الفهرس

فهرس الفصل الرابع

المؤلفات

 الثقافة الإسلامية

الصفحة الرئيسية

 

على طريق الاكتفاء الذاتي

ومن الاكتفاء الذاتي الذي يتبناه الناهضون لأجل إعادة حكم الإسلام الاقتناع بأقل قدر ممكن من المنتوجات الغربية والشرقية وحذفها تدريجياً في جدول زمني حسب الألزم فالألزم، والأهم فالأهم.

إن منتوجات الغرب والشرق قد تغلغلت في حياة المسلمين بشكل عميق مما يحتاج للتخلص منها إلى أكبر قدر من اللباقة والصبر والتعقل والتخطيط والقناعة بما عند المسلمين أنفسهم.

واللازم أن يلاحظ في هذا الأمر وحدة بلاد الإسلام، فالمنتوجات المصرية في إيران والعراقية في الخليج، والباكستانية في بنغلادش واحدة وهكذا يكون من الاكتفاء الذاتي، لأن بلاد الإسلام واحدة والأُمة واحدة والمسلمون إخوة.

ثم لدى الاضطرار إلى السلع الأجنبية صنعاً أو مصنعاً يقتنع بالأقل ضرراً فالأقل، مثلاً لو اضطررنا إلى استعمال المروحة الكهربائية فيجب أن نستعمل المروحة الكهربائية التي صنعت في بلاد الإسلام، وإن كان معملها جاء من الغرب، لا المروحة الكهربائية التي جاءت من الغرب مباشرة، فإن الأول أقل ضرراً من الثاني، والضرورات تقدر بقدرها، واللازم أن يكون هناك مكتب مقاطعة البضائع الأجنبية كما هو الحال بالنسبة إلى بعض البلاد، حيث جعلت مكتب مقاطعة البضائع الإسرائيلية.

القناعة أساس الاكتفاء

مسألة: ولكي يتم الاكتفاء الذاتي يجب أن يعمم أُسلوب القناعة، وقد ورد في الروايات تأكيد شديد على القناعة، حيث أن القناعة تجعل من الضعيف قوياً، ومن الفقير غنياً، وإليك جملة من تلك الروايات:

فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من رضي من الله باليسير من المعاش رضي الله منه باليسير من العمل)(1).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إياك أن يطمح بصرك إلى من هو فوقك، فكفى بما قال الله عزّ وجلّ: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم)(2) وقال: (لا تمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا)(3) فإن داخلك شيء فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنما كان قوته الشعير، وحلواه التمر، ووقوده السعف إذا وجده)(4).

وعن الصَّادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من ســــألنا أعطيــــناه، ومن استـــغنى أغناه الله)(5).

وعن الصَّادق (عليه الصلاة والسلام) قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (ابن آدم، إن كنت تريد من الدنيا ما يكفيك فإن أيسر ما فيها يكفيك، وإن كنت تريد ما لا يكفيك فإن كل ما فيها لا يكفيك)(6).

وعن الرضا (عليه السلام) قال: (من لم يقنعه من الرزق إلاَّ الكثير لم يكفيه من العمل إلاَّ الكثير، ومن كفاه من الرزق القليل فإنه يكفيه من العمل القليل)(7).

وعن الصَّادق (عليه السلام) قال: (مكتوب في التوراة: ابن آدم كن كيف شئت، كما تدين تدان، من رضي من الله بالقليل من الرزق قبل الله منه القليل من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته، وذلَّ مكسبه، وخرج من حد الفجور)(8).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (من أراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يد غيره)(9).

وعن أبي حمزة عن الباقر والصَّادق (عليهما السلام) قال: (من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس)(10).

وعن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام): (من رضي من الدنيا بما يجزيه كان أيسر ما فيها يكفيه، ومن لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن فيها شيء يكفيه)(11).

وعن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: (من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس)(12).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (أغنى الغنى القناعة)(13).

وقال (عليه السلام) أيضاً لرجل يعظه: (أقنع بما قسم الله لك، ولا تنظر إلى ما عند غيرك: ولا تتمن ما لست ناقله، فإنه من قنع شبع، ومن لم يقنع لم يشبع، وخذ حظك من آخرتك)(14).

وفي رواية: إنه شكا رجل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) انه يطلب فيصيب ولا يقنع وتنازعه نفسه إلى ما هو أكبر منه، وقال: علمني شيئاً أنتفع به. فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): (إن كان ما يكفيك يغنيك فأدنى ما فيها يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكل ما فيها لا يغنيك)(15).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الدنيا دول، فما كان منها لك أتاك على ضعفك، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك، ومن انقطـــع رجاه مما فــــات استراحت نفســــه، ومن قنع بما رزقه الله قرت عيناه)(16).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما هلك من عرف قدره، وما يبكي الناس على القوت إنما يكون على الفضول، ثم قال: فكم عسى أن يكفي الإنسان)(17).

وعن موسى بن جعفر (عليهما السلام) أنه قال في حديث: (يا هشام من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليتضرع إلى الله عزّ وجلّ في مسألته، بأن يكمل عقله، فمن كمل عقله قنع ما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغنى، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى)(18).

وعن الصَّادق (عليه السلام): (ومن قنع بالمقسوم استراح من الهم والكرب والتعب، وكل ما أنقص من القناعة زاد في الرغبة، والطمع في الدنيا أصل كل شر وصاحبها لا ينجو من النار إلاَّ أن يتوب، ولذا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ملك القناعة لا يزول، وهي مركب رضا الله تعالى تحمل صاحبها إلى داره، فأحسن التوكل في ما لم تعطه، والرضا بما أعطيت، واصبر على ما أصابك، فإن ذلك من عزم الأمور)(19).

وعن الرضوي (عليه السلام) قال: (أروي عن العالم (عليه السلام) قال: انه قال: من أراد أن يكون أغنى الناس فليكن واثقاً بما عند الله جلّ وعزّ)(20).

