| المؤلفات |
|
دور الأوقاف في النجاة |
|
مسألة: الوقوف من مراكز الإشعاع ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وعبادياً واجتماعياً وصحياً وما إلى ذلك. فالمدارس والمعاهد والمكتبات والمطابع والجرائد والمجلات والإذاعات والتلفزيونات والأشرطة والفيديوات وما أشبه من الأول، والبنوك اللاربوية وصناديق الإقراض الخيري والمعامل والمصانع والتجارات والبساتين والدكاكين والحمامات والفنادق ونحوها من الثاني، ومراكز التجمع لأجل تقرير مسائل البلاد من الثالث، والمساجد والحسينيات وغيرهما من الرابع، والنوادي والمنتديات وأمثالهما من الخامس، والمستوصفات والمستشفيات والصيدليات والمختبرات ونحوها من السادس. والذين يقومون بحركة النجاة يلزم أن يهتموا بهذه الجهة الحيوية، فإن التحرك بــحاجة إلى المراكز، والأفراد والمبدأ، والمال، فبدون أي من هذا الأُمور لا يتمكن الإنسان من النهضة، ولذا نجد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنى المسجد بمجرد أن جاء إلى المدينة المنورة سواء في قبا حيث أقام أياماً، أو في داخل المدينة حيث مسجده الشريف الآن، أو في سائر محلات المدينة حيث روى المؤرخون أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بنى فيها زهاء خمسين مسجداً، أي بمعدل خمسة مساجد كل عام مدّة بقائه في المدينة المنورة. ومن الواضح أن دنيا اليوم عبارة عن مجموعة مؤسسات، فإذا لم تكن للحركة مؤسسات لم تتمكن من البقاء. نعم، النمو والنهوض وبناء المؤسسات سواء البناء الإنسانــي كالجمعيات والجماعات والهيئات وما أشبه، أو البناء العمراني كالمساجد، أو البناء التياري كالجرائد والمجلات كلها بحاجة إلى الإنهاض لا أكثر. فإن الإنسان لو أراد أن يبني مدرسة لا يحتاج إلى أن يبذل بنفسه المال، والمفروض أنه لا مال له، أو يحتاج إلى ذلك المال في أمر أهم، بل المحتاج إليه هو أن يستنهض الناس لأن يبنوها، نعم عليه إذا أراد التقدم السريع أن يشترك هو في البناء، فإن الآمر الناهي إذا كان أول قائم بما أمر وتارك لما نهى كان انسياق الناس إلى أمره ونهيه سريعاً وشديداً وعميقاً، ولذا نجد أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اشترك بنفسه الشريفة في بناء المسجد، كما اشترك في حفر الخندق وغير ذلك مما هو معروف في التواريخ. ومن الأهمية بمكان أن يهتم القائمون بالحركة بإحياء الأثلاث التي أوصى بها جماعة من الخيرين عند موتهم، فإنها في العالم الإسلامي، وفي غير العالم الإسلامي للمسلمين القاطنين فيه كثيرة جداً، حتى يمكن عدها بالآلاف، والأوصياء كثيراً ما يبدّلونها من جهتين: الأُولى: جهة حب السيطرة على تلك الأموال. الثانية: عدم الاطمئنان بأنها تصرف في المصارف اللائقة، ويمكن دفع الجهتين: الأُولى: بالتشويق والترغيب وإلقاء الأمر في التنافس وما أشبه ذلك، فإن التنافس من أهم عوامل التقدم، حتى أن الله تعالى ألقى الجنة في التنافس، فقال سبحانه: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)(1). الثانية: بإعطاء الاطمئنان العملي للناس، بأن المال يصرف في الجهة التي يرغب الوصي في صرفه فيها، مثلاً أحدهم يريد بناء المسجد والآخر المستشفى. الثالثة: البنك فيقوم القائمون بالنهوض في صرف كل مال حسب رغبة الموصى. ثم لا يخفى أن البنك أيضاً يمكن وقفه باعتبار ما فيه من رأس المال.. فقد ذكرنا في بعض الكتب الفقهية أن إطلاقات أدلة الوقف شاملة للأصل والبدل والجسم والجوهر، بمعنى أنه قد يوقف الإنسان المسجد وقد يوقف النقود لتكون عيناً أو بدلاً في خدمة المقترضين، وكذلك قد يوقف الإنسان داره ودكانه وبستانه وقد يقول: جوهر أموالي وقف حسب نظر