فهرس القسم الثالث

المؤلفات

 الفقه والأحكام

الصفحة الرئيسية

 

حرمة الاستبداد في الحكم

مسألة: لا يجوز الاستبداد في الحكم، ولا البقاء فيه طويلاً من دون إرادة الشعب له، ولا توارث الحكم خلفاً عن سلف، ولا تزييف الآراء أو حصر المرشحين في القائمين بالحكم، ولا ما أشبه ذلك من الأمور غير النظيفة التي تجري اليوم في بلاد المسلمين، وذلك لأن الحكم في الإسلام بالنسبة لغير المعصومين (عليهم السلام) هو بالتناوب، وبالكفاءات، وبالتصويت الحر الذي تتنافس فيه الأحزاب الحرة، وبالتعددية الحقيقية لا الحزب الواحد، وبأكثرية الآراء، وبالشورى، كما يجب توفير بقية الشروط الشرعية أيضاً.

قال تعالى بالنسبة إلى تقديم ذوي المؤهلات وأهل الكفاءات: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)(1).

وقال سبحانه: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدّي إلا أن يهدى)(2).

وقال تعالى في قصة طالوت: (قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم)(3).

وقال سبحانه في مواصفات الحكام الأكفاء: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)(4).

وقال الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من دعا الناس إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف)(5).

وفي حديث آخر: (لم يزل أمرهم إلى سفال)(6).

وقال تعالى بالنسبة إلى الشورى في الحكم والتشاور في الأمور كلها: (وأمرهم شورى بينهم)(7).

وفي المناقب عن عمار وابن عباس قالا: لما صعد علي (عليه السلام) المنبر وذلك بعد أن بايعه الناس قال لنا: (قوموا فتخللوا الصفوف ونادوا: هل من كاره؟ فتصارخ الناس من كل جانب: اللهم قد رضينا وسلمنا وأطعنا رسولك وابن عمه)(8).

وعن الإمام الباقر عن أبيه عن جده (عليهم السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وعليك بإخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم فإنهم عدة عند الرخاء وجنة عند البلاء، وشاور في حديثك الذين يخافون الله وأحبب الإخوان على قدر التقوى)(9).

وقال الصادق (عليه السلام): (وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزّ وجلّ)(10).

وقال الصادق (عليه السلام): (قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتك إياهم في أمرك وأمورهم)(11).

وقال علي أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما عطب امرؤ استشار)(12).

وقال (عليه السلام): (لا رأي لمن انفرد برأيه)(13).

وقال (عليه السلام): (من شاور ذوي الأسباب دل على الرشاد)(14).

وقال موسى بن جعفر (عليه السلام): (من استشار لم يعدم عند الصواب مادحاً وعند الخطأ عاذرا)(15).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مكتوب في التوراة: من لم يستشر يندم)(16).

وقال (عليه السلام): (بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن فقال وهو يوصيني: يا علي ما حار من استخار، ولا ندم من استشار)(17).

وقال (عليه السلام): (لا مظاهرة أوثق من مشاورة)(18).

وقال (عليه السلام): (من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ)(19).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (الحزم أن تستشير ذا الرأي وتطيع أمره)(20).

وقال الصادق (عليه السلام): (المستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل)(21).

 

التعددية السياسية

مسألة: ينبغي للمسلمين وربما وجب عليهم، في حياتهم وخاصة السياسية، اتخاذ أسلوب التعددية السياسية والحزبية المتنافسة على البناء والتقدم، لا المتناحرة فيما بينها كما تعارف عند بعض المسلمين في هذا اليوم حيث تشكلت فيهم أحزاب وجماعات تعمل بدل التنافس في الخير والتقدم، على ضرب بعضهم البعض.

قال تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)(22).

وقال تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)(23).

وقال سبحانه: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)(24).

ومعلوم: أن التسابق والتسارع لا يكون إلا بين جماعتين أو حزبين أو ما أشبه ذلك، مضافا إلى أنه قد ثبت في علم النفس: إن من أهم عوامل تقدم الإنسان والمجتمع هو التنافس والتسابق فيما بينهم، وليس الانغلاق على الذات والحكر على النفس، فإن الانغلاق والحكر على النفس فرديا أو اجتماعيا يؤدي إلى الجمود والتقهقر، وبالتالي إلى التأخر في كل شيء.

