| الفهرس | المؤلفات |
|
كيف نعمل؟ |
|
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت***وليــــس ينفـــعك التقويم للحطب إن الإصلاح في مجتمع اتجه نحو جهة الفساد من أشكل الأمور، فمن يريد الإصلاح في مثل هذا المجتمع، يكون حاله حال من يريد تقويم دوحة معوجة، أو من يريد تعديل شط عظيم، فيعمد الأول إلى فأسه فيقطع أعواداً منها، ويعضدها عضداً، ويأخذ الثاني إناءً يغرف به بعض الماء ليصبه في طرفي الشط، حتى يكون هذين الماءين بضميمة الشط ماءً مستقيماً!! ولو فرض أن هذين العملين في بعض الأحيان ينفع بعض النفع فإن ذلك ليس إصلاحاً باهراً ونجاحاً مرموقاً، لأن المجتمع الفاسد كالقصر الذي تضعضع أساسه، وبليت قواعده، فإنه لا يصلح بترميم بعض أساطينه أو تبييض بعض جدرانه. المجتمع الفاسد يلزم هدمه من أصله، وبناء مجتمع جديد من الأساس، كما أن من يريد أن يشتمل روضه على أشجار مستقيمة يلزم عليه أن يقطع كل ما أعوج من شجره، ويغرس مكانها أشجار أخرى، ومن يريد تقويم الشط احتاج إلى طمّ الشط السابق، وحفر شط جديد مستقيم ومن يريد سكنى قصر فخم، افتقر إلى هدم القصر السابق، وبناء قصر حديث. هذه طريقة الإصلاح، يعرفها كل بدوي وقروي، في أعماله اليومية، وأثاث داره، وأشجار حقله، وأعواد كوخه، ولذا نرى أن المصلحين هادمون بانون في وقت واحد. ومجتمع المسلمين في هذا اليوم كتلك المجتمعات التي لعبت بها أيدي العابثين، فأصبحت تحتاج إلى تجديد من الأساس، ما دام الخمر يتمتع بإجازة من الحكومات، وما دام الخمّار لا يُعاقب بعقاب صارم، وما دامت بيوت الدعارة تفتح على رؤوس الأشهاد ولا يُعاقب الزاني، وما دام القمّار له مكانة سامية وأندية ودور راقية، وما دام الربا قسم من التعامل لا يتحاشى عنه القانون، وما دام التبرّج يتنعم بالحرية، وما دام الحرام مغنماً والزكاة مغرماً، وما دام البرلمان يشرّع القانون على خلاف نصوص القرآن والشريعة، ويتحدّى السنة ويقول: (سأنزل أفضل مما أنزل الله)!! إن المسلمين - ما دامت هذه الأمور باقية - لا يقوم لهم قائم، ولا يُرجى لهم مستقبل، ولا يتمكنون من إنقاذ أنفسهم من مخالب إحدى الدول القوية، حيث ترك المسلمون دينهم وقرآنهم وسنتهم، رغبة في المدنية الزاهرة بمصانعها ومعاملها، ونعمها ورفاهها، وعلمها وعلمائها، وسطوتها وقوتها، وحريتها وبهارجها، وأرضها وسمائها، وبحرها وبرها، فلم يفيدوا الأول ولم يستفيدوا من الثاني، أصبحت صحاريهم يباباً، وبلادهم خراباً، وعزّهم ذلاً، وقوتهم ضعفاً، وإمبراطوريتهم عبداً، وأُخوّتهم عداوة، هيهات هيهات أن يرجع إلى المسلمين سؤددهم، وأن يتمكنوا من التخلّص من هذه الحبائل التي اقتنصتهم، والمصيدة التي احتوشتهم، حتى يرجعوا إلى قرآنهم ودينهم وأخلاقهم وكبريائهم. أول ما يدعو إليه القرآن هو الأخوة التي بها قوّتهم، وفيها شوكتهم وإليها مرجعهم، ومنها مصدرهم، فإن شاء المسلمون العزة والنصرة كان عليهم أن يخلعوا ثوب القانون البالي، ويلبسوا ثوب الإسلام القشيب، فلا تشريع ولا قانون، ولا مجلس ولا برلمان، ولا إرادة ملكية، ولا سيطرة أجنبية، ولا عداء بين بلاد الإسلام، ولا قومية، ولا مبادئ مستوردة. أما ما يرومه المصلحون في إطار هذه المدنية الزائفة، فأقرب منه مناط الثريا، وسأضرب مثلاً لذلك: (سباق الخيل) الذي ولد في عصر الملوكية في العراق، كان يمتص أموال الشعب امتصاص العلق دماء الجسم، وكان المصلحون يملأون الدنيا صياحاً ونياحاً، بمضرّة ذلك، ولم يكن الأمر مما يخفى على المسابقين، فقد رأوا بأم أعينهم ما جر عليهم من الوبال والخراب، والفساد واليباب، وبالعكس من كل ذلك، فقد كان يزداد عدد المسابقين بصورة هائلة، حتى منعت الحكومة ذلك، وأغلقت قاعة السباق، فرجع الناس إلى ما كانوا، وانتفعوا بما وفّره عليهم هذا الحكم من المال، وكذلك حال الخمر والفجور والربا وما إليها. فإن تمكن المصلح من هدم أساس ذلك هدماً لا مردّ له، تغيرت الحالة، وتحسن المجتمع، أما النصح والوعظ والإنذار والإرشاد، والجنة والجحيم، والعذاب والنعيم بوحدها، فنتيجتها ضعيفة ولم يكن القائل بذلك مغالياً ولا جائراً. إن المسلمين نهضوا في هذه السنين الأواخر نهضات مباركات، ولم يبق إلا الاتحاد فيما بينهم، واستبدال القانون المستورد بالقرآن، حتى يرجع عزّهم ودينهم ودنياهم وآخرتهم.. والله المستعان. |