الفهرس

المؤلفات

الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

الوعد والوعيد ضمان التطبيق

إن الإسلام مجموعة أحكام كاملة، وقوانين شاملة، تشمل الإنسان فرداً وجماعة من قبل تولده وانعقاده، وحتى بعد وفاته وموته، وهذه القوانين الشاملة والكاملة لابد لتطبيقها من دافع قوي، ولتنفيذها من ضمان وثيق، والإسلام جعل الدافع على التطبيق، والضمان للتنفيذ: الوعد والوعيد، فوعد المطيعين بثواب الدنيا والآخرة، وتوعّد العاصين بنكال الدنيا وعذاب الآخرة، ومن جملة الوعيد: القوانين الجزائية وأحكام العقوبات في الإسلام، من حدود وقصاص، وديات، وتطبيق هذه القوانين الجزائية بالإضافة إلى الشرطين العامين: من تطبيق كل الأحكام الإسلامية، وتوفير كل الحريات الإنسانية أولاً، ومن اجتذاذ جذور الفقر والمرض، والجهل والرذيلة، وانتشار الوعي والثقافة، والصحة والفضيلة في المجتمع ثانياً، يلزم فيها ملاحظة بقية الشروط التي اشترطها الإسلام في تطبيقها، وكذلك ملاحظة الاستثناءات التي تكون مانعاً من تنفيذها، وقد ذكر الفقهاء ذلك في كتبهم المفصلة، مثل (المسالك) و(الجواهر) وغيرهما، كما وقد نقلنا جملة من ذلك في كتاب (الفقه) مما يضمن ملاحظتها سلامة تطبيقها من الإفراط والتفريط، والتي من أهمها ما يلي:

الأهم والمهم

الأول: ملاحظة الأهم والمهم في تطبيق قانون العقوبات الإسلامية، فإذا كان هناك أمر دائر بين الأهم كتشويه سمعة الإسلام ووصمة بعدم الرأفة والرحمة –مثلاً- والمهم كتطبيق حدّ السرقة – مثلاً - يقدّم الأهم على المهم، فيترك تطبيق حدّ السارق كما في المثال لسلامة سمعة الإسلام، وإذا كان هناك أمران متساويان في الأهمية فيختار الحاكم أيهما شاء من المتساويين.

في أرض العدو

الثاني: ملاحظة ما ورد: من أنه (لا يحدّ في أرض العدو) فإذا ارتكب أحد المسلمين في أرض العدو، يعني: في البلاد غير الإسلامية شيئاً له حدّ، أو ما شابه ذلك، تركه الحاكم من دون أن يجري عليه شيئاً من القوانين الجزائية، والعقوبات الإسلامية.

الاضطرار

الثالث: ملاحظة أن لا يكون المرتكب لما فيه الحدّ مضطراً، كالسرقة في عام المجاعة، أو الزنا في حال العطش، ولذا رفع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الحدّ عن المرأة التي رضخت للزنا حيث أضرّ بها العطش، واضطّرت لشرب الماء ولم يسقها صاحب الماء إلا في مقابل الزنا بها، وذلك في رواية مفصلة ومشهورة.

الإلجاء

الرابع: ملاحظة ما إذا كان المرتكب لما فيه الحد قد ارتكبه بالإلجاء، ومن المعلوم: أن الإلجاء غير الاضطرار، وذلك مثل أن يؤخذ الإنسان ويربط بالحبال، ثم يوجر ويصبّ في حلقه الخمر، أي: بما لم يكن له اختيار في ذلك الفعل أبداً.

الإكراه

الخامس: ملاحظة ما إذا كان المرتكب للعمل الذي يستوجب عليه الحد مكرهاً وغير مختار، وذلك كما إذا أكرهه ظالم على شرب الخمر، فإنه يسقط عنه الحد، لأن الذي يفعل شيئاً بالإكراه لا يؤاخذه الإسلام عليه، لأن الإكراه مرفوع ومعفوّ عنه في الإسلام، وذلك على ما ذكره الرسول (صلّى الله عليه وآله) في حديث الرفع -: (رفع عن أمّتي تسع…)- المشهور الذي ذكره الفقهاء والأصوليون في كتب الفقه والأصول.

الجهل بالتكليف

السادس: ملاحظة أن لا يكون المرتكب لما فيه الحد جاهلاً بالحكم، فإن الحد في الإسلام إنما هو على الذي يرتكب الحرام وهو يعلم بأنه حرام، أو يترك الواجب وهو يعلم بأنّه واجب، وذلك كما إذا كان يشرب الخمر عن جهل، أو يترك الصلاة عن جهل، ولذلك نرى أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمر بالذي كان قد شرب الخمر وادّعى أنه لم يُقرأ عليه آية التحريم وأنه كان يجهل الحرمة، أن يعرضوه على القرّاء فينظروا هل قرأوا عليه الآية التي تحرم شرب الخمر أم لا؟ فلما فعلوا ذلك وقال القرّاء: بأنهم لم يقرأوا عليه آية التحريم، أمر (عليه السلام) برفع الحد عنه.

