الفهرس

فهرس الفصل الأول

المؤلفات

 الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

القانون ما جاء في الكتاب والسنة

مسألة: من ضروريات المسلمين كافة أنه لا يجوز العمل إلاَّ بالكتاب والسنّة، وما أخذ منهما، والعقل أيضاً حجة باطنة، كما أن الأنبياء حجة ظاهرة، والإجماع أيضاً راجع إلى قول النبيّ والأئمّة (عليهم الصَّلاة والسلام) على ما ذكره في الإجماع، وذكرنا تفصيله في كتاب (الدولة) وغيرها. أما القوانين السارية مثل:

الأول: قانون الزراعة، فلكل أحد أن يزرع ما يشاء كما يشاء من دون رخصة أو إجازة.

الثاني: قانون التجارة الداخلية والخارجية، فإنه يجب على المسلم أن لا يساعد القوانين الموضوعة لكبت التجارة، وله أن يتاجر في الأشياء المحللة حسب الشريعة الإسلامية، بدون مراعاة: عشور أو جمارك، أو إجازة، أو موازين استيراد أو ما أشبه ذلك.

الثالث: قانون الضرائب، فإن الواجب على المسلمين عدم إعطاء الضرائب إطلاقاً، فإنهم وضعوا الضرائب على كل شيء من الولادة إلى الموت، وهذا ليس إلاَّ من قوانين الكفار الجارية في بلاد الإسلام.

الرابع: قانون الجنسية والهوية وما أشبه من القوانين المرتبطة بالإنسان وبالأعمال كافة، وقد ذكر العلماء في إيران وفي العراق حين ظهور هذه القوانين بأن الغربيين فعلوا فعلهم، وحطموا الإسلام كما شاءوا في قصص ذكرناها في بعض الكتب المرتبطة بهذا الشأن.

الخامس: قوانين القوميات: فإن على المسلمين أن يخرقوا هذه القوانين، فكل المسلمين أُخوة يصاهر بعضهم بعضاً، ويشارك بعضهم البعض في: التجارة والزراعة والصناعة والعمارة وفي كلّ شؤون الحياة، كما أنهم يشتركون في المراسيم الدينية: كالصَّلاة، والصوم، والحج، وغير ذلك.

السادس: قانون القضاء، فلكل شخص جامع للشرائط أن يكون قاضياً وأن يحكم بحكم الله سبحانه وتعالى، وكل قاض ليس بعادل، أو ليس بعالم، أو ليس يحكم بحكم الله، فالواجب عدم المراجعة إليه، ورفض قوانينه إطلاقاً.

السابع: قانون الماء والكهرباء والمواصلات والتلفون وما أشبه فاللازم خرق هذه القوانين، فإنه لا يجوز مساعدة هؤلاء الحكام بأي شيء.

الثامن: قوانين الصناعة التي وضعوها لكبت الصناعة وخنقها، فإن كل مسلم له أن يصنع، ويجلب المعامل وينصبها ويعمل، ويثمر وينتج ويبيع، وكل ذلك بلا مراعاة أي قانون مربوط بهذه الأُمور مما جعله حكام بلاد الإسلام، عمالةً للغرب أو جهالة.

التاسع: قانون البنوك، فإن البنوك يجب أن تكون بنوكاً إسلامية لا في الربا واللاربا، فحسب، بل في كلِّ معاملاتها من: الحوالة والكفالة، والقرض، والرهن، وغير ذلك، وما دامت هذه البنوك لا تعمل بهذه الأُمور فاللازم عدم إطاعة قانون من قوانينها المخالفة للإسلام.

العاشر: قانون التوظيف، فلا يلزم تقيد الموظف بما جعلوا أمامه من القوانين، كما أنه يحرم على المسلمين الدخول في وظائف أمثال هذه الحكومات إلاَّ بقدر خدمة المسلمين مما أجازه العلماء في كتبهم الفقهية، أخذاً من الروايات، ثم إذا دخل في الوظيفة يجب أن لا يتقيد بالقانون، بل يتقيد بضد القانون، وإنما يتقيد بالشريعة الإسلامية فقط وفقط.

الروايات المانعة من معونة الظالمين

فقد روى محمد بن عذافر عن أبيه، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (يا عذافر، نبئت أنك تعامل أبا أيوب والربيع، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة، قال: فوجم أبي فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): لما رأى ما أصابه أي عذافر، إنما خوفتك بما خوفني الله عزّ وجلّ به، قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموماً مكروباً حتى مات)(1).

وعن أبي بصير قال: (سألت أبا جعفر (عليه الصلاة والسلام) عن أعمالهم؟ فقال لي: يا أبا محمد، لا ولا مدة قلم، إن أحدهم لا يصيب من دنياهم شيء إلاَّ أصابوا من دينه مثله (أو حتى يصيبوا من دينه مثله). والوهم من ابن أبي عمير)(2).

وعن ابن أبي يعفور قال: (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك إنه ربما أصاب الرجل من الضيق والشدة فيدعي إلى البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أحب إني عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاءاً وأن لي ما بين لابتيها، ولا مدة بقلم، إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد)(3).