وفي التاريخ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل التنافس بين المهاجرين والأنصار في الخير والتقدم.

وكيف كان فإن التعددية السياسية والحزبية هي من الضروريات في النظام السياسي، وقد حث الإسلام عليها، ومن أهم مشاكل البلاد الإسلامية في هذا اليوم هو: عدم التعددية فيها، وذلك لأن الحزب الواحد، والحاكم الواحد، والرئيس أو الملك الواحد، إذا لم يكن أمامه حزب منافس أو مؤسسات دستورية، تحاسب الحزب الحاكم، أو تؤاخذ الحاكم والرئيس والملك على أعماله، وتسائله عن تصرفاته، لاستبد ذلك الحزب ـ عادة ـ ولطغى ذلك الحاكم والرئيس والملك، ولصار جباراً يفسد في الأرض، ويهلك الحرث والنسل، كما أثبتته التجارب طول التاريخ الغابر وحتى المعاصر.

وكما قال تعالى: (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)(25).

وكما قال سبحانه: (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)(26).

وكما تحدث سبحانه عن فرعون الذي تجبر وتكبر وقال: أنا ربكم الأعلى، حيث لم يكن هناك من يحاسبه على أعماله، ويسأله عن تصرفاته، فاتخذ الناس عبيداً، وأموالهم مغنما، وأرضهم ملكا وإقطاعا، وصرح بذلك كما في القرآن قائلا: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي)(27).

وفي الروايات: (من ملك استأثر)(28).

 

التعددية: وقاية وعلاج سياسي

فالإسلام لأجل الحفاظ على الأمة من الوقوع في مثل ظلم فرعون ونمرود، أمر الناس بنظام التعددية، بل وخلقهم متعددين وأراد لهم التكامل والتقدم عبر تعارفهم فيما بينهم، والأخذ بالأحسن مما عندهم، وعبر التنافس في الخير والرحمة، والبناء والتقدم، قال تعالى مخاطباً جميع الناس، وليس أمة دون أمة مما يدل على أهميته، وكبير دوره في الحياة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)(29).

فالله تعالى خلقنا متعددين ومختلفين في اللسان والفكر والثقافة، لأجل أن نتعارف ونتقارب ونأخذ بالأحسن من كل فكر وثقافة، وبذلك يكون التقدم والسعادة، لا أن يترفع قوم على قوم، ويتميز جماعة عن جماعة، فيتقوقعوا على أنفسهم، وينغلقوا عن الآخرين، ويحرموا أنفسهم من أخذ الأحسن واتباع الأفضل، فيخسروا التقدم والسعادة، ويبوءوا بالتأخر والفشل، والعناء والشقاء، إضافة إلى ما يحدث عبر عدم التقارب والتعارف من التطاحن والتشاجر المؤدي إلى حروب دامية، ودمار شامل.

وعليه: فالتعددية وقاية وعلاج سياسي، بينما عدمها وهو الحزب الواحد كما تعارف اليوم في كثير من البلاد، مما لا يعترف به الإسلام وقوع في كابوس الظلم والجور، وسقوط في هاوية الاستبداد والدكتاتورية.

 

حقوق الإنسان

مسألة: تجب رعاية حقوق الإنسان السياسية وغيرها على الوجه الذي أمر به الإسلام، فإن الإسلام ضمن أكبر الحريات السياسية للأفراد والأحزاب وما أشبه ضماناً لم يضمنه غير الإسلام من الأديان الأخرى، ولا سائر المبادئ الأرضية الأخرى، مهما كانت متطورة في زعمها وحديثة وتدعي التجدّد والتقدمية، قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)(30).

وقال سبحانه: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)(31).

وقال تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)(32).

وقال سبحانه: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)(33).

وقال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)(34).

وقال سبحانه: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)(35).

وقال تعالى: (وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاءً الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً)(36).

وقال سبحانه: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره)(37).

وقال تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى)(38).

وقال سبحانه: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)(39).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(40).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (الناس كأسنان المشط)(41).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط لا فضل للعربي على العجمي ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى)(42).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من ترك ديناً أو ضياعاً فعليّ وإليّ، ومن ترك مالاً فلورثته)(43).