(وروي فليكن بما عند الله أوثق منه مما في يديك، وأروي عن العالم (عليه السلام) أنه قال: قال الله سبحانه (أرض بما آتيتك تكن من أغنى الناس)، واروي من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع، واروي أن جبرائيل (عليه السلام) هبط إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن الله عزّ وجلّ يقرأ عليك السلام ويقول لك: اقرأ (بسم الله الرّحمن الرّحيم) (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم)(21) فأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) منادياً من لم يتأدب بأدب الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات. ونروي من لم يرض من الدنيا بما يجزيه لم يكن شئ منها يكفيه، ونروي ما هلك من عرف قدره وما ينفر الناس عن القوت إنما يتكبر عن العقول، ثم قال: وكم عسى يكفي الإنسان؟ ونروي من رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل، ونروي أن دخل نفسك شيء من القناعة فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) )(22) وجاء رجلٌ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليسأله فسمعه يقول: من سألنا أعطيناه، ومن استغنى أغناه الله فانصرف ولم يسأله، ثم عاد إليه فسمع مثل مقالته، فلم يسأله حتى فعل ذلك ثلاثاً، فلما كان في اليوم الثالث مضى واستعار فأساً وصعد الجبل فاحتطب وحمله إلى السوق فباعه بنصف صاع من شعير، فأكله هو وعياله، ثم دام على ذلك حتى جمع ما اشترى به فأساً، ثم اشترى بكرين وغلاماً، فأيسر، فصار إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أليس قد قلنا من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله)(23).

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (القناعة مال لا ينفذ)، وقال: (القناعة كنز لا يفنى)(24).

وعن أبي حمزة قال سمعته (عليه السلام) يقول: (قال الربّ تعالى: إذا صلّيت ما افترضت عليك فأنت أعبد الناس عندي وإن قنعت بما رزقتك فأنت أغنى الناس عندي)(25).

وعن أبي ذر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا أبا ذر استغن بغنى الله يغنك الله، فقلت: ما هو يا رسول الله؟ قال: غداء يوم وعشاء ليلة، فمن قنع بما رزقه الله يا أبا ذر فهو أغنى الناس)(26).

وعن الصَّادق (عليه الصلاة والسلام) أنه قال لعبد الله بن جندب في وصيته إليه: (واقنع بما قسمه الله لك، ولا تنظر إلاَّ إلى ما عندك، ولا تتمن ما لست تناله، فإن من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع)(27).

وعن الرضا (عليه السلام) أنه قال: (لا يسلك طريق القناعة إلاَّ رجلان: إما متعبد يريد أجر الآخرة أو كريم يتنزه عن لئام الناس)(28).

وعن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: (كنا عنده فرفع رأسه فقال: خذوه مني ـ إلى أن قال ـ: فمن قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس)(29).

وفي رواية الأئمَّة إلى علي (عليه الصلاة والسلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من توكل وقنع ورضي كفي الطلب)(30).

وعن علي (عليه السلام) في (الغرر) قال: (القانع غني، وإن جاع وعرى(31)، وقال: كل قانع غني(32)، وقال كل قانع عفيف(33)، وقال: كيف يستطيع صلاح نفسه من لا يقنع بالقليل)(34).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا كان غروب الشمس وكّل الله تعالى ملكاً للشمس يقول أو ينادي: أيها الناس اقبلوا على ربكم، فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وملك موكّل بالشمس عند طلوعها يقول: يابن آدم لد للموت وابن للخراب واجمع للفناء)(35).

أقول: لعل المراد طلوعها وغروبها على المعمورة أو ما أشبه.

وعن عدي بن حاتم أنه رأى أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وبين يديه ستة فيها قراح ماء وكسرات من خبز الشعير وملح، فقال: إني لا أرى لك يا أمير المؤمنين لتظل نهارك طاوياً مجاهداً وبالليل ساهراً مكابداً ثم يكون هذا فطورك، فقال (عليه السلام):

علل النفـــس بالقنـــوع وإلاَّ          طلبت منك فوق ما يكفيها

وعن علي بن الحسين (عليهما السلام) سئل عن أفضل الأعمال؟ فقال: (هو أن يقنع بالقوت، ويلزم طول السكوت، ويصبر على الأذية، ويندم على الخطيئة)(36).

وفي الغرر عن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) أنه قال: (إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة)(37)، وقال (عليه السلام): (إذا أراد الله بعبد خيراً ألهمه القناعة فاكتفى بالكفاف واكتسى بالعفاف)(38)، وقال (عليه السلام): (من قنع شبع ومن عقل قنع)(39)، وقال (عليه السلام): (من قنع بقسمه استراح)(40)، وقال (عليه السلام): (من قنع لم يغتم، ومن توكل لم يهتم)(41)، وقال (عليه السلام): (من قنع حسنت عبادته)(42)، وقال (عليه السلام): (من قنع قل طمعه)، وقال (عليه السلام): (من قنع بقسم الله استغنى، ومن لم يقنع بما قدر له تعنّى)(43)، وقال (عليه السلام): (من رضي بالمقدور اكتفى بالميسور)(44)، وقال (عليه السلام): (من عدم القناعة لم يغنه المال)(45)، وقال (عليه السلام): (من رضي بقسمه لم يسخطه أحد)(46)، وقال (عليه السلام): (من قنع برزق الله استغنى عن الخلق(47)، وقال (عليه السلام): (من قنع كفي مذلة الطلب)(48)، وقال (عليه السلام): (من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا بالكفاف)(49)، ومن قنعت نفسه أعانته على النزاهة والعفاف)(50)، وقال (عليه السلام): (الرضا بالكفاف يؤدي إلى العفاف)(51).

تربية النفس على التقشف

مسألة: تربية النفس على التقشف من أهم ركائز الناهضين، فإن الإنسان ليس له وقت يصرفه على ذاته، ووقت يصرفه لهدفه، ومن يتصور أنه يتمكن من الجمع بينهما يحتاج إلى قدر من الوقت حتى يظهر له عدم واقعية تصوره.

إن الترف بل والحياة المتوسطة بحاجة إلى مال ووقت وكلاهما ينافيان الهدفيّة. إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعش كإنسان عادي، بل رجّح الهدف فصرف من نفسه لغيره، ولو كان ذلك الغير إنساناً واحداً.

وعلي (عليه الصلاة والسلام) لو أراد أن يكون في مأكله وملبسه ومشربه ومسكنه إنساناً عادياً هل كان ذلك يضره؟ كلا لكنه أراد أن لا يصرف وقته في هذه الأشياء من ناحية، وأن يكمل نقص غيره بالتخفيف في أُموره المعاشية من ناحية ثانية، وفي المثل: (الوقت من ذهب) لكنه مثال غير دقيق، فالوقت أثمن من الذهب بما لا يقدّر.

