولائهم لأمير المؤمنين (صلّى الله عليه وآله)، وتمسّكهم بالمذهب الحقّ مذهب أهل بيت نبيّهم (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

المسلمون يتقاعسون

بينما نرى المسلمين اليوم - ومنذ قرن تقريباً - قد تشاغلوا بدنياهم، وأصبحوا غافلين عن آخرتهم، لا يتحملون في سبيل عقيدتهم ودينهم، ولا في سبيل إيمانهم وولائهم ضرّاً ولا أذى، لا في قبال الكفار الذين يهاجمون بلادهم، ولا في قبال المسلمين المنحرفين الذين تسلطوا عليهم، وتحكموا في رقابهم ومصيرهم، من مثل أتاتورك في تركيا، والهاشمي في العراق، والبهلوي في إيران.

وأما ما نشاهده اليوم من تحمل البعض بعض العناء، فهو من الاستثناء، فإنا لا نقول أن الكل هكذا، وإنما نقول: أن الأصل في المسلمين صار هكذا، بينما كان الأصل في أول الإسلام بالعكس.

نعم لقد أصبح المسلمون اليوم وبصورة عامة، متقاعسين عن نصرة دينهم وعقيدتهم، تاركين الدفاع عن إيمانهم وولائهم، وذلك رغم كل الخطر الذي أحاط بهم وأصبح يهدد دينهم ودنياهم، حتى أصبحوا على أثر تقاعسهم لا يفكرون في تغيير ما بهم، ولا يعدّون لإصلاح حالهم، وذلك كما قال سبحانه: (ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عُدّة)(4) وحيث أنهم تركوا الإعداد للخروج عن البلاء الذي أحدق بهم وغمرهم، عاقبهم الله تعالى على ذلك، فصاروا كما قال سبحانه: (ولكن كره الله انبعاثهم فثبّطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين)(5).

إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة

 إن الإسلام يأمر المسلمين بإقامة الصلاة، وهي ارتباط روحي مع السماء، ويوجب عليهم إيتاء الزكاة، وهو ارتباط مادي مع الناس، وبهذين الارتباطين تنتظم حياة الفرد والمجتمع، قال تعالى: (الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة)(6) وقال سبحانه: (إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً)(7) وقال تعالى: (والذين في أموالهم حقّ معلوم للسائل والمحروم)(8) وكان المسلمون الأولون يطيعون أوامر الإسلام، ويتبعون الرسول (صلّى الله عليه وآله) في إقامة الصلاة حتى في أشد الظروف وأقساها، كما هو مذكور في قصة صلاة الخوف، وكانوا يؤتون الزكاة ويدفعون الخمس حتى مع الفاقة والاحتياج، ويتقرّبون إلى الله تعالى بالإنفاق وإعطاء الصدقات حتّى في أشدّ الأحوال، وغير ذلك مما هو مذكور في التاريخ من مواساة المسلمين بعضهم لبعض، وخاصة الأنصار والمهاجرين، فإن الأنصار في المدينة كانوا قد استقبلوا المهاجرين القادمين من مكة وغيرها إلى المدينة، وآووهم وواسوهم، بل وآثروهم وقدموهم على أنفسهم، حتى أن مَن له زوجتان، كان يطلِّق إحدى زوجتيه، فإذا تمت عدّتها زوّجها من المسلم المهاجر، وهكذا دأب المسلمون الأولون على المواساة وإيتاء الزكاة وإعطاء الصدقات، ودأبوا أيضاً على الطاعات والعبادات، والصلاة والصيام، حتى تفرّغ كثير منهم للعبادة والصلاة، وتركوا النساء والعيال، وهجروا المشاغل والأسواق، فنهرهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن ذلك وزجرهم زجراً شديداً وقال: لا رهبانية في الإسلام.

غير المسلمين يسبقون المسلمين

 نعم كان المسلمون الأولون كذلك، وأما المسلمون اليوم فقد أصبحوا غالباً على العكس من ذلك، فتراهم في مجال العبادة يتكاسلون حتى عن الصلوات الخمس اليومية، وفي مجال المال لا يواسون أحداً من إخوانهم المؤمنين بأموالهم، ولا يؤتون الزكاة ولا الخمس إلا ضئيلاً ضئيلاً، ولا يدفعون الصدقات ولا النفقات إلا قليلاً قليلاً.

