| المؤلفات |
|
الواقع الفعلي لا يدل على سقم المبادئ |
|
إن صحة المبادئ شيء وتطبيق الحالة الخارجية على تلك المبادئ شيء آخر، وإذا لم يطبّق الإنسان أعماله على تلك المبادئ الصحيحة عاش حالة الدروشة، وكثير من المسلمين صاروا في القرن الحاضر هكذا انهم دراويش أعمال وإن كانت عقائدهم صحيحة، والدرويش لا يتمكن من التقدم، فكيف وهو لا يتقدم إلاَّ في المحيط الذي تصوره هو وبناه لنفسه، إنهم يعتقدون بأصول الدين ويقومون بأداء العبادات، لكن الإسلام لا يطبق كلاً من ألفه إلى يائه، لا في النظافة، ولا في النظام، ولا في الأمة الواحدة، ولا في الأخوة الصادقة، ولا في الأُلفة، ولا في الاكتفاء الذاتي، ولا في النشاط، ولا في العلو حسب (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه) ولا في عدم اتخاذ الوليجة، ولا في زواج بنيهم وبناتهم حسب السن الإسلامي والمهر الإسلامي ولا في الحج الجماهيري، ولا في الأخلاقيات، ولا في الآداب، ولا في الاستفادة من خيرات الأرض، ولا في العلم، ولا في ألف شيء وشيء، والحاصل لا يطبق الإسلام في القانون وإنما يطبق في الذهن والعبادة غالباً فقط، أليست هذه حالة الدروشة؟ فماذا يصنع الدرويش غير أنه يعتقد عقيدة معينة (على فرض صحة اعتقاده وعدم انحرافها) ويعمل بالعبادات من صوم وصلاة وحج إذا كان مطابقاً للإسلام، أما سائر الأُمور فلا وربما يعمل ببعضها، لكن ذلك العمل بالبعض لا يخرجه عن كونه درويشاً. إن الإنسان إذا نظر في باب الفقه إلى كتاب الجواهر لا يرى عمل المسلمين متطابقاً معه، وإذا نظر في باب مطلق الأعمال إلى كتاب (الوسائل) لا يرى عمل المسلمين منطبقاً عليه، بل نقول: إذا نظر الإنسان إلى القرآن الحكيم فهل يرى انطباق أعمال المسلمين عليه، إن القرآن لم يتقدم في العالم إلاَّ بالتطبيق، واليوم لا يطبق بعضه!. وهل بعض الطائرة يطير أو بعض السيارة يسير أو بعض الباخرة تبحر بالماء، أو بعض المعمل يتمكن من الإنتاج؟. الضعف ليس في المبنى. فالهندوكية والكونفشيوسية والبوذية والمسيحية واليهودية من الأديان التي يدّعي أصحابها، إن ما لقيصر لقيصر وما لله لله، كلها أديان لكن لا بناء على تلك الأديان، ولا صحة لتلك العقائد، ولهذا لا تتمكن أن تتقدم في العالم، وحتى أن هؤلاء أصحاب الأديان تركوا الأديان في الحياة إلى القوانين التي ابتدعتها عقولهم. أما المسلمون فضعفهم في البناء لا في المبنى، ولا يتوهم أن الادعاء الفارغ والتهريج حول تطبيق الإسلام كما عملته فترة الباكستان وفترة السودان و.. يغير من الواقع شيئاً، إن الإسلام ليس بهذا القدر الذي يعمل به المسلمون، وإنما هو أوسع وأشمل، وقد رأيت شيئاً منه قبل نصف قرن، وما أراه الآن ليس حتى عشر ما رأيت، وقد ذكرت بعض ما رأيت في كتاب (بقايا حضارة الإسلام كما رأيت) فهل يترقب أن يقوم هذا الإسلام ويأخذ بالزمام، نعم انقسمت البلاد من جهة الحكم إلى علماني بالواقع وإسلامي بالاسم، فلا العلماني يتمكن من النهوض ولا الاسم ينفع شيئاً. إن تركيا زعمت أو أرادت أن تزعم أنها أدارت ظهراً للإسلام لتكون كالغرب في صناعتها وزراعتها وحريتها واستقلالها وما أشبه لكنها بعد خمسين سنة وجدت نفسها وقد أضاعت كلا السبيلين، فلا الغرب قبلها ولا الإسلام أنقذها، أما الأول فلأن الغرب ينظر إليها نظرة إلى عدو تقليدي، وأما الثاني فلأنها حكومة خرجت عن ربقة الإسلام. والشعب المسلم يكتوي بهذه النار منذ نصف قرن، اقتصاد محطم، وتخلّف مشين والبلد سوق للبضائع الأجنبية، وقاعدة للاستعمار، وإذلال واستخفاف، نعم أصبح السيد عبداً وسيده (الغرب) لا يعطيه حتى سهم العبيد. وعلى أي حال، فما لم يرجع المسلمون إلى الإسلام الموجود في الكتاب والسنّة لا يجدون حتى لقمة العيش، وحتى احترام العبيد. أما الرفاه والسيادة فلا يمكن أن يحلموا بهما ولا أدل على ذلك من فلسطين، قرن من الاحتلال ليس للمسلمين فيها إلاَّ الدماء والدمار والذل والهوان، ففلسطين لا تريد أن تنجو إرادة واقعية، وإنما تريد أن تنجو كفلسطين أو كعرب وهل سعادة فلسطين وسيادتها كانتا بسبب فلسطين في أول الإسلام، أو كانتا بسبب العرب حتى تعود السيادة إليها تحت شعار فلسطين، أو تحت شعار العرب، إنما أنقذ فلسطين الإسلام، والإسلام وحده. والإسلام مقصي اليوم بكل قوة من شؤون فلسطين، فالأُمة الواحدة والأُخوة الإسلامية والقوانين الحيوية التي وردت على لسان الله ورسوله وأوليائه، في القرآن الحكيم والسنّة المطهرة، هي التي يمكن أن تنقذ فلسطين، أما ما عدا ذلك فتعب وسير في الأشواك. وأخيراً إذا وصلوا إنما يصلون إلى السراب. والغريب في الأمر أن المسلمين حتى المجاهدين منهم والذين يعطون الدم والمال وكل شيء يصرون على إقصاء الإسلام بكل قوة. فلنأخذ مثلاً آخر: إن أفغانستان وإيران وسائر بلاد الإسلام كانت منذ دخول الإسلام بلداً واحداً، ثم قبل قرنين من الزمان شطر المستعمرون إيران وأفغان إلى دولتين، وفي هذه السنوات غزاها الروس بما أوجب قتل مليوني إنسان وتشريد خمسة ملايين، وإدخال مليونين في عداد المعاقين أي تسعة ملايين من واحد وعشرين مليون، أما الخراب والدمار والسجون والتعذيب وما إلى ذلك فحدث عنها ولا حرج، وأخيراً خرج الروس عن أفغانستان وإذا بجماعة من الأحزاب شكلوا حكومة لهم ضاربين عرض الحائط بثلثي الأُمة، ثلث من الشيعة الذين حاربوا معهم وأعطوا ما أعطوا من الدماء والأموال، وثلث من السنّة الذين حرموهم من المشاركة في الحكم، فهل هؤلاء يريدون النجاح. إن الجهاد في أفغانستان كان إسلامياً مائة في المائة، أما انتهاز الفرص والوثوب على الحكم، فليس من الإسلام في قليل ولا كثير، إنهم انتهزوا ما زعموه فرصة، ولم تكن فرصة كما يكشف عن ذلك المستقبل، انتهزوها