وقد أمر الإسلام بتوفير أوليات الحياة لكل إنسان من الأمن والاستقرار والعمل والماء والرزق والتعليم والزواج وغير ذلك، فهل في غير الإسلام ما يقول بكل ذلك، وهل هناك نظافة وطهارة بالنسبة إلى رعاية حقوق الإنسان كهذه النظافة والطهارة التي أكد عليها الإسلام؟

 

الحريات الإسلامية

مسألة: لا تجوز مصادرة حريات الناس التي جاء بها الإسلام وجعلها من أوليات حياة الإنسان، فإن الإنسان المسلم حر في كافة شؤونه، وفي كل الدول الإسلامية: في السفر والإقامة، والزراعة والتجارة، والبناء والعمران، والكسب والعمل، ونشر الكتب والمقالات، والمجلات والجرائد، وتأسيس محطات بث وإعلام، وتنظيم برامج ثقافية للإذاعة والتلفزيون، وتأسيس الأحزاب والتكتلات، والتأليف والخطابة، واختيار السكن والزواج، وجميع النشاطات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية وغيرها، إلا في المحرمات الشرعية، ولا يحق لأحد منعه من الأمور المذكورة.

قال تعالى في بيان مهمة نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي بعثه رحمة للعالمين: (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)(44).

أي يمنحهم الحريات التي جاء بها من عند الله تعالى هدية لهم.

 

حرمة مصادرة الأموال وما أشبه

مسألة: لا يجوز أي نوع من مصادرة الأموال، وإلقاء القبض على الأشخاص ونفيهم، وإخراجهم من البلد وسجنهم، إلا في الموارد المقررة شرعاً، وعند ذلك يجب العمل وفق الحدود الشرعية.

وقد عير الله تعالى اليهود بهذه الأمور وجعلها من أسباب ذلتهم وحقارتهم، وحذر المسلمين منها، وهددهم بمصير مشابه لليهود إن هم أخذوا بها، قال تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم …)(45).

وقال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)(46).

وقال سبحانه: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً)(47).

وقال تعالى: (وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً)(48).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (الناس مسلطون على أموالهم)(49).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)(50).

واليوم حيث إن المسلمين وحكامهم لم يراعوا نظافة الإسلام وطهارته في هذه الأمور، ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وباءوا بغضب من الله ومن الناس، وليس لهم نجاة منها إلا بالعودة إلى ما جاء به الإسلام من النظافة والطهارة فيما يخص دماء الناس وأعراضهم وأموالهم.

 

لا عنف في الإسلام

مسألة: يحرّم الإسلام الغدر والاغتيال والإرعاب وكل ما يسمى اليوم بالعنف والإرهاب، فإنه لا عنف في الإسلام، ولا يجوز أي نوع من أعمال العنف والإرهاب الذي يوجب إيذاء الناس وإرعابهم، والغدر بهم وبحياتهم، أو يؤدي إلى تشويه سمعة الإسلام والمسلمين.

كيف لا والإسلام مشتق من السلم والسلام، والقرآن الكريم يأمر بالرفق والمداراة، يقول تعالى:( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي... )(51).

ويقول سبحانه في مدح نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): (وإنك لعلى خلق عظيم)(52).

ويوبخ الصحابي الذي عبس في وجه الأعمى ويشهر به بقوله تعالى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى)(53).

ويذكر المسلمين بنعمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخلاقه الكريمة حيث يقول تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)(54).

ويقول سبحانه: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)(55).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (المؤمن هين لين سمح، له خلق حسن، والكافر فظ غليظ، له خلق سيئ، وفيه جبرية)(56).

وفي النهج قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وما يغدر من علم كيف المرجع)(57).

وقال (عليه السلام) في ذم الغدر وأهل الغدر: (ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم قاتلهم الله، قد يرى الحوّل القلَّب وجه الحيلة، ودونها مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين)(58).

وقال (عليه السلام) في الفرق بين سياسته الممثلة لسياسة الإسلام، وسياسة معاوية الممثلة لسياسة الباطل: (والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة)(59).

وقال (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر: (ولا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضى… وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة، أو ألبسته منك ذمة، فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت… فلا تغدرن بذمتك، ولا تخيسن بعهدك، ولا تختلن عدوك… فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه…)(60).

مضافا إلى إن الله سبحانه وتعالى فطر النفوس وجبلها على حب الرفق وأهل الرفق، وبغض العنف وأهل العنف، ولذلك ترى الناس تهوى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) وتحن إليهم قلوبهم لما كانوا يتحلون به من الرفق واللين، بينما تراهم يبغضون الذين ناوءوهم وعادوهم لما كانوا يتصفون به من عنف وخرق، وجفوة وقسوة.

