الفهرس

المؤلفات

 الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

الأوقاف

تتعطل الكثير من المؤسسات الإسلامية عن العمل ولا تستمر في نشاطها لعدم وجود التمويل الذي يدعمها، فلابد من وجود دعم أساسي ومستمر للمؤسسات، وقد تكون الأوقاف عاملاً هاماً وجذرياً لديمومة المؤسسات واستمراريتها(1).

والأوقاف يمكن أن تستثمر أو تؤجر ويستفاد من ريعها في الأنشطة الإسلامية، وبعبارة أخرى: إذا كان لكل مدرسة أو مسجد أو حسينية أو مستوصف خيري أو مستشفى أو مكتبة، محل تجاري أو مخزن أو فندق أو شركة تجارية تمولها، أمكن لهذه المؤسسات أن تستمر في عملها ولا تتوقف نتيجة لعدم توفر التمويل الكافي بالإضافة إلى توفير الدعم الجيد للعاملين في المؤسسات(2) للاستمرار في عملهم والوصول إلى أهدافهم، ولكن نجد أن مسألة الأوقاف قد واجهتها في معظم البلاد الإسلامية مشكلة كبيرة، وهي تعامل الحكومات الاستبدادية معها، حيث تقوم الحكومات بالسيطرة على الأوقاف وتتصرف فيها بتصرفين على خلاف ما أوقفت عليه:

أولاً: تتصرف في ريعها وتنفقه في شؤون نفسها الاستبدادية.

ثانياً: تقوم بانتزاع الوقف من أيدي المتولين بذرائع مقبولة عقلاً وشرعاً وعرفاً، ومن ثم إعطائه لمتولين منحرفين، مما يجعل أضرار الموقوفات أكثر من نفعها- إن بقي لها نفع-.

ومشكلة الاستبداد مشكلة عامة سارية في جميع المجالات، فما وضعت الدولة المستبدة يدها على شيء إلا وقد أفسدته(3)، وقد ألمعنا إلى ذلك في كتاب (ممارسة التغيير) وغيره.

أما في البلاد الحرة التي تتبع النظام الاستشاري والتعددية الحزبية والمؤسسات الدستورية، فان محذور سيطرة الدولة على الأوقاف غير موجود، لذلك لا تواجه الأوقاف ولا مؤسساتها أية مشكلة في هذا الصدد.

ولذا فمن الواجب على الواقفين في البلاد الاستبدادية اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على الموقوفات من سيطرة الحكومة.

وقد يكون منها الاقتصار على الوقف الشرعي دون تسجيله في الدوائر الرسمية.

الصناديق الخيرية

من المشاريع الإنمائية الهامة التي تؤدي إلى استمرارية المؤسسات ودعم النشاط الإسلامي وخدمة المجتمع وقضاء حوائج الناس هو تكوين الصناديق الخيرية.

وهذا يعد من المشاريع الناجحة، وقد جربــــناها في العراق والكويت والعديد من الدول الأخرى فأنتجت ثمارا هائلة غير متوقعة(4).

فإذا روجت ثقافة توزيع الصناديق في العالمين - الإسلامي وغير الإسلامي - ووضعت الصناديق في الأماكن العامة كالمحلات التجارية والأسواق وما أشبه ذلك، وعرف الناس إخلاص ونزاهة القائمين بهذا المشروع، فسوف يوفر الدعم اللازم للكثير من النشاطات الدينية والخيرية - عبر أموال الصدقات المستحبة والتبرعات والنذور التي توضع في الصناديق -.

وإذا تزامنت مع توزيع الصناديق الخيرية حملة دعائية للتعريف بأهميتها وأهمية استمرار العمل الديني والخيري في المجتمع، ووضعت لافتات تحمل معاني ثقافية عميقة بشأن أعمال الخير وفلسفتها الاجتماعية، مثل وضع العبارات التالية:

(وما تنفقوا من خير فان الله به عليم)(5) و(إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم...)(6) و(الصدقة تدفع البلاء المبرم)(7) فإن هذه الآيات والأحاديث سوف تثير الدوافع الدينية والخيرية للناس ليقوموا بأعمال الخير.

وختاماً: فإن من أهم الأسباب التي تجعل المؤسسات والأنشطة الإسلامية تستمر في عملها وتنمو أكثر فأكثر: التنافس الحر فيما بينها في الحركة والنشاط والعمل.

وبالتنافس تزداد المؤسسات نشاطا وفاعلية ويتوجه الناس إليها، فإن الله سبحانه جعل التنافس حتى في الجنة حيث قال جل ذكره: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)(8).

وقال سبحانه: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم...)(9) وقال أيضا: (فاستبقوا الخيرات)(10).

وهذا موجز ما أردت بيانه في هذا الصدد والله الموفق المستعان.

قم المقدسة       

25 / رمضان / 1414 هـ

 

1 ـ لقد فصل الإمام المؤلف (دام ظله) الحديث عن الأوقاف في كتاب: (الفقه: الوقوف والصدقات والهبا).

2 ـ أمثال الأطباء والكادر الإداري للمستوصف والقائمين بشؤون الحسينية أو الزائرين الذين فقدوا أموالهم أو طرأ عليهم طارئ أوجب احتياجهم لمرض ونحوه.

3 ـ من المشاكل التي تعاني منها الشعوب: الاستبداد، فمن يتصفح تاريخ الأمم والحضارات يرى أن الديكتاتورية هي السبب الرئيسي لانهيار الحضارات وأن الديمقراطية هي العامل المهم لتقدم الشعوب والمجتمعات.

