فهرس القسم الثالث

المؤلفات

 الفقه والأحكام

الصفحة الرئيسية

 

من شروط الحكم والحاكم

مسألة: ينبغي للحاكم الإسلامي والحكومة الإسلامية النزاهة الكاملة من حب الدنيا وجمع الأموال، فإن المال إذا كان بيد الحاكم والحكومة، أفلس الناس وعاشوا الفقر والجهل، والمرض والموت، وإذا كان بيد الناس، كان علامة على نظافة الحاكم والحكومة وأمانتها الاقتصادية.

كما أن العزوف عن الدنيا وعن جمع الأموال هو اقتداء بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يورث درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا وليدة ولا شاة ولا بعيراً، ولقد قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وان درعه مرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعاً من شعير استلفها نفقة لأهله(1).

وعن ابن عباس: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً من شعير أخذها رزقاً لعياله)(2).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه دين)(3).

وهكذا كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وسائر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (قبض علي (عليه السلام)، وعليه دين ثمانمائة ألف درهم)(4).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (مات الحسن (عليه السلام) وعليه دين، وقتل الحسين (عليه السلام) وعليه دين)(5).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (إن الحسين (عليه السلام) قتل وعليه دين، وان علي بن الحسين (عليه السلام) باع ضيعة له بثلاثمائة ألف ليقضي دين الحسين (عليه السلام) وعدات كانت عليه).

وفي حديث آخر: (همّ علي بن الحسين (عليه السلام) بدين أبيه حتى قضاه الله).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (قد مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه دين، وقد مات علي (عليه السلام) وعليه دين، ومات الحسن (عليه السلام) وعليه دين، وقتل الحسين (عليه السلام) وعليه دين)(6).

 

الزهد والحاكم الإسلامي

مسألة: ينبغي للحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي الزهد في الدنيا، والعزوف عنها، وعدم التلوث بها، أو الانغماس فيها، وترك مباهجها وزخارفها، تجنّباً للوعيد الذي توعّد به الله الحكام المترفين، من النار والأغلال إذا هم لم يزهدوا في الدنيا، واقتداءً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) الذين واسوا بأنفسهم أضعف رعيتهم في المسكن والملبس، والمأكل والمشرب.

ففي نهج البلاغة قال (عليه السلام) في زهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قضم الدنيا قضماً، ولم يُعرهاً طرفاً، أهضم أهل الدنيا كشحاً، وأخمصهم من الدنيا بطناً، عُرضت عليه الدنيا فأبى أن يقبلها… ولقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويُردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول: يا فلانة ـ لإحدى زوجاته ـ غيّبيه عني، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها من نفسه، وأحب أن تغيب زينتها عن عينه، لكيلا يتخذ منها رياشاً، ولا يعتقدها قراراً، ولا يرجو فيها مُقاماً… خرج من الدنيا خميصاً، وورد الآخرة سليماً، لم يضع حجراً على حجر، حتى مضى لسبيله، وأجاب داعي ربه، فما أعظم منّة الله عندنا حين أنعم علينا به سلفاً نتبعه، وقائداً نطأ عقبه، والله لقد رقّعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها عنك؟ فقلت اغرب عني، فعند الصباح يحمد القوم السُّرى)(7).

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري: (إلا وان لكل مأموم إماماً يقتدي به، ويستضيء بنور علمه، ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه(8) ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً(9) ولا ادخرت من غنائمها وفراً(10)، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبراً، ولا أخذت منها إلا كقوت أتان دبرة(11)، ولهي في عيني أوهى وأهون من عفصة مقرة)(12).

وقال أيضاً (عليه السلام): (ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة، من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطاناً، وحولي بطون غرثى(13) وأكباد حرى(14) أو أكون كما قال القائل:

وحسبك داءاً أن تبيت ببطنة *** وحولك أكباد تحن إلى القد(15)

ثم إن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لما قدم الكوفة لم يسكن القصر المعروف بـ(دار الإمارة) رغم طلب أشراف الكوفة منه (عليه السلام) أن يسكنها، وإنما كانت هناك داراً متواضعة لأحد أقربائه فاستأجرها وسكنها، زهداً منه (عليه السلام) في الدنيا، وإعراضاً عن زينتها وزخارفها.

 

القائد والأخلاق الاجتماعية

مسألة: ينبغي للحاكم والقائد الإسلامي أن يكون في أعلى درجات النظافة في حياته الشخصية والاجتماعية، وذلك كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرون (عليهم السلام) حيث أنهم كانوا المثل الأعلى في النظافة في كل حياتهم الشخصية والاجتماعية.

قال الله تعالى في حق نبيه الكريم: (وإنك لعلى خلق عظيم)(16).