ولذا يجب على الذين يريدون النهوض أن يعيروا هذا الأمر أكبر اهتمام، إن البعض قيل له: اذهب وبلّغ الإسلام قال: الحر أو البرد مانع عن ذلك، أو قال: لا مكان للراحة هناك، أو قال: من أين المال الذي أعيش به، أو قال: لا أذهب حتى يدعوني، أو قال: إني مشتغل هنا بالعلم ولا يريد الله مني أكثر، أو تعذر بأعذار من هذا القبيل. إنه لا يريد النهوض أو الإنهاض، وكفى بما ذكره عذراً لديه، لكن النتيجة أن الغربيين وغيرهم هم السادة، وأن المسلمين صاروا لا يعطون حتى حصة العبيد.

إني رأيت مكرراً شخصاً سائحاً غربياً كان يسيح أُلوف الفراسخ على دراجته البخارية فسألته كيف يعمل ويأكل وإلى غير ذلك؟ قال: آكل العشب والخضر من الطريق وأنام في الصيف في الشوارع وفي الشتاء في ساحات الفنادق مجاناً بإجازة أصحابها، حيث يعرف أصحاب المحلات إني سائح، فلا يأخذون مني الأُجرة، وإذا وصلت إلى محلات الوقود أعطاني أصحابها أو أصحاب السيارات المتواجدة هناك الوقود، وأغسل ملابسي بنفسي ودثاري معي. ورأيت عشرات الطلاب الذين ذهبوا إلى الغرب من أجل تحصيل العلم قالوا: إنهم يشتغلون نصف يوم حتى في أسوء الأشغال، وأدناها مثل صبغ الأحذية، وكنس الشوارع، وتنظيف صحون المطاعم، ويدرسون بقية الوقت ليوفروا المال لأنفسهم، وتاريخ المسلمين الأولين بل جملة ممن رأيناهم يزخر بمثل هذه القصص، فقد نقل لي المدرّس الأفغاني (رحمه الله)… أنه سار على قدميه من أفغان إلى النجف الأشرف، وكان ينام في الليالي في مقبرة وادي السلام. ونقل في أحوال الآخوند الخراساني صاحب الكفاية أنه جاء إلى طهران قاصداً النجف وحيث لم يجد المال لسفره بقي هناك مدة حتى حصل على عبادة عشرين سنة صلاة وصوماً بمبلغ مائة تومان، (والقوة الشرائية لهذا المبلغ في هذا اليوم مائة قرص من الخبز) وبذلك جاء إلى النجف ودرس حتى وصل إلى ما وصل. وقال لي أحد مراجع التقليد: إنه كان يشتغل عامل بناء نصف يوم لمعاشه حتى يديم الدراسة ونقل عن أحد المراجع: إنه سار من قرية في يزد إلى النجف راجلاً، لأنه لا يملك المال للركوب والسيد أبو الحسن الأصفهاني (رحمه الله) لم تكن له أجرة استئجار دار في النجف ولذا كان قد أسكن عائلته في غرفة من غرف مسجد الكوفة، وكان يأتي راجلاً إلى النجف صباحاً للدراسة وقبيل الغروب يرجع راجلاً إلى المسجد، وبين المسجد وبين النجف ما يُقارب الفرسخ، إلى أُلوف القصص المماثلة.

إن النهضة لا تقوم على الناس العاديين فكيف بمن يفكر بحياة رغيدة ولذا قال الله سبحانه: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين)(52).

وما يجده الإنسان من طائفتين من الروايات، طائفة التقشف وطائفة التعارف إنما هما لهذين الشأنين فالأُولى للناهضين والثانية للعاديين وحيث ذكرنا الروايات في كتاب (الزهد) فلا داعي لتكرارها.

فالزاهدون في الدنيا يتمكنون من النهوض والإنهاض، وهم اليقظون القادرون على الإيقاظ والمتحركون القادرون على التحرك أما المشتغلون بزينة الدنيا وزخارفها، والذين قلوبهم معلقة بالأهواء والرئاسات وما أشبه فهم بمعزل عن ذلك كله والنبيّ الأعظم وآله الأطهار والأنبياء (عليهم الصَّلاة والسلام) وأوصيائهم وأولياء الله هم أفضل مثال لترك الدنيا والزهد فيها، ولذا تمكنوا من هداية الناس، ثم ان الزاهد مربوط بالله فيستجاب دعاءه فيما يدعو من نجاح هدفه والله الموفق المستعان.

الاستغناء عن الوسائل الحديثة

مسألة: من الضروري على التيار الذي يريد الاكتفاء الذاتي للوصول إلى الدولة الإسلامية العالمية إن شاء الله تعالى أن يهتم بالعمل اليدوي في كافة مرافق الحياة، كتربية الدواجن، والغزل، والطحن، والخبز، والغسل والحرث، والحصاد، والبناء، والنجارة، والنسج، إلى غير ذلك من حاجيات الحياة وأن يكون كل ذلك بدون الوسائل الحديثة، فإنه يوجب الاستغناء عن الاستعمار أكبر قدر ممكن، وذلك بالإضافة إلى الاكتفاء الذاتي ودوران الحياة مدارها الصحيح يورث البهجة في الحياة والصحة في الجسم والتعاون على الخير وتماسك العائلة وتقوية المجتمع إلى غيرها، ولذا ورد في الروايات المتواترة في التحريض على أمثال هذه الأُمور.

فعن الجعفريات بسند الأئمَّة إلى علي بن أبي طالب (عليهم السلام) في قول الله تبارك وتعالى: (وإنه هو أغنى وأقنى)(53) قال: (أغنى كل إنسان بمعيشته وأرضاه بكسب يده)(54).

وعن الحسن بن الحسن (عليه السلام) قال لأبي عبد الله (عليه السلام): (والله إني لأعلم منك وأسخى منك وأشجع منك، فقال: أما ما قلت إنك أعلم مني فقد أعتق جدي وجدك ألف نسمة من كد يده فسمهم لي وأن أحببت أن أسميهم لك إلى آدم فعلت)(55).

