الفهرس

فهرس الفصل الثاني

المؤلفات

 الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

تجنب الكذب والغرور والمادية

مسألة: من أهم ما يلزم على التيار الإسلامي اجتنابه الكذب والغرور والمادية، فإنها تمنع من الوصول إلى الهدف، ولو فرض الوصول إلى ذلك ادعى للسقوط العاجل، ولو فرض عدم السقوط العاجل فإن ذلك يسبب بشاعة المغرور والكاذب والمادي ولا أقل من عدم المثالية، فلا يلتفّ الناس حول التيار لأنه معول الكذب.

أما الكذب فما الداعي إليه، إن الكاذب لا يمر زمان إلاَّ ويظهر كذبه فينقلب إلى الضد أي أنه يقول الكذب لتظهر نفسه بالمظهر اللائق، فلا يمر زمان إلاَّ ويظهر كذبه فلا يبقى له حتى بقدر واقعه، إن واقع من يقول الصدق 80% ويكذب 20% إذا ظهر للناس كذبه سقط عن واقعه الثمانين أيضاً، وقصة ذلك الراعي الذي كان يصيح الذئب الذئب، وذلك الشاب الذي كان يصيح الغرق الغرق معروفتان، فإن كذبهما أودى بصدقهما أيضاً فجاء الذئب وأكل غنمه، وغرق الثاني في الماء ولم ينجدهما أحد.

مثلاً إذا أعطى الإنسان عشرة قال: أعطيت عشرة ولا يقول خمسة عشر وإذا كان عضواً من خمسة أعضاء في مشروع قال: إن لي الخمس لا يقول لي الربع، وإذا أراد أن يفعل بعد شهر قاله كذلك لا أن يقول بعد أسبوع أو بعد شهرين، وإذا كان أفراد التيار ألفاً قال ذلك لا أنهم ألفان، وهكذا في كل شؤون الحياة.

ولذا ذم الإسلام الكذب والنفاق والخديعة وخلف العهد ـ وهي أنواع من الكذب ـ أشد الذم، وحرمها بكل شدة، وهكذا ندد بخلف الوعد لأنه نوع من الكذب، بل بعض أقسام خلف الوعد نفس الكذب، كما ذكرناه في كتاب الواجبات والمحرمات، وإليك جملة من الروايات بهذا الشأن:

ففي رواية عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن أول من يكذّب الكذّاب الله عزّ وجلّ، ثم الملكان اللذان معه، ثم هو يعلم أنه كاذب)(1).

وعن عمر بن يزيد قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إن الكذاب يحلف بالبينات ويهلك أتباعه بالشبهات)(2).

وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن الله عزّ وجلّ جعل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب والكذب شر من الشراب)(3).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (الكذب هو خراب الإيمان)(4).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال عيسى بن مريم (عليه السلام): من كثر كذبه ذهب بهاؤه)(5).

وعن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) قال: (ينبغي للرجل المسلم أن يجتنب مؤاخاة الكذاب، أنه يكذب حتى يجيء بالصدق، فلا يصدّق)(6).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن مما أعان الله به على الكذابين النسيان)(7).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن العبد يكذب حتى يكتب من الكذابين، فإذا كذب قال الله عزّ وجلّ: كذب وفجر)(8).

وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، قيل: ويكون بخيلاً، قال: نعم، قيل ويكون كذاباً؟ قال: لا)(9).

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (أربى الربا الكذب)(10).

وفي حديث كان أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) يقول: (ألا فاصدقوا إن الله مع الصادقين وجانبوا الكذب فإنه يجانب الإيمان، ألا وإن الصَّادق على شفا منجاة وكرامة، ألا وإن الكاذب على شفا مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيراً تعرفوا بــــه، واعلموا به تـــكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلـــى من ائتمنكم، وصلوا أرحام مـــن قطعكم، وعودوا بالفضــــل على من حرمكم)(11).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن لإبليس كحلاً ولعوقاً وسعوطاً فكحله النعاس ولعوقه الكذب وسعوطه الكبر)(12).

وعن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إياك والكذب، فإنه يسوّد الوجوه، وعليك بالصدق فإنه مبارك، والكذب شؤم)(13).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن المؤمن ينطبع على كل شيء إلاَّ على الكذب والخيانة)(14).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (الكذب مجانب الإيمان ولا رأي لكذوب)(15).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (واجتنبوا الكذب، وإن رأيتم فيه النجاة، فإن فيه الهلكة)(16).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (وإياكم والكذب، فإنه من الفجور، وأنهما في النار).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن العبد إذا كذب تباعد منه الملك من نتن ما جاء منه).

وفي حديث جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (يا رسول الله ما عمل أهل النار؟ قال: الكذب، إذا كذب العبد فجر وإذا فجر كفر وإذا كفر… دخل النار).

وعن العسكري (عليه الصلاة والسلام) قال: (حطت الخبائث في بيت وجعل مفتاحه الكذب)(17).

وفي حديث: (إن رجلاً قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): المؤمن يزني؟ قال: قد يكون ذلك، قال: المؤمن يسرق؟ قال: قد يكون ذلك، قال: يا رسول الله المؤمن يكذب؟ قال: لا، قال الله تعالى: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون) )(18) إلى غيرها من الروايات الكثيرة.