وقال سبحانه في صفة رسوله المصطفى: (عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم)(17).

وروي عن سلمان الفارسي أنه قال: (دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو متكئ على وسادة فألقاها إليّ، ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراماً له إلا غفر الله له)(18).

وروي عن جرير قال: (إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل بعض بيوته فامتلأ البيت ـ يعني: لم يبق مجال لشخص آخر لازدحام البيت بالمسلمين أو ببعض عوائله ـ ودخل جرير فقعد خارج البيت فأبصره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ ثوبه فلفه فرمى به إليه وقال: اجلس على هذا، فأخذه جرير فوضعه على وجهه فقبله)(19).

وعن ابن عباس قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويحتلب الشاة ويجيب دعوة المملوك)(20).

وعن أبي ذر انه قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل)(21).

وعن ابن مسعود انه قال: (أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل يكلمه فأرعد، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هون عليك، فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد)(22). والقد: هو القديد، وهو اللحم المجفف في الشمس.

وروي عن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعود المريض، ويتبع الجنازة، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار، وكان يوم خيبر، ويوم قريظة، والنضير، على حمار مخطوم بحبل من ليف، تحته أكاف من ليف).

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا مر على جماعة بدأهم بالسلام، حتى قال بعض أصحابه: انه كلما أراد أن يبدأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسلام إذا التقى به فإذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسبقه ويسلم عليه(23).

وروي عن أنس: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أدركه أعرابي فأخذ بردائه، فجبذه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال له: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضحك وأمر له بعطاء(24).

 

اجتماعيات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

وروي عن أمير المؤمنين علي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: (ما صافح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحداً قط فنزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده.

وما فاوضه أحد في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف.

وما نازعه الحديث حتى يكون هو الذي يسكت.

وما رأى مقدماً رجليه بين يدي جليس له قط.

ولا عرض له قط أمران إلا أخذ بأشدهما.

وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى.

وما أكل متكئاً قط حتى فارق الدنيا.

وما سئل شيئاً قط فقال: لا.

وما رد سائلاً حاجة إلا بها أو بميسور من القول.

وكان أخف الناس صلاة في تمام.

وكان أقصر الناس خطبة وأقله هذراً.

وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل.

وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده.

وكان إذا أكل أكل مما يليه فإذا كان الرطب والتمر جالت يده.

وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس.

وكان يمص الماء مصاً ولا يعبه عباً.

وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه.

كان لا يأخذ إلا بيمينه ولا يعطي إلا بيمينه.

وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه.

وكان يحب التيمن في كل أموره، في لبسه وتنعله وترجله.

وكان إذا دعا دعا ثلاثا.

وإذا تكلم تكلم وتراً.

وإذا استأذن استأذن ثلاثاً.

وكان كلامه فصلاً يتبينه كل من سمعه.

وإذا تكلم رأى كالنور يخرج من بين ثناياه.

وإذا رأيته قلت: أفلج الثنيتين وليس بأفلج.

وكان نظره اللحظ بعينه.

وكان لا يكلم أحداً بشيء يكرهه.

وكان إذا مشى ينحط من صبب.

وكان يقول: إن خياركم أحسنكم أخلاقاً.

وكان لا يذم ذواقاً ولا يمدحه.

ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده.

وكان المحدث عنه يقول: لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)(25).

 

من أخلاق أمير المؤمنين (عليه السلام)

مسألة: يجب على الحكومة الإسلامية والحاكم الإسلامي أن يتأسى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في النزاهة والأمانة أيام إدارة الحكم.

ففي بحار الأنوار، عن المناقب عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) انه قال: (ولقد ولي علي (عليه السلام) خمس سنين وما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعاً، ولا أورث بيضاء، ولا حمراء)(26).

وقال علي (عليه السلام): (دخلت بلادكم بأسمالي هذه، ورحلي وراحلتي هاهي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنني من الخائنين)(27).

وعن علي (عليه السلام): (ما كان لنا إلا أهاب كبش أبيت مع فاطمة بالليل عليها، ونعلف عليها الناضح بالنهار)(28).

و(رئي على علي (عليه السلام) إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم، ورئي عليه إزار مرقوع فقيل له في ذلك فقال (عليه السلام): يقتدي به المؤمنون، ويخشع له القلب، وتذل به النفس، ويقصد به المبالغ، وفي رواية أشبه بشعار الصالحين ـ إلى قوله ـ وأجدر أن يقتدي به المسلم)(29).

وورد: (أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) نظر إلى فقير انخرق كم ثوبه، فخرق كم قميصه وألقاه إليه)(30).