بينما صار الأمر عند غير المسلمين بالعكس، فإنهم في مجال العبادة ترى فيهم الرهبان والراهبات – وإن كان صورياً فحسب - وفي مجال المال يؤدون الكثير الكثير، ولهم المؤسسات الخيرية الكثيرة الكثيرة، حتى أني رأيت أخيراً في مجلة: (المشاهد) أن أمريكياً واحداً بذل لبعض المؤسسات الخيرية ما يساوي مائة مليار دولاراً أمريكياً تبرّعاً، وبذلك سبقوا المسلمين وتقدموا عليهم في كل مجالات الحياة، فصاروا أثرياء وصرنا معدمين، وصاروا سادة وصرنا مسودين.

نعم، لقد نبذ المسلمون أمر الإسلام بالصلاة والزكاة، فأين منزلة الصلاة عند المؤمنين وقد جعلها الله عليهم كتاباً موقوتاً؟ وأين مكانة الزكاة عند المسلمين وقد فرضها الله سبحانه وتعالى عليهم بقوله: (إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم)(9) ولو كانت تقام الصلاة حقّ إقامتها، لكانت معنويات المسلمين أكبر بكثير مما هم عليه اليوم، كما أنه لو كانت تؤدي الزكاة كما كان يؤدّيها المسلمون الأولون لم يبق هناك فقير معدم، ولم يفشل مشروع خيري قط.

الحج والجهاد

 الرابع: إن الإسلام يأمر المسلمين بحج بيت الله الحرام وهو تزكية للفرد وطرد لشياطين الجن عنه، ويأمرهم بالجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، وهو تزكية للمجتمع ودحر لشياطين الإنس عنهم، وفي هاتين التزكيتين ضمان لسعادة الفرد والمجتمع، قال تعالى: (ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً)(10) وقال تعالى: (وجاهدوا في سبيل الله حقّ جهاده)(11) وقال سبحانه: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)(12) وكان المسلمون الأوّلون يأتمرون بأوامر الإسلام، ويطبقون تعاليمه السماوية تطبيقاً كاملاً، وذلك بكل إصرار وقوّة، وخاصة بالنسبة إلى الحجّ وزيارة بيت الله الحرام، والجهاد مع الرسول (صلّى الله عليه وآله) بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. بينما نشاهد اليوم إن كل ذلك قد ضعف بين المسلمين ضعفاً بليغاً، وأعرضوا عنه إعراضاً شديداً.

 المسلمون الأولون والحج

لقد ورد في التاريخ أن حجّاج بيت الله الحرام كانوا بكثرة هائلة حتى ورد أن في زمان الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهم السلام) السجاد الذي كان هو (عليه السلام) يحج كل عام، يصل عدد المسلمين الذين يحجّون بيت الله الحرام إلى أربعة ملايين ونصف مليون حاج.

هذا وقد سئل مكرّراً عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) كما في الوسائل وغيرها أن عرفات والمشعر ومنى لا تسع لوقوف الناسكين الوافدين لحجّ بيت الله الحرام فماذا يفعلون؟ فكان الجواب يأتي منهم (عليهم السلام): بأنهم يقفون حيث انتهى بهم الأمر.

نعم، كان المسلمون الأولون يهتمون بالحج اهتماماً بالغاً، ويقصدون زيارة بيت الله الحرام من كل فجّ عميق، وعلى تلك الرواحل الصعبة، ووسائل النقل القديمة، وما يلاقون عليها من العناء والشدّة، حتى قال سبحانه: (وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغية إلا بشقّ الأنفس)(13).

الجهاد عند المسلمين الأولين

وهكذا كان المسلمون الأولون بالنسبة إلى الجهاد بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله تعالى أيضاً، فقد كانوا يحرصون حرصاً شديداً على الجهاد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويرغبون رغبة كبيرة في الشهادة في سبيل الله تعالى، وكان لا يمنعهم عن ذلك مانع مهما كان المانع موجّهاً، والعذر مشروعاً، فقد جاهد بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من أمثال: عمرو بن جموح، وحنظلة غسيل الملائكة، حتى استشهدوا في سبيل الله، مع أن الأول عمرو بن جموح كان ذا عرج في رجله، وهو معذور بنص القرآن الحكيم، وقد حبسه أهله عن الخروج للمعركة، لكنه أفلت منهم وأقبل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقال: يا رسول الله! إن قومي يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة. ثم قاتل بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى قتل.