فاللازم على التيار الإسلامي أن يربي نفسه وأفراده ومن يرتبط به على الصدق مطلقاً فإن الصَّادق يكون مورد اعتماد الناس مائة في مائة، وإن طال الزمن، نعم لا شك أن الصَّادقين أيضاً ينسبون إلى الكذب، ولذا قال الناس للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (كذاب أشر) إلاَّ أنه فرق بين من ينسب إليه الكذب زوراً وبين أن يكذب نفسه الإنسان، فيكون الناسب صادقاً، فإن الناس اعتادوا أن يرموا الناس مهما كانوا بالكذب والنفاق والحمق والجنون، وقد رد الله سبحانه على من قال كذاب أشر بقوله: (سيعلمون غداً من الكذاب الأشر)(19) حيث أن المستقبل يظهر أن الناسب هو الكذاب الأشر لا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي رمي به.

أما الغرور، فهو أن يشتبه الإنسان فيرى غير الواقع الحسن واقعاً حسناً، مع الانخداع بذلك، سواء عمل حسب غروره أو لم يعمل، كما إذا ظن الإنسان أن فلاناً شخص طيب لأنه مراء مخادع يخفي باطنه السيئ فيشتبه الإنسان في أمره، والحال أنه ليس بإنسان طيب، فإن المغرور وإن لم يعمل شيئاً يسمى مغروراً لأنه اغترّ نفسياً بذلك المخادع، ولذا كان بين الجهل وبين الغرور عموم من وجه، فإذا جهل الإنسان مسألة يسمى جاهلاً لا مغروراً، وإذا انخدع بالظاهر الحسن لامرئٍ ولم يقل المغرور شيئاً، ولم يفعل عملاً يرتبط بغروره سمي مغروراً، ولم يسم جاهلاً، وربما يجتمعان.

وعلى أيّ حال، فإن الغرور يوجب عدم وصول الإنسان، وإذا فرض وصوله سبب الغرور سقوطه، فمن اغتر بماله أو جاهه أو عشيرته أو حزبه أو ما أشبه فعمل على طبق ذلك سقط، وكذلك من يغتر بصحته وقوته فلا يبالي، فإنه إذا تاجر بأموال كثيرة بزعم الربح كثيراً ما يسقط فيخسر ويذهب ماله، بل ربما يسجن فوق ذلك، وهكذا، والغالب أن الأحزاب الخاسرة في الوصول إلى الحكم إنما كانت خسارتهم بسبب غرورهم، إلى غير ذلك، ولذا ورد في جملة كبيرة من الروايات ذم الغرور:

فقال علي (عليه الصلاة والسلام): (غرور الأمل يفسد العمل)(20).

وقال (عليه السلام): (غرور الجاهل بمحالات الباطل)(21).

وقال (عليه السلام): (غرور الغنى يوجب الأشر)(22).

وقال (عليه السلام): (كفى بالاغترار جهلاً)(23).

وقال (عليه السلام): (أحمق الحمق الاغترار)(24).

وقال (عليه السلام): (لا يلقي العاقل مغروراً)(25).

وقال (عليه السلام): (جماع الشر في الاغترار بالمهل والاتكال على العمل)(26).

وقال (عليه السلام): (جماع الغرور في الاستنامة إلى العدو)(27).

وقال (عليه السلام): (لم يفكر في عواقب الأُمور من وثق بزور الغرور وصبا إلى زور السرور)(28).

وقال (عليه السلام): (من اغتر بالمهل اغتص بالأجل)(29).

وقال (عليه السلام): (فاتقوا الله عباد الله تقية ذي لب شغل التفكير قلبه وأنصب الخوف بدنه ـ إلى أن قال ـ: ولم تفتله فاتلات الغرور)(30).

وقال (عليه السلام): (سكر الغفلة والغرور أبعد فاقة من سكر الخمور)(31).

وقال (عليه السلام): (من غرّه السراب تقطعت له الأسباب)(32).

وقال (عليه السلام): (من اغتر بمسالمة الزمن اغتص بمصادمة المحن)(33).

وعن الرسول أنه قال: (حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يغبنون سهر الحمقى واجتهادهم ولمثاقل ذرة من صاحب تقوى ويقين أفضل من ملء الأرض من المغترين)(34).

وفي رواية ان في الزبور: (ابن آدم لما رزقتكم اللسان وأطلقت لكم الأوصال ورزقت لكم الأموال جعلتم الأوصال كلها عوناً على المعاصي كأنكم بي تفترون وبعقوبتي تتلاعبون)(35).

وعن علي (عليه الصلاة والسلام): (إن الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون فحلم عنهم عند أعمالهم السيئة لعلمه السابق فيهم، فلا يغرنك حسن الطلب ممن لا يخاف الفوت)(36).

وقال (عليه السلام): (الحذر الحذر أيها المغرور، فوالله لقد ستر حتى كأنه قد غفر)(37).

وقال علي (عليه الصلاة والسلام): (اتقوا غرور الدنيا فإنها تسترجع أبداً ما خدعت به من المحاسن وتزعج المطمئن إليها والقاطن)(38).

وقال (عليه السلام): (الاغترار بالعاجل خرق)(39)، وقال (عليه السلام): (الدنيا حلم والاغترار بها ندم)(40).

