الفهرس

المؤلفات

الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

كيفية تطبيق الإسلام

بعد ثورة (14) تموز، ذهبت أنا ووفد مرافق لي، إلى عبد الكريم قاسم، في مقره بوزارة الدفاع، لطلبات كان من جملتها تطبيق الإسلام في البلاد. وقد أظهر عبد الكريم أنه لم يأت إلى الحكم إلاّ لتطبيق الإسلام، وأهدى إلى كل واحد من أعضاء الوفد صورة تذكارية لنفسه، ممضاة بإمضائه، وقد دار حوار طويل معه حول المطالب التي طلبناها منه.

وبعد أن رجعنا إلى كربلاء المقدسة، وانتشر النبأ، بواسطة الراديو والصحف، انهالت علينا الأسئلة حول (المقابلة) وحول (قصدنا من تطبيق الإسلام) وحول (كيفية تطبيق الإسلام).

وكان من جملة المحاورات حول ذلك، ما اتفق أن جاءني جماعة من المثقفين، ليسألوني عن رأيي في كيفية تطبيق الإسلام. وأي شيء مقصود من تطبيق الإسلام؟

قال أحدهم: هل تعني من تطبيق الإسلام إعادة الخلافة؟

قلت: لا.

قال: فما هو المقصود؟

قلت: جعل التشريع والتنفيذ حسب القرآن والسنّة.

قال: هذا كلام محمد، فما هو التشريع في الإسلام، وكيف يكون التنفيذ؟

قلت: أما التشريع فاللازم أن يكون مستقى من الكتاب والسنّة والإجماع والعقل.

وأما التنفيذ، فاللازم أن يكون تنفيذاً إسلامياً.

قال: كيفية التنفيذ الإسلامي كانت هي بالخلافة، وأنت تقول إني لا أقصد إعادة الخلافة؟

قلت: الإسلام يرى لزوم أن يكون الرئيس ومن بيده إدارة أمور المسلمين عدولاً جامعين للشرائط، ولا صيغة خاصة لذلك، وإني أعتقد أن الخلافة انقطعت بغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) فلا خليفة ظاهر الآن، ولا خلافة في أسلوب الحكم.

قال: اسمح لي أن أقول: إنا نخاف من الخلافة، لأنّها أبشع صورة للديكتاتورية، وهتك الأعراض ونهب الأموال، وسلب الأمن والاستقرار، ولذا أركز على السؤال من هذه الجهة.

قلت: الخلافة الحقة لم تكن كذلك، وإنما معنى الخلافة الحقة الاستشارة في الأمور، والعدالة المطلقة، والرفاه العام. وإنما يصح ما ذكرت بالنسبة إلى الخلافة الاسمية التي تمثّلت في بني أمية وبني العباس، ومن إليهم، فإن هؤلاء هم الذين أعطوا أبشع صورة للإسلام، بما جنوه من الأعمال المخزية، وبما ارتكبوه من هدر الكرامات ومن إضاعة الحقوق، وكل المسلمين من هؤلاء ومن أعمالهم براء، ولذا ترى التنديد بهم في كل منابر الإسلام، ليل نهار.

قال: إذاً يصح عندك أن يكون تنفيذ حكم الإسلام على يد الوزارة، على الصورة الحديثة؟

قلت: نعم يصح ذلك، على شرط توفر الوزارة، للقوانين الإسلامية، من علم وعدالة وفهم للحياة، وخوف من الله سبحانه، وتقديم المصالح الإسلامية على المصالح الشخصية.

قال: وهل يصح عندك أن يكون التشريع من (البرلمان)؟

قلت: (البرلمان) بالمفهوم الغربي لا، أما بالمفهوم الإسلامي فنعم.

قال: وما هو المفهوم الإسلامي؟

قلت: يشترط في البرلمان أمران:

(الأول) في أعضائه، فاللازم أن يكونوا رجالاً عدولاً مخلصين خائفين من الله سبحانه، وهم بمنزلة المستشارين للحكومة.

(الثاني) أن لا يشرّعوا ما يخالف الإسلام، فلا تشريع في الإسلام وإنما تطبيق القضايا الشخصية على القواعد الإسلامية العامة، ولذا فالدولة الإسلامية تشتمل على (التطبيق) و (التنفيذ) لا على (التشريع، والتنفيذ).