وعن جهم بن حميد، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (أما تغشى سلطان هؤلاء؟ قال قلت: لا، قال: ولم؟ قلت: فراراً بديني قال: وعزمت على ذلك؟ قلت: نعم، قال لي: الآن سلم لك دينك)(4).

وعن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين أعوان الظلمة؟ ومن لاق لهم دواة؟ أو ربط لهم كيساً؟ أو مد لهم مدة قلم؟ فاحشرهم معهم)(5).

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ما اقترب عبد من سلطان جائر إلاَّ تباعد من الله، الحديث)(6).

وفي رواية أُخرى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (إياكم وأبواب السلطان وحواشيها، فإن أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها أبعدكم من الله عزّ وجلّ، ومن آثر السلطان على الله أذهب الله عنه الورع وجعله حيراناً)(7).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من تولى خصومة ظالم، أو إعانة عليها، نزل به ملك الموت بالبشرى بلعنه ونار جهنم، وبئس المصير، ومن خف لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النار، ومن دل سلطاناً، على الجور قرن مع هامان، وكان هو والسلطان من أشد أهل النار عذاباً، ومن عظَّم صاحب دنيا وأحبه لطمع دنياه سخط الله عليه، وكان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار، ومن علق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعلها الله حية طولها سبعون ألف ذراع، فيسلطه الله عليه في نار جهنم خالداً فيها مخلداً، ومن سعى بأخيه إلى سلطان ولم ينله منه سوء ولا مكروه أحبط الله عليه، وإن وصل منه إليه سوء أو مكروه أو أذى جعله الله في طبقة مع هامان في جهنم)(8).

في رواية عنه (عليه الصلاة والسلام): (من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام)(9).

وعن صفوان بن مهران الجمال قال: (دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام) فقال لي: يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً، قلت: جعلت فداك أي شيء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون الرشيد، قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للعيب، لا والله، ولكني أكريته لهذا الطريق، يعني طريق مكة، ولا أتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني، فقال لي: صفوان، أيقع كراؤك عليهم، قلت: نعم جعلت فداك، قال: فقال لي: أتحب بقاءَهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم. قال من أحب بقاءَهم فهو منهم، ومن كان منهم فقد ورد النار، قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون، فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك، قلت: نعم، قال: ولم؟ قلت: أنا شيخ كبير، وإن الغلمان لا يفون بالأعمال، فقال: هيهات هيهات إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر، قلت: مالي ولموسى بن جعفر، فقال: دع هذا عنك، فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك)(10).

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من نكث بيعة، أو رفع لواء ضلالة، أو كتم علماً، أو اعتقل مالاً ظلماً أو أعان ظالماً على ظلمه وهو يعلم أنه ظالم فقد برأ من الإسلام)(11).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (إياكم وأبواب السلطان وحواشيها، فإن أقربكم من أبواب السلطان أبعدكم من الله، من آثر سلطاناً على الله، جعل الميتة في قلبه ظاهرة، وباطنة، وأذهب عنه الورع وجعله حيراناً)(12).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أرضى سلطاناً بما أسخط الله خرج من دين الإسلام)(13).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (الفقهاء أُمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله فما دخولهم في الدنيا؟ قال إتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على أديانكم)(14).

وفي حديث: أنه دخل على الصَّادق (عليه السلام) رجل فمت له بالأيمان أنه من أوليائه، فولى عنه وجهه، فدار وجهه إليه، وعاود اليمين، فولى عنه، فأعاد اليمين ثالثة، فقال (عليه السلام): يا هذا من أين معاشك؟ فقال: إني أخدم السلطان، وإني والله لك محب، فقال (عليه السلام) روى أبي، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد من السماء من قبل الله عزّ وجلّ: أين الظلمة، أين أعوان الظلمة، أين من برى لهم قلماً، أين من لاق لهم دواةً، أين من جلس معهم ساعة، فيؤتى بهم جميعاً، فيؤمر بهم أن يضرب عليهم بسور من نار، فهم فيه حتى يفرغ الناس من الحساب، ثم يؤمر بهم إلى النار)(15).

وعن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) أنه قال لكميل: (يا كميل، لا تطرق أبواب الظالمين للاختلاط بهم، والاكتساب معهم، وإياك أن تعظمهم، وتشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك)(16).

وعن يونــــس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ملعون ملعون عالم يـــؤم سلطاناً جـــائراً معيناً لـــه على جوره)(17).

وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من ترك معصية الله مخافة من الله أرضاه الله يوم القيامة، ومن مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإيمان)(18).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من مشى مع ظالم فقد أجرم).

وعن الباقر (عليه السلام) أنه قال: (العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاث)(19).

وعن الكابلي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من سود اسمه في ديوان بني شيصنان ـ أي بني العباس ـ حشره الله يوم القيامة مسوداً وجهه)(20).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل: لا تعينوا الظالم على ظلمه فيبطل فضلكم)(21).

وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنه رأى مكتوباً على الباب الرابع من أبواب الجنة ثلاث كلمات: أذل الله من أهان الإسلام، أذل الله من أهان أهل البيت، أذل الله من أعان الظالمين على ظلمهم للمخلوقين، ورأى على الباب الخامس ثلاث كلمات: لا تتبعوا الهوى، فالهوى يخالف الإيمان، ولا تكثر منطقك فيما لا يعنيك فتسقط من رحمة الله، ولا تكن عوناً للظالمين)(22).

وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لكعب بن عجرة: (أعاذك الله من إمارة السفهاء، فمن دخل عليهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني، ولست منهم، ولن يرد علي الحوض يوم القيامة)(23).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (ينادى يوم القيامة أين الظلمة وأعوانهم حتى من لاق لهم دواةً أو برى لهم قلماً، يجمعون في تابوت فيلقون النار)(24).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (ما من عالم أتى باب سلطان طوعاً إلاَّ كان شريكه في كل لون يعذب به في نار جهنم)(25).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من تعلم القرآن ثم تفقه في الدين، ثم أتى صاحب سلطان تملقاً إليه وطمعاً لما في يديه خاض بقدر خطاه في نار جهنم)، إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

الحادي عشر: قانون الطب، فإن حكومات بلاد الإسلام أجبروا الناس على مراجعة الطب الآتي من الغرب بكل خصوصياته، بينما الطب السابق الذي أيده الإسلام يجب أن يكون حراً أيضاً، له أطباؤه وصيادلته، وغير ذلك، مما ألمعنا إليه، فاللازم خرق هذا القانون بإحياء الطب السابق المؤيد من قبل الإسلام في كثير من بنوده أيضاً.

الثاني عشر: قانون الخدمة العسكرية، على الناس الفرار من هذا القانون، لأن هذا القانون خلاف الإسلام جملة وتفصيلاً، وقد ذكر بعض الكلام في كيفية الخدمة العسكرية في الإسلام في كتاب (نريدها حكومة إسلامية) وغيره.

الثالث عشر: القوانين التي لا تمنح الصلاحية لغير من له الشهادة الثانوية أو الجامعية أو ما أشبه، فإن الشهادة ليست من الأُمور التي يجب مراعاتها بالنسبة إلى الأُمور الاجتماعية وغيرها، بل اللازم ملاحظة الإيمان والكفاءة حسب قوانين الإسلام، فاللازم خرق أمثال هذه القوانين.

الرابع عشر: قانون التجمعات، والجمعيات، والمنظمات والأحزاب، وما أشبه فاللازم خــــرق القـــوانين المرتـــبطة بهذه الأُمور(26)، فكل إنسان حُر في أن يعمل كيف ما يشاء منفرداً أو متجمعاً مع الآخرين، لكن يجب أن يكون حسب المقررات الإسلامية.

الخامس عشر: قانون الثقافة التي وضعتها الحكومات بالنسبة إلى دخول المدارس، والخروج منها، والامتحان، وغير ذلك، فإنها كلها باطلة يجب خرقها، وإنما التقيد بما قرره الإسلام في الأُمور الثقافية.

السادس عشر: قانون الزواج والطلاق وما إلى ذلك من الخلع ونحوه، فإن كل القوانين الموضوعة في هذا الباب قوانين باطلة لا شأن لها، فاللازم خرق هذه القوانين والعمل على طبق ما ذكره الفقهاء في الرسائل العملية وفي غيرها.

السابع عشر: قانون المرور، رواحاً ومجيئاً ووقوفاً وسرعة وبطأً وما إلى ذلك، فإن القوانين الموضوعة من قبل الحكومات الظالمة في الغالب قوانين باطلة، وإنما الواجب ملاحظة القوانين الإسلامية التي تعطي الحرية للإنسان في رواحه ومجيئه وغير ذلك على شرط عدم الإضرار بالناس، فإن القانون لا شأن له ولا قيمة له حتى بمقدار نقير إذا كان مخالفاً للإسلام.

إلى غير ذلك من القوانين التي تضعها الحكومات في الحال الحاضر، نعم إذا قامت الدولة الإسلامية الملتزمة بـ:

أولاً: شورى المرجعية المكونة من مراجع التقليد.

وثانياً: تعدد الأحزاب الحرة المنتهية للمرجعية.

وثالثاً: الانتخابات الحرة.

فإن مثل هذه الحكومة واجبة الإطاعة، وحين ذلك لا يكون عنوان ثانوي إلاَّ بالشورى، ويكون مؤقتاً بوقت العنوان الثانوي كسائر العناوين الثانوية، على ما ذكرنا تفصيله في بعض كتب الفقه، فإن العنوان الثانوي على قسمين:

الأول: العنوان الثانوي الشخصي، مثل تضرر الشخص من الصوم أو من القيام في الصَّلاة أو من الوضوء أو ما أشبه ذلك، وهذا الشخص المتضرر هو المرجع فيه، وقد كتب الإمام (عليه الصلاة والسلام) إلى من سأله عن صومه وأنه يحس مرضاً بما لفظه: بسم الله الرّحمن الرّحيم: (بل الإنسان على نفسه بصيرة) وإذا لم يشخص هو فالمرجع أهل الخبرة.