وقال (عليه السلام): (سكون النفس إلى الدنيا من أعظم الغرور)(41).

وقال (عليه السلام): (لا يغرنك العاجلة بزور الملاهي فإن اللهو ينقطع ويلمك ما اكتسبت من المآثم)(42).

وقال (عليه السلام): (لا يغرنك ما أصبح فيه أهل الغرور بالدنيا فإنما هو ظل ممدود إلى أجل محدود)(43).

وقال (عليه السلام): (من اغتر بنفسه أسلمته إلى المعاطب)(44).

وقال (عليه السلام): (غرك عزك فصار قصارى ذلك ذلك فاخش فاحش فعلك فعلك بهذا تهدى)(45).

وقال (عليه السلام): (الشقي من اغتر بحاله وانخدع بغرور آماله)(46).

وقال الصَّادق (عليه الصلاة والسلام): (المغرور في الدنيا مسكين وفي الآخرة مغبون، لأنه باع الأفضل بالأدنى، ولا تعجب من نفسك حيث ربما اغتررت بمالك وصحة جسمك أن لعلك تبقى وربما اغتررت بحالك وأصابتك مأمولك وهواك وظننت أنك صادق ومصيب، وربما اغتررت إلى الخلق أو شكوت من تقصيرك في العبادة ولعل الله يعلم من قلبك بخلاف ذلك، وربما أقمت نفسك على العبادة متكلفاً والله يريد الإخلاص، وربما افتخرت بعلمك ونسبك وأنت غافل من مضمرات ما في غيب الله، وربما توهمت أنك تدعو الله وأنت تدعو سواه، ربما حسبت أنك ناصح للخلق وأنت تريدهم لنفسك أن يميلوا إليك، وربما ذممت نفسك وأنت تمدحها على الحقيقة، واعلم أنك لم تخرج من ظلمات الغرور والتمني إلاَّ بصدق الإنابة إلى الله، والإخبات له ومعرفة عيوب أحوالك من حيث لا يوافق العقل والعلم، ولا يحتمله الدين والشريعة، وسنن النبوة وأئمة الهدى، وإن كنت راضياً بما أنت فيه، فما أحد أشقى بعمله منك وأضيع عمراً فأورثت حسرة يوم القيامة)(47).

ثم على الإنسان أن لا يغرّه شيء، ففي الآية الكريمة قال الله سبحانه: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد)(48).

وعن علي (عليه الصلاة والسلام) أنه أوصى كميل بن زياد قال: يا كميل لا تغتر بأقوام يصلون فيطيلون ويصومون فيداومون ويتصدقون فيحسنون فإنهم موقوفون(49).

أقول: لعله أشار (عليه الصلاة والسلام) إلى قوله سبحانه: (وقفوهم انهم مسؤولون)(50) والمراد به أن الإنسان يجب أن يلاحظ كل الأعمال والأحوال والنوايا، لا فقط ظاهر الصَّلاة والصيام والصدقة.

وقال (عليه السلام): (إذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرر)(51)، وقال (عليه السلام): (لا تغترن بكثرة المساجد وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى)(52)، وقال (عليه السلام): (فإنه والله الجد لا اللعب والحق لا الكذب وما هو إلاَّ الموت أسمع داعية وأعجل حادية، فلا يغرنك سواد الناس من نفسك)(53) وقال (عليه السلام): (لا يغرنك ذنب الناس عن ذنبك ولا نعم الناس عن نعمك التي أنعم الله عليك، ولا تقنط الناس من رحمة الله عزّ وجلّ، وأنت ترجوها لنفسك).

وعن الباقر (عليه الصلاة والسلام): (لا تغرنك الناس من نفسك، فإن الأمر يصل إليك دونهم)(54).

وفي شعر منسوب إلى الشيخ البهائي (رحمه الله) قال:

لا يغرنك من المرء رداء رقعه           وقميص فوق ساق الكعب منه رفعه

وعلى جبهته سجــادة قد قلـعه           أره الدرهــم تعــــرف غيه أو ورعه

الغرور من أهم أسباب سقوط الحكومة، ألم يكن يزيد مغروراً حتى أسقط نفسه هذا السقوط العالمي الأبدي حياً وميتاً، وقصة شعره مع أبي قيس معروفة، فقد ذكر المؤرخون أن يزيد كان شغوفاً بالقردة والفهود، وكان له قرد يسميه أبا قيس، وكان يقول عنه: (إنه شيخ من بني إسرائيل ارتكب خطيئة فمسخ) ولقد أرسل يزيد هذا القرد مرة للسباق، فطرحته الريح ومات، فحزن عليه حزناً شديداً وأمر بتكفينه ودفنه، وأمر أهل الشام أن يعزوه بمصابه الأليم ثم أنشأ راثياً له:

كم من كرام وقوم ذو محافظة           جاءوا لنا ليعزوا في أبي قيس

لا يبعد الله قبــراً أنــت ساكنه           فيه جمــال وفيــــه لحية التيس

وكذلك قال في الخمر:

إذا حرمت يوماً على دين أحمد           فخذها على دين المسيح بن مريم

وقال في عشيقة له:

ولو لم يمسّ الأرض فاضل ذيلها           لمــا جـــاز عندي بالتراب التّيمم

وقال فيها أيضاً:

فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت           ورداً وعضت على العناب بالبرد