وفي مجمع البيان روى (أنهم أي الحواريين اتبعوا عيسى (عليه السلام) وكانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح الله جعنا، فيضرب بيده على الأرض سهلاً كان أو جبلاً فيخرج لكل إنسان منهم رغيفين يأكلهما، فإذا عطشوا قالوا: يا روح الله عطشنا، فيضرب بيده على الأرض سهلاً كان أو جبلاً فيخرج ماءً فيشربون، قالوا: يا روح الله من أفضل منا إذا شئنا أطعمتنا وإذا شئنا سقيتنا وقد آمنا بك واتبعناك قال: أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه، فصاروا يغسلون الثياب بالكرى)(56).

وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ولقد كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كاف لك في الأُسوة ـ إلى أن قال ـ: وإن شئت ثلثت بداود صاحب المزامير وقارئ أهل الجنة فلقد كان يعمل سفاسيف الخوص بيده ويقول لجلسائه: أيكم يكفيني بيعها ويأكل قرص الشعير من ثمنها)(57).

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من أكل من كد يده مر على الصراط كالبرق الخاطف)(58).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من أكل من كد يده حلالاً فتح له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)(59).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (من أكل من كد يده نظر الله إليه بالرحمة، ثم لا يعذبه به أبداً)(60).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (مــــن أكل مـــن كد يده يكون يوم القيامة في عداد الأنبيـــاء، ويأخذ ثـــواب الأنبياء)(61).

وعن عامر بن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله عزّ وجلّ حين أهبط آدم (عليه السلام) من الجنة أمره أن يحرث بيده فيأكل من كدها بعد نعيم الجنة)(62).

وعن سعيد بن جبير قال سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي كسب الرجل أطيب؟ قال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) من عمل البيت العجن، والخبز، وقم البيت، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب، نقل الحطب، وأن يجيء بالطعام)(63).

وروي: (ان أمير المؤمنين (عليه السلام) لما كان يفرغ من الجهاد يتفرغ لتعليم الناس والقضاء بينهم، فإذا فرغ من ذلك اشتغل في حائط له يعمل فيه بيديه، وهو مع ذلك ذاكر الله تعالى)(64).

وفي الدعائم عن علي (عليه الصلاة والسلام) انه كان يعمل بيده ويجاهد في سبيل الله ـ إلى أن قال ـ: (وأقام على الجهاد أيام حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنذ قام بأمر الناس إلى أن قبضه إليه، وكان يعمل في ضياعه ما بين ذلك، فاعتق ألف مملوك كل من كسب يده)(65).

وعنه (عليه الصلاة والسلام) أنه قال: (ينبغي للمسلم أن يلتمس الرزق حتى تصيبه الشمس)(66).

وعن أبي البختري عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) قال: (تقاضى علي وفاطمة (صلوات الله عليهما) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخدمة، فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب، وقضى على عليّ (عليه السلام) بما خلفه، الحديث)(67).

وعن الصَّادق (عليه الصلاة والسلام) قال: (كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يضرب بالمر ويستخرج الأرضين، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمص النوى بفيه ويغرسه، الحديث)(68).

وعن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) قال: (أوحى الله إلى داود (عليه السلام): إنك نعم العبد، لولا أنك تأكل من بيت المال، ولا تعمل بيدك شيئاً، قال: فبكى داود (عليه السلام) أربعين صباحاً، فأوحى الله إلى الحديد: أن لن لعبدي داود، فألان الله عزّ وجلّ له الحديد، فكان يعمل في كل يوم درعاً فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة وستين درعاً، فباعها بثلاثمائة وستين ألفاً، واستغنى عن بيت المال)(69).

وعن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام): (ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضع حجراً على الطريق يرد الماء عن أرضه، فوالله ما نكب به بعيرٌ ولا إنسان حتى الساعة)(70).

وعن زرارة: ان رجلاً أتى أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: (إني لا أحسن أن أعمل عملاً بيدي ولا أحسن أن أتجر، وأنا محارف محتاج، فقال (عليه السلام): اعمل، فاحمل على رأسك واستغن عن الناس، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حمل حجراً على عنقه فوضعه في حائط من حيطانه، وأن الحجر لفي مكانه، ولا يدري كم عمقه، إلاَّ أنه تمّ)(71).

وعن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه قال: (رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق فقلت: جعلت فداك أين الرجال؟ فقال كان: أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) يحتطب، ويستقي، ويكنس، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز)(72).

وقال أبو عبد الله (عليه الصلاة والسلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحلب عنز أهله)، وفي رواية أخرى: (ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكنس بيته ويغسل ثوبه)(73).

وعن داود بن سرحان قال رأيت أبا عبد الله (عليه الصلاة والسلام) يكيل تمراً بيده، فقلت: جعلت فداك لو أمرت بعض ولدك أو بعض مواليك فيكفيك؟ قال: (يا داود إنه لا يصلح المرء المسلم إلاَّ ثلاثة: التّفقه في الدين، والصبر على النائبة، وحسن التقدير في المعيشة)(74).

وعن أُم الحسن النخعية قالت: (مر بي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) فقال: أي شيء تصنعين فقالت أُم الحسن: أغزل. فقال: أما أنه أحل الكسب، وفي رواية أُخرى: أنه من أجل الكسب)(75).

الإسراف

مسألة: ثم اللازم الوقوف بشدة أمام الإسراف، حيث أنه محرم شرعاً، قبيح عقلاً، مذموم عرفاً، وعدم الإسراف من بنود الاكتفاء الذاتي، والاقتصاد الوطني، وقد ورد في ذلك سلباً وإيجاباً روايات كثيرة.

فمن الروايات الإيجابية: ما جاء عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن في حكمة آل داود: ينبغي للمسلم العاقل أن لا يرى ضاعناً إلاَّ في ثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير ذات محرم، وينبغي للمسلم العاقل أن يكون له ساعة يستريح بها إلى عمله فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ، وساعة يلاقي إخوانه الذين يفاوضهم ويفاوضونه في أمر آخرته، وساعة يخلي نفسه ولذتها في غير محرم، فإنّها عون على تلك الساعتين)(76).

وعن الصَّادق (عليه الصلاة والسلام) قال: (إصلاح المال من الإيمان)، وفي رواية أُخرى عنه (عليه الصلاة والسلام) قال: (عليك بإصلاح المال، فإن فيه منبهة للكريم، واستغناء عن اللئيم)(77).