الثاني: العنوان الثانوي الذي يُراد إجراؤه على الأُمة، فذلك لا يكون إلاَّ بالشرطين المذكورين أي بأن تعيّن الشورى أنه من العنوان الثانوي، وأن يكون مؤقتاً بأمد الحكم الثانوي.

نعم يستثنى مما ذكرنا من وجوب خرق القوانين إطلاقاً ومضادتها والقيام بخلافها قدر ما حرمه الإسلام من الضرر بالنفس أو بالغير وقدر ما قرره الإسلام من القوانين كحرمة بيع الكالي بالكالي، وحرمة زواج المحرمات، وحرمة الترف والسرف إلى غير ذلك، مما حاصله أن الإنسان يجب أن يكون مقيداً بالقوانين الإسلامية فحسب، أما القوانين غير الإسلامية فإنها باطلة يجب خرقها وعدم العمل بها.

وقد تقدم أن الخبراء الذين يجب الرجوع إليهم، فيما هو قانون إسلامي، وما هو ليس بقانون إسلامي هم الفقهاء العدول الذين هم مراجع الأُمة.

القدرة الإسلامية وفاعليتها

المسلمون أقوى من الغرب والشرق، لكن قوتهم الكبيرة غير فاعلة، وقوة الغرب والشرق الصغيرة فاعلة، فإذا وعى المسلمون هذين الأمرين أولاً، ثم عملوا في فاعلية القوّة الإسلامية من جانب وإبطال فاعلية القوّة الأجنبية في بلادهم من جانب آخر ثانياً قام الإسلام من جديد بإذن الله، وأنقذ العالم لا العالم الإسلامي فحسب، بل وحتى العالم الغربي الذي وقع في (مآسي الفقر) حيث في أميركا وحدها ثلاثون مليون من الفقراء كما صرحوا هم بأنفسهم بذلك، وفي (مآسي الاستعمار) وفي (مآسي السلاح) فهل هناك إنسان يستعد لأن يصنع الدمار لإخوانه البشر ليل نهار، غير أن النظام الغربي والشرقي سبب هذا الشيء وألقى جملة من الناس الأبرياء منهم والمعاندين في هذه العجلة الدائرة، وفي (مآسي الخلاء الروحي) فإن المادة تملأ مراكز البدن أما الدين والفضيلة والتقوى فهي التي تملأ تجاويف الروح. وفي (مآسي الكبت) فإن القوانين الغربية كابتة لأنفسهم قبل غيرهم بينما الإنسان خلق حراً يريد الحرية، وهل البشر في الغرب حراً؟ إلى آخر القائمة.

هذا حال الغرب، فكيف بالعالم الثالث المستعمَر (بالفتح) بل العالم الشيوعي الذي لم يمر على تاريخ البشرية حسب التاريخ المدون أتعس حالاً منه، الذي يعيش خلف الأسلاك الحديدية الشائكة في وضع أسوء من حال الحيوانات السائمة في زرائبها، وعلى أي حال فإن للمسلمين قوة هائلة تحت ركام من الجهل والتخلف والفوضى والشدائد، وللغرب والشرق قوة ضعيفة فاعلة في الميدان، فاللازم إنقاذ المسلمين بل وإنقاذ العالم ككل من المآسي.

فضح الشيوعية والقومية

مسألة: يلزم على التيار الإسلامي التنبيه والتنبه على نقاط الضعف من الوحدة الشيوعية الأُمميّة والتجزئة القومية التي جاءت إلى بلاد الإسلام من الغرب، ونحن لا نريد تفصيل الكلام حولهما وإنما نريد الإلماع فقط، وإلاَّ فالكلام فيهما طويل، أما الشيوعية فهي عبارة عن عدم العقيدة إطلاقاً فهي تضرب شيئاً من أهم فطريات البشر، وحيث لا عقيدة لا خلاق، بينما الأخلاق من أهم فطريات البشر أيضاً.

وأما القومية فهي ضد الكفاءة، والإنسانية ترى كل القيم في الكفاءات فقط وفقط، ومن غير المنطق أن يقول إنسان هذا طبيب من غير قومي، أو من غير جغرافية قطري، ولهذا لا أراجعه، وإنما أدعو لشفائي شخصاً من قومي أو من وطني الضيق وإن كان جاهلاً وهكذا في كل أبعاد الحياة.

إن الذي يجب أن يحيى في المسلمين ما قال سبحانه: (إنا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)(27)، وما قاله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (كلكم من آدم وآدم من تراب)، (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أسود إلاَّ بالتقوى)، وما قاله علي (عليه السلام): (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)،

وهذه الحالة لا تكون في المسلمين إلاَّ بإرجاع الإسلام إلى الحياة.

