الفهرس

المؤلفات

الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

كيف يواجه الطغاة

نعود إلى مبحثنا وهو أن الطغاة على نموذجين: طاغ مخادع، ودنيء ونسميه بالطاغي الماكر، لأن الطاغي الماكر يجمع بين الشيئين، وهكذا طاغي واجهه الإمام الحسن (عليه السلام) فهو إمام لمن واجه مثل هذا القسم من الطاغي إلى الأبد، لأنه يأتي في التاريخ الطغاة من نماذج معاوية، ويحتاج إلى المصلحين من نماذج الإمام الحسن (عليه السلام)، أما الطغاة من نماذج يزيد، فهو يحتاج إلى المصلحين من نماذج الإمام الحسين (عليه السلام).

(الطاغي البليد، يعني الشرس في الحرب.. المستهتر في السلم) ومن أدق الأعمال التي قام بها الإمام الحسين (عليه السلام) أمام يزيد، أنه أرسل مسلم بن عقيل وحده إلى الكوفة، قسم من الناس يتعجبون من ذلك كما أنهم يتعجبون، لماذا فرّق الإمام أصحابه (بعكس ما يفعله القادة دائماً في الحروب حيث يجمعون الأصحاب)، حيث كان الإمام الحسين (عليه السلام) من مكة يقول لهم أذهبوا أذهبوا، أذهبوا.. وتفرقوا حتى ليلة عاشوراء، عجباً هل هذا الإنسان يريد الحرب؟ نعم، هذا الإنسان يريد الحرب ويفهم كيف يحارب؟ وفي الحقيقة إذا كان الإمام الحسين (عليه السلام) يفعل غير ذلك، كنا نسأل لماذا الإمام الحسين حارب في الوقت الذي كان يعلم أنه بكل الصور مقتول؟ فإن دولة بني أمية دولة قوية وسيعة عريضة ضاربة بأجرانها من مناطق ما كان ما يعرف بالاتحاد السوفياتي إلى أواسط أفريقيا، هذه الدولة الضخمة خرج ضدها الإمام وحارب هيبتها وسلطانها.

وذلك لأن الإمام الحسين (عليه السلام) أراد أن يحارب الطاغي يزيد، وقلنا سابقاً أن يزيد شرس في الحرب، وفي نفس الوقت مستهتر في السلم، سلمه واضح لا يحتاج إلى توجيه، سلم يزيد الخمر وأبا قيس ولعب القردة والزنا والاستهتار وما أشبه، حتى أن المؤرخين ذكروا أن معاوية كان مريضاً شديد المرض في حالة الاحتضار، وكان يزيد في بعض القرى يشرب الخمر ويلعب بالكلاب، (يذكر هذه القصة مروج الذهب)، إلى هذا الحد مستهتر أنه خارج البلد لا يقيم لأبيه ولا لخلافته ولا لأنه يموت، ولا لأنه خلّفه وولاّه عهده، فسلم يزيد معروف لا يحتاج إلى الكشف، وإنما حرب يزيد يحتاج إلى الكشف، لأن فيه درس، والدرس هنا كيف يقاوم الشراسة، وأين تظهر الشراسة؟ الشراسة تظهر إذا كان المصلح قليل العدد، الشراسة لا تظهر مع كثرة العدد، الشراسة دائماً تظهر مع قلة العدد، الشاعر يقول كما في السيوطي:

والـــــــــذئب أخشـــــــــــاه           أن مـــــــررت به وحـــــــدي

الذئب شرس، لكن أين تظهر شراسته إذا كنت وحدك، أما إذا كنت مع جماعة لا تظهر شراسته، إذا كان مع الإمام الحسين (عليه السلام) عشرة آلاف إنسان، وحاربوا مع الأمويين، الأمويون ما كانوا يتمكنون أن يصنعوا بالإمام الحسين هذا الصنيع الذي صنعوا به وأن كانوا يتمكنون من قتله ما كانت تظهر شراسة يزيد، وإذا كان مع مسلم بن عقيل حين جاء من المدينة (أو جمع أنصاراً مخلصين) ألف إنسان ما كان ابن زياد يتمكن أن يشنقه مقلوباً في كناسة الكوفة، إنما تظهر مع قلة عدد المصلحين فإن كثرة المصلحين تلقي الرعب في نفسه، أنظروا يزيد نفسه لما وجد الإمام في الشام كم ناصراً له بدّل الأمر، وقال إني ما فعلت هذا الشيء.

فالإمام الحسين (عليه السلام) كان متعمداً أن يكون قليل العدد، حتى يظهر آخر قطرة من شراسة الحكام الطغاة، يعني أنك في المستقبل أيها المصلح لعلك تقول أن هذا الحاكم الطاغي شرس فلا أقاومه، وأنا قابلت حاكماً شرساً وقد قاومته، وإلاّ لو لم يكن الإمام الحسين (عليه السلام) هكذا، لقيل أنه من الممكن أن الإمام الحسين (عليه السلام) لو كان يرى هذا النوع من الشراسة ما كان أقدم؟ كلا.

الإمام الحسين (عليه السلام) بصورة عمدية وبتخطيط من أعجب التخطيطات دقة، أظهرها كلها من قلب يزيد، حتى يكون إماماً للذين يأتون من بعده ويقابلهم طاغي بليد من قبيل يزيد.