جاهاً ورئاسة ودنياً ومالاً، مما يسميه الشرع اختيال الدنيا بالدين. إني لا أقول: إن جميعهم كانوا كذلك، بل أقول: إن الصبغة العامة صارت هكذا، وقد ورد في الشرع أشد الذم لاختيال الدنيا بالدين، ولمن وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره، فعن يونس بن ظبيان، قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله عزَّ وجلّ يقول: ويل للذين يختلون الدنيا بالدين، وويل للذين يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس، وويل للذين يسير المؤمن فيهم بالتقية، أبي يغترون أم عليَّ يجترئون فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة، تترك الحليم منهم حيراناً)(1). وفي رواية أُخرى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال في آخر خطبة خطبها: (ومن عرضت له دنيا وآخرة فاختار الدنيا وترك الآخرة لقى الله وليست له حسنــــة يتقي بها النار، ومـــن أخذ الآخــــرة وترك الدنيا لقى الله يوم القيامة، وهو عنه راض)(2). وعن جعفر عن محمد عن أبيه (عليهما السلام): (إن الله تبارك وتعالى أنزل كتاباً من كتبه على نبي من أنبيائه وفيه أنه يكون خلق من خلقي يلحسون الدنيا بالدين، يلبسون مسوك الضأن على قلوب كقلوب الذئاب أشد مرارة من الصبر وألسنتهم أحلى من العسل، وأعمالهم الباطنة أنتن من الجيف، أفبي يغترون أم إياي يخادعون، أم عليّ يجترئون فبعزتي حلفت لأتيحن لهم فتنة تطأ في خطامها حتى تبلغ أطراف الأرض تترك الحليم منهم حيراناً)(3). وعن مفضل بن عمر أنه قال في وصيته لأصحابه، لا تأكلوا بآل محمد (عليهم السلام): فإني سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (افترق الناس فينا على ثلاث فرق: فرقة أحبونا بانتظار قائمنا (عليه السلام) ليصيبوا من دنيانا فقالوا وحفظوا كلامنا وقصروا عن فعلنا فسيحشرهم الله إلى النار، وفرقة أحبونا وسمعوا كلامنا ولم يقصروا عن فعلنا ليستأكلوا الناس بنا فيملأ الله بطونهم ناراً يسلط عليهم الجوع والعطش…)(4). وعن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) قال: (طلبة العلم ثلاثة فاعرفهم بأعيانهم وصفاته، صنف يطلبه للجهل والمراء، وصنف يطلبه للاستطالة والختل ـ إلى أن قال ـ: وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق يستطيل على مثله من أشباهه ويتواضع للأغنياء من دونه، فهو لحلوائهم هاضم، ولدينه حاطم، فأعمى الله على هـــذا خبره، وقطـــع من آثار العـــلماء أثره)(5). وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (أشرار الناس من باع آخرته بدنياه، وشر من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره)(6). وعن عليّ (عليه الصلاة والسلام) أنه قال: (صن دينك بدنياك تربحهما، ولا تصن دنياك بدينك فتخسرهما)(7). وقال (عليه الصلاة والسلام): (صن الدين بالدنيا ينجيك، ولا تصن الدنيا بالدين فترديك)(8). وعن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: (من تعلم علماً من علم الآخرة، يريد عرضاً من عرض الدنيا لم يجد ريح الجنة، وفي كلمة أُخرى له قال: الخاسر من عمر دنياه بخراب آخرته، والخاسر من استصلح معاشه بفساد دينه)(9) إلى غير ذلك من الروايات التي بهذا الصدد. أما فمن وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره، فقد وردت فيه روايات كثيرة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (أشد أهل النار عذاباً من وصف عدلاً ثم خالف إلى غيره)(10). وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال في حديث: (وإن أعظم النـــاس حسرة يوم القـــيامة من وصف عــــدلاً ثم خالفه إلى غيره)(11). وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله الله تعالى: (فكبكبوا فيها هم والغاوون) قال: (فإنهم قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم، ثم خالفوا إلى غيره)(12). وعن أبي بصير عن الصَّادق (عليه الصلاة والسلام) في الآية المتقدمة قال: (يا أبا بصير، قوم وصفوا عدلاً وعملوا بمخالفته)(13). وفي رواية الرضوي: (عليه السلام) في الآية الكريمة قال: (هم قوم وصفوا بألسنتهم عدلاً ثم خالفوا إلى غيره، فسأل عن معنى ذلك؟ فقال (عليه السلام): إذا وصف الإنسان عدلاً ثم خالفه إلى غيره فرأى يوم القيامة الذي هو واصفه لغيره عظمت حسرته)(14). عن عليّ (عليه الصلاة والسلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (وإن أشد الناس ندامة وحسرة رجل دعا إلى الله فاستجاب له فأطاع الله، ودخل الجنة وأدخل الداعي النار، بترك عمله، واتباعه هواه وعصيانه لله)(15). وعن خيثمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أنه قال: (وإن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره)(16). وعن معلى بن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم عمل لغيره)(17). عن الأعشى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة من وصف عدلاً وعمل بغيره)(18). وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (فكبكبوا فيها هم والغاوون) فقال: (يا أبا بصير، هم قوم وصفوا عدلاً بألسنتهم ثم خالفوه)(19). وعن أبي جعفر (عليه الصلاة والسلام) أنه قال لخيثمة: (أبلغ شيعتنا أنه لن ينال ما عند الله إلاَّ بعمل، وأبلغ شيعتنا إن أعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم يخالفه إلى غيره). |
|
الحضارة بين الأمس واليوم |
|