والواقع إن الأفكار القومية والأوطان الجغرافية أو ما أشبه مما شاع في الغرب ثم جيء بها إلى بلاد الإسلام من أكبر أسباب ضعف المسلمين لا بما هم مسلمون فحسب، بل بما هم بشر أيضاً، وهما من أكبر عوامل الضعف في أية أُمة وجدت، وقد تنبه لهذا نفس الغرب الذي كان مولد هذه الأفكار، وإليك ما قاله بعض مفكريهم، يقول (أرنولد توين بي) في المحاضرات التي ألقاها في مصر عام 1964 ألف وتسعمائة وأربعة وستين مسيحية ما نصه:

[إن (الأيديولوجيات) الغربية التالية للمسيحية وهي القومية أو الشيوعية أصبحت الآن أكبر خطر يهدد بناء الجنس البشري وهي خطر، أفدح كثيراً من البكتيريا والفيروسات وأنها لكارثة على البشرية جمعاء أن تقتبس البلاد غير الغربية هذه الأيديولوجيات الغربية بحذافيرها والقومية نجدها بين هذه البلاد، كما أن للشيوعية أنصاراً كثيرين. رأيي الخاص هو أن ما يلزمنا الآن هو أن نقتدي بروح شخص مثل المهاتما غاندي وبطريقته في السلوك، فقد أثبت غاندي أن من الممكن عملياً إحداث تغيرات سياسية واجتماعية هائلة بطريقة سليمة، ومن الممكن مقاومة المرء خصومة دون أن يكرههم ومن هنا فإن غاندي عندما كان يجد أن أتباعه في الهند قد بدأوا يكرهون الإنجليز (وهذه الكراهية أمر طبيعي إذ أنها شعور إنساني مألوف عند أناس يكرهون التحرر) فإنه كان يوقف حركة المقاومة حتى يخمد الشعور بالكراهية، وحتى يتخلص أتباعه منه، وفي اعتقادي أن ما قام به غاندي في هذا الصدد كفيل بأن يهدم الأساس الذي يرتكز عليه التعصب، فقد دافع أنصار التعصب عن أنفسهم قائلين أن هذه الحالة العنيفة التي لا تعرف التسامح هي الوسيلة الوحيدة لإحداث تغيرات جبرية في الشؤون الإنسانية، ولكن غاندي أثبت أن الحقيقة غير ذلك ـ إلى أن يقول ـ: وأنها لتكون كارثة لو أن قلب الجنس البشري أصيب بهذا الداء في صورة الأيديولوجيات اللاحقة للمسيحية، وهي القومية والشيوعية ـ إلى أن يقول ـ: والنوع الوحيد من الوحدة الذي يعد مشروعاً من الوجهة الأخلاقية، وممكناً من الناحية العملية في هذا العصر الذري الذي نعيش فيه ليس هو الوحدة الضيقة الأفق التي نفرضها قهراً على الآخرين بمحو كل الفوارق والاختلافات، وإنما هي الوحدة التي تتحقق بالتسامح والصبر].

انتهى ما أردنا نقله من كلامه.

ثم إن من الطبيعي أن الدولة القومية تكون:

أولاً: محطمة للكفاءات، لأن الكفاءات الإنسانية إنما تنمو في جو الحرية، والقومية خلاف الحرية، إنها تقول: قومي ولا تقول: الإنسان، ولذلك تطرد الإنسانية وتعطي مكانها للقومية، وإني أذكر كيف حطمت القومية الكفاءات في العراق منذ زمان القوميين، فالطبيب من أصل باكستاني أو هندي أو إيراني أو ما أشبه كان يطرد وإن كان أكفأ، والطبيب العراقي كان يقرّب وإن كان غير كفؤ، وهكذا بالنسبة إلى المهندس والأستاذ في الجامعة وغيرهم. والمشكلة أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل كان القومي العراقي في سلم الأولويات، يرى مقدماً على المصري والسوري، والحجازي، وإن كان أُولئك أكفاء لأن هذا عراقي وأولئك ليسوا عراقيين فالأمر كان خليطاً من القومية والحدود الجغرافية.

ثانياً: تكون القومية منكمشة على نفسها، لأن القومية نوع من الكبرياء والاستعلاء والتجبر والتبختر، والمتكبر دائماً ينكمش على نفسه، لأنه يرى نفسه فوق الآخرين، فلا يتعاون معهم، لأنه يعرف نفسه أعلى والآخرون يرونه غير لائق، فلا يتعاونون معه، وبذلك يبقى القومي وحده، وأخيراً يكون مصيره الخروج عن الحياة فإن الحياة بنيت على التعاون فلا مجال لغير التعاون فيها، إن (هتلر) لم يحطم نفسه فقط وبلاد أوروبا بل حطم شعبه إلى اليوم، وبعد أكثر من أربعين سنة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي إيران حيث البهلوي رفع لواء القومية الإيرانية، وفي تركيا حيث أتاتورك رفع لواءاً مماثلاً حدث التأخر منذ نصف قرن، وهذا هو حال سائر البلاد في العالم التي انضوت تحت لواء القومية، أية قومية كانت، ولذا ورد في الأحاديث الذم الشديد للعصبية:

فعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه)(28)، ومراده (صلى الله عليه وآله وسلم) يتعصب له يعني أنه كان راضياً بذلك أو سبباً له.

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من كان في قلبه حبة من خردل من عصبيّة بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة)(29).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من تعصب عصبه الله بعصابة من نار)(30).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الملائكة كانوا يحسبون أن إبليس منهم وكان في علم الله أنه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحمية والغضب، وقال: (خلقتني من نار وخلقته من طين)(31).