قال: حسناً، إذا فرضت أن (عبد الكريم قاسم) أراد تطبيق الإسلام في البلاد، فهل يمكن ذلك؟

قلت: ولماذا لا يمكن؟

قال: لأن كل شيء في البلاد الآن، هو خلاف الإسلام، كالمدارس المختلطة، والبنوك الربوية، وقوانين المحاكم، والخمور، والقمار، وغيرها. وإذا أرادت الحكومة تغيير كل ذلك تصبح فوضى ليس مثلها فوضى.

قلت: الدولة الإسلامية ليست غبية حتى توجب الفوضى عند تطبيق الإسلام، أما ما ذكرت من الأمور المحتاجة إلى التغيير:

1 ـ فالمدارس المختلطة، ليست كثيرة، ويتوفر في البلاد البنايات والمعلمون والمعلمات، فالدولة تفصل بين الجنسين وتخصّص قسماً من المدارس للذكور وقسماً منها للإناث مع تخصيص المعلمين للذكور، والمعلمات للإناث.

2 ـ والبنوك، تلغي الدولة الربا الذي فيها، وإذا صار ذلك سبباً للعوز من جهة رواتب الموظفين، سدت الدولة ذلك من الخزينة العامة.

3 ـ أما قوانين المحاكم، فمن الممكن أن تعمم الدولة وجوب العمل بكتاب (شرائع الإسلام) للمحقق، مع استشارة علماء الإسلام، الموجودين في البلد بكثرة، من العلماء الذين يعينهم المراجع للاستشارة، ثم في فترة قصيرة، تنظم قوانين جديدة للمحاكم مستقاة من الكتاب والسنّة... وفي نفس الوقت تضغط الحكومة على الحكام والقضاة في لزوم تعديل أنفسهم بـ (العدالة) الشرعية.

4 ـ وإلغاء محلات الخمور والقمار لا يتطلب من الدولة إلا تعويض أصحابها، بما يتمكنون معه من امتهان عمل حرّ شريف، يستدرّون به أرزاقهم.

قال: وهل يمكن كل ذلك بين عشية وضحاها؟

قلت: كلا، وإنما حسب القدرة والإمكانيات، والقدرة شرط عقلي وشرطي في كل التكاليف الإسلامية، قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وقال: (لا يكلف الله نفساً إلا ما أتاها) وقال النبي (ص): (ما أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم).

قال: ومن أين تبدأ الدولة الإسلامية بتطبيق الإسلام؟

قلت: تبدأ بتشكيل لجنة كبيرة من الأخصائيين والخبراء، وعلماء الدين، والموظفين الكبار عند مختلف الوزارات، لصوغ الصيغة الإسلامية الملائمة لكل هذه التغييرات، حتى لا يوجب التغيير فوضى وخللاً في الدولة أو في رفاه الأمة.

قال: وماذا تفعل الدولة الإسلامية الجديدة، بالارتباط مع الدول؟

قلت اللجنة المعدة للتغيير تتحرى الصيغة الإسلامية للارتباط، بحيث لا يوجب ذلك خدشاً في علاقة الدولة الإسلامية مع سائر الدول، مما يوجب إضعاف مكانة الدولة الإسلامية.

قال: وهل هذا الذي ذكرته كل الفارق بين الدولة الإسلامية التي تدعو إليها وبين الدولة الحاضرة القائمة الآن؟

قلت: كلا، وإنما ذلك بعض بنود الدولة الإسلامية.

قال: فما هي البنود الأخر؟

قلت: للدولة الإسلامية منهج خاص بالنسبة:

1 ـ إلى العمران.

2 ـ والحريات.

3 ـ والضرائب.

4 ـ والاقتصاد.

5 ـ والزراعة.

6 ـ وإرساء دعائم الأمن والاستقرار..

7 ـ والجيش.

8 ـ وتقديم البلاد إلى الأمام.. إلى غيرها..

قال: فما هي كيفية تطبيق الإسلام لتلك المناهج؟

قلت: (كما ذكرت) تشكّل الدولة الإسلامية لجنة من علماء الدين وكبار الموظفين والأخصائيين بتغيير المناهج الحالية إلى تلك المناهج الإسلامية.

قال: وكم مدة يحتاجها التطبيق الذي ذكرته؟

قلت: إني أرى أن التطبيق الكامل بحاجة إلى ما لا يقل عن سنة، أما الشروع في التطبيق فيكون من أول يوم تتبنى الدولة تغيير المناهج إلى المناهج الإسلامية.

قال: وهل ذكرت كل ذلك لعبد الكريم قاسم؟

قلت: لا، وإنما ذكرت له وجوب تطبيق الإسلام، وأن الطريق إلى ذلك هو تشكيل لجنة كبيرة من رجال الدين ورجال الدولة، لصياغة التطبيق.