الثاني غسيل الملائكة كان جديد عهد بالزواج، وكانت الليلة التي قتل في صبيحتها ليلة زفافه، وكان قد أذن له الرسول (صلّى الله عليه وآله) بالتخلف عنه، لكنه خرج في صبيحة ليلة زفافه إلى المعركة مسرعاً ولم يغتسل بعد، وقاتل بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى قُتل، فقال (صلّى الله عليه وآله): (رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن في صحائف من ذهب)(14) ، وهكذا غيرهما وهم كثير.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 إن الإسلام يأمر المسلمين بالتعاون على البرّ والتقوى والتواصي بالحق والصبر، وهو حصانة اجتماعية، كما ويأمرهم بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ولاية ورعاية اجتماعية، وبين هاتين الركيزتين: الحصانة والولاية، يسلم المجتمع من الانحراف، ويأمن تسلّط الطغاة والمستبدين، قال تعالى: (وتعاونوا على البرّ والتقوى)(15) وقال سبحانه: (والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر)(16) وقال تعالى: (ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)(17).

ثم أن قوله تعالى: (ولتكن منكم أمّة) وإن كان ظاهره الاختصاص بجماعة خاصة من المؤمنين، إلا أنه قال بعض الفقهاء: بأن المراد منه الجميع، فإن على الجميع أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وذلك بدليل قوله سبحانه: (وأولئك هم المفلحون) قال: فإن معناه: أن الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر - وإن كان غيره يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حسب كونه واجباً كفائياً على المشهور - لا يكون مفلحاً، فكلمة: (من) في قوله سبحانه: (ولتكن منكم) للنشو، كما يقوله أهل العربية، لا بمعنى التبعيض، ويكون قوله تعالى: (وأولئك هم المفلحون) قرينة على ذلك.

المسلمون بين اليوم والأمس

وكيف كان: فإن المسلمين الأولين كانوا يتعاونون فيما بينهم على البر والتقوى، ويتواصون بالحقّ والصبر، ويدعون إلى الخير والرحمة، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، بينما اليوم قلَّ كل ذلك بين المسلمين، فأصبحوا يعانون من قلة المتعاونين على التقوى والمتواصين بالحقّ، ومن قلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وعلى أثر هذا التقلّص المحسوس في هذه الأمور فشي الانحراف، وتسلط الطغاة والمستبدين، وقد امتلأت البلاد الإسلامية بالمناكير العلنية، والمحرّمات المصرّح بحرمتها في الإسلام، من الكمارك والمكوس، والخمر والقمار، والربا والضرائب، وغير ذلك مما يخالف الإسلام مخالفة صريحة، والمسلمون يمرون عليها مرور الكرام بلا أمر ولا نهي.

هذا بالنسبة إلى الجميع، وأما خصوص الدعوة إلى الخير والتواصي بالحق والصبر، فقد صار بين المسلمين أقلّ من القليل، بل ربما انعكس الأمر بالنسبة إلى ذلك بينهم، حتى صاروا بدل الدعوة إلى الخير كالاتحاد والتعاون، يدعون إلى التشاحن والتباغض، وبدل التواصي بالحق والصبر، يتواصون باتباع الأهواء والباطل.

نعم، لاشك في أن هناك بعض المسلمين يقوم بكل ذلك ويطبّق جميع ما أمر به الإسلام، لكن الكلام في أن المسلمين الأولين الذين كانوا في صدر الإسلام كانوا يفعلون ذلك ككل، وبصورة كاملة وشاملة، بينما اليوم يفعلون ذلك كبعض وبصورة ناقصة ومبعّضة، ومعلوم أن الصورة الناقصة لا تعطي النتائج المطلوبة، ولذلك عَمًّ الانحراف، وكثر الفساد، وطغى الاستبداد، فقد قرأت في مجلة: أن في العاصمة الفلانية وهي من عواصم البلاد الإسلامية يوجد فيها أربعة عشر ألف محل لبيع الخمر، وكذا مركز للفساد، كما أني قرأت في مجلة أخرى: أن بلداً إسلامياً آخر وهو بلد كبير يسع كثيراً من الناس، وغني يضم بين جوانحه عظيماً من المعادن، لا يتجاوز الدخل اليومي لأغلبية الناس فيه على ما يعادل الدولار الواحد، وكذلك قرأت في مجلة ثالثة: أن غالب البلاد الإسلامية ترزح تحت وطأة حكومة الاستخبارات، وتعاني من شدة الكبت والاضطهاد، وما إلى ذلك من المشاكل والويلات.

1- فصّلت: 6.

2- الأحزاب: 39.

3- الأحقاف: 13.

4- التوبة: 46.

5- التوبة: 46.

6- الحج: 41.

7- النساء: 103.

8- المعارج: 24 و25.

9- التوبة 60.

10- آل عمران: 97.

11- الحج: 78.

12- التوبة: 41.

13- النحل: 7.

14- بحار الأنوار 20/58.

15- المائدة: 2.

16- العصر: 1-3.

17- آل عمران: 104.