الإسلام حضارة كاملة تشمل الماضي والمستقبل والحال وأيّة حضارة هذه التي تفكر في مليارات من السنوات التي يعيشها الإنسان بعد الموت؟ وقد كان الإسلام سابقاً حضارة قائمة لا في المبادئ فحسب بل في الممارسات العملية لغير الحكم، فإنّ المسلمين كانوا داخل الحضارة الإنسانية، وإن كان الحكام يعيشون خارج الحضارة، فالإنسانية والتعاون والخدمة والرفاه والثقة المتبادلة والاطمئنان والحياة السعيدة والاكتفاء الذاتي والرخص والحوائج الجسدية والنفسية التي وفرها الإسلام للأُمة كانت قد أدخلت المسلمين في إطار حضارة إسلامية إنسانية كاملة. نعم حكام المسلمين كانوا خارج الحضارة في ظلمهم وتعسفهم وبغيهم وجورهم واستبدادهم وشهواتهم وتكالبهم على الحطام وبذخهم وترفهم ومجونهم وما أشبه ذلك، فإنّهم صبوا اهتمامهم على حوائجهم الجسدية بدون أن يفكروا في الآخرة إطلاقاً، أو في تقدم البشرية، ولا في حفظ المسلمين، فهل خليفة همه الصيد واللهو والخمر والفساد وما إلى ذلك يمكن أن يكون داخل الحضارة الإنسانية والإسلامية! وهؤلاء الحكام هم الذين سببوا تأخر العالم لا المسلمين فحسب، هذا حديث مضى ولا ينفع، وإنما النافع الاعتبار بالماضي. نعم ضعف هؤلاء الحكام الذين حكموا باسم الخلفاء بلاد الإسلام أثر في ضعف العالم في الحال الحاضر أيضاً فالمستعمرون كما كانوا سابقاً خارج الحضارة الإنسانية الآن هم أيضاً خارج الحضارة، والظلام الذي يلف كل العالم في الحال الحاضر لا عالمنا فحسب، بل عالمهم أيضاً ليس إلاَّ من جهة أنهم خارجون عن الحضارة في حال أنهم آخذون زمام العالم، ولم يهدموا حضارتهم فحسب بل هدموا حضارة كل العالم، بينما الخلفاء الذين كانوا في دائرة حضارة الإسلام في ذلك الزمان هدموا حضارة أنفسهم فقط لا حضارة الأُمة، فإن المسلمين كانت لهم حرية الزراعة والتجارة والصناعة والسفر والإقامة والحيازة وغيرها وغيرها، ليس لهم فحسب بل لغير المسلمين الذين كانوا يعيشون في بلاد الإسلام أيضاً، أما حكام اليوم فهم ينقسمون إلى قسمين: الأول: حكام الشرق، والذين هم امتداد لحكام الغرب، وهؤلاء أخرجوا البشر عن دائرة الحضارة، بل عن دائرة الحيوانية، إن الحيوانات لها حرياتها في كل شيء بينما البشر الشرقي ليست له أيّة حرية في أيّ شيء. الثاني: حكام الغرب، وهؤلاء أخرجوا البشر عن دائرة الحضارة الإنسانية، نعم صنعوا للبشر الآلة لكن البشر إنسان قبل أن يحتاج إلى الآلة، ويتمكن أن يعيش بدونها كما عاش آلاف السنوات، لكنه لا يتمكن أن يعيش بدون الحضارة الإنسانية، ولذا نجد هناك الحروب والقلق والأمراض والانتحار والعنس والهيبة وما إلى ذلك، مما معناه انهدام الحضارة الإنسانية بالكامل، ليس هذا فحسب، بل أنهم هيأوا وسائل لتدمير العالم سبعين مرة، كما تقوله التقارير، بعد أن هدموا العالم مرتين خلال نصف قرن، فهل هؤلاء متحضرون؟ نعم إنهم قبل حضارتهم هذه كانوا خارجين عن دائرة الحضارة الإنسانية، وبعد حضارتهم هذه التي هم يسمونها بالحضارة خارجون عن دائرة الحضارة إطلاقاً. والفرق بينهم وبين الخلفاء الأُمويين والعباسيين والعثمانيين ومن إليهم: إن أُولئك كانوا قد أخرجوا أنفسهم عن دائرة الحضارة لكن الأُمة كانت في دائرة الحضارة، أما هؤلاء فقد أخرجوا أنفسهم والشعوب التي سيطروا عليها عن دائرة الحضارة البشرية، حيث فرضوا على الناس حضارتهم. ولذا يعيش البشر في هذا اليوم أسوء مما كان العبيد يعيشون في الزمان السابق. فهل كانت للعبيد أطواق في أعناقهم باسم الجنسية والهوية وما أشبه تحددهم في كل سفر وإقامة وزراعة وصناعة وتجارة وعمارة وحيازة للمباحات واكتساب وغيرها وغيرها؟. ولنمثل بمثالين فقط من أمثلة عدم تحضرهم سابقاً وحالاً، عن لسانهم أنفسهم، وذلك شحذاً لهمم المسلمين واستنهاضاً لهم لتجديد حضارة الإسلام، لا لكي يخلصوا أنفسهم من حضارة ما دون العبيد التي فرضها الغرب والشرق، بل لكي يخلصوا البشر الغربي والشرقي أيضاً من حضارة ما دون الحيوان، وإنا نكتفي بالمثالين فقط، مثالاً من السابق ومثالاً من الحاضر، وإلاَّ فذكر الأمثلة كلها يحتاج إلى مجلدات ومجلدات. |
|
تطور الحضارة الإسلامية كما يصفها الغربيون |
|
فقد ذكر في كتاب تراث الإسلام تأليف جمهرة من المستشرقين بإشراف سير توماس (آنولد) وهذا نصه (بتغيير يسير) قال: [في أنواع المستشفيات تكامل تقسيم المستشفيات في العقد الثاني من فترة حكم الدولة العباسية فكان: مستشفيات للمجانين وأُخرى سيارة عسكرية ومستوصفات تُقام بالقرب من المساجد حيث يقوم الصيادلة والأطباء بالعلاج وصرف الدواء مجاناً وكان ثَم مأوى للعجزة والنساء ثُم وجدت المستشفيات الملحقة بالمدارس والسجون وعلى رأس هذه المعاهد تقوم المستشفيات العمومية الكبيرة وتشاد في العواصم عادة يعين لإدارتها الأطباء المهرة والاختصاصيون، ويلحق بها كليات الطب والصيدلة والكحالة طب العيون والجراحة، وتوقف عليها الأوقاف العظيمة لإدامة حياتها والمستشفى الكبير في العادة يتألف من جناحين واحد للرجال وآخر للنساء، ويلحق بهما جناح الأمراض العقلية وفي أغلبها ردهات مخصوصة للتوليد وجبر الكسور والجراحة والعيون وفيها غرف خاصة للنقاهة وصيدلية مملوءة بكل صنوف الأدوية التي توزع مجاناً وكان يقبل في المستشفيات الإسلامية كافة كل شخص، بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسيته أو طبقته ذكراً أم أُنثى مهما بلغت مرحلة مرضه، أمر قد يستغرب منه في عصرنا الحديث عصر المساواة وإليك نتفاً من وقفية المستشفى المنصوري الذي بناه منصور بن قلاوون في العام 1282 ألف ومائتي واثنين وثمانين المسيحي: (وتقيم المرضى الفقراء من الرجال والنساء لمداواتهم إلى حين برئهم وشفائهم ولا يفرق بين القوي والضعيف والغني والفقير والمأمور والأمير والمترف والصعلوك من غير اشتراط بعوض من التعويضات بل لمحض فضل الله الكريم). وإن الاهتمام بمراقبة الأرزاق والجرايات وتوزيعها همُّ كل مسؤول وكان المتعهد الغشاش يعاقب ويعزر كما فعل الوزير عيسى بن عليّ مع