| المؤلفات |
|
الاقتصار على الوسائل البدائية في سبيل الاستغناء |
|
إذا توقف الأمر في نجاة المسلمين يمكن حصر وسائل الطعام والشراب واللباس والمسكن ونحوها بالأُمور البدائية التي استفاد منها البشر من أُلوف السنوات، مثل حصر وسائل الطعام والشراب بالأواني الفخارية، فإنها بالإضافة إلى نظافتها وصحتها توجب العمل اليدوي والاكتفاء الذاتي وما لا يمكن إنجازه بالفخار كالطبخ أكثر من سائر الأواني يصنع من الحجر، ولدى الاضطرار من النحاس ونحوه، كما أن الحبل وأغطية الأواني والسابل والخوان والحصران وعشرات الأشياء الأُخرى يمكن صنعها من خوص النخل. أما الفرش، ففي الصيف من النخيل وفي الشتاء من الجلد المغطى بالصوف كجلود الأغنام ونحوها، أما البيوت فتبنى بالطين والتبن والآجر والجص والفخار والأخشاب التي تصنع في نفس البلاد بلا حاجة إلى الوسائل الحديثة إطلاقاً، وكذلك تبنى المساجد والمدارس والحسينيات والمستوصفات والمستشفيات والحمامات والدكاكين وسائر الأبنية بهذه الوسائل التي لا تحتاج لا إلى المعامل ولا إلى الطلب من الخارج والاستيراد من البلاد الأجنبية. والشوارع ترصف بالبلاط المصنوع من المرمر والآجر ونحوهما، كما كان في الزمن السابق وقد تقدمت مسألة الألواح، الخشبية، والحبر الدخاني، والقلم القصبي لأجل الكتابة، وهكذا يصنع الصابون من الزيت والزيتون المحلي وفرشاة الأسنان من شجر الأراك كما تقدم اقتناء الدواجن لأجل الطعام والبيض ومشتقاتهما، وجعل الحدائق في البيوت لأجل الحبوب والخضر والفواكه، كما يمكن حفر الآبار للماء غير المشروب ويمكن تحصيل مياه الشرب بواسطة القرب والسقائين والدواب، ثم يصب في الحباب الفخارية إلى غير ذلك من سائر وسائل الاكتفاء الذاتي. هذا كله فيما لو اقتضى الأمر ذلك ولم يكن صنع الوسائل الحديثة في البلاد الإسلامية. |
|
الاكتفاء الذاتي في وسائل النقل |
|
مسألة: إذا توقف الأمر في نطاق النجاة، يمكن الاستفادة من الخيل والبغال والحمير ومن القوارب الشراعية، ومن العربات التي تجرها الخيول في الأسفار وكذلك في حمل المتاع ونحوه، وذلك ليس بمعنى عدم تقدير الوسائل الحديثة حق قدرها، فإنها من أحسن الآلات في الحمل والنقل والركوب ونحوها التي منحها الله سبحانه للإنسان، قال تعالى: (ويخلق ما لا تعلمون)(1) وقد فسرها البعض بالوسائل الحديثة وليس ذلك بعيداً كل البعد، حيث أن كلّ شيء في الحياة من خلق الله تعالى إمّا بدون سبب إنسان، أو بسبب إنسان، قال سبحانه: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)(2) بل ما ذكرناه بمعنى الرجوع إلى الاكتفاء الذاتي إذا توقف الأمر عليه إلى حين الاستقلال الكامل ثم نبدأ بالاستفادة من الوسائل الحديثة في نطاق الأمة الواحدة والدولة الواحدة، والنظام الإسلامي المطبق، والحريات المتوفرة التي منحها الله للإنسان، مما ألمحنا إليها في الصياغة وغيرها، إن كلّ خطوة من خطوات الابتعاد عن الغرب والشرق معناها، خطوة إلى الاستقلال والحرية والدولة الإسلامية، وقد ورد في الأحاديث طائفة كبيرة في مدح هذه الحيوانات. وهنا سؤال: وهو هل إنا نمنع الناس من الوسائل الحديثة؟. والجواب: لا، فإنه خلاف ما ندعو إليه، من الحريات الإسلامية أولاً، وخلاف ما نريده من استقطاب الكل حول الحرية الإسلامية ثانياً، بل إنا ندعو من يريد الانخراط في سلك الإنقاذ إلى ذلك بمحض إرادته، ومن الواضح أن التيار الإسلامي العام إذا تحرك لا يضرّهُ عدم استجابة كثير من الناس للتخطيط المذكور، هذا بالإضافة إلى أن البلاد تختلف في الاستجابة، والمتبع