وكيف كان: فاللاعنف نظافة وطهارة سياسية يأمر بها الإسلام، والعنف عكس ذلك، ينهى عنه الإسلام ويرفضه.

 

التجسس حرام

مسألة: يحرم التجسس على المسلمين ووضع الجواسيس عليهم، فإن التجسس خلاف ما أمر به الإسلام من النظافة بالمعنى الأعم. قال تعالى: (ولا تجسسوا)(61).

كيف لا، والتجسّس يشتمل على هدر كرامة المسلمين، وكبت حرياتهم، والاعتداء على حقوقهم وحرماتهم، بينما الإسلام أوجب احترام الإنسان المسلم، وجعل حرمة ماله وعرضه، وحركاته وسكناته، كحرمة دمه، ومنع الآخرين من التطلع عليه، أو مراقبة أعماله وأفعاله، ناهيك عن التنصت على مكالماته أو استراق السمع من محله ومنزله وما أشبه ذلك، فإنها من أشد المحرمات.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إياكم والظن فإن الظن أكذب الكذب، وكونوا إخوانا في الله كما أمركم الله لا تتناحروا ولا تتجسسوا ولا تتفاحشوا ولا يغتب بعضكم بعضا)(62).

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها كان حقيقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتجسسون عورات المسلمين في الدنيا، ولم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله، ويبدي عوراته للناظرين في الآخرة)(63).

 

حرمة التعذيب

مسألة: التعذيب حرام في الإسلام، ولا يجوز انتزاع الإقرار ممن يحتمل فيه الإجرام سياسيا كان ام غير سياسي بالضرب والتعذيب، بل يجب التوصل إليه بالطرق الشرعية، وإذا اعترف في هذه الصورة لا اعتبار به.

فإن التعذيب وحشية وبربرية، والإسلام دين الأخلاق والمكارم، والرحمة والإنسانية، قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً)(64).

وقال سبحانه: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)(65).

ومن المعلوم: أن الإنسان الذي كرمه الله ورفع شأنه، وفضله وشرفه على كثير من مخلوقاته، لم يأذن لأحد بإهانته وتعذيبه، ولم يسمح حتى بإرعابه وتخويفه، فكيف بممارسة الأعمال الوحشية معه، فإن التعذيب يتنافى مع كرامة الإنسان وشرافته.

وفي التاريخ: أن المسلمين في غزوة بدر لما عثروا على غلامين للمشركين كانا قد جاءا ليستقوا الماء، فجاء بهما المسلمون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان الرسول في الصلاة، فاستجوبهما المسلمون وسألوهما عن عدد جيش المشركين، فقالا: لا نعلم، وأصرا على ذلك فضربوهما، وبمجرد الضرب خفف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاته وانفتل منها والتفت إليهم بشدة وغضب وقال: يصدقان في قولهم فتضربوهما حتى يكذبا عليكم!(66).

فالتعذيب يعد في ثقافة الإسلام عادة جاهلية، والإسلام دين النظافة والطهارة في كل شيء، وينهى عن كل دناءة وجاهلية، وخاصة فيما يمس كرامة الإنسان وشرافته.

 

النظافة من الظلم

مسألة: لا يجوز الظلم فإنه من أشد المحرمات شرعاً وضيق في الدنيا وظلمات في يوم القيامة، كما يجب التحلي بالعدل فإنه من أهم الواجبات شرعاً وسعة في الدنيا وغفران في الآخرة، وبذلك روايات كثيرة.

فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (اتقوا الله واعدلوا فإنكم تعيبون على قوم لا يعدلون)(67).

وقال (عليه السلام) أيضا: (العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن، ما أوسع العدل إذا عدل فيه وان قل)(68).

وقال (عليه السلام) أيضا: (العدل أحلى من الشهد وألين من الزبد وأطيب ريحاً من المسك)(69).

وقال (عليه السلام) أيضا: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة)(70).

وقال (عليه السلام) أيضا: (من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده)(71).

وعن زيد بن علي بن الحسين عن آبائه (عليهم السلام) قال: (يأخذ المظلوم من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من دنيا المظلوم)(72).