وعن عليّ (عليه الصلاة والسلام) قال: (إن الله يعذب ستة بستة: العرب بالعصبية...)(32).

أقول: هذا من باب المثال، وإلاَّ فمن الواضح أن كل جماعة تعصبوا كانوا مصداقاً لهذا الكلي.

وعن الزهري قال: (سأل علي بن الحسين (عليهما السلام) عن العصبية فقال: العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم)(33).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من تعصب أو تعصب له خلع ربقة الإيمان من عنقه)(34).

وعن الجعفريات بسند الأئمَّة إلى عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من كان في قلبه مثقال خردل من عصبية جعله الله تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة)(35).

ولذا نجد أن الإسلام كان يصر على التساوي بين المسلمين ككل فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يساوي بين سلمان وأبي ذر وصهيب وبلال وبين سائر المسلمين العرب منهم والعجم وغيرهم على حد سواء وقد أخرج ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن أبي إسحاق الهمداني قال: (إن امرأتين أتتا علياً (عليه السلام) إحداهما من العرب والأُخرى من الموالي فسألتاه فدفع إليهما دراهم وطعاماً بالسواء، فقالت إحداهما: إني امرأة من العرب وهذه من العجم، فقال (عليه السلام) إني والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق)(36)، ومراده (عليه السلام) من بني إسماعيل: العرب ومن بني إسحاق: العجم.

وقال (عليه السلام) في بعض خطبه كما في الاختصاص (لأسوِّينَّ بين الأسود والأحمر، والمراد بالأحمر الأبيض)(37) لأن الإنسان الأبيض إذا لاحت عليه الشمس مالت بشرته إلى الحمرة.

وقد روى الشيخ المفيد (رحمه الله) في الاختصاص عن ابن دأب قال: ولّى علي (عليه السلام) بيت مال المدينة عمّار بن ياسر وأبا الهيثم بن التيهان فكتب بالمساواة بين جميع المسلمين في العطاء، فأتاه سهل بن حنيف بمولى له أسود فقال: كم تعطي هذا؟ فقال له أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام): كم أخذت أنت؟ قال: ثلاثة دنانير وكذلك أخذ الناس، قال (عليه السلام): (فأعطوا مولاه مثل ما أخذ ثلاثة دنانير)(38).

التكاتف فيما بين القوى الإسلامية

مسألة: من أهم الأُُمور في النهضة الإسلامية العامة العالمية التعاون بين جميع النشاطات الإسلامية، من المرجعية، والتنظيمية، والثقافية، والمصرفية، والصحية، وغيرها.

فإن في المجتمع قوتين:

قوة الدولة وقوة الشعب.

أما الدولة: فإنها قوة كبيرة متعاونة مع نظائرها ولها إشعاعات في الداخل والخارج، مثلاً في حرب لبنان (وهي بلدة كانت لا تشتمل على أكثر من ثلاثة ملايين) تدخل الغرب والشرق، والقوة المسيحية المتصارعة مع القوة الإسلامية كانت تعمل بالوكالة فهل بإمكان جهة أو حزب أو جماعة أن تقف أمام هذه الحرب.

وهكذا الكلام في سائر الحروب وفي سائر المناهج الكبيرة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو غيرها.

إن أمريكا خرجت من فيتنام لأن الشرق كان في قبالها، لا لأن الفيتناميين بمفردهم تمكنوا من إخراجها.

وقد كان يعمل في الصين مائتا مليون إنسان كل يوم ويعطون أرباحهم وأثمان أتعابهم للفيتناميين ـ كما ورد في التقارير التي ذكروها في ذلك الوقت ـ أي سدس وارد ألف ومائتي مليون إنسان كان مساعدة للفيتناميين في قبال الأمريكيين والاتحاد السوفيتي كان يعطي لهم المال، بلا حساب، ثم الإعلام والدبلوماسية لنصف العالم كانت أمام أمريكا، فإذا كان العالم هكذا فهل بإمكان جهة منفردة مهما كانت قوية أن تحظى بإقامة حكم الإسلام.

إن قوة الحكومات تقف في جانب ولا يقف أمامها إلاَّ قوة الشعوب إذا أمكن جمعها لتقف في جانب آخر، وهناك يتدخل لطف الله ونصره لينقذ المسلمين، والكل يذكر أنه في حرب المسلمين مع اليهود في فلسطين هددت أمريكا العالم بالحرب الذرية، فمعنى هذا إن وراء هذا الخمّار الذي يبيع الخمر في بغداد أو القاهرة أو أنقرة مثلاً تفلق القنابل الذرية في كلّ من واشنطن وموسكو والصين ولندن وباريس وغيرها.