المتولي بأن تبقى القوة المالية وقفاً في أية صورة يريدها المتولي، فالمتولي يتعامل بأمواله تعامل الملاك بيعاً وشراءً ورهناً وإيجاراً وتبديلاً وتحويلاً، لكن يحفظ الجوهر، فالدار تتبدل دكاناً والدكان يتبدل مجلة، والمجلة تتبدل أجرة لمدرسة طالب الطب، حتى إذا صار طبيباً يرد بقدر ما أخذ أو أكثر حسب الربح المضاربي للمال الذي صرفه إلى غير ذلك، لكن الجوهر هو يبقى جوهراً. وإذا أشكل في كون مثل هذا وقفاً نقول: إنه نوع وصية أو التعامل بجعل المال لله سبحانه وكلا الأمرين مشمول للأدلة العامة مثل إطلاق أدلة الوصية وإطلاق (ما كان لله فلا رجعة فيه) وصرف عدم تعارف ذلك سابقاً لا يجعل الأمر منصرفاً عنه، كما ذكروا في مسألة العقود الجديدة، أو الأشياء الجديدة من جهة الحلية كالبطاطا والطماطم والبرتقال، أو الحرمة كالهروئين والكوكائين وما أشبه ذلك، وحيث ذكرنا المسألة مفصلاً في الفقه لا حاجة هنا إلى ذكرها ونكتفي بهذا الإلماع السريع. كما أنه من هذا القبيل تشجيع الخيرين لجعل الأثلاث، فإن كثرة من الناس مستعدون لجعل الثلث حتى البخلاء الذين لا يريدون صرف المال في حياتهم أما إذا ماتوا فلا مانع لهم في أن يصرف ثلث أموالهم في الأُمور الخيرية. وكذلك يمكن إحياء المنقرض من المؤسسات والمعطلة منها، فإن في العالم الإسلامي مؤسسات كثيرة إما دارسة أو لا تأتي بالفائدة المطلوبة كمجلة تنشر التوافه والمبعثرات ويمكن تركيزها في جهة الحركة والنشاط والفكر والتقدم، وحسينية معطلة إلاَّ في أيام محرم ورمضان ويمكن تنشيطها حتى تأتي بالفائدة المرجوة منها، وكذلك بالنسبة إلى الأفراد وسائر الأمور التي يمكن إلقاؤها في هذا التيار التقدمي. وإذا ركزت الحركة على جهات المؤسسات تأتي بما يصعب تصديقه، وقد رأيت أنا إنساناً بنى أربعة عشرة حسينية وهو كاسب عادي، كما أن الأخ السيد حسن (رحمه الله) بنى في مدة قصيرة أكثر من عشرين مؤسسة بين مسجد ومدرسة وحسينية ودار نشر ومجلة وجمعية وما أشبه، ورأيت خطيباً بنى أكثر من سبعين مسجداً ورأيت تاجراً بنى أكثر من أربعين محلاً لشرب الماء في القرى الفاقدة للأنابيب. ورأيت عالماً بنى زهاء ثلاثمائة مدرسة أهلية في حوالي نصف قرن، إلى غيرها من المؤسسات كالحسينية والمسجد ونحوهما. |
|
طائفة من الروايات المشجعة على الأوقاف |
|
ولذا قد وردت الروايات الكثيرة في استحباب الوقوف والصدقات والتحريض عليهما: فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلاَّ ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنة هدى سنها فهي تعمل بعد موته، أو ولد صالح يدعو له)(2). وفي رواية أُخرى عنه (عليه الصلاة والسلام) قال: (يتبع الرجل بعد موته ثلاث خصال: صدقة أجراها الله في حياته فهي تجري له بعد وفاته، وسنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته، وولد صالح يدعو له)(3). وعن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): (ما يلحق الرجل بعد موته؟ فقال: سنة يعمل بها بعد موته فيكون له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أُجورهم شيء، والصدقة الجارية تجري من بعده، والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما ويحج ويتصدق ويعتق عنهما ويصلّي ويصوم عنهما، فقلت: أشركهما في حجتي؟ قال: نعم)(4). وعن أبي كهمس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ستة تلحق المؤمن بعد موته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسه وقليب يحفره، وصدقة يجريها، وسنة يؤخذ بها من بعده)(5). وعن علي (عليه الصلاة والسلام) أنه قال: (الصدقة والحبس ذخيرتان فدعوهما ليومهما)(6). وعن أبي عبد الله أنه ذكر أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فقال: (كان عبد الله قد أوجب الله له الجنة عمد إلى ماله فجعله صدقة مبتولة تجري بعده للفقراء، وقال: اللَّهُمَّ إني جعلت هذا لتصرف النار عن وجهي ولتصرف وجهي عن النار)(7). وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (كيف يزهد قوم في أن يعملوا الخير وقد كان علي (عليه السلام) وهو عبد الله قد أوجب له الجنة عمد إلى قربات له فجعلها صدقة مبتولة تجري من بعده للفقراء، قال: اللَّهُمَّ إني فعلت هذا لتصرف وجهي عن النار وتصرف النار عن وجهي). وعن أبي جعفر الباقر عن آبائه (عليهم السلام) (ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مر برجل يغرس غرساً في حائط له فوقف عليه فقال: ألا أدلك على غرس أثبت أصلاً ـ إلى أن قال ـ فقال الرجل: أشهدك يا رسول الله أن حائطي هذا صدقة مخصوصة على فقراء المسلمين وأهل الصفة، فأنزل الله تبارك وتعالى: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى) )(8). وروي عن جابر أنه قال: (لم يكن من الصحابة ذو مقدرة إلاَّ وقف وقفاً)(9). ثم ان الرسول وآله (عليهم الصَّلاة والسلام) أوقفوا بأنفسهم الأوقاف، واقتدى بهم المسلمون: فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (تصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأموال جعلها وقفاً وكان ينفق منها على أضيافه)(10). وعن أبي بصير قال: (قال أبو جعفر (عليه السلام): ألا أحدثك بوصية فاطمة (عليها السلام) قلت: بلى، فأخرج حقاً أو سفطاً فأخرج منه كتاباً فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصت بحوائطها السبعة بالعواف، والدلال، والبرقة والمبيت، والحسنى، والصافية، ومال أُم إبراهيم إلى علي بن أبي طالب فإن مضى فإلى الحسن، فإن مضى الحسن فإلى الحسين، فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي يشهد الله على ذلك، والمقداد بن الأسود، والزبير بن العوام، وكتب علي بن أبي طالب)(11). وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: تصدق أمير المؤمنين بدار له في المدينة في بني زريق، وكتب: (بسم الله الرّحمن الرّحيم، هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب، وهو حي سوي تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لا تُباع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث السماوات والأرض، وأسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهن، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين)(12). وعن الصَّادق (عليه الصلاة والسلام) (انه قسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الفيء، فأصاب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) منه أرض فاحتفر فيها عيناً فخرج منها ماء ينبع منها في السماء كهيئة عنق البعير، فجاء إليه بذلك البشير، فقال بشر الوارث هي صدقة بتلاً بتلاً في حجيج بيت الله وعابر السبيل، لا يُباع ولا يوهب ولا يورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وسماها ينبع)(13). وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أنه أوصى بأوقاف أوقفها من أمواله ذكرها في كتاب وصيته، كان فيما ذكره منه: هذا ما أوصى به وقضي في ماله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ابتغاء وجه الله ليولجني الله به الجنة، ويصرفني عن النار ويصرف النار عن وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ما كان لي لينبع من مال يعرف لي منها وما حولها صدقة، ورقيقها، غير أن أرباحاً وأبا يثرب وجبيراً عتقاً ليس لأحد عليهم سبيل، وهم موالي يعملون