مدير أرزاق المستشفى العضدي بناءاً على شكوى الساعور العنيد ثابت بن قرة الطبيب المعروف (عرفني أكرمك الله ما النكتة في قصور المال ونقصانه في تخلف نفقة البيمارستان خاصة مع الشتاء واشتداد البرد فاحتل بكل حيلة لما يطلق له ويعمل حتى يدفئ من في المستشفى من المرضى بالدثار والكسوة والفحم وأعنى بأمر المستشفى أفضل عناية) وكانت الخفارة واجبة على الأطباء كبيرهم وصغيرهم رفيعهم ووضيعهم، وقد تمتد إلى ثمان وأربعين ساعة، كان المرضى قبل دخولهم المستشفى يفحصون أولاً في القاعة الخارجية، فمن خفت علته أسعف وكتب له العلاج، وصرف له من صيدلية المستشفى، أما الباقون فكانوا بعد أن تقيد أسماءهم في سجل المرضى يدخلون الحمام ويغتسلون ثم يلبسون ثياباً مطهرة نظيفة، أما ثيابهم التي جاءوا بها فتحفظ في المخزن حتى خروجهم، والمرء لا يسعه إلاَّ أن يعجب أشد العجب لشدة حرص السلطات في ذلك الزمن على الاهتمام لتغذية المرضى. كانت علامة الشفاء عند الأطباء هو أن يأكل المريض رغيفاً ودجاجة كاملة في كل وجبة، وكان المرضى قبل خروجهم من المستشفى يعطون بدلة ثياب ومبلغاً من المال لهذا تكثر حالات التمارض، كما روى صاحب الإفادة من أن شاباً عجمياً تظاهر بالمرض، ولكن أمره لم يخف على الطبيب الفاحص، فأدخله المستشفى رغم ذلك وأبقاه ثلاثة أيام وبعدها جاء إليه وقال ممازحاً: إن مدة الضيافة الإسلامية قد انتهت، ويذكر ابن أصيبعة عن أساتذته في معرض تنويهه بدارسته.. وكان في الزمان في البيمارستان الشيخ رضي الدين الرحبي أشهرهم ذكراً، وكان يجلس على دكة ويكتب لمن يأتي إلى البيمارستان ويستوصف منه للرضى أوراقاً يعتمدون عليها ويأخذون من البيمارستان الأشربة والأدوية التي يصفها، والوصفات إما داخلية وهي التي يصرفها صيدلي المستشفى الرسمي ويسجلها لمحاسبته عنها، وإما خارجية وهي التي يحتفظ المريض بها لمراجعة الصيدليات الخاصة في المدينة، وإنما ينبغي الإشارة إليه أن سائر الصيدليات الخاصة كانت خاضعة للتفتيش الحكومي الدقيق يتولاه مفتش الصيدليات الخاصة، ولذلك كان يوجد قيد خاص بأسماء الصيادلة الثبت للإجازات والرخص لفتح هذه الدكاكين. هذا عن المستشفيات الإسلامية. |
|
وضع المستشفيات عند الغربيين إبان الحضارة الإسلامية |
|
أما عن المستشفيات الغربية والتي تعرف بالمقارنة فقد مرّ أكثر من ثلاثة قرون على أوروبا اعتباراً من زمننا هذا قبل أن يعرف للمستشفيات العامة معنى في مدنها ولا نبالغ إذا قلنا بأنّه حتى القرن الثامن عشر سنة 1710 ألف وسبعمائة وعشرة مسيحية والمرضى يعالجون في بيوتهم أو في دور خاصة كانت المستشفيات الأُوروبية قبلها عبارة عن دور عطف وإحسان ومأوى لمن لا مأوى لديه، مرضى كانوا أم عاجزين، وأصدق مثال لذلك هو مستشفى (أوتيل ديو) بباريس أكبر مستشفيات أوروبا في ذلك العصر، وصفه كل من ماكس نورد وتينون بما يلي: يحتوي المستشفى ألف ومائتين سرير 1200، منها 486 أربعمائة وستة وثمانين خصصت لنفر واحد، أما الباقي (ولم تكن سعة الواحد منها تتجاوز خمسة أقدام)، فيوجد فيها عادة ما يتراوح بين ثلاثة مرضى وستة، وكانت الردهات الكبرى عفنة كثيرة الرطوبة لا منافذ تهوية فيها، مظلمة دوماً ترى فيها في كل حين حوالي ثمانمائة مريض يفترشون الأرض وهم مكدسون بعضهم فوق بعض على الأرض أو على كوم من القش في حالة يرثى لها. إنك لتجد في السرير ذي الحجم المتوسط أربعة وخمسة مرضى متلاصقين، وقدم أحدهم على رأس الثاني. نجد أطفالاً بجانب رجال تجد امرأة في المخاض مع طفل في حالة التشنج مصاب بالتيفوس يغرق في بحر الحمى، وكلاهما إلى جنب مريض بداء جلدي يحك جلده بأظافره الدامية، فيجري قيح البثور على الأغطية، وطعام المرضى من أحقر ما يتصور العقل، يوزع عليهم بكميات قليلة للغاية في فترات متباعدة لا نظام فيها وقد اعتادت الراهبات أن يحابين المرضى الطائعين المنفقين على حساب الباقين، فيسقينهم الخمور ويصلنهم بالحلوى والمآكل الدسمة بما يتفضل به المحسنون في الوقت الذي هم أحوج إلى الحمية، فيموت الكثير منهم بالتخمة ويفطس غيرهم جوعاً، وكانت أبواب المستشفى مفتوحة في كل وقت وحين، لكل رائح وغاد، وبهذا تنتشر العدوى بانتقالها وبالفضلات والهواء النتن الملوث، وإن لم يتفضل المحسنون على المرضى ماتوا جوعاً كمــا يموتون أحياناً بالتخمة، أو من فرط السكر، البناية حافلة بالحشرات الدنيئة وهواء الحجرات لا يُطاق لفساده حتى أن الخدم والممرضين لم يكونوا يقدرون على الدخول إلاَّ بعد وضع إسفنجة مبللة بالخل على أنوفهم، وتترك جثث الموتى أربعاً وعشرين ساعة على الأقل قبل رفعها من السرير المشاع، وكثيراً ما تتفسخ الجثة وتتعفن وهي ملقاة بجانب مريض يكاد يطير صوابه، وإليك حادثة أُخرى وقعت بعد هذا الوقت بحوالي مائة وخمسين عاماً في ميلان سنة (1630) ألف وستمائة وثلاثين تدلنا على مبلغ الجهل العلمي المستحوذ، وفي الصباح الأول من حزيران لوحظ رئيس صحة المدينة يسير في الشارع وهو يكتب من محبرة مثبتة بحزامه، ويمسح بقع الحبر من أصابعه في حيطان البيوت أثناء سيره، فسرت إشاعة بين الناس أنه يصم البيوت بقشع الطاعون ورفعت شكوى ضده إلى مجلس المدينة فقبض عليه وعذب إلى أن أقر بأنه كان ينشر الطاعون، فطلب منه أن يعترف بشركائه فذكر اسم الحلاق (مورا) فقبض عليه، وعذب حتى أقر بجرمه، وأُتهم ابن قائد القلعة أيضاً، فقبض عليه وعذب ونفذ حكم الموت بهم جميعاً بتمزيقهم على الأسياخ والكلاليب إلى غير ذلك من القصص الغربية]. انتهى ما في كتاب تراث الإسلام. |
|
الانقضاض الغربي على المسلمين (لبنان وفلسطين نموذجاً) |
|