وليس هذا تضخيماً للأمر، بل حقيقة، ولا أقصد بهذا الكلام إنا لا نتمكن من غلق حانوت خمّار أو غلق مائة حانوت، إن ذلك ممكن وإنما الكلام حول قلع جذور الخمر في بلاد الإسلام ككل، وهذا كما يصدق في الخمر يصدق في الربا وفي الزنا ومنع الحجاج من الحج، إن المستطيع في بلد إسلامي لا تقف أمامه حكومة معينة، وإنما تقف أمامه كل الأنظمة في البلاد الإسلامية، وهؤلاء بدورهم تقف إلى جانبهم كل الأنظمة العالمية، صحيح أن البعض يمكنه أن يرشي الموظف ويذهب إلى الحج (والرشوة هذه تعتبر حلالاً بالنسبة إلى الحاج وحراماً بالنسبة إلى الموظف) لكن الكلام في تحرير الحج بالمعنى العام ليرجع إلى حالته قبل نصف قرن، حتى يذهب الحاج إلى الحج ويكن سيد نفسه ويكون نظام الحج نظاماً إسلامياً لا غربياً حسب أوامر (غلادستون) وهكذا الراعي في بلد آخر لا يتمكن من إنتاج الشاة لماذا؟ لأن القانون يمنعه. إنه يتمكن من رشوة الموظف حتى يسمح له بتربية شاة أو شياه لكن ليس الكلام في ذلك بل الكلام في أن حكومة ذلك البلد داخلة في حقل الشرق أو الغرب وكلاهما اتحدا على أن يحيطا المسلمين ويؤخراهم، ومن بنود الاتفاق عدم إنتاج المسلمين للّحم، وتفشي البطالة فيهم لكي يحتاجوا إلى الغرب والشرق، لا في اللحم فقط بل في الأرز والسمن والحنطة وغيرها أيضاً، وهذه الحكومة كسائر الحكومات تنفذ هذه الخطة بإيعاز من أولئك أو عمالة لهم فهل بالإمكان والحال هذه في كلّ أبعاد الحياة أن ينجو المسلمون المتشتتون؟.

نعم الواجب تجميع النشاطات، والتجميع بحاجة إلى مليارات من النشاطات الإيجابية والسلبية، فالأمور الجزئية كهداية شخص وتأليف كتاب ـ أو ألف شخص أو ألف كتاب ـ لا يكفي إطلاقاً، بل الأمر بحاجة إلى مليارات من النشاطات، بأن يجلس سيل من البشر المنضمّين بعضهم إلى بعض ـ من مرجعية وتنظيم ونشاطات أخر ـ مع كل فرد ويقنعوهم بالعمل، وأُولئك الذين يتكلم معهم يطمئنون بأن هؤلاء الجماعة الذين انخرطوا في تيار الخدمة قابلون لأن ينضوي الناس تحت لوائهم، وهكذا وهلم جراً مما يحتاج إلى عشر سنوات أو عشرين سنة أو ما أشبه ذلك حتى يدخل ملايين من البشر في هذا التيار، وحينذاك يأذن الله سبحانه وتعالى بالنجاة، وقد قال الإمام عليّ (عليه السلام): (فلما علم الله منا الصدق أنزل علينا النصر) أما أن يبني جماعة مساجد ويصدروا مجلات ويفتحوا مدارس ويربوا خطباء وما أشبه ذلك فذلك غير كاف في إعادة حكم الإسلام، نعم إنهم مأجورون ومثابون على كل تلك الأعمال (فمن بنى مسجداً بنى الله له بكل شبر مدينة في الجنة) وهكذا، لكن هذه الأُمور شيء والحكومة الإسلامية العالمية المطبقة لقوانين الإسلام شيء آخر.

إن بلاد الإسلام تزخر بالنشاطات والثروات، والمخلصون من المسلمين أكثر من الكثير، لكن هل ينفع الإخلاص في من يعالج مريضاً صعباً وهو لا يعرف الطب وهل يشافي الله مريضه بينما نرى أن الله سبحانه أبى أن يجري الأُمور إلاَّ بأسبابها وفي القرآن الحكيم (فاتبع سبباً)(39).

أما الابتداء في ربط الحركات والنشاطات والمرجعيات والحوزات وما أشبه فهو يكون بأن يقوم جماعة تربوا تربية إسلامية صحيحة بالتوعية بنشر ملايين الكتب التوعوية حتى ينشأ النشء على هذا الأساس الفكري، ثم يأخذوا في اللقاءات الفردية والخطابات الجماهيرية لأجل التقريب في وجهات النظر، فيضموا حركة إلى حركة ومرجعاً إلى مرجع وخطيباً إلى خطيب، ودار نشر إلى دار نشر ومجلة إلى مجلة، وهكذا حتى يأتي الأمر بالنتائج المطلوبة بإذن الله تعالى، وهذا الشيء إذا حدث فسرعان ما يستجيب المسلمون له، فقد سلب الاستعمار من بلاد الإسلام كل شيء لا من حيث الدين فحسب، بل من حيث السياسة والاقتصاد والتربية والاجتماع، وغيرها، فاقتصاديات بلاد الإسلام منهارة، والبلاد بعضها منفصمة عن بعض، وكلها تعانى من المفاسد، وهكذا وهلم جراً، نعم يجب أن يأخذ هؤلاء القائمون في حسابهم تحرك الاستعمار وعملائه من جانب لضرب الحركة، والجهلة والحساد من جانب آخر لإطفاء هذه الشعلة وقد ذكرت فيما تقدم هنا وفي سائر الكتب المعنية بهذا الشأن: إن اللاعنف واللين والرفق وما أشبه كفيلة بتضعيف هذه الحركات المضادة ولا شك في أن لطف الله سبحانه وتعالى مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