وعن أبي جعفر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (من المروءة استصلاح المال)(78).

وعن أبي عبد الله (عليه الصلاة والسلام) أنه قال لعبيد: (يا عبيد إن السرف يورث الفقر، وإن القصد يورث الغنى)(79).

وقال: الإمام (عليه الصلاة والسلام) في رواية أُخرى: (ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر)(80).

وعن ذريح المحاربي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا أراد الله بأهل بيت خيراً رزقهم الرفق في المعيشة)(81).

وعن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (من علامات المؤمن ثلاث: حُسن التقدير في المعيشة، الصبر على النائبة، والتفقه في الدين)، وقال: (ما خير في رجل لا يقتصد في معيشته ما يصلح لا لدنياه ولا لآخرته)(82).

وعن عبد الله بن سنــــان عن أبي عبد الله (عليه الصلاة والسلام) في قول الله عزّ وجلّ: (ولا تـــجعل يدك مغلـــولة إلى عنقك)(83) قال: (فضم يده وقال: هكذا: (ولا تبسطها كل البسط) قال: فبسط راحته وقال: هكذا)(84).

وعن الحرث الأعور قال: قال أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) لابنه الحسن: (يا بني ما المروءة؟ فقال: العفاف واستصلاح المال)(85).

وفي نهج البلاغة في وصيته للحسن (عليهما السلام): (وحفظ ما في يدك أحب إليَّ من طلب ما في يد غيرك)(86).

وفي رواية الجعفريات بسند الأئمَّة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (وما عال امرؤ في اقتصاد). وفي رواية أُخرى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا أراد الله بأهل بيت خيراً فقّههم في الدين، ورزقهم الرفق في معايشهم، والقصد في شأنهم)(87).

وفي رواية عن عيسى بن موسى قال: (قال الصَّادق (عليه الصلاة والسلام): يا عيسى المال مال الله جعله الله ودائع عند خلقه وأمرهم أن يأكلوا منه قصداً ويشربوا منه قصداً، ويلبسوا منه قصداً، وينفقوا منه قصداً ويركبوا منه قصداً، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين، فمن تعدى ذلك كان ما أكله حراماً، وما شرب منه حراماً، وما لبسه منه حراماً، وما أنكحه منه حراماً، وما ركبوا منه حراماً)(88).

وعن حماد بن عيسى عن الصَّادق (عليه السلام) قال: قال لقمان لابنه في حديث: (وكن مقتصداً، ولا تمسكه تقتيراً، ولا تعطه تبذيراً)(89).

وفي كلمات قصار عن أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) نقلها الأمدي في الغرر قال: (الاقتصاد ينمي القليل، الاقتصاد ينمي اليسير، الاقتصاد نصف المؤونة، لم يهلك من اقتصد، ليس في الاقتصاد تلف، ومن لم يحسن الاقتصاد أهلكه الإسراف، من اقتصد خففت عليه المؤونة، من اقتصد في الغنى والفقر فقد استعد لنوائب الدهر، من صحب الاقتصاد دامت صحبة الغنى له، من المروءة أن تقتصد فلا تسرف وتعد فلا تخلف)(90).

ومن الروايات الناهية عن الإسراف والتي عبرنا عنها بالسلبية: (ما رواه عامر بن جذاعة، قال: دخل على أبي عبد الله (عليه السلام) رجل فقال: يا أبا عبد الله قرضاً إلى ميسرة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إلى غلة تدرك، فقال: لا والله فقال: إلى تجارة تؤدي؟ فقال: لا والله، قال: فإلى عقدة تباع؟ فقال: لا والله فقال: فأنت إذاً ممّن جعل الله له في أموالنا حقاً، فدعا أبو عبد الله (عليه السلام) بكيس فيه دراهم فأدخل يده فناوله قبضة، ثم قال: اتقِ الله، ولا تسرف، ولا تقتر، وكن بين ذلك قواماً، إن التبذير من الإسراف، قال الله تعالى: (ولا تبذر تبذيراً)(91) إن الله لا يعذب على القصد)(92).

وفي رواية علي بن جذاعة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (اتقِ الله ولا تسرف، ولا تقتر، وكن بين ذلك قواماً، إن التبذير من الإسراف، قال تعالى: (ولا تبذر تبذيراً) إن الله لا يعذب على القصد، إلى غيرها من روايات الإسراف)(93).

بل ربما يعد من الإسراف أن يتفوق الإنسان على متعارف الناس، ففي رواية عن حماد بن عثمان، قال: أصاب أهل المدينة قحط حتى أقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير، ويأكله ويشتري ببعض الطعام، وكان عند أبي عبد الله (عليه السلام) طعام جيد قد اشتراه أول السنة، فقال لبعض مواليه: (اشترِ لنا شعيراً فاخلطه بهذا الطعام أو بعه، فإنا نكره أن نأكل جيداً ويأكل الناس رديئاً)(94).

وعن معتب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (وقد زيد السعر بالمدينة، كم عندنا من طعام؟ قال: قلت: عندنا ما يكفينا أشهراً كثيرة، قال أخرجه وبعه، قال قلت له: وليس بالمدينة طعام قال: بعه، فلما بعته قال: اشتر مع الناس يوماً بيوم، وقال: يا معتب اجعل قوت عيالي نصفاً شعيراً ونصفاً حنطة، فإن الله يعلم أني واجد أن أطعمهم الحنطة على وجهها، ولكني أحببت أن يراني الله قد أحسنت تقدير المعيشة)(95).

بل في الروايات أنه لا يستجاب دعاء من أسرف بصورة ما ولو بصورة إعطاء الدين بدون الكتابة مما سبب ذلك فوت ماله وذلك لوضوح أنه نوع من السرف والتلف والتبذير.

فعن حماد الحارثي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خمسة لا يستجاب لهم: رجل جعل الله بيده طلاق امرأته فهي تؤذيه وعنده ما يعطيها ولم يخلِ سبيلها، ورجل أبق مملوكه ثلاث مرّات ولم يبعه، ورجل مر بحائط مائل وهو يقبل إليه ولم يسرع المشي حتى سقط عليه، ورجل أقرض رجلاً مالاً لم يشهد عليه، ورجل جلس في بيته وقال: اللَّهُمَّ أرزقني ولم يطلب)(96).