وعن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: (من ارتكب أحداً بظلم بعث الله من ظلمه مثله أو على ولده أو على عقبه من بعده)(73).

وعن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يقول الله عزّ وجلّ: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصراً غيري)(74).

 

مجسّدو العدالة الإسلامية

وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مثالا للعدالة الإسلامية، وهكذا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد كتب (عليه السلام) إلى بعض عماله: (أما بعد، فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة، واحتقاراً وجفوة، ونظرت فلم أرهم أهلا لأن يدنوا لشركهم، ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم فالبس لهم جلباباً من اللين تشوبه بطرف من الشدة، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وأمزج لهم بين التقريب والإدناء، والإبعاد والإقصاء إن شاء الله)(75).

وأخرج الأربلي في (كشف الغمة) عن كتاب (ابن طلحة) عن سودة بنت عمارة الهمدانية ـ في حديث دخولها على معاوية ـ قالت: (والله لقد جئته ـ تعني أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا، فصادفته قائماً يصلي، فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي بلطف ورفق، ورحمة وتعطف وقال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، فأخبرته الخبر.

فبكى (عليه السلام) ثم قال: ـ رافعاً طرفه إلى السماء ـ: اللهم أنت الشاهد علي وعليهم، وإني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك.

ثم أخرج (عليه السلام) قطعة جلد فكتب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)(76).

فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه. والسلام.

قالت: ثم دفع الرقعة إليّ، فوالله ما ختمها بطين، ولا خذمها، فجئت بالرقعة إلى صاحبه، فانصرف عنا معزولاً(77).

وكتب علي (عليه السلام) إلى بعض عماله ـ وهو زياد بن أبيه وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة ـ كتاباً كما يلي:

(وإني أقسم بالله قسماً صادقاً لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً، لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر والسلام)(78).

وأخرج العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار عن كتاب (الخرائج) قال: روي أن قصاباً كان يبيع اللحم من جارية إنسان وكان يحيف عليها، فبكت وخرجت فرأت علياً (عليه السلام) فشكته إليه. فمشى (عليه السلام) معها نحوه، ودعاه إلى الإنصاف في حقها، وأخذ يعظه ويقول له: ينبغي أن يكون الضعيف عندك بمنزلة القوي فلا تظلم الجارية)(79).

وأخرج ابن شهر آشوب في (المناقب) عن أبي مطر البصري قال:

إن أمير المؤمنين (عليه السلام) مر بأصحاب التمر، فإذا هو بجارية تبكي فقال: يا جارية ما يبكيك؟

قالت: بعثني مولاي بدراهم فابتعت من هذا تمراً، فأتيتهم به فلم يرضوه فلما أتيته به أبى أن يقبله.

فقال (عليه السلام) للتمار: يا عبد الله إنها خادم، وليس لها أمر فاردد إليها درهمها وخذ التمر.

فقام إليه الرجل فلكزه.

فقال الناس: هذا أمير المؤمنين.

فربا الرجل ـ يعني أخذه الربو، وهو علة تحدث في الرئة من شدة الخوف، فيخرج النفس بصعوبة ـ واصفر وأخذ التمر ورد إليها درهمها ثم قال: يا أمير المؤمنين ارض عني!

فقال (عليه السلام): ما أرضاني عنك إن أصلحت أمرك.

أو قال: ما أرضاني عنك إذا وفيت الناس حقوقهم)(80).

وذكر الكوفيون: أن سعيد بن قيس الهمداني رآه ـ يعني علياً (عليه السلام) ـ في شدة الحر في فناء حائط، فقال: يا أمير المؤمنين بهذه الساعة؟ قال (عليه السلام): (ما خرجت إلا لأعين مظلوماً أو أغيث ملهوفاً)(81).

1ـ سورة المجادلة: الآية 11.

2ـ سورة يونس: الآية 35.

3ـ سورة البقرة: الآية 247.

4ـ سورة الحج: الآية 41.

5ـ راجع تهذيب الأحكام: ج6 ص151 ب22 ح7.

6ـ راجع من لا يحضره الفقيه: ج1 ص378 ح1102.

7ـ سورة الشورى: الآية 38.

8ـ بحار الأنوار: ج32 ص123 ب1 ح97.

9ـ بحار الأنوار: ج71 ص186 ب13 ح7.

10ـ بحار الأنوار: ج72 ص98 ب48 ح5.