وقال في قصة قتل الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام):

لما بدت تلك الـــرؤوس وأشــرقت          تــلك الشموس على ربى جيرونِ

نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح           فلقـــد قضيــــت من النبي ديوني

وقال:

ليت أشياخي ببـدر شهـــدوا           جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهـــلوا واستهـــلوا فـــرحاً           ثم قـــالوا يا يزيـــد لا تـــشل

قد قتلنا القرم من ساداتــهم           وعدلـــناه ببــــدر فاعتــــــدل

لست من خندق إن لم أنتقم          من بنـــي أحـــمد ما كان فعل

وهكذا بنو أُميّة أسقطوا أنفسهم وجعلوا أنفسهم لعنة الأبد، لما فعلوه من الغرور الذي أوصلهم إلى الثبور.

وقصة وليد مشهورة حيث يخاطب القرآن:

تهددنـــي بجـــبار عنـــــيد           فـــها أنـا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر           فقل يا رب مزقني الوليد

وكذا قصته مع بنته حيث أراد النيل منها وقال: فاز باللذات من كان جسوراً

وهكذا سقط العباسيون وقصصهم في التواريخ مشهورة، والتي من جملتها قصة المقرطة عند الأمين، ورأس الأمــين عند المأمون، وأفعال المتوكل، وكذلك حال العثمانيين، وقد قتل جماعة من الخلــفاء العباسيين والعثمانيين لما فعلوه من البشاعات اغتراراً بالملك والمال والجند.

وعلى كل حال، فعلى التيار الإسلامي أن يهتم أشد الاهتمام بعدم الغرور، والغالب في الحكومات الحزبية أن الحزب الذي لا يصل إلى الحكم يكون ذلك بسبب غروره، كما هو المشاهد لمن سبر أحوالهم، وقد رأينا في زماننا كيف سقط الشاهان في إيران وظاهر شاه في أفغان، والملكية والجمهورية في عهد الملكيين والجمهوريين في العراق ومصر في عهد فيصل وفاروق وناصر وقاسم وغيرهم، ولا يخفى أن عدم الانسياق إلى الغرور بحاجة ـ بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى ـ إلى يقظة دائمة ومشورة دائمة وتواضع دائم ومعرفة واسعة.

وأما المادية، فاللازم على التيار الإسلامي أن يربي أفراده على عدم المادية، أي على عدم الانسياق وراء المادة، فإن الإنسان المادي ليس بمحبوب عند الناس، والتيار الإسلامي بحاجة إلى كل ذرة ذرة وكل قطرة قطرة من المحبوبية، وبتجميع الذرات تكون الصحاري وبتجميع القطرات تكون البحار.

مثلاً الطبيب من التيار يلزم عليه أن يقتنع بقدر مصرفه فيما يأخذه من المراجعين والمرضى وذلك شيء زهيد، أما أن يجمع في كل يوم خمسمائة دينار من المرضى مثلاً ويأخذ لكل عملية ألف دينار مثلاً فإنه لا ينفره فحسب عند الناس بل ينفره حتى جماعته وتياره بل وحتى الإسلام ككل، وفي الحديث: (لا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم).

أما إذا كان العكس بأن أخذ منهم بقدر معيشته المتوسطة، فإنه يحببه إلى الناس كما يحبب تياره، والإسلام بصورة عامة إليهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المهندس والمحامي وعلماء مختلف أبعاد الحياة، وقد رأينا نحن طبيباً ما كان يأخذ من الفقراء الذين يراجعونه أجراً بل كان أحياناً يساعدهم بالدواء والمال، كما كان لا يأخذ أجراً من الفقراء عند الذهاب إلى بيوتهم للمعاينة، فكانت له محبوبية منقطعة النظير وكان من أشهر الأطباء، ولما مات شيع أضخم تشييع، إنه لم يكن من تيار، إلاَّ أنه سبب محبوبية الإسلام عند الناس، لأنه كان متديناً، فكان الناس يقولون أن الدين يربي الناس هكذا.

وعلى كل حال فيلزم على التيار أن يربي أفراده على اجتناب المادية والمظاهر البراقة مسكناً وملبساً ومركباً وغيرها، إنّ المظاهر البراقة تنفر الناس عن الشخص وعن جماعته وعن مبادئه فيقولون: لو كان ما يدعو إليه صحيحاً وأنه صادق في كلامه فلماذا لا يؤثر مبدأه في نفسه، ولذا ورد التشديد في ذم الآمر بالمعروف التارك له، الناهي عن المنكر الفاعل له، ومن الممكن أن يكون الإنسان اعتاد المادية والمظاهر البارقة والترف والسرف، وما إلى ذلك، لكن إذا دخل في التيار أمكن أن يغير تلك العادات، فإن تغييرها لمن صمم على التغيير وبنى عليه يكون ميسوراً، قال الشاعر:

والنفس راغبة إذا رغبتها           وإذا تـــرد إلى قلـــيل تقنع

ولإيحاء النفس تأثير بالغ في تغيير العادات حتى أن علماء النفس قالوا: بأن الإيحاء النفسي المستمر يمكن أن يغير الجبان شجاعاً والبخيل كريماً والمحجم مقداماً وسيئ الملكات حسنها إلى غيرها، ولذا وردت جملة من الروايات في ذلك.