وفي رواية الإمام العسكري (عليه الصلاة والسلام) قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ثلاثة لا يستجيب الله لهم بل يعذبهم ويوبخهم: أما أحدهم فرجل ابتلى بامرأة سوء فهي تؤذيه وتضاره وتعيب عليه دنياه ويبغضها ويكرهها وتفسد عليه آخرته فهو يقول: اللَّهُمَّ يا رب خلصني منها، يقول الله: يا أيها الجاهل خلصتك منها وجعلت طلاقها بيدك والتخلص منها طلاقها وانبذها عنك نبذ الجورب، لخلق المذق، والثاني رجل مقيم في بلد واستوبله ولا يحضر له في كل ما يريده وكل ما ألتمسه حرمة يقول: اللَّهُمَّ يا رب خلصني من هذا البلد الذي استوبلته ـ أي وجدته وبيلاً ـ يقول الله عزّ وجلّ: يا عبدي قد خلصتك من هذا البلد فقد أوضحت لك طُرق الخروج منه ومكنتك من ذلك فاخرج منه إلى غيره فاجتلب عافيتي واسترزقني، والثالث رجل أوصاه الله تعالى بأن يحتاط لدينه بشهود وكتاب فلم يفعل ودفع ماله إلى غيره ثقة بغير وثيقة فجحده أو بخسه فهو يقول: اللَّهُمَّ رد عليَّ، قال الله عزّ وجلّ: قد علمتك كيف تستوثق لمالك ليكون محفوظاً لأن لا يتعرض للتلف فأبيت وأنت الآن تدعوني وقد ضيعت مالك وأتلفته وخالفت وصيتي فلا أستجيب لك)(97).

أقول: لعل الاختلاف في الروايات في العدد من باب المهم بالنسبة إلى الطرف. والمراد بعدم استجابة الدعاء الاقتضاء لا العلية التامة كما ذكرناه في كتبنا مكرراً.

وفي رواية عن الصَّادق (عليه الصلاة والسلام) قال: (أربعة لا يُستجاب لهم دعاء: رجل جالس في بيته يقول: يا رب ارزقني فيقول له: ألم آمرك بالطلب، ورجل كانت له امرأة فدعا عليها، فيقول له: ألم أجعل أمرها بيدك، ورجل كان له مال فأفسده فيقول: يا رب ارزقني، فيقول له: ألم آمرك بالاقتصاد. ألم آمرك بالإصلاح ثم قرأ: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً)(98) ورجل كان له مال فأدانه بغير بينه، فيقول: ألم آمرك بالشهادة)(99).

ولا يخفى أن الأعداد من باب المثال، وإلا فالإنسان المريض الذي لا يراجع الطبيب ويقول: اللَّهُمَّ اشفني أيضاً داخل هذا الأمر وكذلك الذي يسير في الطريق على غير هدى وفيها لص أو حيوان فيقول: اللَّهُمَّ خلصني، وكأن الروايات إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى إذا جعل طريقاً إلى شيء فلم يسلك الإنسان ذلك الطريق وطلب من الله النتيجة بدون السلوك يُقال له: ذلك، فإن ملاك هذه الروايات موجود في تلك الكلية التي ذكرناها.

وعلى أي حال يدل على لزوم الاكتفاء الذاتي، والاقتصاد، وإصلاح المال، مرمة المعاش، وعدم السرف، والترف، والتضييع جملة من الروايات الواردة حول شراء الحنطة أو الدقيق والخبز فإنها تدل على لزوم أن يكون للإنسان في داره تنور ورحى، يشتري الحنطة فيطحنها بنفسه، يخبزها، ويعملها بنفسه وعائلته، لا أن يشتري الدقيق أو الخبز، وملاكه آت في سائر الأُمور، كطعام السوق وطعام الدار، ولباس السوق، ولباس الدار، وفراش السوق وفراش الدار، إلى غير ذلك، فاللازم على الإنسان أن ينظم حياته على هذا المنوال، وبعد ذلك ينظم حياته على ما يوجد في البلد وبعد ذلك ينظم حياته على ما يوجد في سائر البلدان الإسلامية، حتى لا تصل النوبة إلى البلاد الأجنبية.

فعن عباد بن حبيب قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول شراء الحنطة ينفي الفقر، وشراء الدقيق ينشئ الفقر، وشراء الخبز محق، قال قلت له: أبقاك الله فمن لم يقدر على شراء الحنطة؟ قال: ذلك لمن يقدر ولا يفعل)(100).

وعن أبي الصباح الكناني قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (يا أبا الصباح شراء الدقيق ذل وشراء الخبز فقر، فنعوذ بالله من الفقر).

وعن بعضهم عن الصَّادق (عليه الصلاة والسلام) قال: (من مر العيش النقلة من دار إلى دار وأكل خبز الشراء)(101).

أقول: من الواضح أن المراد بالجملة الأُولى في الحديث أن يكون للإنسان دار لنفسه، لا أن تكون داره دار إيجار، وهذا أيضاً من الاكتفاء الذاتي.

وعن محمد بن الفضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إذا كان عندك درهم فاشــــتر بـــه الحنطة فـــإن المحق في الدقيق)(102).

وعن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (من اشترى الحنطة زاد ماله، ومن اشترى الدقيق ذهب نصف ماله، ومن اشترى الخبز ذهب ماله)(103).

ولا يخفى أن من هذا الباب أيضاً ما ورد من استحباب المماكسة والتحفظ من الغبن، فعن الحسين بن يزيد قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وقد قال له أبو حنيفة؛ عجب الناس منك أمس وأنت بعرفة تماكس ببدنك أشد مماكسة، قال فقال له أبو عبد الله (عليه الصلاة والسلام): وما لله من الرضا أن أغبن في مالي)(104).

وعن الصدوق (رحمه الله) قال: (قال أبو جعفر (عليه الصلاة والسلام) ماكس المشتري فإنه أطيب للنفس وأن أعطى الجزيل، فإن المغبون في بيعه وشرائه غير محمود، ولا مأجور)(105).

وفي رواية عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال: (المغبون لا محمود ولا مأجور)(106).

وفي صحيفة الرضا عن آبائه (عليه الصلاة والسلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (المغبون لا محمود ولا مأجور)(107).