أما المثال الثاني: فهو ما ذكرته بعض المجلات وهذا نصه: [تركز أجهزة الإعلام الغربية جل عنايتها على مصير عدد محدود من رعايا الدول الغربية المخطوفين في بيروت الغربية، الذين تعرضوا للخطف بسبب أنشطتهم التجسسية أو لدواعي الابتزاز أو للانتقام من عمليات خطف تعرض لها أُناس من مجموع الخاطفين، أما مصير آلاف المسلمين المخطوفين فلا يلقى أي اهتمام بالمرة، ويقول تقرير لبناني أخير أن عدد ضحايا الحرب الأهلية اللبنانية ـ التي أشعلها الكتائبيون سنة 1975 ـ قد وصل إلى 311.526 شخصاً، بين قتيل وجريح ومخطوف، ومعظمهم مسلمون، وبين هؤلاء 13.968 شخصاً جرى خطفهم خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، وتم إعدام نحو عشرة آلاف من هؤلاء في أعقاب خطفهم، ولكن هؤلاء الضحايا يظهرون في مانشيتات الصحف الغربية. والحكومات الغربية ـ التي تقيم الدنيا وتقعدها على مصير رعاياها المخطوفين وتثير الضجة على حقوق الإنسان خارج بلدانها ـ تلتزم الصمت الكامل على هذا الجانب من المأساة اللبنانية التي شاركت فيها هذه الدول منذ البداية وخصوصاً خلال سنتي 1982 ـ 1983 حين أرسلت (القوات المتعددة الجنسيات) لتخليص الإسرائيليين وحلفائهم. وكانت المليشيات المسيحية قد بدأت في أعقاب الحرب الأهليّة اللبنانية في التضييق على المسلمين في المناطق الخاضعة لها لإجبارهم على النزوح إلى مناطق أُخرى ولإحداث رد فعــل مماثل في المناطق الإسلامية ليجري تهجير المسيحيين القاطنين فيها إلى المناطق المسيحية، وكان قتل المسلمين من فلسطينيين ولبنانيين من الأُمور العادية خلال المرحلة الأُولى من الحرب الأهلية. وكانت الكتائب وميليشيات الأحرار التابعة للرئيس الأسبق كميل شمعون (وكلاهما جزء من القوات اللبنانية الآن) قد بدأت خطف الفلسطينيين والمسلمين اللبنانيين بصورة ملفتة للنظر في أغسطس/آب/1976 في أعقاب التدخل السوري لصالحهم حين كان الموارنة على وشك الانهيار الكامل، وقام الكتائبيون وحلفاؤهم بذبح الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي سقطت بأيديهم مثل تل الزعتر والكرنتينا وجسر الباشا والمسلخ والنبعة، كما جرى أسر عدد كبير منهم، وكان عدد الذين اختفوا من منطقة النبعة وحدها ـ وهي تقع في بيروت الشرقية ـ قد بلغ 1200 شخص، وكان من أهداف هذه المذابح وعمليات الخطف ترويع المسلمين لكي ينزحوا عن المناطق الخاضعة للميليشيات المسيحية. وأقامت الميليشيات المسيحية حواجز ونقاطاً للتفتيش على كل الطرق الرابطة بين المناطق المسيحية والإسلامية وبدأت تخطف المسلمين لمجرد أن هوياتهم تقول بأنهم يدينون بالإسلام. وكانت أماكن خطف المسلمين المعتادة هي حواجز على الطرق التي تربط بيروت شمالاً بطرابلس، وشرقاً بدمشق والبقاع، وجنوباً بصيدا والجنوب اللبناني، وتم قتل غالبية المخطوفين وألقيت جثثهم في البحر أو في الغابات أو دفنت في مقابر جماعية. وطبقاً لمصدر بيروتي، كانت (القوات اللبنانية) تعتقل 1500 شخص بما فيهم 200 امرأة (معظمهن فلسطينيات) في أوائل سنة 1983. وكان من الطبيعي أن يؤدي هذا إلى رد فعل في بيروت الغربية ـ أو الجزء الإسلامي من العاصمة اللبنانية ـ وإن كان رد الفعل هذا على نطاق صغير، واضطر كثيرون من المسيحيين في المناطق الإسلامية إلى الانتقال إلى بيروت الشرقية ـ أو الجزء المسيحي من العاصمة اللبنانية. وكان هذا الاستقطاب المؤدي إلى قيام وطن مسيحي خالص هو من الأهداف الأساسية للجرائم الكتائبية والقوات اللبنانية. وهكذا كان الخطف قد تحول إلى ظاهرة معتادة في كل أنحاء لبنان سنة 1985، فبدأ كل أطراف الحرب الأهلية يخطف الناس من الطرف الآخر لمقايضتهم بمخوّفيه لدى ذلك الطرف. وقد رفضت ميليشيات (القوات اللبنانية) السماح للصليب الأحمر الدولي بمعاينة سجونها الخاصة، بينما سمحت الحكومة اللبنانية للصليب الأحمر بالدخول إلى عدد قليل من سجونها المعروفة، وكانت القوات اللبنانية قد اعترفت في بداية الأمر أن لديها معتقلاً (60 سياسياً و60 مجرماً) ولكنها ظلت تخفض هذا العدد إلى أن أطلقت سراح 33 معتقلاً في 24 إبريل/ نيسان 1986 وسلمتهم لمفتي لبنان وادعت بعد ذلك أن ملف المعتقلين لديها قد أغلق، وقامت جماعة من المسلمين بخطف عشرة مسيحيين في بيروت الغربية في 16يونيو/ حزيران 1986، ثم أطلقت سراحهم بعد أربعة أيام، وذلك لإحياء قضية المخطوفين المفقودين، ويؤكد الذين أطلقت القوات اللبنانية سراحهم، أو الذين تمكنوا من الهرب من قبضتها، إن معتقلاتها تفيض بالمخطوفين المسلمين. ومعظمهم معتقلون في سجون خاصة بالكرنتينا ومار عوكر وبكفيا. وحين فتحت القوات الإسلامية مدينة الناعمة سنة 1983، لم يجدوا بسجنها إلاَّ جثث المخطوفين الذين قتلهم الكتائبيون قبل تقهقرهم، وهكذا جرى اكتشاف مقبرة جماعية للمخطوفين على أيدي القوات اللبنانية في 5مايو/ أيار 1986 ببلدة برجين بأقليم الخروب، وتعرف الأهالي على جثة شخص من سكان البلدة كانت القوات اللبنانية اعتقلته خلال احتلالها للمدينة. وكانت الكتائب تخطف لمجرد كون الضحية مسلماً ويتضح هذا من مثال جنديين مسلمين من الجيش اللبناني كانا يعودان إلى الشوف من بيروت الشرقية بعد المشاركة في مراسم جنازة الرئيس المنتخب بشير الجميل في سبتمبر 1982، وهما عماد محمد أبو مرعي وعلي قوبر. واختطفهما الكتائبيون عند حاجز من حواجزهم لمجرد كونهما مسلمين. وبعد فترة وجيزة توقف صرف راتبيهما لأسرتيهما من الجيش اللبناني ـ الذي كان الكتائبيون يسيطرون عليه الآن ـ بحجة غيابهما عن الخدمة. واقترف كل من الكتائبيين (ثم القوات اللبنانية التي حلت محلهم) كل أنواع الجرائم من تعذيب وسوء المعاملة وتجويع في حق مختطفيهما. وتقوم عناصر القوات اللبنانية بهتك أعراض السجينات بصورة جماعية، وتقول التقارير إن هناك 200 امرأة فلسطينية في سجن أدونيس بالقرب من جونية التي هي عاصمة