ما قاله سبحانه وتعالى لنبيه: (حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين)(3). وإليك جملة من الروايات الواردة في باب الحيوانات مما نحن بصدده: فعن عبد الله بن سنان عن الصَّادق (عليه الصلاة والسلام) أنه قال: (اتخذوا الدابة، فإنها زين، وتقضى عليها الحوائج، ورزقها على الله)(4). وعن علي بن رئاب قال: (قال أبو عبد الله (عليه السلام) اشتر دابة، فإن منفعتها لك ورزقها على الله عزّ وجلّ)(5). وعن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من سعادة المؤمن دابة يركبها في حوائجه، ويقضي عليها حقوق إخوانه)(6). وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (تسعة أعشار الرزق مع صاحب الدابة)(7). وعن داود الرقي عن الصَّادق (عليه السلام) قال: (من اشترى دابة كان له ظهرها وعلى الله رزقها)(8). وعن يونس بن يعقوب قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (اتخذ حماراً يحمل رحلك، فإن رزقه على الله، قال: فاتخذت حماراً وكنت أنا ويوسف أخي إذا تمت السنة حسبنا نفقاتنا فنعلم مقدارها فحسبنا بعد شراء الحمار نفقاتنا فإذا هي كما كانت في كل عام لم تزد شيئاً)(9). وعن ابن سنان عن الصَّادق (عليه السلام) قال: (اتخذوا الدابة فإنها زين، وتقضى عليها الحوائج، ورزقها على الله)(10)، وفي رواية قال: (عليه السلام): (عجباً لصاحب الدابة كيف تفوته الحاجة)(11). وبسند الأئمَّة إلى علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الله وملائكته يصلون على أصحاب الخيل من اتخذها وأعدها لعدو في دينه، أو مشرك). وعن علي (عليه الصلاة والسلام): (إن رجلاً من خرش كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع الخرشي فرس، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستأنس إلى فرسه ففقده، فبعث إليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما فعل فرسك، قال اشتد شغنه فأخصيته، فقال: مه مه مثلت به الخير معقود في نواصيها إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها أعرافها أدفائها، ونواصيها جمالها، وأذنابها مذابها)(12). وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة)(13). وعن علي (عليه السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (إن الله وملائكته يصلون على أصحاب الخيل، من اتخذها فأعدها في سبيل الله)(14). وفي نهج البلاغة قال أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) فتأسَّ نبيك الأطيب الأطهر (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إلى أن قال ـ: (كان (عليه الصلاة والسلام) يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري ويردف خلفه)(15). وفي رواية مقداد عن علي (عليه الصلاة والسلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحب الركوب على الحمار موكفاً)(16). وفي رواية ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كان يعود المريض، ويتبع الجنازة ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، وكان يوم خيبر ويوم قريظة والنضير على حمار مخطوم بحبل من ليف تحته أكاف من ليف)(17). وهب أنّ البعض مانعوا من السفر حتى القصير منه بالدواب فهل حمل الأثقال والفواكه والحبوب ومواد البناء وأنقاض الهدم وأثاث الدور في حالة الانتقال والنقل وما إلى ذلك في مسافات غير طويلة بحاجة إلى السيارات ونحوها، وكذلك بالنسبة إلى الطحن والناعور وفتح الماء والحرث وغيرها مما هو كثير فإن كل ذلك يمكن عبر الدواب