استدراك

ثم انه ربما يحمل ما ذكرناه من أقسام الاكتفاء الذاتي على أنه نكوص عن الحاضر المؤلم إلى الماضي المشرق على ما يقرره علم النفس، فإن علماء النفس قرروا بأن من عادة الفاشلين الذين كان لهم سابق زاهر النكوص للماضي، والاحتماء بأمجاده وأيامه السعيدة، فالشيخ الهرم الذي لم يعد له حاضر أو لم يبق له أمل في الغد يهرب من واقعه المؤلم في الحال الحاضر إلى ماضيه المشرق، حيث يستعيد ذكريات الشباب بأمجاده وقوته ونشاطه ومكانته الاجتماعية وما إلى ذلك.

والفشل على أي صعيد حيوي بشكل يمس القيم والاعتبار الذاتي يدفع بصاحبه أحياناً إذا أوصدت أمامه أبواب المستقبل إلى الاحتماء إلى ماضيه المشرق، ويجد في تلك الفترة ملاذاً وتسلية، والإنسان يريد بذلك أن يبعد عن نفسه تهديد انعدام القيمة بالقيمة التي كان يتمتع بها ماضياً، ويستبدل الصورة اليائسة من الوجود الراهن بأكثر الصور مجداً وإشراقاً في الماضي، وهذا الهروب الخيالي الذي لا يغير من الواقع شيئاً ليس إلاَّ سراباً خادعا، وحتى الإنسان نفسه أحياناً يخادع نفسه في أنه كان له ماضي مشرق، بينما لم يكن له ذلك الماضي المتوهم.

ويزداد التمسك بالماضي عادة والنكوص إليه بمقدار شدة الآلام المعنوية الحاضرة، من ناحية، وإغراءات الماضي السعيد من ناحية ثانية فيريد الإنسان إعادة ذلك الماضي السعيد ويمارس عملية تزين له من خلال طمس عثراته من جانب، والمبالغة في تضخيم حسناته من جانب آخر، وهكذا يتحول الماضي إلى عالم من السعادة والهناء والمجد والاعتبار، ويتصور الإنسان بهذا التصور الخيالي أنه يضمن من ثنايا هذا الأمر أملاً في التقليل من ألم الحاضر بوصل المستقبل بأمجاد الماضي أو استعادة هذه الأمجاد في مستقبل قريب أو بعيد، وبذلك يزعم أنه يحتفظ بقدرته على مجابهة الحاضر الذي يشكل تحديات لا قبل له بها، لكن يستمر في العيش بحد أدنى من التوازن، وهذا هو حال الإنسان المقهور في أي جانب من جوانب الحياة، المادية، أو المعنوية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو السياسية، أو التربوية، أو غير ذلك، وغالباً ما نجد الأُمم في عصر النهضة الذين تأخروا عن النهضة وفاتهم القطار يفكرون في هذا الشيء في كل جانب من جوانب الحياة الماضية، سواء كانوا ملحدين أو مؤمنين مسلمين أو غير مسلمين أصحاب كتاب أو غير أصحاب كتاب.

ويتوهم أن ما ذكرناه في حقل الطب وغيره صغرى من صغريات هذه الكلية التي يذكرها علماء النفس، لكن ليس الأمر كذلك.

بل إنه حقيقة واقعية في الماضي ومترقب مرجو في المستقبل، لا أحد ينكر حالة الصحة العمومية في الماضي مما فقدته البشرية في كل العالم في الحال الحاضر، خصوصاً في العالم الثالث الذي يشكل المسلمون قطاعاً كبيراً منه، كما لا أحد ينكر أن المستقبل المشرق لا يكون إلاَّ بشد الأحزمة وتحمل الصعوبة حتى يتمكن الإنسان من المستقبل المرتقب.

وكما يلزم على الفرد تحمل الحاضر المؤلم لمستقبل يحفه اليسر والهناء كذلك بالنسبة إلى الأُمة.

ولا شك في أن العالم الإسلامي تأخر تأخراً فظيعاً، بحيث كان في مقدمة الركب فصار في ذيل القافلة، بل تأخره يزداد يوماً بعد يوم، فإذا أردنا تقديم الأُمة إلى الأمام يلزم علينا الرجوع إلى الماضي، وتحمل الصعوبة حتى تنقلع جذور الاستعمار عن بلاد الإسلام… وترجع إلى المسلمين صحتهم المفقودة...

 

1 ـ الكافي ج2 ص111 ح3.

2 ـ سورة التوبة: الآية 55.

3 ـ سورة الحجر: الآية 88.

4 ـ الكافي ج2 ص111 ح1.

5 ـ الكافي ج2 ص111 ح2.

6 ـ الكافي ج2 ص112 ح6.

7 ـ الكافي ج2 ص112 ح5.

8 ـ الكافي ج2 ص111 ح4.

9 ـ الكافي ج2 ص112 ح8.

10 ـ الكافي ج2 ص112 ح9.

11 ـ الكافي ج2 ص113 ح11.

12 ـ تحف العقول ص318.

13 ـ مثله في البحار ج69 ص399، ونهج البلاغة حكم 371.

14 ـ الكافي ج8 ص243 ح337.

15 ـ الكافي ج2 ص113 ح10.

16 ـ تحف العقول ص42 ح33.

17 ـ فقه الرضا (عليه السلام) ص364 باب القناعة.

18 ـ تحف العقول ص452.

19 ـ مصباح الشريعة ص202 و203.

20 ـ فقه الرضا (عليه السلام) ص364 باب98 باب القناعة، نحوه الكافي ج2 ص112 ح8، مشكاة الأنوار ص130 و131.

21 ـ سورة الحجر: الآية 88.

22 ـ فقه الرضا (ع) ص 364 باب القناعة، الفقيه ج4 ص285 ح34، الكافي ج2 ص113 ح11.

23 ـ الكافي ج2 ص111 ح1 و2 و3 وص112 ح7.

24 ـ نهج البلاغة ص478.

25 ـ انظر البحار ج73 ص168 باب129 فضل القناعة.

26 ـ مكارم الأخلاق ص469 وصية النبي لأبي ذر.

27 ـ تحف العقول ص351 س8.

28 ـ البحار ج78 ص349.

29 ـ تحف العقول ص318 ح5.

30 ـ انظر البحار ج73 ص168 باب129 فضل القناعة.

31 ـ غرر الحكم ج1 ص52 ح1446.

32 ـ غرر الحكم ج2 ص544 ح5.