القوات اللبنانية، كما أنها تستخدم عدداً من سجيناتها لإدارة بيت دعارة في بلدة بيت شباب المسيحية ترتاده عناصر القوات اللبنانية، وتستخدم القوات اللبنانية الرجال من المخطوفين في خدمات السخرة مثل إقامة الحواجز في المناطق المكشوفة الخطرة وتعبيد الطرق وصيانتها. وتقول التقارير كذلك أن القوات اللبنانية تستخدم معتقليها كبنك لقطع الغيار البشرية، فتنتزع منهم العيون والكلى والأرجل وغيرها من الأعضاء لزرعها في عناصر القوات المحتاجة إليها. وفي حالات عديدة أطلق الكتائبيون سراح ضحاياهم لقاء مبالغ ضخمة، ومن هؤلاء شخص يدعى محمد، وفيما يلي شهادته. (اختطفتني القوات الكتائبية في 6/7/1983 بمنطقة بعبدا، الضاحية الجنوبية الشرقية لبيروت، أثناء وجودي هناك لزيارة أحد الأصدقاء وقد كنت كغيري من اللبنانيين مخدوعاً بشعارات الكتائب. وفور اعتقالي اقتادوني إلى منطقة (الحدث) حيث أخضعت لتعذيب شديد وضرب مبرح. ومن ثم نقلوني إلى منطقة الكرنتينا (المجلس الحربي الكتائبي) حيث تابعوا ضربي وتعذيبي بشكل وحشي، ذكرني بالأساليب الصهيونية (كوني أمضيت ستة أشهر في معسكر أنصار) من الضرب على اليدين وإجباري على السير في طريق مغروسة بالمسامير والزجاج واستعمال الأدوات الكهربائية، والتغطيس في الماء الحار. وبعد كل ذلك أخضعت لتحقيق دقيق حول ما يدور في المنطقة الغربية من بيروت ولم يتوصلوا إلى معرفة أي شيء لكوني لا أعرف شيئاً. وأمضيت أربعة أشهر في معسكرات التعذيب ثم أفرج عني لقاء مبلغ مائة ألف ليرة لبنانية (أي ما يساوي 20 ألف دولار أمريكي بسعر الصرف آنذاك). وأنشأت القوات اللبنانية لجنة المخطوفين المسيحيين في يناير/ كانون الثاني 1984 لإبطال مفعول الاحتجاجات الإسلامية، وادعت أن هناك 1400 مسيحي مفقود، بينما الحقيقة هي أن معظم هؤلاء هم ضحايا القوات اللبنانية خلال حربها في جبل لبنان مع الميليشيات الإسلامية والدرزية. وجن جنون الكتائبيين في أعقاب مقتل قائدهم العسكري بشير الجميل، الذي كان قد انتخب رئيساً في 14 سبتمبر/ أيلول 1982 في ظل الدبابات الإسرائيلية فخرجوا يقتلون الناس في شوارع بيروت بصورة عشوائية. ثم أقدموا ـ بمساعدة إسرائيلية نشيطة ـ على ارتكاب أفظع المذابح في التاريخ الحديث، وهي مذابح مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين فذبحوا الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين خلال يومي 16ـ17سبتمبر/ أيلول وخطفوا 600 شاب فلسطيني ولا يعرف شيء عن هؤلاء الشباب منذئذ، ويعتقد أنه قد جرى إعدامهم ودفنهم في مقابر جماعية. وكان الإسرائيليون قد اعتقلوا 150 ألف شخص في العاصمة اللبنانية التي احتلوها سنة 1982، وقتلوا كثيرين من هؤلاء المعتقلين أو أفرجوا عنهم إلاَّ أنهم زجوا بعدد كبير منهم بمعسكر أنصار السيء السمعة. وكان الإسرائيليون وحلفاؤهم الكتائبيون يقتلون ويعتقلون المسلمين الفارين من جحيم بيروت الغربية إلى بيروت الشرقية خلال الحصار الإسرائيلي وضرب العاصمة اللبنانية المستمر بالصواريخ والقنابل، وكان عدد المخطوفين في منطقة الشوف وحدها 695 شخصاً خلال الغزو الإسرائيلي، ولكن لا يمكن أبداً تحديد ضحايا الغزو الإسرائيلي بدقة. ولم تقتصر معاناة المسلمين اللبنانيين على أنشطة الميليشيات المسيحية اللاشرعية وقوات الغزو الإسرائيلي وحدهما، بل كان عليهم أن يواجهوا إرهاب دولتهم نفسها بعد أن استولى عليها الكتائبيون في ظل الدبابات الإسرائيلية التي كانت قد ضمنت انتخاب أمين الجميل بعد مقتل أخيه إعادة ما سماه بـ(الأمن الشرعي). وهكذا حاصر الجيش اللبناني ـ بضباطه الموارنة ـ الأحياء الإسلامية في بيروت الإسلامية خلال يومي 20ـ21 سبتمبر/أيلول وبدأ يمشط المنطقة ويعتقل الأهالي. وخلال هذين اليومين ألقى الجيش القبض على 400 شخص، واستمرت قوات الجيش تعتقل الأهالي خلال الأسابيع اللاحقة إلى جانب الكتائب التي كانت حرة طليقة الآن تفعل ما تشاء بعد أن اعتلى ابن زعيمها سدة الرئاسة. واستمرت هذه الاعتقالات إلى 6فبراير/ شباط 1984 حين انتفض مسلمو لبنان يعبرون عن احتجاجهم وغضبهم على ممارسات الحكومة الكتائبية التي لم تكن تمثل إلاَّ أقلية صغيرة في البلاد. وهزت هذه الانتفاضة حكومة أمين الجميل، ولم تتوقف الاعتقالات والملاحقات على أيدي الجيش والقوات اللبنانية بسبب هذه الانتفاضة إلاَّ أنها تتم منذئذ في إطار ضيق. وكان الجيش يعتقل الأهالي بدون مراعاة الإجراءات القانونية وكانت كتائب الجيش تأتي أحياناً لتعتقل أُناساً معينين حسب قائمة. أما بعد اعتقال المطلوبين فكان الضباط يضعون عصابات على عيون ضحاياهم ويقتادونهم إلى أمكنة مجهولة. وكان الجيش يعتقل الفلسطينيين في بداية الأمر ثم أخذ يتوسع ليعتقل المسلمين اللبنانيين وخصوصاً رجال الميليشيات المسلمة والجنود المسلمين، الذين كانوا يتصدون لمقاومة الإسرائيليين الغزاة. وفي مرحلة لاحقة أخذ الجيش يعتقل كل من يعارض نظام أمين الجميل. وتم استخدام الأمن الداخلي وإدارة المخابرات (المعرفة في لبنان بـ(المكتب الثاني) ) في هذه المرحلة الأخيرة للقبض على معارضي السلطة الذين كانوا مسلمين بصورة عامة. ومن الجوانب الملفتة للنظر أن الخطف على أيدي الجيش خلال سنوات 1982ـ1984 كان يشتد في أعقاب بطولات المقاومة ضد قوات الاحتلال الصهيوني التي كانت لا تزال تعسكر جنوبي لبنان حينذاك. بلغت الوقاحة بالمدعى العسكري أسعد جرمانوس أنه أصدر أحكام الإعدام غيابياً في حق 86 شخصاً لاشتراكهم في الهجوم على دورية للجيش الإسرائيلي في منطقة غاليري سمعان سنة 1983 وهكذا كان النظام يعتبر الأهالي الذين يقاومون القوات الأميركية المتعددة الجنسيات بأنهم مجرمون، وكان يستخدم شتى أجهزة الدولة للقبض عليهم