كما كان في السابق هذا كله إذا توقف الأمر على ذلك. ومن الواضح أن قيمة الحيوان لا شيء بالنسبة إلى قيمة الوسائل الحديثة، خصوصاً وأن القيمة تتضاعف أضعافاً كثيرة بسبب الرأسمالية الحكومية في الشيوعية أو التجارية في الرأسمالية بالإضافة إلى الجمارك والضرائب وما إلى ذلك، فولادة الحيوان وتربيته تكون في نفس البلاد، ولذا تكون له قيمة رخيصة جداً. ففي الحديث المروي في الجعفريات عن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) (ان النبي (عليه الصلاة والسلام) اشترى مهراً بمائة صاع إلى سنة)، فإن قيمة الفرس إذا كان ثلاثمائة كيلواً من الحنطة أو الشعير ألا يتمكن كل إنسان أن يكون له فرس، مع العلم أن قيمة الحنطة أو الشعير في ذلك الزمان كانت بدون تضخم، خصوصاً وقد كانت مدته إلى سنة، واحتمال أن المدن الكبار لا تحتمل كثرة الدواب من جهة الشوارع والأزقة يجيب عليه التاريخ بأن الكوفة وبغداد وسامراء كانت مدناً كباراً ومع ذلك تحملت الدواب، فالكوفة كانت سعتها ما لا يقل عن عشرة فراسخ طولاً، وسامراء ثمانية فراسخ، وبغداد كانت القافلة تسير من هذا الطرف إلى ذلك الطرف في مدة ثلاثة أيام كما في التواريخ، فهل يبقى بعد ذلك من محذور. ثمّ ان الدواب لا يحتاج في ركوبها واستعمالها إلى التعلم والتعليم المحتاج إليهما في مثل السيارة ونحوها، وليس لها أخطار كسائر وسائل النقل، ولا حاجة لها إلى النفط ونحوه، كما أن لها فوائد غير الركوب ولا تلوث الجو، وبعد الذبح ينتفع بكل أعضائها وأجزائها وأقلها السماد، ومعالجتها في حال مرضها معالجة سهلة وطعامها طعام سهل، مما تنبت الأرض، ويتمكن أن يساعد بعض الناس بعضاً إذا صعبت. ففي مكارم الأخلاق عن جابر بن عبد الله، قال: (غزى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إحدى وعشرين غزوة بنفسه شهدت منها تسعة عشر وغبت عن اثنين، فبينما أنا معه في بعض غزواته إذ أعيى ناضحي تحتي بالليل فبرك وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخرنا في أخريات الناس، فيرجى الضعيف ويردف ويدعو لهم فانتهى إليَّ وأنا أقول: يا ويل أخاه وما زال لنا ناضح سوء، فقال: من هذا؟ قلت: أنا جابر بأبي وأمي يا رسول الله، قال ما شأنك؟ قلت أعي ناضحي فقال: أمعك عصا؟ فقلت: نعم، فضربه ثـــم بعثه، ثم أناخـــه ووطأ على ذراعه وقـــال: اركب فركبت وسايـــرته إلى آخر الخبر)(18). |
|
الاقتصاد في استخدام النفط |
|
مسألة: من طرق النجاة: الاستغناء عن استعمال النفط مهما أمكن، وذلك لأسباب: الأول: إن الذخائر النفطية في البلاد الإسلامية محدودة تنتهي في مدّة محدودة جداً، وهي ليست حقاً لنا وحدنا بل حق الأجيال إلى أُلوف السنوات، فصرف الزائد عن حقنا صرف حق الآخرين وذلك ما لا يجوز شرعاً وعقلاً وعرفاً مهما كانت الأثمان مرتفعة والصرف قليلاً نسبة إذا كان أكثر من حق هذا الجيل. أما ما يفعل في الحال الحاضر، فإنه النهب المشين بعينه المحاسب عليه غداً حساباً عسيراً. الثاني: إن الاستخراج والصرف في الكهرباء ونحوها في الحال الحاضر، إنما هو بالمكائن الغربية والشرقية والخبرات الأجنبية، وذلك مما يفتح يد الأجنبي في بلاد الإسلام، والاحتياج إليهم معناه استعمارهم لنا كما هو الحال، وقد قال علي (عليه الصلاة والسلام): (احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره). الثالث: إنه خلاف الاكتفاء الذاتي والتقشف، حيث أن اللازم إدارة الحياة بالاكتفاء الذاتي فإن الشمع والزيت الحيواني وغيرهما يوفر للإنسان المحتاج إدارة الحياة بنفسه بما