فهرس القسم الاول

المؤلفات

 الفقه والأحكام

الصفحة الرئيسية

 

من أسباب تأليف الكتاب

مما حفزني على كتابة هذا الكتاب (الفقه: النظافة) هو ما شاهدته من تعمد حكومات البلاد الإسلامية على عدم نظافتها، وأقصد بالحكومات الاستعمارية منها المرتبطة بالغرب والشرق، كما رأيت ذلك في العراق مفصلاً، على عكس ما سنه القرآن والسنة فإن الإسلام نظيفٌ إلى أبعد حدٍ منها، لكن الحكومات بمختلف وسائلها تصر على عدم نظافتها ووساختها لتظهر بمظهر غير لائق..

وذات مرة جاءني رئيس بلدية كربلاء المقدسة مع المرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي (رحمه الله)(1) فقلت له: لماذا هذه الوساخة في هذه المدينة المقدسة (كربلاء) وفي مختلف الجهات من الشوارع والأزقة وحتى الصحنين المقدسين؟.

فمثلاً عدم وجود مرافق صحية ودورات مياه كافية في البلد وفي أطراف الصحن الشريف مع شدة الحاجة إليها وخاصة أيام مجيء الزوار إلى كربلاء وهم كثرة كبيرة جداً من العراقيين والإيرانيين والباكستانيين وغيرهم، كان محسوساً جداً بحيث كان يُرى في الشوارع وغيرها آثار النجاسة!

وتكلمت معه مفصلاً وكان الشيخ عبد الزهراء الكعبي (رحمه الله) يساعدني في الكلام.

فأجاب قائلاً: إن البلدية لا تملك المال لأجل النظافة.

قلت: هل البلدية تملك المال لأجل كل شيء إلا النظافة؟

قال: نعم، وماذا أصنع وليس بيدي شيء؟

قلت: كم يحتاج تنظيف كربلاء يومياً من العمال.

قال: مائة عامل.

قلت له: إن لم تمنعوني فإني ألتزم بنظافة كربلاء واستأجر مائة عامل لأجل التنظيف الكامل والمناسب.

قال: وكيف تفعل ذلك؟

قلت: بطريقين:

الأول: عبر السيارات المعدة للتنظيف وجمع الأوساخ من الشوارع.

والثاني: عبر العمال، فيقومون بتنظيف الأزقة ونحوها مما لا تدخلها السيارات، ومن بعد ذلك يمكن غسل الشوارع وغيرها بالماء يومياً، رعاية للنظافة التامة والماء متوفر وكثير.

قال: ومن أين تأتي بهذه الكثرة من المال؟

قلت: إنها ليست كثيرة بالنسبة إلى الذين يحبون النظافة في كربلاء المقدسة من أهل الخير، ونحن كما نجمع التبرعات لأجل المساجد والمدارس والحسينيات والإطعام وما أشبه، كذلك نجمع التبرعات المستمرة لأجل التنظيف وإدارة ما يحتاجه من عمال.

قال: إني أبوح لكم بسر في هذا الأمر ـ فإن الحكومة ليست منكم بل من أعدائكم ـ إن السبب الرئيسي في عدم نظافة كربلاء أن هناك أوامر صادرة من بغداد بعدم تنظيف هذه المدينة إطلاقاً!.

وأخيراً لم يستعد هذا الشخص للتعاون معنا حتى بالإجازة كي نقوم نحن بالتنظيف.

فتبين أن وراء هذا الإهمال بل التعمد فيه، أوامر صادرة من بغداد العاصمة!!

وهل العاصمة هي التي تتخذ هذه القرارات أم أنها مأمورة من الخارج؟!

ولا يخفى أن هذا وما شابهه من الأساليب الضارة بالمجتمع الإسلامي كان من سياسة الحكومات الديكتاتورية، وإلا ففي زمن الديمقراطيين وذلك قبل ستين أو خمسين أو حتى أربعين عاماً كان التنافس بين النواب ومن أشبه، فكانوا يهتمون بأمور الشعب وبمسألة التنظيف أيضاً، حيث كانوا من الناس وإليهم، وكانت الكلمة للشعب، وكان الشعب هو الذي يفرض على الحكومة ما يريده ويؤاخذها على كل زيادة ونقيصة.

نعم ومن الظواهر الغريبة أن الحكومة آنذاك لم تكن مستعدة لإعطاء حتى إجازة بناء المرافق الصحية ودورات المياه الكافية بجانب الصحنين المقدسين حتى اضطررنا إلى بناء مشتملات صحية في مكانين:

أحدهما: في سوق العرب القريب من صحن الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد كلفنا بناؤه ذلك اليوم مبلغ عشرين ألف دينار وكان مبلغاً كبيراً جداً بالنسبة لنا ونحن نجمع المال ديناراً ديناراً من أهل الخير والصلاح.

والآخر: قرب صحن العباس (عليه الصلاة والسلام) مما أنشئ بمساعدة الأصدقاء وعرف بالكيهاني، لأن معظم تكلفته كانت من تاجر يسمى بالكيهاني.

ومن مظاهر ما قلناه أيضاً: أن الحكومة لم تكن مستعدة أن تحدث مغتسلا يناسب كربلاء، حيث كان لكربلاء المقدسة مغتسلاً صغيراً قرب المخيم فقط، فبعد اللتيا والتي تمكنا من أخذ الإجازة من الحكومة لبناء مغتسل آخر في باب الخان، وقد كلفنا إنشاؤه يومذاك سبعة آلاف دينار تبرع بها جمع من المؤمنين.

إلى غير ذلك من القصص التي شاهدتها بنفسي في هذا الباب مما لو جمعتها لفاقت مائتي صفحة على ما أتصور.

هذا وقد رأيت أن أجمع في هذا الكتاب بعض الأدلة الشرعية على وجوب النظافة أو استحبابها كل في مورده، وقد لاحظنا فيه النظافة بالمعنى الأعم، كما لا يخفى.

1ـ هو الخطيب الشهير الشيخ عبد الزهراء بن الشيخ فلاح بن الشيخ عباس وادي الكعبي، ولد في سنة 1327هـ في مدينة كربلاء المقدسة، أخذ الخطابة على الخطيبين الشهيرين الشيخ محسن أبو الحب والشيخ محمد مهدي الواعظ، له ديوان شعر (دموع الأسى) إضافة إلى مخطوطات أخرى، ابتكر الشيخ عبد الزهراء الكعبي قراءة (مقتل الحسين (عليه السلام)) بالطريقة المعروفة واشتهر بقراءته صبيحة يوم عاشوراء أمام حشد هائل من الناس، توفي سنة 1394هـ مسموماً على أيدي طغاة العراق. راجع (معجم خطباء كربلاء): ص172.