والتنكيل بهم!. وكان الجيش قد اعترف في أكتوبر/ تشرين الثاني 1982، بعد أسابيع من بدئه ممارسة الخطف، أنه قد اعتقل 1441 شخصاً للتحقيق معهم وأن 972 من هؤلاء لا يزالون في السجون الحربية. وارتفع عدد المعتقلين في سجون الجيش إلى 2500 شخص في بداية سنة 1983، وكان قد جرى اعتقال 2000 من هؤلاء بدون أوراق قضائية تسمح باعتقالهم، وحسب الاعترافات الرسمية، لا يزال هناك 560 شخصاً معتقلاً لدى الجيش إلاَّ أنه لا يعرف شيئاً عن أماكن تواجدهم، فلا يسمح لأحد بزيارتهم بما فيهم القضاة والمحامون وحتى مندوبو الصليب الأحمر الدولي، ومن الجوانب المريبة الأُخرى في سلوك الجيش اللبناني أنه يتعاون ويتبادل المعتقلين مع القوات اللبنانية والإسرائيليين. ويقول تقرير بيروتي أن القوات اللبنانية نقلت 92 من مخطوفيها سنة 1982 إلى (إسرائيل). وظلت قضية المخطوفين حية طوال هذه السنوات بفضل نشاط أهاليها واحتجاجاتهم المستمرة. وكان أهالي المخطوفين قد قاموا بمظاهرة في بيروت ثم اعتصموا بمكتب المفتي في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 1982، وانتهى الاعتصام بتكوين (لجنة أهالي المخطوفين) لمتابعة القضية، وظلت أُسر المخطوفين تخرج إلى الشوارع في كل المناسبات والأعياد حاملة صور الآباء والأبناء والأزواج المخطوفين. وقد أعدت هذه اللجنة قائمة تضم أسماء 2111 شخصاً مخطوفين منذ سنة 1979، وتفاصيلها على النحو التالي. 890 مخطوفاً لبنانياً، 850 فلسطينياً، 72 سورياً، 4 أردنيين، 6 مصريين، إيرانيان و108 من جنسيات مختلفة. ولكن الرقم الحقيقي للمخطوفين منذ سنة 1979، في رأي اللجنة، يتجاوز أربعة آلاف مخطوف معظمهم مسلمون، أما الرقم الإجمالي لكل المخطوفين والمفقودين منذ سنة 1975 ـ وهي سنة اندلاع الحرب الأهلية ـ فيصل إلى أكثر من 20 ألفاً في رأي هذه اللجنة، وتقول التقريرات أن كل أُسرة لبنانية مسلمة قد فقدت واحداً أو أكثر من أعضائها الذكور خلال هذه الحرب الأهلية التي أشعلها الموارنة. ثمّ واصلت لجنة أهالي المخطوفين تناشد بدون جدوى الهيئات المحلية والعربية والدولية لتضع نهاية لمأساة المخطوفين. والسلطة اللبنانية ـ وهي نفسها ممن تلطخت أيديهم بجرائم الخطف والاعتقال العشوائي ـ لا تكترث مطلقاً بهذه المأساة. وكانت ثلاث لجان قد أنشأت خلال عهد رئيس الوزراء شفيق الوزان سنة 1983، إلاَّ أن مهام هذه اللجان محدودة بجمع المعلومات. والوزان بنفسه كان قد وقع على (المرسوم رقم 10) الذي يبيح للجيش اللبناني اعتقال أي شخص (يهدد أمن الدولة) وقد أساء الجيش استخدام هذا المرسوم أيما إساءة، ثم خلفت وزارة رشيد كرامي الذي أصدر قراراً بإطلاق سراح كل المخطوفين، ولكن وزارة كرامي لم تتمكن من تنفيذ هذا القرار بواسطة أجهزة الدولة التي يتحكم فيها الموارنة. وكان الرئيس أمين الجميل قد تجاهل كل النداءات بإطلاق سراح المخطوفين، وحين تعرض لضغط بشأن هذه القضية خلال مؤتمر لوزان في مارس/آذار 1984، قال أنه يدعو إلى (إطلاق سراح المخطوفين الأحياء، أما الأموات فيرحمهم الله) وكل هذا لم يؤدِ إلى أكثر من إطلاق القوات اللبنانية سراح 33 شخصاً. وتستمر عمليات الخطف إلى اليوم، فقبل فترة وجيزة اختطف وزير الدفاع اللبناني عادل عسيران على أيدي القوات اللبنانية (في 13 سبتمبر/ أيلول الماضي)، ثم أطلق سراحه في اليوم نفسه حين أعلم الجيش حالة التعبئة الشاملة وأطلق النار فقتل عدداً من عناصر القوات] انتهى. وفي مجلة الجيل (تشرين الأول أكتوبر ألف وتسعمائة وستة وثمانين) يقول التقرير الذي ننشره هنا إلى أن التطابق لم يكن في أهداف الصهيونية والنازية وحدها، بل في الأساليب أيضاً بما في ذلك غرف الغاز الهتلرية التي استخدمتها الصهيونية، ولا تزال كإحدى أهم حملاتها الإعلامية والسياسية: إن غرف الغاز تستخدم الآن في إسرائيل ليس ضد الفلسطينيين وحدهم، بل حتى ضد المواطنين اليهود، كما يؤكد الكاتب اليهودي ميشال في تحقيقه التالي: [إن السجين الإسرائيلي هو لاجئ يهودي في دولة يهودية لكنه يعامل بأسوأ مما كان يعامل به النازيون نزلاء سجونهم هذا ما يقوله (ألف ياء ألف) وهو سجين يهودي إسرائيلي قضت عائلته خلال الحرب العالمية الثانية، ويضيف: وهنا في الدولة اليهودية تستخدم الغازات ضد السجناء الإسرائيليين ويوضح (ألف ياء ألف) إن الغازات استخدمت ضده عشر مرّات برغم أنه لم يتورط في أيّ خلاف أو سجال وبأن الغازات تستخدم كعقوبة جماعية، ويقول أن الغاز ينفث في أجنحة السجن وزنزاناته المغلقة ويتسبب في حروق بشعة وإغماءات وأمراض رئوية وفقدان مؤقت للبصر، لقد دوّن (ألف ياء ألف) معاناته هذه في رسالة في تشرين الثاني نوفمبر ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانين ثم نشرها في تقرير أصدرته ما تسمى بالرابطة الإسرائيلية للحقوق المدنية وحقوق الإنسان في أوائل هذا العام، ويشير إلى ما شجعه على الكتابة هو الصحف الإسرائيلية بنشر تقارير عن استخدام غاز الدموع ضد النسوة الفلسطينيات في سجن الرملة لكن شهادة (ألف ياء ألف) لم تكن الوحيدة، فقد نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية صحيفة أُخرى كشفت فيها معلومات لم تكن معروفة من قبل.. هناك صالة كبيرة في داخلها غرفة صغيرة في سجن رام الله يطلق عليها السجناء اسم غرفة الغاز، وهذه الغرفة الزنزانة التي لا يتعدى حجمها 75/150 سنتمتراً يحشر فيها السجين يغلق بابها بالمزاليق في حين يقف حارس على المدخل وهو يرتدي قناعاً واقياً ضد الغاز، ثم يعمد إلى نفث الغاز ويغادر الزنزانة بعد إعادة إغلاق الباب بأحكام، إن بعض السجناء يبقون في الزنزانة العابقة لمدة أربعة وعشرين ساعة فيما يبقى آخرون أياماً عدة، وتقول المعلومات أنه يتم في بعض