لا يعطيه النفط، حتى أن المرأة في الريف تتمكن من صنع الشمع بواسطة النحل والزيت الحيواني والنباتي وتحصيل الدفء بسبب الأخشاب والأعواد التي تزرعها أو تنبت تلقائياً حولها، بينما ليس النفط كذلك، وقد وردت روايات كثيرة حول القناعة والزهد والتقشف وعدم إلقاء الإنسان كله على الآخرين، وما إلى ذلك. وما نحن فيه صغرى من صغريات تلك الكبرى الكلية، فإنه ليس معنى الزهد مثلاً قلة الأكل والشرب فقط، وليس معنى القناعة القناعة في اللباس والمسكن فقط، وليس معنى التقشف قلة استعمال احتياجات الحياة بل يشمل تلك الأُمور وغيرها مما نحن فيه أيضاً. هذا كله إذا توقف الأمر على ذلك. وإليك جملة من الروايات بهذا الصدد التي هي من الكبريات الكلية لهذا الصغريات الجزئية المذكورة في هذا الكتاب وهنا في هذه المسألة وفي غيرها. فعن الحسن بن راشد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما لي وللدنيا، إنما مثلي كراكب رفعت له شجرة في يوم صائف؟ فأقام تحتها ثم راح وتركها)(19). وعن ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (عليه الصلاة والسلام): (في طلب الدنيا إضرار في الآخرة، وفي طلب الآخرة إضرار بالدنيا، فأضروا بالدنيا، فإنها أحق بالإضرار)(20). أقول: من الواضح أن المراد الدنيا التي لا تلائم الآخرة، لا الدنيا التي هي طريق إلى الآخرة، وقد أمر الله بطلبها بقوله سبحانه: (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أُولئك لهم نصيب مما كسبوا)(21). وعن الصادق (عليه الصلاة والسلام): (إن في كتاب علي (عليه السلام) إنما مثل الدنيا كمثل الحية ما ألين ملمسها وفي جوفها السم الناقع يحذرها الرجل العاقل ويهوى إليها الصبي الجاهل)(22). وعن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي لعلي صلوات الله عليهم أجمعين قال: (يا عليّ إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، يا علي أوحى الله إلى الدنيا اخدمي من خدمني وأتعبي من خدمك، يا علي إن الدنيا لو عدلت عند الله جناح بعوضة لما سقى الكافر منها شربة من ماء، يا علي ما أحد من الأولين والآخرين إلاَّ هو يتمنى يوم القيامة أنه لم يعط من الدنيا إلاَّ قوتاً، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما قل وكفى خير مما أكثر وألهى)(23). وفي وصية علي (عليه الصلاة والسلام) لمحمد بن الحنفية قال: (ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة، وتبوأ خفض الدعة، الحرص داع إلى التقحم في الذنوب)(24). وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أصبح معافى في جسده آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما خيرت له الدنيا، يابن جعشم يكفيك منها ما سد جوعتك ووارى عورتك، فإن يكن بيت يكنك فذاك وان يكون دابة تركبها فبخ بخ، وإلاَّ فالخبز وماء الجرة وبعد ذلك حساب عليك أو عذاب)(25). وفي نهج البلاغة قال (عليه الصلاة والسلام): (من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد لحسرته عند فراقها)(26). وعنه (عليه الصلاة والسلام) قال: (حرم الحريص خصلتين ولزمته خصلتان، حرم القناعة فافتقد الراحة، وحرم الرضا فافتقد اليقين). وعن الحسن بن علي (عليهما السلام) أنه قال في حديث: (واعلم أنك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلاَّ كنت فيه خازناً لغيرك واعلم أن في حلالها حساباً وفي حرامها عقاباً، وفي الشبهات عتاباً، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يقيك، فإن كان ذلك حلالاً كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فإن العتاب يسير، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)(27). أقول: والعيش في الدنيا أبداً معناه أن لا يحتاج الإنسان إلى غيره، وربما قيل فيه معنى آخر. وقال (عليه السلام): (كل مقتصر عليه كاف)(28)، وقال (عليه السلام) (الزهد بين كلمتين من القرآن، قال الله تعالى: (لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم)(29) ومن لم ييأس علــى الماضي ولـــم يفرح بالآتــــي فقد استكمل الزهد بطرفيه)(30). وعن الأزدي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أبو جعفر (عليه السلام): (مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القز، كلما ازدادت على نفسها لفاً كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غماً)(31). قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام): (أغنى الأغنياء من لم يكن للحرص أسيراً). وقال (عليه السلام): (لا تشعروا قلوبكم الاشتغال بما قد فات فتشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت)(32). وقال (عليه السلام): (أبعد ما يكون العبد من الله عزّ وجلّ إذا لم يهمه إلاَّ بطنه وفرجه). وعن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ملك فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رضراض ذهب، قال: فرفع رأسه إلى السماء فقال: يا رب أشبع يوماً فأحمدك وأجوع يوماً فأسألك)(33). وعن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (يا حفص والله ما أنزلت الدنيا من نفسي إلاَّ منزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها)(34). وروي أن سعد بن أبي وقاص دخل على سلمان الفارسي يعوده فبكى سلمان، فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله، توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو عنك راض، ترد عليه الحوض؟ فقال سلمان: أما أنا لا أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إلينا فقال ليكن بلغة أحدكم كزاد الراكب وحولي هذه الأساور وإنما حوله أجانة وجفنة ومطهرة. وفي رواية أخرى قال سلمان: ولكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إلينا فقال: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد راكب، فأخشى أن يكون قد جاوزنا أمره وهذه الأساورة حولي. وفي نهج البلاغة في كتاب علي (عليه الصلاة والسلام) إلى عثمان بن حنيف، (ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وان إمامكم قد استكفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد)(35). وفي رواية لموسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأتي أهل الصفة وكانوا ضيفان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا هاجروا من أهاليهم وأموالهم إلى المدينة فأسكنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صفة المسجد وهم أربعمائة رجل يسلم عليهم بالغداة والعشي فأتاهم ذات يوم، فمنهم من يخصف نعله ومنهم من يرقع ثوبه، ومنهم من يتفلى وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرزقهم مداً مداً من تمر في كل يوم، فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله: التمر الذي ترزقنا قد أحرق بطوننا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما إني لو استطعت أن أطعمكم الدنيا لأطعمتكم، ولكن من عاش منكم بعدي فسيغدي عليه بالجفان، ويراح عليه بالجفاف، ويغدو أحدكم في قميصه ويورح في