شروط أُخرى

إلى غير ذلك من الشروط الأخرى التي ذكرنا وجوب توفرها لتطبيق القوانين الجزائية في الإسلام، حتى ذكرنا في بعض كتبنا أن الشروط في تطبيق بعض تلك القوانين تربوا على الأربعين شرطاً، ومن المعلوم: أن توفّر هذه الشروط كلها يجعل الأمر في إجراء الحدود وتنفيذها يشبه المستحيل، ولذلك كانت موارد تطبيق هذه القوانين الجزائية صدر الإسلام وطوال قرون متمادية لا تتجاوز أصابع اليد.

السجن والتغريم

ثم أن هناك في ضمن القوانين الجزائية في الإسلام: السجن، لكن المحدود جداً، والنظيف إلى منتهى الغاية، والبريء من كل تعذيب روحي ومادي، والسليم من أيّ انحراف وفساد، بل والمربي للسجين، والمهذب لنفسه وأخلاقه، والمعدل لسلوكه وسيرته.

وكذلك يكون من ضمن القوانين الجزائية في الإسلام: الغرامة المحدودة جداً أيضاً، والمربية للإنسان، والمهذبة لأخلاقه، لا المجحفة والظالمة التي تشل الإنسان عن الحركة وتتركه فقيراً معدماً ناقماً على الوجود والحياة وهناك ضمن القوانين الجزائية في الإسلام: غير السجن والغرامة، ما ليس بقصاص ولا حدّ، بل هو تعزير وتأديب، ولكن في نطاق العقل والرحمة الإسلامية أيضاً.

وكل ذلك لحفظ حقوق الفرد والمجتمع، وصيانتها عن الإهمال والانتهاك.

هذا وقد ذكر بعض الفقهاء المعاصرين: إن أصناف الذين يسجنون في الإسلام سجوناً محدودة، ليسوا أكثر من ثلاثة عشر صنفاً، وحيث إنا في هذا الكتاب لا نقصد التفصيل نحيل الأمر إلى موضعه.

لا إفراط ولا تفريط

والحاصل: إنه لا يكون هناك في تطبيق القوانين الجزائية التي جاء بها الإسلام إفراط ولا تفريط، كما لم يكن ذلك في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وزمن الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، حيث كان الحكم لهما، والتطبيق لهذه القوانين إليهما، وكذلك في فترة قصيرة من زمان الإمام الحسن المجتبي (عليه السلام) حيث كان الحكم له وتطبيق أحكام الله إليه.

أما سائر الأئمة (عليهم السلام) فلم يكن الحكم بأيديهم، ولا تطبيق الأحكام إليهم، حتى يصلنا كيفيّته، وإنما وردتنا عنهم (عليهم السلام) روايات وأحاديث ذكرها الفقهاء في كتبهم الفقهية، وهي تكشف عن أن سيرتهم (عليهم السلام) هي مثل سيرة جدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام).

المسلمون هم الذين تغيّروا

وكيف كان فالإسلام هو الإسلام، ولكن المسلمين هم الذين قد تغيّروا، فإنّهم من اليوم الذي تركوا فيه العمل بالإسلام ابتلوا بهذه المشاكل التي لا قبل لهم بها، حيث جعلتهم من شدّتها وكثرتها حيارى لا حيلة لهم فيها، ولا مخلص لهم منها، وذلك كما قال سبحانه: (ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكاً)(1) وقد ألمعنا إلى شيء من معناه فيما سبق وقلنا: بأن المسلمين من أجل إعراضهم ذلك، سُلبوا بصورة خاصة بلاد الهند والسند والأندلس وفلسطين، وأمثالها من البلدان الإسلامية الأُخرى، وسُلبوا بصورة عامة كل شيء، وجميع البلاد، بحيث لا تجد اليوم في بلاد الإسلام بلداً يحكم بالإسلام.

نعم هناك بعض البلاد تدّعي أنها تحكم بقوانين الإسلام، لكن الإدعاء غير التطبيق، إذ يكون الغالب في قوانينهم هي قوانين الغرب والشرق، حيث يطبقونها في موارد كثيرة، وقضايا متعددة، مثل قضية المرأة، وقضية الربا، وقضية ترك العجائز والشيوخ في دور العجزة، وهكذا وهلّم جرّاً.

وهذا آخر ما أردنا ذكره في هذا الموجز أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيد إلى المسلمين عزّهم وكرامتهم، وسؤددهم ودولتهم، مما يسبب سعادتهم في الدنيا والآخرة، والله المستعان.

                                                                                                                               قم المقدسة

                                                                                                                              محمد الشيرازي

1- طه: 124.