ومن علل إرسال الأنبياء والرسل القضاء على الاستبداد والتسلط واستعباد الشعوب، فالله سبحانه يخاطب موسى وأخيه هارون قائلا:

(اذهبا إلى فرعون انه طغى) وفي آية أخرى بين طغيان فرعون: (انّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يذبح أبنائهم ويستحي نسائهم).

وتأريخ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) حافل،بالمواقف

المشرقة لمكافحة الاستبداد الأموي والعباسي.

وأقوالهم (عليهم السلام) خير هاد في هذا الباب، يقول الإمام علي (عليه السلام): (من استبد برأيه هلك).

ان طبيعة الاستبداد تسبب قمع الإبداع وقمع التفكير الخلاق وتحطيم الكفاءات والقضاء على حالة التنافس وضياع الحقوق وهدر الكرامات بالإضافة إلى انعكاسه في جميع الأبعاد.

وللأنظمة الاستبدادية سمات وعلامات تتسم بها ـ رغم اختلاف أسمائها وأشكالها وشخصياتها ـ نذكر بعضها على سبيل الإيجاز:

ـ انعدام الاستشارة في الأمور السياسية: فيكون الحاكم هو الذي بيده زمام السلطات.

ـ حكومة الحزب الواحد: بمعنى أن يمسك الحزب الواحد جميع مقاليد الأمور فلا يحق لأحد أن يبدي رأيه أو يفتح فمه بكلمة أو اقتراح أو نقد، وأن الولاء الحقيقي في البلاد يكون للحزب ولزعيمه.

وقد أثبتت التجارب عندما يحل الحزب الواحد في بلد ما فان الاستشارة والقانون والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص تفقد مفهومها، وان مصير البلاد يؤول إلى الدمار والإفلاس والهزيمة العسكرية فألمانيا النازية وإيطاليا الموسولينية وروسيا الشيوعية والعراق البعثي و... خير شاهد على هذه الحقيقة.

ـ خنق الحريات: فليس من حق الشعب أن يسأل ماذا حدث ولماذا حدث، ولا أن يناقش أية مسألة سياسية أو اقتصادية تحدث في البلاد، وإذا صدر قرار بإخراج الوزير لا يعرف الناس لماذا خرج وإذا دخل وزير جديد فيجهل الناس لماذا دخل.

ـ تقييد الصحافة: فالرقابة منتشرة على الصحف، والكاتب لا يستطيع أن يكتب رأيه و إ نما ما تمليه عليه الدولة، فالصحف تصدر كل يوم بعناوين متشابهة وبمواضيع خالية من كلمة ناقدة وفكرة سليمة ورأي حر، ومهمتها التسبيح باسم الحاكم والتشييد بمناقبه ومآثره والثناء عليه، والتحدث عن عبقريته، وتقول لقرائها: لا يوجد في البلد إلا رجل واحد هو الذي يفكر ويخطط ويقرر وهو الذي يستقبل وهو الذي يسافر ويعود. هذا حال الصحافة وقس عليها وسائل الإعلام الأخرى.

ـ إلغاء الانتخابات بألف حجة وحجة أو إيجاد انتخابات مزيفة أو تأجيل الانتخابات لضمان الإتقان بالتزوير وتصفية الخصوم.

ـ الإكثار من الضرائب لسد نفقات أعمال الحاكم السرية ومخططاته الوهمية وللإنفاق على البوليس السري من رجال الأمن والمخابرات، ولإعطاء رواتب الزخم الهائل من الموظفين.

ـ جعل الجهاز القضائي ألعوبة بيد الحاكم فيعزل من يشاء وينصب من يشاء ويعاقب من يشاء سواء كان خصما له أو من لم يطع أوامره- فتكثر المحاكم الصورية والاستثنائية والعسكرية في طول البلاد وعرضها - ويصبح الأصل في الناس الاتهام فيؤخذوا بالظنّة والتهمة.

ـ إرهاب التقارير لكثرة البوليس السري بمختلف الأسماء والعناوين، والتآمر على الخصوم والمكر بهم لإلقائهم في التهلكة، وإلصاق التهم والأباطيل بهم.

ـ التمييز الطبقي: فالمواطنون يكونون على درجات وأقسام تبعا لإطاعتهم وولاءهم للحاكم وأقربائه.

ـ إحاطة الإمّعات الحاكم بدل الكفاءات والقدرات العلمية - فيزينون موائده ويمشون في مواكبه ويهتفون بحياته ويقولون آمين بعد كل كلمة يقولها ويفلسفون جرائمه ويهللون لمذابحه ولا يجيدون إلا الركوع والسجود له.

ـ لا سيادة للقانون وإنما السيادة للحكومة

 كثرة القوانين الجائرة الموجبة للاستخفاف بالمواطن وهدر كرامته فيكون مصداق الآية: (فاستخف قومه فأطاعوه).

 ـ الحيلولة دون قيام الناس بالخدمات الاجتماعية فلا مدارس أهلية ولا مستوصفات ولا مستشفيات ولا مكتبات ولا مؤسسات بيد الجمعيات.

ـ خنق الرأي العام وحظر الاستطلاع للرأي لئلا يشترك الشعب في صنع قراراته السياسية.

 ـ عدم الكشف عن مصروفات (ميزانية) الدولة وكيفية صرفها وموارد صرفها.

4 ـ فعلى سبيل المثال كانت تدار مجلة تصدر طوال أشهر السنة الاثني عشر بأموال هذه الصناديق وكانت توزع مجانا.

5 ـ البقرة: 273.

6 ـ الإسراء: 7.

7 ـ بحار الأنوار: ج 59 ص 261.

8 ـ المطففين: 26.

9 ـ آل عمران: 133.

10 ـ البقرة: 148.