الأحيان تعرية السجناء ورشهم بالماء بعد تعريضهم للغاز، وهذا المزيج من الماء والغاز يؤدي إلى تقشر الجلد وإلى حروق بشعة لقد أكد أحد حراس السجن الذين قابلتهم (معاريف) أن الغاز يستخدم لقمع الخلافات العنيفة والعراك بين العصابات في السجن، لكنه أنكر معرفته بوجود غرفة الغاز، ويقول أن الغاز الذي يسميه الحراس (يعقوب السن) يجعل السجناء يبدون كالخفافيش المغمى عليها إذ يفقدون الأحاسيس، ثم يبدأون بالسعال والتقيؤ كما يعاني البعض منهم من انعكاسات الغاز لمدة طويلة ويضيف الحارس أنه صدف أن لامس مرة باب زنزانة استخدم فيها الغاز فشعر بحريق في وجهه وفقد بصره لمدة خمس وأربعين دقيقة، واعترف بأنه لم يتكلم أبداً في السابق خوفاً أن لا يصدق أحد أموراً كهذه تحدث في دولة فيها الكثير من السكان الذين فقدوا أقاربهم في غرف الغاز النازية بأُوروبا الهتلرية. أما المعاملة الإسرائيلية للسجناء الفلسطينيين فثمة وثائق عدة حولها وقد أبانها تقرير منظمة العفو الدولية في نيسان أبريل الماضي، لكن اللجنة الإسرائيلية للحقوق المدنية وحقوق الإنسان اختارت تكثيف تحركها حول السجناء الإسرائيليين اليهود الذين هم مواطنون إسرائيليون لا سجناء فلسطينيين أو لبنانيين من الأراضي المحتلة الذي يكون وضعهم حتماً أسوء بكثير، ويفيد تقرير اللجنة الإسرائيلية عن شكاوى ضد وحشية الشرطة التي تدفع عدداً من السجناء إلى الجنون أو الانتحار: فهناك مثلاً حالة أهارون الذي جنّ بسبب التعذيب في السجن واعتبر من المعاقين في دوائر الضمان الاجتماعي ويُقال: إن وحشية الشرطة شائعة ضد اليهود الشرقيين في أزقة إسرائيل وأحيائها الفقيرة وهي وحشية لا تحظى بتغطية إعلامية بالمقارنة مع العناوين العريضة التي تنشرها الصحف في حال تعرض مواطن محترم يهودي غربي إلى سوء، وعندما سأل الأمين العام للجنة الإسرائيلية عما إذا اتخذت إجراءات قانونية ضد الشرطة أجاب هذا غير ممكن، فهؤلاء الناس جد بؤساء ولا حول لهم ولا قوة ويشير التقرير إلى حالة (بني شيتريت) عشرين عاماً الذي حاول الانتحار في مركز الشرطة بالقدس في عشرة حزيران يونيو ألف وتسعمائة وتسعة وسبعين، فانكشفت الفضيحة وتمت إدانة ثلاث من رجال الأمن، لكن النتيجة كانت أن بني شيتريت بات يتعرض إلى مضايقات دائمة من الشرطة، وقد كتب الخادم (يشوع نيمان) من نيويورك إلى وزير الداخلية والشرطة الإسرائيلية يوسف بوزغ محتجاً على هذه الأُمور قائلاً: إن تحول الشرطة إلى الانتقام من حكم أصدرته المحكمة وذلك يثير السخرية من القضاء. إن هذا أمر مضحك لكنه قائم منذ سنتين، ويشير تقرير اللجنة الإسرائيلية إلى تهديدات وجهها النظار العاملون في السجون الإسرائيلية ضد الصحفيين وضد من يكشف الفظاعات التي تجري في السجون إن التعذيب الذي تمارسه الشرطة يحظى بتشجيع النظام القانوني الإسرائيلي الذي يقبل باعترافات ابتزتها الشرطة في غياب قاض أو محام، ويعتبرها إثباتات كافية للإدانة حتى في الحالات التي يسحب فيها المعتقلون اعترافاتهم التي تكون قد انتزعت منهم تحت التعذيب، وتشكل قضية (دانيال هانوك) مثالاً صارخاً على ذلك فقد اعترف بجريمة والداه، لا بل أعاد تمثيلها أمام الشرطة وآلات التصوير، وعندما ظهرت بعض الشكوك وتم إثبات براءته من التهمة التي اعترف بها تحت الضغط لم تتخذ أية إجراءات تأديبية بحق الشرطة، غير أن استخدام الغاز لا يفيد الأهداف العملية كسحب الاعترافات مثلاً، بل هو سلوك وحشي يمارس بذاته ولذاته، والواقع أنه لم يرتفع أي صوت احتجاج غير صوت اللجنة الإسرائيلية، برغم أن تقرير هذه الأخيرة وزع على أعضاء الكنيست، وعلى أبرز المحامين، فالتجاوب كان تحت الصفر تقريباً حتى لدى القيادات الصهيونية التي نعتت نفسها باليسار والليبرالية، ويقول رئيس اللجنة البروفسور إسرائيل شاهاك: إن الأحزاب الصهيونية اليسارية تقاطعنا كأننا وعلى عكس التشكيلات التي تعالج مشكلات حقوق الإنسان في إسرائيل لا تخبئ الغسيل القذر في الداخل، بل أننا ننشر كل شيء في الخارج لقد فرضت الأحزاب الصهيونية اليسارية على نفسها مبدأ (توتاليتاريا) أسوأ من أية رقابة شكلية، ولا تتكلم إلى غير اليهودية، وهكذا فأنا لا أنتظر أي مساعدة منها، ويعتقد شاهاك أن الوضع في إسرائيل تدهور بشدة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما يزال يتوقع المزيد من التدهور]. وإذا كان هذا التقرير قد كشف عن المعاملة الوحشية التي يلقاها الإسرائيلي من الإسرائيلي أمكننا تصور ما يلقاه العرب على أيدي وحوش الاحتلال الإسرائيلي.
|
|
1 ـ البحار ج73 ص85 ح49. 2 ـ البحار ج73 ص103 ح92. 3 ـ الوسائل ج11 ص286 ح3 باب52. 4 ـ البحار ج78 ص382 ح1. 5 ـ الخصال ص194 ح269 (بالمعنى). 6 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص325 باب 52 ح3. 7 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص240 ح60. 8 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص240 ح61. 9 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص325 باب 52 ح5. 10 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص310 باب 38 ح4. 11 ـ الوسائل ج11 ص235 ح5 باب38. 12 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص310 باب38 ح5. 13 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص310 باب38 ح6. 14 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص310 باب38 ح7. 15 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص310 باب38 ح8. 16 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص310 باب38 ح9. 17 ـ الوسائل ج11 ص234 ح2 باب38. 18 ـ الوسائل ج11 ص234 ح3 باب38. 19 ـ الوسائل ج11 ص235 ح4 باب38. |