فقد قال علي (عليه الصلاة والسلام) لابنه الحسن (عليه السلام): (عوّد نفسك التصبر على المكروه، ونعم الخلق التصبر في الحق)(55).

وقال (عليه السلام): (عود نفسك الجميل فإنه يجمل عنك الأحدوثة ويجزل لك المثوبة)(56).

وقال (عليه السلام): (عود نفسك السماح وتجنب الإلحاح يلزمك الصلاح)(57).

وقال (عليه السلام): (عود أذنك حسن الاستماع ولا تصغي إلى ما لا يزيدك في صلاحك استماعه، فإن ذلك يصدئ القلوب ويوجب المذام)(58).

وقال (عليه السلام): (عود لسانك لين الكلام وبذل السلام يكثر محبوك، ويقل مبغضوك)(59).

وقال (عليه السلام): (عود نفسك حسن النية وجميل القصد تدرك في مباغيك النجاح)(60).

وقال (عليه السلام): (عود نفسك فعل المكارم وتحمل أعباء المغارم تشرف نفسك وتعمر آخرتك، ويكثر حامدوك)(61).

وقال (عليه السلام): (عودوا أنفسكم الحلم واصبروا على الإيثار على أنفسكم فيما تحمدون عنه)(62).

وقال (عليه السلام): (عود نفسك الاستهتار بالفكر والاستغفار فإنه يمحو عنك الحوبة ويعظم لك المثوبة)(63).

وقال (عليه السلام): (أيها الناس تولوا من أنفسكم تأديبها وأعدلوا بها عن ضراوة عاداتها)(64).

وقال (عليه السلام): (الفضيلة غلبة العادة)(65).

وقال (عليه السلام): (أفضل العبادة غلبة العادة)(66).

وقال (عليه السلام): (بغلبة العادات الوصول إلى أشرف المقامات)(67).

وقال (عليه السلام): (ذللوا أنفسكم بترك العادات وقودوها إلى أفضل الطاعات وحملوها أعباء المغارم، وحلوها بفعل المكارم وصونوها عن دنس المآثم)(68).

وقال (عليه السلام): (غيروا العادات تسهل عليكم الطاعات)(69).

وقال (عليه السلام): (غالبوا أنفسكم على ترك العادات وجاهدوا أهواءكم تملكوها)(70).

وقال (عليه السلام): (تخير لنفسك من كل خلق أحسنه فإن الخير عادة)(71).

(وتجنب من كل خلق أسوأه، وجاهد نفسك على تجنبه، فإن الشر لجاجة)(72).

وقال (عليه السلام): (العادة طبع ثان)(73).

وقال (عليه السلام): (غير مدرك الدرجات من أطاع العادات)(74).

وقال (عليه السلام): (العادات قاهرات فمن اعتاد شيئاً في سره وخلواته فضحه في علانيته وعند الملأ) إلى غيرها من الروايات.

الرفق يختزل الطريق

مسألة: من اللازم على الحركة الإسلامية أن تتخذ الرفق في قبال العنف مركباً لها إلى الهدف، ففي رواية بصائر الدرجات عن أبي جعفر (عليه السَّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): (إن الله رفيق يعطي الثواب ويحب كل رفيق ويعطي على كل رفق ما لا يعطي على العنف)(75).

ومن يتصور أنه يمكن إنقاذ بلاد الإسلام بالعنف، سوف يبرهن له الزمان عكس ذلك. ويلزم أن يترك العنف القولي والعنف العملي ومن غير فرق في الإنقاذ بين محاولة توحيد بلاد الإسلام أو إرجاع الحريات إليها، أو إرجاع قوانين الإسلام إلى حيز الوجود.

ولا يخفى أن الحريات وإن كانت جزءاً من قوانين الإسلام إلاَّ إنا أفردناها لأهميتها.

وفي الإنقاذ يجب تطبيق العصر على الإسلام مثلاً في الزمان السابق لم تكن الصناعة بهذه الكيفية، ولم يكن المرور بهذه الكيفية، فالفقهاء إنما طبقوا وسائل المعيشة السابقة على الكليات الإسلامية حلاً وحرمة واستحباباً وكراهة وإباحة، كما طبقوا حوادث المرور على كليات الإسلام الواردة في كتاب الديات، أي لاحظوا أن هذه الصغرى الجزئية هل هي داخلة في هذه الكبرى الكلية أو تلك الكبرى الكلية الإسلامية؟.

أما اليوم فالأمر بحاجة إلى تطبيقات جديدة وصغريات جديدة، مثلاً كان الفقهاء يتكلمون سابقاً عن أنه إذا اصطدمت دابتان، فعلى أي من الراكبين أو الصاحبين الغرامة؟

أما اليوم فإنا نحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى أن نتكلم حول أنه إذا خرجت السيارة عن الخط المقرر لسيرها، فهل يضمن صاحبها أو لا يضمن إذا حصل عطب بسبب ذلك، وإذا تكسر مقود السيارة بدون اختيار السائق فخرجت السيارة عن مسيرها المقرر، فهل تحطيمها لإنسان أو حيوان أو مال من العمد أو من شبه العمد أو من الخطأ، وقبل ذلك هل يجب اتباع قوانين المرور في دولة غير شرعية، أو أن الأمر باق على حالته الأولية، وهي حرمة الإضرار وحرمة الإرعاب وما أشبه ذلك، مثلاً إذا كان مالك الأشتر في مصر من قبل عليّ (عليه الصَّلاة والسَّلام) وقرر قوانين للمرور حرمت مخالفته قطعاً أما إذا قرر جائر في العراق تلك القوانين، فإنه يبقى الأمر على حالته الشرعية قبل تقرير الجائر لتلك القوانين، إذ لا قيمة لقانون يقرره الجائر إطلاقاً إلى غير ذلك.