11ـ الكافي: ج8 ص348 ب8 ح547.

12ـ مستدرك الوسائل: ج8 ص341 ب20 ح9606.

13ـ مستدرك الوسائل: ج8 ص341 ب20 ح9609.

14ـ مستدرك الوسائل: ج8 ص341 ب20 ح9609.

15ـ مستدرك الوسائل: ج8 ص341 ب20 ح9611.

16ـ مستدرك الوسائل: ج8 ص341 ب20 ح9607.

17ـ وسائل الشيعة: ج5 ص216 ب5 ح11.

18ـ مستدرك الوسائل: ج8 ص341 ب20 ج9608.

19ـ مستدرك الوسائل: ج8 ص341 ب20 ج9608.

20ـ مستدرك الوسائل: ج8 ص342 ب20 ح9610.

21ـ مستدرك الوسائل: ج8 ص342 ب20 ح9610.

22ـ سورة آل عمران: الآية 133.

23ـ سورة الحديد: الآية 21.

24ـ سورة المطففين: الآية 26.

25ـ سورة البقرة: الآية 205.

26ـ سورة العلق: الآية 6-7.

27ـ سورة الزخرف: الآية 51.

28ـ وسائل الشيعة: ج8 ص424 ب21 ح3.

29ـ سورة الحجرات: الآية 13.

30ـ سورة المائدة: الآية 8.

31ـ سورة البقرة: الآية 286.

32ـ سورة النساء: الآية 58.

33ـ سورة الأعراف: الآية 85.

34ـ سورة الأنعام: الآية 164.

35ـ سورة الإسراء: الآية 15.

36ـ سورة الكهف: الآية 88.

37ـ سورة الزلزلة: الآية 7.

38ـ سورة النجم: الآية 39-40.

39ـ سورة قريش: الآية 4.

40ـ بحار الأنوار: ح72 ص38 ب35 ح36.

41ـ من لا يحضره الفقيه: ج4 ص379 ب2 ح5798.

42ـ الاختصاص: ص341.

43ـ مستدرك الوسائل: ج13 ص398 ب9 ح15718.

44ـ سورة الأعراف: الآية 157.

45ـ سورة البقرة: الآية 84-85.

46ـ سورة البقرة: الآية 188.

47ـ سورة النساء: الآية 10.

48ـ سورة النساء: الآية 20.

49ـ بحار الأنوار: ج2 ص272 ب33 ح7.

50ـ مستدرك الوسائل: ج17 ص8 ب1 ح20819.

51ـ سورة النحل: الآية 90.

52ـ سورة القلم: الآية 4.

53ـ سورة عبس: الآية 1-2.

54ـ سورة آل عمران: الآية 159.

55ـ سورة التوبة: الآية 128.

56ـ بحار الأنوار: ج68 ص391 ب92 ح53.

57ـ نهج البلاغة: الخطبة 41.

58ـ نهج البلاغة: الخطبة 41.

59ـ نهج البلاغة: الخطبة 200.

60ـ نهج البلاغة: الكتاب: 53.

61ـ سورة الحجرات: الآية 12.

62ـ بحار الأنوار: ج72 ص252 ب66 ح28.

63ـ مستدرك الوسائل: ج1 ص376 ب3 ح901.

64ـ سورة الإسراء: الآية 70.

65ـ سورة التين: الآية 4.

66ـ بحار الأنوار: ج19 ص331 ب10 ح83.

67ـ الكافي: ج2 ص147 ح14.

68ـ الكافي: ج2 ص146 ح11.

69ـ الكافي: ج2 ص147 ح15.

70ـ الكافي: ج2 ص332 ح11.

71ـ الكافي: ج2 ص332 ح9.

72ـ وسائل الشيعة: ج11 ص340 ب77 ح12.

73ـ وسائل الشيعة: ج11 ص340 ب11 ح13.

74ـ وسائل الشيعة: ج11 ص341 ب77 ح16.

75ـ نهج البلاغة: الكتاب19.

76ـ سورة الأعراف: الآية 85.

77ـ كشف الغمة: ج1 ص174.

78ـ نهج البلاغة: الرسالة العشرون، ص87.

79ـ بحار الأنوار: ج41 ص203 ب110 ح18.

80ـ بحار الأنوار: ج41 ص48 ب104 ح1.

81ـ بحار الأنوار: ج40 ص110 ب91 ح117.