أخرى، وتنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة، فقام رجل فقال: يا رسول الله إنا إلى ذلك الزمان بالأشواق، فمتى هو؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): زمانكم هذا خير من ذلك الزمان، إنكم إن ملأتم بطونكم من الحلال توشكون أن تملأوها من الحرام. أقول: إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أتى المدينة المنورة بنى المسجد وجعل حيطانه بقدر ذراع، ثم رفعها بعد مدة قدر القامة وبنى في المسجد صفة أعلى من أرض المسجد لكي ينصب المطر عند نزوله إلى تحت ولا يظل في الصفة التي أسكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها الفقراء من المهاجرين، لا يظلهم شيء، وليس لهم فرش وإنما يلتحفون السماء ويفترشون الأرض، وتصهرهم الشمس، وكانوا يتوضأون من نهر أجراه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخارج وسط مسجده، كما كانوا ينتفعون بماء النهر في سائر شؤونهم، وكان هؤلاء جيش الإسلام في الحروب والمتلقّين لنصائح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوامره ومواعظه عند صعوده المنبر كلّ يوم خمس مرّات، والمصلين خلفه والمنفذين لأوامره إلى الناس، إلى غير ذلك. وكان جملة منهم من فقرهم شبه عار يكسيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تدريجياً، هكذا يستفاد من التواريخ والتفاسير المتفرقة، وكان عددهم أربعمائة كما عرفت من هذه الرواية وعلى أية حال فإذا وصلنا إلى الدولة الإسلامية الواحدة العالمية فاللازم ملاحظة قدر الصرف من النفط كل عام فعام، بما يبدل إلى الطاقة العلمية والعملية، مثلاً يحول النفط إلى العلم والخبرة وإلى المعامل والمصانع وإلى الشلالات والغابات الاصطناعية حتى يكون النفط قد تحول إلى الطاقة، لا أنه يهدر بما لا يعود إلى الإنسان بخير بعد الخير الأول، وعلى كل حال فاللازم استعمال الأمور الدائرة مهما أمكن، وأما استعمال الأمور غير الدائرة كالمعادن عموماً ونحوه فاللازم أن يصرف منها بقدر قليل جداً حسب الحسابات الاقتصادية الدقيقة.
|
|
1 ـ سورة النحل: الآية 8. 2 ـ سورة الأنفال: الآية 17. 3 ـ سورة الأنفال: الآية 64. 4 ـ الوسائل ج8 ص339 ح1 ب1، الفقيه ج2 ص189 ح3 ب91، المحاسن ص626 ح89. 5 ـ الكافي ج6 ص539 ح4، الوسائل ج8 ص339 ح2 ب1، ثواب الأعمال ص191 س1، المحاسن ص625 ح86. 6 ـ المحاسن ص 626 ج88، الوسائل ج8 ص339 ح3 ب1، الكافي ج6 ص536 ح7. 7 ـ الكافي ج6 ص536 ح5، الوسائل ج8 ص340 ح5 ب1. 8 ـ الوسائل ج8 ص340 ح7، الكافي ج6 ص536 ح6. 9 ـ الكافي ج6 ص537 ح9، الوسائل ج8 ص340 ح7 ب1، الوسائل ج8 ص341 ح10. 10 ـ انظر الوسائل ج8 ص340 ح8. 11 ـ انظر الوسائل ج8 ص341 ح10. 12 ـ الكافي ج5 ص48 ح2. 13 ـ الفقيه ج2 ص185 ح1 ب86. 14 ـ الكافي ج5 ص48 ح2. 15 ـ نهج البلاغة (صبحي الصالح) ص227. 16 ـ مكارم الأخلاق ص24 س7. 17 ـ مكارم الأخلاق ص15. 18 ـ مكارم الأخلاق ص20. 19 ـ الكافي ج2 ص109 ح19. 20 ـ الكافي ج2 ص106 ح12، البحار ج73 ص61. 21 ـ سورة البقرة: الآية 201. 22 ـ الكافي ج2 ص110 ح22، نهج البلاغة ص458. 23 ـ تحف العقول ص58 ح139 س1. 24 ـ قطعة منه غرر الحكم ص59 ح1600. 25 ـ انظر البحار ج73 ص1 باب حب الدنيا. 26 ـ البحار ج73 ص19. 27 ـ الفقيه ج3 ص94 ح4 ب58. 28 ـ غرر الحكم ج2 ص547 ح72. 29 ـ سورة الحديد: الآية 23. 30 ـ نهج البلاغة ص553 ح439. 31 ـ الكافي ج2 ص109 ح20. 32 ـ انظر البحار ج73 ص1 حب الدنيا. 33 ـ انظر البحار ج73 ص11. 34 ـ البحار ج78 ص193، البحار ج73 ص90. 35 ـ نهج البلاغة ص417. |