ومن المعلوم أن تطبيق العصر على الإسلام بحاجة إلى كتاب بحجم (الجواهر) في الفقه حتى يستوعب كل المسائل التي هي محل الابتلاء، وعلى كل حال فكل واحد من الأمور التي ذكرناها بحاجة إلى عدم العنف.

أما الأُولى: فإذا كان عند المسلمين سلاح واستعملوا سلاحهم فسلاحهم لا شيء في قبال سلاح الغرب والشرق، مع أن إدخال السلاح في الميدان يعني إبادة المسلمين كما رأينا ذلك في كل من العراق وإيران ولبنان وغيرها.

وأما الثلاثة الأُخر، فإنها بحاجة إلى العلم والخبرة والتجربة وجمع العقلاء والمفكرين من الإسلاميين، والزمنيين وكل ذلك بحاجة أكيدة إلى الرفق والهدوء والصبر والحلم والتدرج في الصعود مما ينافيها جميعاً العنف حتى الصغير منه، فإن الصغير من العنف يولد الصغير أو الكبير من الفساد في النتيجة، فرب كلمة سلبت نعمة أو جلبت نقمة.

هذا بالإضافة إلى أن هناك سيلاً من الذين يقاومون هذه الأفكار وهذه النتائج المرجوة منها، إما لأنهم مربوطون بالغرب والشرق وإما لأن هذه الأفكار تنافي مصالحهم وإما لاختلافهم في الفكر والاجتهاد.

والرفق وعدم العنف أحسن وسيلة لقلع الجذور أو التخفيف من المشكلة أو تجميد الحركة المضادة، ولذا قال سبحانه: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، (ولا يلقّاها إلاَّ الذين صبروا ولا يلقاها إلاَّ ذو حظ عظيم)(76)، وحيث أن الحرب من أبرز مظاهر العنف خصوصاً الحروب الحديثة. فاللازم الحيلولة بكل صلابة وقوة دون وقوعها، ودون وقوع مقدماتها، وإذا دخل عقلاء العالم في الميدان الجدي تمكنوا من حل المشكلة (وليس معنى ذلك عدم سعي الإنسان بقدر قدرته إن لم يدخل العقلاء الميدان) فعلى التيار الإسلامي أن يدخل العقلاء في هذا الميدان بكل ما أُوتي من قوة مناسبة، فإن جمعيات العفو الدولية البالغ عددهم أكثر من ألفي جماعة وجمعية ومنظمة، وجماعات أنصار السَّلام وجماعات الرفق بالإنسان والحيوان والخيّرين من البشر الذين لهم مراكز في الجامعات والصحف والإذاعات والتلفزيونات والمطابع والأفلام والنوادي ومن إليهم، وهم كثرة كبيرة جداً، إذا دخلوا الميدان انحسم الأمر ـ بإذن الله سبحانه وتعالى ـ بصالح عدم الحرب إطلاقاً، وتتوقف آلات الدمار من المسدس إلى الذرة، ووسائل النقل والحمل من السيارة إلى الطائرة الحربيتين، والمعامل التي تصنع آلات الدمار من القنابل اليدوية إلى المعامل الكبار التي تدار بسبب ملايين البشر لأجل القتل وسفك الدماء والتخريب والهدم، وهذا ليس بمستغرب، فإنه كما يكدح البشر الآن لتوقيف الذرة والأسلحة الكيمياوية، وما أشبه كذلك يكدح ذلك اليوم الآتي بإذن الله سبحانه وتعالى لتوقيف الحداثة في السلاح، وفي الحروب الحديثة إطلاقاً. فيعيّن التيار الإسلامي جماعة كفوءة لتكوين الجمعيات السلمية والدعوة إلى السلم كما قال سبحانه: (ادخلوا في السلم كافة) ولتحريض الجمعيات والجماعات المرتبطة على تبني هذا الأمر على أرفع المستويات، وبذلك يتحرر البشر من الخوف، ويصرف وسائل الدمار في وسائل الصلاح، فمعامل السلاح تتحول إلى معامل صنع مواد البناء، والمال يصرف في الإعمار، والمعادن والوسائل التدميرية تصرف في الإسكان وإزالة الفقر وفي بناء المدارس ورفع مستوى العلم وما أشبه.

كما أن من الضروري على التيار الإسلامي أن يحرض على إطفاء الحروب، فإذا وقعت حرب مثلاً بين الهند والباكستان أو بين العراق وإيران، أو بين الروس والأفغان، سواء كان الاعتداء من أحدهما أو من كليهما، يذهب هؤلاء من كل ناحية وصوب إلى محل الحرب، لإطفائها، ومن ناحية ثانية تنشط هذه الجماعات للضغط العام في سبيل إطفاء الحرب.