إذا ضاقت بك الأحوال يوماً          فثــق بالواحــد الفرد العلي

تـــوسل بالنبـــيّ فكل خطب          يهون إذا توســـل بالنبـــيّ

ولا تجزع إذا ما ناب خطب          فكم لله من لطـــف خفــــي

كما أنّ اللازم في هذا الإطار تكوين المؤتمرات التي تجمع كل الفئات، مثلاً يعقد مؤتمر يجمع الخطباء، ومؤتمر يجمع رؤساء الحركات، ومؤتمر يجمع الصحفيين، ومؤتمر يجمع دور الــنشر وهكذا، ثم بعد ذلك مؤتمرات تجمع أصحاب المؤتمرات كلاً أو بعضاً، فإن في المؤتمرات تصقل الأفكار وتتعدل الآراء، وتظهر مواضع الخلل، وهكذا المؤتمرات توجب تصاعد الحركة كماً وكيفاً، وانتشاراً أو تقلصاً، مثلاً المرحلة القادمة بحاجة إلى ألف إنسان وإلى الجامعيين وإلى مد الحركة إلى مدينة كذا أو قرية كذا، أو تقليص الحركة من الموضع الفلاني إلى غير ذلك، وهكذا يعطي المؤتمر بُعد الاكتفاء الذاتي قوة واندفاعاً، مثلاً يعممون لزوم تربية الدواجن، أو الاستغناء عن الكماليات، أو استعمال الفخار بدل الأواني الأجنبية وهكذا، والمؤتمر يبحث أيضاً عن إمكانيات تحصيل الثروة لأجل الحركة، كما يجتمع في المؤتمر أصحاب المال وأصحاب الأقلام وأصحاب الفكر، ويتعاون بعضهم مع بعض، وكلما تصاعدت المؤتمرات ضعفت القوة التي في قبال الحركة، حتى تكون الحركة تياراً عارماً من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغــرب، وهناك تكون المقدمة اللازمة للإنقاذ قد تمت والله المستعان.

 

1 ـ الوسائل ج12 ص128 ح3، الكافي ج5 ص105 ح1.

2 ـ الوسائل ج12 ص129 ح5، الكافي ج5 ص107 ح5.

3 ـ الوسائل ج12 ص129 ح6، الكافي ج5 ص107 ح7.

4 ـ الوسائل ج12 ص129 ح7، الكافي ج5 ص108 ح10.

5 ـ الوسائل ج12، ص13 ح11، ثواب الأعمال وعقابه ص260.

6 ـ ثواب الأعمال ص260، الوسائل ج12 ص130 ح12.

7 ـ ثواب الأعمال ص260، الوسائل ج12 ص130 ح12.

8 ـ الوسائل ج12 ص130 ح14، عقاب الأعمال ص45 وص47.

9 ـ الوسائل ج12 ص131 ح15، تنبيه الخواطر ص54.

10 ـ الوسائل ج12 ص131 ح17، رجال الكشي ص276.

11 ـ الوسائل ج12 ص131 ح15.

12 ـ الوسائل ج12 ص130 ح13، ثواب الأعمال ص260.

13 ـ الوسائل ج12 ص131 ح15.

14 ـ البحار ج2 ص36.

15 ـ الكافي ج5 ص107.

16 ـ تحف العقول ص184.

17 ـ البحار ج75 ص381.

18 ـ الوسائل ج12 ص131 ح15، تنبيه الخواطر ص54.

19 ـ الكافي ج2 ص250 ح16.

20 ـ الوسائل ج12 ص130 ح9.

21 ـ انظر البحار ج75، ص305، باب 79 الظلم وأنواعه.

22 ـ انظر البحار ج75 ص305 باب79 الظلم وأنواعه.

23 ـ انظر البحار ج75 ص367 باب82، الركون إلى الظالمين.

24 ـ الوسائل ج12 ص130 ح11، وص131 ح16، تنبيه الخواطر ج1 ص54، البحار ج75 ص372.

25 ـ انظر البحار ج2 ص36 نحوه.

26 ـ إذا كانت مخالفة للإسلام وللحريات الإسلامية.

27 ـ سورة الحجرات: الآية 13.

28 ـ الكافي ج2 ص232 ح1، الوسائل ج11 ص296 ح1، وح2.

29 ـ الكافي ج2 ص233 ح3.

30 ـ الكافي ج2 ص233 ح4، الوسائل ج11 ص296 ح3.

31 ـ الكافي ج2 ص233 ح6، الوسائل ج11 ص297 ح5.

32 ـ الخصال ج1 ص325 ح14، الوسائل ج11 ص297 ح6.

33 ـ الوسائل ج11 ص297 ح7، الكافي ج2 ص233 ح7.

34 ـ الوسائل ج11 ص296 ح1، الكافي ج2 ص232 ح1.

35 ـ الوسائل ج11 ص296 ح2، المجالس ص361 مجلس 88.

36 ـ الاختصاص ص151.

37 ـ الاختصاص ص151.

38 ـ الاختصاص ص152.

39 ـ سورة الكهف: الآية 85.