المؤلفات |
مقدمة
المؤلف |
بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد
لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على
محمّد وآله الطاهرين . «سقوطٌ
بعدَ سُقوط» عنوانُ هـذه الرّسالة الـتي
سطِّرت لبيان مشاكل العالم الإسلامي ،
وكيفية معالجتها أو التخفيف من غلوائها . فالمسلمون
ككيان ممتد عبر التاريخ المديد سقطوا
دينياً ، وبعد ذلك سقطوا دنيوياً ، ولولا
إرادة الله سبحانه فـي نصر دينه والحفاظ
على كتابه ، لما بقيت لهذه الأمة باقية ،
مثلهم كمثل الأمم والمجتمعات التي سقطت
واندثـرت ، بسبب أعمالها الوضيعة
المخالفة للعقل وللفطرة البشرية : (فَهَل
تَرى لَهُم مِن باقيَةٍ)(1). فأين
الكلدانيون ؟ وأين
الآشوريون ؟ وأين
الفينيقيون ؟ وأين
قوم لوط ؟ وأين
أصحاب الرّس ؟ وأين
الفراعنة ؟ لقد
داستهم أقدام التاريــخ ، واصبحوا فـــي
خبر كـــان ، فـــلا تسمـــع حتى
حــسيسهم ، (وأُتبِعُوا
في هـــذهِ الدُّنيا لعنَةً ويــــومَ
القيامَةِ…)(2)،
لقد جرى عليهم القدر الإلهي ، وجرت عليهم
سنة الله فـي خلقه : (فلَن
تجِدَ لسنّة الله تبديلاً ولَن تَجدَ
لسنّة اللهِ تحويلاً)(3).
فالحياة
هي ميدان صراع فعندما يكون بين الحق
والباطل ، فإنه حتماً سينتهي إلى الحق : (بل
نَقذِفُ بالحقِّ على الباطل فيدمَغُهُ
فإذا هو زاهقٌ ...)
(4). أمّا
عندما يكون الصراع بين الباطل والباطل
فإنه سينتهي بالمجتمع إلى الانهيار فلا
انتصار ـ بالمعنى الحقيقي للكلمة ـ
للباطل بل خسران في خسران . وسنة
الله فـي الحياة هي التناقص ، يقول تعالى
: (أنّا
نأتي الأرض ننقُصُها من أطرافها … )(5). فالأمم
كالأشجار التي تنمو فتقوى فتضمحل ثم تذبل
ليقوم مقامها شجرة أخرى وهكذا .
ومثلها
مَثلُ المدن الـتي تنشأ وتتوسّع لتترامى
أطرافها ثم تضمحل لتقوم مقامها مدينة
أخرى . هكذا
الأمم والحضارات تتلاشى بعد أن تعمِّر
سنـين ، وبعد أن يكون لها كيان وكيانات . وقد
لا تموت أمة بالكامل فيبقـى هناك باقية
تكون عبرة للآخرين كالصابئة والزرادشتية
وعُباد الأوثان ، فهناك مجاميع صغيرة
لازالت تعيش حتى الآن .
وحتى
في نطاق الإسلام والمسلمـين ، هناك
فِرَقٌ فُنيت عن بكرة أبيها ، وهناك
فِرَقٌ لازال لها بقايا وأطلال(6).
أمّا
الإسلام الحق فهو الباقي على مدار الزمن
، وهو الراسخ رغم أعاصير المحن .. وسرّ
بقاءه هو القرآن الكريم والسنة المطهّرة
والمعصومون من آل بيت الرسول الأعظم «صلوات
الله عليهم» ، فوجود هذه الثروات منحتا
المسلمين الديمومة ومنحتا الإسلام
المنعة. لقد
مرّت على الكيان الإسلامي أعاصير هوجاء ،
وتلقّى الإسلام والمسلمون الضربات تلو
الضربات من الداخل والخارج . لكن
ظل الإسلام شامخاً . (يعلوا ولا يعلى عليه)(7)،
كما ورد في الحديث الشريف ، وكما ورد في
القرآن الكريم : (وأنتُم الأعلَونَ إن
كُنتُم مؤمنينَ)(8). فالإسلام لا
يعلى عليه مـن حيث المنهج وصحة الدساتير
وكونه ضمانة للحياة الفضلى السعيدة فيما
لو طبق . وهذه
القوة التي يستمدّها المسلمون من قرآنهم
الكريم ومن سنة نبيّهم العظيم والأئمة
المعصومين هي الطريق للعبور إلى الخلاص ،
وهي الجسر إلى عالم أفضل ، يسعى الجميع
للوصول إليه .
نسأل
الله أن يأخذ بأيدينا إلى ما هو أفضل ،
حيث السعادة والأمن والطمأنينة في
الدنيا والآخرة . إنّه
نِعمَ المولى ونِعمَ النصير . قم
المقدسة محمد الشيرازي
|
1
ـ سورة
الحاقة : الآية 8 . 2
ـ
سورة هود : الآية 60 . 3
ـ
سورة فاطر : الآية 43 . 4
ـ
سورة الأنبياء : الآية 18 . 5
ـ
سورة الرعد : الآية 41 . 6
ـ
إنّ عدد الفرق الإسلامية الـتي وجدت عـبر
التاريـخ ثلاث وسبعين فرقة ، أغلبها
اندرست وانمحت من الوجود وبقي عدة فرق لا
تعد بأصابع اليد . 7
ـ
بحار الأنوار : ج39 ص47 ، مستدرك الوسائل ج17
ص142 . 8
ـ
سورة آل عمران : الآية 139 . |