في المال خمس حجج، وفيه نفقتهم ورزقهم، ورزق أهاليهم، ومع ذلك ما كان لي بوادي القرى ثلثه: مال بني فاطمة، ورقيقها وأهلها صدقة، وما كان لي بالدرقة، وبرعة وأهلها صدقة، غير أن ذريقاً له مثل ما كتبت لأصحابه، وما كان لي بأذنية وأهلها صدقة، والذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة بتلة حي أنا أو ميت تنفق في كل نفقة يبتغي لها وجه الله في سبيل الله ووجهه، وذي الرحم من بني هاشم، وبني عبد المطلب القريب والبعيد، وأنه يقوم على ذلك الحسن بن علي (عليهما السلام) يأكل منه بالمعروف، وينفقه حيث يريد الله، هي حل ومحلل لا حرج عليه فيه، إن أراد أن يبذل مالاً من مال الصدقة إذا كان مال فإنه يفعل لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يبيع شيئاً من المال فيقضي به الدين فعل إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يبيع شيئاً من المال فيقضي به الدين فعل إن شاء لا حرج عليه، وإن ولد علي وما لهم إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) وإن كانت دار الحسن بن علي (عليهما السلام) داراً غير دار الصدقة وبدا له أن يبيعها فليبع إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن باعها قسمها ثلاثة أثلاث، يجعل ثلثاً في سبيل الله، وثلثاً في بني هاشم وبني عبد المطلب، وثلثاً في آل أبي طالب يضعه فيهم حيث يريد الله، فإن حدث بالحسن حدث والحسين حي فإنه للحسين بن علي (عليهما السلام) وان الحسين بن علي (عليهما السلام) يجعل فيه مثل الذي أمرت حسناً وله منها مثل الذي كتبت وعليه مثل الذي على الحسن، وان الذي لبني فاطمة من صدقة على مثل الذي لبني علي، فإني إنما جعلت الذي لبني فاطمة ابتغاء وجه الله، ثم لكريم حرمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تعظيماً وتشريعاً ورضا بهما، وإن حدث بالحسن والحسين حدث فالولد الآخر منهما ينظر في ذلك، وإن رأى أن يوليه غيره نظر في بني علي، فإن وجد فيهم من يرضى دينه وإسلامه وأمانته جعله إليه إن شاء وإن لم ير فيهم الذي يريده فإن يجعله إن شاء إلى رجل من آل أبي طالب يرتضيه، فإن وجد آل أبي طالب يومئذ قد ذهب أكابرهم وذوو آرائهم وأسنانهم فإنه يجعله إن شاء إلى رجل يرضى حاله من بني هاشم، ويشترط على الذي يجعل ذلك إليه أن يترك المال على أصله، وينفق ثمرته حيث أمرته في سبيل الله ووجوهه وذوي الرحم من بني هاشم، وبني عبد المطلب، والقريب البعيد، لا يباع منه شيء، ولا يوهب ولا يورث وإنما لمحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما حبسه هو إلى بني فاطمة، وكذا مال فاطمة (عليها السلام) إلى بنيها إلى آخر الوصية الوقفية)(14). وفي نهج البلاغة: من وصية له (عليه السلام) بما يعمل في أمواله كتبها بعد منصرفه من صفين: (هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ابتغاء وجه الله ليولجه الجنة، ويعطيه الأمنة منها وأنه يقوم بذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفق منه بالمعروف، فإن حدث بحسن حدث وحسين حي قام بالأمر بعده، وأصدر مصدره، وان لبني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإنما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وقربة إلى الرسول وتكريماً لحرمته وتشريفاً لوصلته ويشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أُصوله وينفق من ثمره حيث أمر به وهدى له وأن لا يبيع من نخيل هذه القرى ودية حتى تشكل أرضها غراساً)(15). وروى الشيخ البهائي في الكشكول عن أحمد بن داود القمي قال روى أن الحسين (عليه السلام) اشترى النواحي التي دفن فيها من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم وتصدق بها عليهم وشرط أن يرشدوا إلى قبره ويضيفوا من زاره ثلاثة أيام وذكر السيد رضي الدين بن طاووس رضي الله عنه أنها إنما صارت حلالاً بعد الصدقة لأنهم لم يفوا بالشرط وروى الشيخ المفيد في الإرشاد أنه لما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة رد إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدقات أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانتا مضمونتين فخرج عمر بن علي إلى عبد الملك يتضمن إليه من ابن أخيه فقال عبد الملك إشعاراً. وورد (ان أبا نيزر كان من أبناء بعض الملوك فرغب في الإسلام صغيراً فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلم وكان معه في بيوته فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صار مع فاطمة وولدها (عليهم السلام) قال أبو نيزر جاءني علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة ـ إلى أن قال ـ: ثم أخذ المعول وانحدر في العين فجعل يضرب وأبطأ عليه الماء فخرج وقد تفضح جبينه عرقاً، فانتكف العرق عن جبينه ثم أخذ المعول وعاد إلى العين فأقبل يضرب فيها وجعل يهمهم فانثالت كأنها عنق جزور، فخرج مسرعاً وقال: أشهد الله أنها صدقة، عليَّ بدواة وصحيفة، قال: فعجلت بهما إليه، فكتب: بسم الله الرّحمن الرّحيم هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين تصدق الضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل، ليقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة، لا تباع ولا توهب حتى يرثهما وهو خير الوارثين، إلاَّ أن يحتاج إليهما الحسن والحسين فهما طلق لهما، وليس لأحد غيرهما، قال الراوي فركب الحسين (عليه السلام) ديناً فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار، فأبى أن يبيع، وقال: إنما تصدق بها أبي ليقي الله بها وجهه حر النار ولست بائعهما بشيء)(16). وعن عبد الرحمان بن الحجاج قال: (أوصى أبو الحسن (عليه السلام) بهذه الصدقة، هذا ما تصدق به موسى بن جعفر تصدق بأرضه في مكان كذا وكذا كلها وحد الأرض كذا وكذا، تصدق بها كلها ونخلها وأرضها وقناتها ومائها وأرجائها وحقوقها وشربها من الماء وكل حق هو لها في مرفع أو مظهر أو عرض أو طول أو مرفق أو ساحة أو أسقية أو متشعب أو مسيل أو عامر أو غامر تصدق بجميع حقوقه من ذلك على ولد صلبه من الرجال والنساء، يقسم وإليها ما أخرج الله عزّ وجلّ من غلتها بعد الذي يكفيها في عمارتها ومرافقها، وبعد ثلاثين عذقاً تقسم في مساكين القرية بين ولد موسى للذكر مثل حظ الأُنثيين، فإن تزوجت امرأة من بنات موسى فلا حق لها في هذه الصدقة حتى ترجع إليها بغير زوج، فإن رجعت كان لها مثل حظ التي لم تزوج من بنات موسى، وإن من توفي من ولد موسى على سهم أبيه للذكر مثل حظ الأُنثيين، مثل ما شرط موسى بين ولده من صلبه، وان من توفي من ولد موسى ولم يترك ولداً رد حقه إلى أهل الصدقة، وانه ليس لولد بناتي في صدقتي هذه حق، إلاَّ أن يكون آباؤهم من ولدي وليس لأحد في صدقتي حق مع ولدي وولد ولدي وأعقابهم ما بقي منهم أحد، فإذا انقرضوا فلم يبق منهم واحد فصدقتي على ولد أبي من أمي ما بقي منهم أحد على مثل ما شرطت بين ولدي وعقبي، فإذا انقرض ولد أبي من أمي فصدقتي على ولد أبي وأعقابهم ما بقي منهم أحد على مثل ما شرطت بين ولدي وعقبي، فإذا انقرض ولد أبي ولم يبق منهم أحد فصدقتي على الأول حتى يرثها الله الذي رزقها وهو خير الوارثين، تصدق موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو حي صحيح صدقة حبساً بتاً بتلاً مبتوتة لا رجعة فيها ولا رد ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، ولا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها ولا يقطعها ولا يهبها ولا يغير شيئاً مما وصفته عليها حتى يرث الله الأرض ومن عليها وجعل صدقته هذه إلى علي وإبراهيم، فإذا انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما فإذا انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي، فـــإذا انـــقرض أحدهما دخل الأكبر من ولدي مع الباقي، وإن لـــم يبق من ولـــدي إلاَّ واحد فهو الذي يليه)(17). وعن محمد بن مهران قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) أوصى أن يناح عليه سبعة مواسم، فأوقف لكل موسم مالاً ينفق)(18). وعن الباقر (عليه الصلاة والسلام): (ان فاطمة (عليها السلام) عاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر، قال: وان فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتبت هذا الكتاب: بسم الله الرحمان الرحيم، هذا ما كتبت فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في مالها إن حدث بها حادث تصدقت بثمانين أوقية تنفق عنها من ثمارها التي لها كل عام في رجب بعد نفقة السعي، ونفقة الغل، وأنها أنفقت أثمارها العالم، وأثمارها القمح عاماً قابلاً في أوان غلتها، وأنها أمرت لنساء محمد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) خمساً وأربعين أوقية، وكتبت في أصل مالها في المدينة أن علياً (عليه السلام) سألها أن توليه مالها فيجمع مالها إلى مال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا تفرق ويليه ما دام حيا، فإذا حدث به حادث دفعه إلى الحسن والحسين فيليانه، وإني دفعت إلى علي بن أبي طالب على أني أحلله فيه فيدفع مالي ومال محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يفرق منه شيئاً، يقضي عني من أثمار المال، وأمرت به وما تصدقت به، فإذا قضى الله صدقتها وأمرت به، فالأمر بيد الله تعالى، وبيد عليّ (عليه السلام) يتصدق وينفق حيث شاء لا حرج عليه، فإذا حدث به حدث دفعه إلى ابني الحسن والحسين المال جميعاً ينفقان ويتصدقان حيثما شاءا ولا حرج عليهما، وإن لابنة جندب يعني بنت أبي ذر الغفاري التابوت الأصغر، ويعطى لها من المال ما كان من فعل الآدميين، والنمط والجب والسرير والزريبة والطيفتين، وإن حدث بأحد ممن أوصيت له قبل أن يدفع إليه فإنه ينفق عنه في الفقراء والمساكين، وان الأستار لا يستر بها امرأة إلاَّ إحدى ابنتي، غير أن علياً يستر بهن إن شاء ما لم ينكح، وأن هذا ما كتبت فاطمة (عليها السلام) في مالها وقضت فيه، والله شهيد والمقداد بن الأسود والزبير بن العوام وعليّ بن أبي طالب كتبها، وليس على علي حرج فيما فعل من معروف. قال جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال أبي وهكذا وجدنا وصيتها)(19) إلى غير ذلك من الروايات الواردة في الوقف أو أوقافهم (عليهم الصَّلاة والسلام). |
|
طائفة من الروايات في الحث على الوصية بالثلث |
|
ولا يخفى أن الوصية بالثلث غير الوقف. وقد ورد في الوصية أيضاً روايات، والرواية الأخيرة من فاطمة (عليها الصَّلاة والسلام) مشتملة على الأمرين. فعن أبي عبد الله (عليه السلام): (كان البراء بن مغرور الأنصاري بالمدينة وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة وانّه حضره الموت، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس، فأوصى البراء بن مغرور إذا دفن أن يجعل وجهه إلى تلقاء النبيّ إلى القبلة، وأوصى بثلث ماله فجرت به السنة)(20). وعن أبي بصير قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) : إن الرجــــل يموت مـــا له من ماله، فقـــال له ثلث مالــــه، وللمرأة أيضاً)(21). وعن عبد الرحمان بن الحجاج قال: (سألت أبا الحسن عما يقول الناس في الوصية بالثلث والربع عند موته أشيء صحيح معروف أم كيف صنع أبوك؟ قال: الثلث ذلك الأمر الذي صنع أبي رحمه الله)(22). وفي رواية عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل له الولد يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال: (هو ماله يصنع به ما شاء إلى أن يأتيه الموت، قال: فإن أوصى به فليس له إلاَّ الثلث)(23).. وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من لم يحسن وصيته عنــــد الموت كان ذلك نــــقصاً في مروءتـــه وعقله)(24). وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من مات على وصية حسنة مات شهيداً) إلى غيرها مما ذكرنا جملة منها في كتاب الوصية من الفقه. |
|
عوامل الفقر |
|
أما الثالث من الأُمور التي ذكرناها في أول المسألة، فهو الفقر وللفقر عوامل منها: الأول: عامل الكبت بسبب القوانين الوضعية فكل شيء من الاسترباح وحيازة المباحات والعمل، بمختلف أنواعه ممنوعة إلاَّ بإجازة والإجازة لها شروط وقيود لا يحصل عليها الإنسان إلاَّ بشق الأنفس، بينما في مناهج الله تعالى كل شيء حرّ إلاَّ المحرمات. ومن المعلوم أن هذه القوانين الكابتة تركت مئات الملايين من الناس عاطلين أو شبه عاطلين. الثاني: عامل النهب والسرقة، فإن الحكومات كافة أخذت تسرق وتنهب من أموال الناس تحت ألف إسم واسم وألف قانون وقانون، وقد شكلوا عشرات الملايين من العاطلين باسم الموظفين لسرقة أموال الناس وكبتهم. الثالث: عامل السلاح، فإن السلاح أخذ من أموال الناس مئات المليارات من الدنانير كل عام، ثم ان الحكومات لم يقتنعوا بهذه المآسي بل أضافوا عليها عامل صب أموال الناس في كيس الرأسماليين، سواء منهم الرأسماليون الغربيون كأمريكا أو الرأسماليون الشرقيون كروسيا، والفارق أن الرأسمالية الغربية تكون لجماعات كثيرة من الأثرياء، بينما الرأسمالية الشرقية تكون لجماعة خاصة من زعماء الحكومة والحزب من غير فرق بين الغرب والشرق وبين من يدور في فلك هذا أو فلك ذاك مما فصلناه في الكتب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذكرنا بعضها في (الدولة) وفي (الصياغة) وغيرها.
|
|
1 ـ سورة المطففين: الآية 26. 2 ـ الوسائل ج13 ص292 ح1، أمالي الصدوق ص22 ح9. 3 ـ الوسائل ج13 ص293 ح3، الكافي الفروع ج2 ص250. 4 ـ الوسائل ج3 ب ص239 ح4، الكافي في الفروع ج2 ص250. 5 ـ الوسائل ج13 ص239 ح5، الخصال ج1 ص323 ح9. 6 ـ انظر الوسائل ج6 ص255. 7 ـ مستدرك الوسائل: ج1، ص124، مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث ـ بيروت. 8 ـ البحار ج103 ص182، عن أمالي الصدوق ص202. 9 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص511. 10 ـ الوسائل ج13 ص311 ح2. 11 ـ الوسائل ج13 ص311 ح1، التهذيب ج2 ص374، الفقيه ج2 ص291. 12 ـ الوسائل ج13 ص304 ح4، الاستبصار ج4 ص98 ح4. 13 ـ الوسائل ج13 ص303 ح2، الكافي الفروع ج2 ص249، التهذيب ج2 ص375. 14 ـ الوسائل ج13 ص312 ح4، التهذيب ج2 ص375، الكافي الفروع ج2 ص247. 15 ـ نهج البلاغة (صبحي الصالح) ص379. 16 ـ مستدرك الوسائل ج2 ص514. 17 ـ الوسائل ج3 ص314 ح5، التهذيب ج2 ص375، الفقيه ج2 ص293. 18 ـ الوسائل ج13 ص294 ح9، التهذيب ج2 ص374، الفقيه ج2 ص291. 19 ـ الوسائل ج13 ص311 ح1. 20 ـ الوسائل ج13 ص361 ح1، الفقيه ج2 ص268، علل الشرائع 189. 21 ـ الوسائل ج13 ص363 ح2، الاستبصار ج4 ص119 ح2. 22 ـ الوسائل ج13 ص462 ح3، الفقيه ج2 ص287. 23 ـ الوسائل ج13 ص363 ح6، فروع الكافي ح2 ص236. 24 ـ الوسائل ج13 ص357 ح1، الفقيه ج2 ص267. |