33 ـ غرر الحكم ج2 ص546 ح57.

34 ـ غرر الحكم ج2 ص553 ح6.

35 ـ انظر البحار ج73 ص1 باب122 حب الدنيا.

36 ـ انظر البحار ج73 ص168 باب129 فضل القناعة.

37 ـ غرر الحكم ج1 ص314 ح83.

38 ـ غرر الحكم ج1 ص322 ح163.

39 ـ غرر الحكم ج2 ص613 ح66.

40 ـ غرر الحكم ج2 ص614 ح95.

41 ـ غرر الحكم ج2 ص616 ح130.

42 ـ غرر الحكم ج2 ص617 ح153.

43 ـ غرر الحكم ج2 ص632 ح409و410.

44 ـ غرر الحكم ج2 ص634 ح436.

45 ـ غرر الحكم ج2 ص635 ح455.

46 ـ غرر الحكم ج2 ص639 ح526.

47 ـ غرر الحكم ج2 ص655 ح775.

48 ـ غرر الحكم ج2 ص656 ح792.

49 ـ غرر الحكم ج2 ص672 ح999.

50 ـ غرر الحكم ج2 ص672 ح1000.

51 ـ غرر الحكم ج2 ص678 ح1073، وغرر الحكم ج1 ص57 ح1549.

52 ـ سورة التوبة: الآية 24.

53 ـ سورة النجم: الآية 48.

54 ـ الوسائل ج12 ص24 ج12 ب9، معاني الأخبار ص214.

55 ـ قطعة منه الوسائل ج12 ص22 ب149.

56 ـ البحار ج14 ص276.

57 ـ نهج البلاغة (صبحي الصالح) ص226.

58 ـ البحار ج103 ص9.

59 ـ البحار ج103 ص10.

60 ـ البحار ج103 ص9.

61 ـ البحار ج103 ص10.

62 ـ الوسائل ج12 ص52 أبواب ما يكتسب به.

63 ـ انظر البحار ج103 ص1 أبواب المكاسب.

64 ـ البحار ج103 ص16، انظر الفقيه ج3 ص99 القضاء.

65 ـ انظر التهذيب ج6 ص326، البحار ج41 ص37.

66 ـ انظر البحار ج103 ص1 أبواب المكاسب.

67 ـ انظر الوسائل ج12، أبواب المكاسب.

68 ـ الوسائل ج12 ص22 ح2 ب1، الكافي ج5 ص74 ح2.

69 ـ الوسائل ج12 ص22 ح3 ب9، الكافي ج5 ص74 ح5، تفسير نور الثقلين ج3 ص449، البحار ج14 ص13، الفقيه ج3 ص99، التهذيب ج6 ص326.

70 ـ الوسائل ج12 ص22 ح4 ب9، الكافي ج5 ص75 ح7.

71 ـ الوسائل ج12، ص22 ح5 ب9، الكافي ج5 ص76 ح14.

72 ـ الفقيه ج3 ص98، الوسائل ج12 ص23 ح6 ب9، وص24 ح10 ب9، الكافي ج5 ص75 ح10 وص86 ح1.

73 ـ الكافي ج5 ص86 ح2.

74 ـ الكافي ج5 ص87 ح4.

75 ـ الوسائل ج12 ص174 ح1 ب64، الكافي ج5 ص311 ح32.

76 ـ الوسائل ج12 ص40 ح1 ب21، الكافي ج5 ص87 ح1.

77 ـ الوسائل ج12 ص40 ح212، الفقيه ج3 ص102 ح52، الكافي ج5 ص87 ح3.

78 ـ الوسائل ج12 ص40 ب21، الفقيه ج3 ص102 ح51.

79 ـ الوسائل ج12 ص41 ح1 ب22، الفقيه ج3 ص107 ح94.

80 ـ الوسائل ج12 ص41 ح2 ب22، الفقيه ج3 ص102 ح57.

81 ـ الوسائل ج12 ص42 ح7 ب22، الكافي ج5 ص88 ح5.

82 ـ الوسائل ج12 ص42 ح8 ب22.

83 ـ سورة الإسراء: الآية 29.

84 ـ الوسائل ج12 ص42 ح9 ب22.

85 ـ نحوه الوسائل ج12 ص40 ب21، الكافي ج5 ص87، باب إصلاح المال.

86 ـ نهج البلاغة ص402.

87 ـ نحوه الوسائل ج12 ص42 ح7، الكافي ج5 ص88 ح5.

88 ـ البحار ج103 ص16، مستدرك الوسائل ج2 ص423، البحار ج79 ص304 مثله.

89 ـ إرشاد الديلمي ص111، وصية لقمان لابنه.

90 ـ راجع غرر الحكم ص98.

91 ـ سورة الإسراء: الآية 26.

92 ـ انظر البحار ج71 ص344، الاقتصاد وذم الإسراف.

93 ـ انظر البحار ج71 ص344، الاقتصاد وذم الإسراف.

94 ـ الكافي ج5 ص166 ح1.

95 ـ الكافي ج5 ص166 ح2.

96 ـ الخصال ج1 ص299 ح71، الوسائل ج15 ص270 ح5 ب3.

97 ـ قطعة منه عن الصَّادق (ع) في الخصال ص160 ح208، والوسائل ج15 ص270 ح4 ب3.

98 ـ سورة الفرقان: الآية 67.

99 ـ الوسائل ج4 ص1159 ح2 ب50، الكافي ج2 ص370 ح2.

100 ـ الكافي ج5 ص166 ح1، الوسائل ج12 ص322 ح1 ب33.

101 ـ الكافي ج5 ص167 ح3، والوسائل ج12 ص322 ح2 ب33، الفقيه ج3 ص170 ح8.

102 ـ الوسائل ج2 ص323 ح4 باب32.

103 ـ الكافي ج5 ص167 ح2.

104 ـ الوسائل ج12 ص335 ح1 ب45، فروع الكافي ج1 طبع قديم ص314.

105 ـ الوسائل ج12 ص335 ح2 ب45، الفقيه ج3 ص122 ح26.

106 ـ الوسائل ج12 ص335 ح3 ب45، عيون الأخبار طبعة قديمة ص211.

107 ـ صحيفة الرضا ص102 ح47، عيون الأخبار ج2 ص47، ح184، البحار ج103 ص94 ح12.