وعلى أي حال فمن أهم بنود التيار الإسلامي هذا البند، وهو تحرير البشر من الحروب المدمرة والوسائل المنتهية إليها.

احترام الكبار

وأما من ناحية احترام الكبار خصوصاً الأبوين مما يشمل الإنفاق عليهم، فيدل عليه جملة من الروايات: (فعن أبي ولاد الحناط، قال سمعت أبا عبد الله (عليه السَّلام) في قول الله عزّ وجلّ:

(وبالوالدين إحساناً) فقال: الإحسان أن تحسن صحبتهما ولا تكلفهما أن يسألاك شيئاً هما يحتاجان إليه، وإن كانا مستغنيين أليس يقول الله (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ثم قال أبو عبد الله (عليه السَّلام) وأما قوله: (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُف) قال: إن أضجراك فلا تقل لهما أف، ولا تنهرهما (وقل لهم قولاً كريماً) قال يقول لهما: غفر الله لكما فذلك منك قول كريم، قال: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) قال: لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلاَّ برحمة ورقة ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يديك فوق أيديهما ولا تتقدم قدامهما)(77).

وعن الصَّادق (عليه السَّلام): (إن رجلاً أتى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فقال عظني قال: (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): لا تشرك بالله شيئاً وإن حرقت بالنار وعذبت إلاَّ وقلبك مطمئن بالإيمان ووالديك فأطعمهما وبرهما حيين كانا أو ميتين وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل، فإن ذلك من الإيمان)(78).

وفي رواية عن أبي جعفر (عليه السَّلام) قال أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) رجل فقال: (إن أبوي عمّرا وإن أبي مضى وبقيت أُمي فبلغ بها الكبر حتى صرت أمضغ لها كما يمضغ للصبي وأوسدها كما يوسد للصبي، وعلقتها في مكتل أحركها فيه لتنام. إلى أن قال: فبكى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ثم قال: أصبت خيراً سألت ربك وأنت تنوي قربته، قال: فكافيتها: قال: لا ولا بزفرة من زفراتها)(79).

وفي رواية قال رجل: (يا رسول الله جئتك أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان، فقال: ارجع إليهما وأضحكهما) وقال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): (أفضل الكسب كسب الوالدين وأفضل الخدمة خدمتهما، وأفضل الصدقة عليهما وأفضل النوم بجنبهما)(80).

وعن إبراهيم بن شعيب قال قلت لأبي عبد الله (عليه السَّلام): (إن أبي قد كبر جداً وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة فقال: إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل، ولقمه بيدك، فإنه جنة لك غداً)(81)، وجاء رجل إلى النبي وقال: (ما حق الوالد قال: أن تطيعه ما عاش فقيل: ما حق الوالدة فقال: هيهات هيهات لو أنه عدد رمل عالج وقطر المطر أيام الدنيا قام بين يديها ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها)(82).

وعن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه قال: (النظرة في وجه الوالدين عبادة).

وعن الصَّادق (عليه الصَّلاة والسَّلام) في حديث قال: (وأما الوجوه التي أمر فيها إخراج الأموال من جميع وجوه الحلال المفترضة عليهم ووجوه النوافل كلها فأربعة وعشرون وجهاً، منها سبعة وجوه على خاصة نفسه، وخمسة وجوه على من يلزمه نفسه ونفقته، وثلاثة مما يلزمه فيها من وجوه الدين، وخمسة وجوه مما يلزمه فيها من وجوه الصَّلاة، وأربعة أوجه مما يلزمه النفقة من وجوه اصطناع المعروف، فأما الوجوه التي يلزمه فيها النفقة على خاصة نفسه، فهي مطعمه ومشربه وملبسه ومنكحه ومخدمه وعطاؤه، فيما يحتاج إليه نحو منزله أو آلة من الآلات يستعين بها على حوائجه، وأما الوجوه الخمس التي تجب عليه النفقة لمن يلزمه نفقته فعلى ولده ووالديه وامرأته ومملوكه لازم له ذلك في العسر واليسر، وأما الوجوه الثلاثة المفروضة من وجوه الدين فالزكاة المفروضة الواجبة في كل عام والحج المفروض والجهاد في أيام، وأما الوجوه الخمس من وجوه الصَّلاة النوافل فصلة موقوفة وصلة القرابة وصلة المؤمنين والتنقل في وجوه الصدقة والبر والعتق، وأما الوجوه الأربع: فقضاء الدين والعارية والقرض وإقراء الضيف واجبات في السنة)(83).

وعن تفسير الإمام (عليه السَّلام) في قوله تعالى: ( (ومما رزقناهم ينفقون) من الأموال والقوى والجاه والمقدار ينفقون يؤدون من الأموال الزكاة يجودون في الصدقات ويحتملون الكل ويؤدون الحقوق اللازمات كالنفقة في الجهاد، أو كسائر النفقات الواجبات على الأهلين، وذوي الأرحام والقرابات والآباء والأُمهات، وكالنفقات المستحبات على من لم تكن فرضاً عليهم النفقة من سائر القرابات كالمعروف بالإسعاف والقرض والآخذ بأيدي الضعفاء، والضعيفات ويؤدون من قوى الأبدان المعونات كالرجل يقود ضريراً وينجيه من مهلكة، ويعين مسافراً أو غير مسافر على حمل متاع على دابة قد سقط عنها أو كدفع عن مظلوم قصده ظالم بالضرب أو بالأذى ويؤدون الحقوق من الجاه بعد أن يدفعوا به عن عرض من يظلم بالوقيعة فيه أو يطلب حاجة لجاههم لمن قد عجز عنها بمقداره، وكل هذا إنفاق مما رزقه الله تعالى)(84).

وفي رواية عن علي (عليه الصَّلاة والسَّلام) قال جاء رجل إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فقال: (يا رسول الله عندي دينار فما تأمرني به قال: أنفقه على أُمك قال: عندي آخر فما تأمرني به قال: أنفقه على أبيك قال: عندي آخر فما تأمرني به، قال: أنفقه على أخيك، قال: عندي آخر فما تأمرنـــي، بلى والله مــــا عندي غيره قال: أنفقه في سبـــيـــل الله وهو أدناها جزاءً)(85).

 

1 ـ الوسائل ج8 ص572 ح1، المحاسن ص118و126، الكافي ج2 ص254 ح6.

2 ـ الوسائل ج8 ص572 ح2، الكافي ج2 ص254 ح7.

3 ـ الكافي ج2 ص254 ح3، الوسائل ج8 ص572 ح3.

4 ـ الكافي ج2 ص254 ح4، الوسائل ج8 ص572 ح4.

5 ـ الوسائل ج8 ص572 ح5، الكافي ج2 ص255 ح13.

6 ـ الوسائل ج8 ص573 ح6، الكافي ج2 ص255 ح14.

7 ـ الوسائل ج8 ص573 ح7، الكافي ج2 ص255 ح15.

8 ـ الوسائل ج8 ص573 ح10، المحاسن ص118 س1، الكافي ج2 ص253 ح2 وص86 ح9.

9 ـ الوسائل ج8 ص573 ح11، المحاسن ص118 ح126.

10 ـ الوسائل ج8 ص574 ح12، الفقيه ج2 ص342.

11 ـ الوسائل ج8 ص574 ح13، المحاسن ص290 ح436.

12 ـ الوسائل ج8 ص574 ح14، معاني الأخبار ص138 ح1.

13 ـ تحف العقول ص16 س8.

14 ـ تحف العقول ص59 ح150.

15 ـ نهج البلاغة ص117.

16 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص100 باب 120 ح25.

17 ـ البحار ج72 ص263 ح46.

18 ـ البحار ج72 ص263 ح47.

19 ـ سورة القمر: الآية 26.

20 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص269 ح19.

21 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص269 ح21.

22 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص269 ح24.

23 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص293 ح2.

24 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص106 ح107.

25 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص436 ح462.

26 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص187 ح46.

27 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص187 ح48.

28 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص318 ح31.

29 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص332 ح297.

30 ـ نهج البلاغة الخطبة 83.

31 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص227 ح37.

32 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص354 ح1083

33 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص332 ح299.

34 ـ المحجة البيضاء ج6 ص291.

35 ـ البحار ج77 ص40 ح8.

36 ـ البحار ج78 ص193 ح7.

37 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص90 ح2.

38 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص86 ح19.

39 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص16 ح127.

40 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص32 ح764.

41 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص228 ح38.

42 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص419 ح184.

43 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص424 ح271.

44 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص332 ح300.

45 ـ البحار ج78 ص83 ص86.

46 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص38 ح1014.

47 ـ البحار ج72 ص319ـ320 ح33.

48 ـ سورة آل عمران: الآية 196.

49 ـ البحار ج84 ص229 ح2.

50 ـ سورة الصافات: الآية 24.

51 ـ نهج البلاغة قصار الحكم ص114.

52 ـ البحار ج10 ص120 ح1.

53 ـ نهج البلاغة الخطبة132.

54 ـ البحار ج72 ص323 ح2.

55 ـ نهج البلاغة الكتاب 31.

56 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص260 ح15.

57 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص260 ح18.

58 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص260 ح16.

59 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص260 ح14.

60 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص260 ح17.

61 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص261 ح20.

62 ـ تحف العقول ص160ـ161.

63 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص260 ح19.

64 ـ نهج البلاغة قصار الحكم 359.

65 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص52 ح1598.

66 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص114 ح366.

67 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص167 ح164.

68 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص208 ح35.

69 ـ غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس ص270 ح66.

70 ـ غرر الحكم ودرر الكلم ص269 ح7.

71 ـ غرر الحكم ودرر الكلم ص175 ح44.

72 ـ غرر الحكم ودرر الكلم ص174 ح25.

73 ـ غرر الحكم ودرر الكلم ص44 ح1233.

74 ـ غرر الحكم ودرر الكلم ص270 ح58.

75 ـ الكافي ج2 ص97 ح5 باب الرفق.

76 ـ سورة فصلت: الآية 34.

77 ـ البحار ج74 ص39 ح3.

78 ـ البحار ج74 ص34 ح2.

79 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص632 باب77 ح8.

80 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص632 باب77 ح12.

81 ـ الوسائل ج15 ص220 باب106 ح3.

82 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص628 باب70 ح9.

83 ـ تحف العقول ص248.

84 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص635 باب1 ح1.

85 ـ أمالي الطوسي ص467.