 

ما عندي غيرها

وفي كشف الغمة: قال هارون بن عنترة حدثني أبي قال: دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخورنق (وهي موضع بالكوفة آنذاك والآن بظاهر الحيرة) وهو يرعد تحت سمل قطيفة (أي: الثوب الخلق البالي).

فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال ما يعم وأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟.

فقال (عليه السلام): (والله ما أرزأكم من أموالكم شيئاً وان هذا لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي من المدينة ما عندي غيرها)(31).

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليطعم الناس خبز البر واللحم، وينصرف إلى منزله ويأكل خبز الشعير، والزيت والخل)(32).

 

ولم يُنخل له طعام

وعن سويد بن غفلة قال: (دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) العصر، فوجدته جالساً بين يديه صحيفة فيها لبن حازر أجد ريحه من شدة حموضته، وفي يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه، وهو يكسره بيده أحياناً، فإذا غلبه كسره بركبته وطرحه فيه.

فقال (عليه السلام): ادن فأصب من طعامنا هذا ـ إلى أن قال: ـ فقلت لجاريته وهي قائمة بقرب منه: ويحك يا فضة ألا تتقين الله في هذا الشيخ؟ ألا تنخلون له طعاماً مما أرى فيه من النخالة.

قال علي (عليه السلام) لي: ما قلت لها؟

قال: فأخبرته.

فقال (عليه السلام): بأبي وأمي من لم ينخل له طعام، ولم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله عزّ وجلّ)(33) ويقصد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

 

وفي العام مرّة

وقال علي (عليه السلام): (واعلم إن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه(34) لسدّ فورة جوعه بقرصيه(35) لا يطعم الفلذة(36) في حوله إلا في ستة أضحيته)(37).

وقد قال (عليه السلام): (والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم)(38) .

 

اقتسموا هذا المال

وروى ابن شهر آشوب (رحمه الله) في كتاب مناقب آل أبي طالب عن سالم الجحدري قال: (شهدت علي بن أبي طالب (عليه السلام) أتى بمال عند المساء فقال: اقتسموا هذا المال.

فقالوا: قد أمسينا يا أمير المؤمنين فأخره إلى غد.

فقال لهم: تقبلون لي أن أعيش إلى غد؟

قالوا: ماذا بأيدينا؟

فقال: لا تؤخروه حتى تقسموه)(39).

 

التسوية في العطاء

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه أمر عمار بن ياسر وعبد الله بن أبي رافع وأبا الهيثم بن التيهان، أن يقسموا فيئاً بين المسلمين، وقال لهم:

(اعدلوا بينهم ولا تفضلوا أحداً على أحد، فحسبوا فوجدوا الذي يصيب كل رجل من المسلمين ثلاثة دنانير، فأعطوا الناس.

فأقبل عليهم طلحة والزبير ومع كل واحد منهما ابنه، فدفعوا إلى كل واحد منهم ثلاثة دنانير، فقال طلحة والزبير، ليس هكذا كان يعطينا عمر، فهذا منكم أو عن أمر صاحبكم؟

قالوا: بل هكذا أمرنا أمير المؤمنين (عليه السلام) .

فمضيا إليه (عليه السلام)، فوجداه في بعض أحواله قائما في الشمس على أجير له يعمل بين يديه، فقالا له: ترى أن ترتفع معنا إلى الظل؟

قال: نعم.

فقالا له: إنا أتينا إلى عمالك على قسمة هذا الفيء، فأعطوا كل واحد منا مثل ما أعطوا سائر الناس.

قال: وما تريدان؟

قالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر.

قال (عليه السلام): فما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعطيكما؟

فسكتا.

فقال (عليه السلام): أليس كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسم بين المسلمين بالسوية من غير زيادة؟

قالا: نعم.

قال: أفسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بالاتباع عندكما، أم سنة عمر؟

قالا: سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن يا أمير المؤمنين لنا سابقة وعناء وقرابة، فإن رأيت أن لا تسوينا بالناس، فافعل.

قال: سابقتكما أسبق أم سابقتي؟

قالا: سابقتك، قال: فقرابتكما أقرب أم قرابتي؟

قالا: قرابتك.

قال: فعناؤكما أعظم أم عنائي؟

قالا: بل أنت يا أمير المؤمنين أعظم عناءً.

قال: فوالله ما أنا وأجيري هذا في المال، إلا بمنزلة واحدة، وأومأ بيده إلى الأجير الذي بين يديه)(40).

 

أمين بيت المال

وأخرج ابن شهر آشوب (قده) في المناقب (انه (عليه السلام) كان يأتي عليه وقت لا يكون عنده قيمة ثلاثة دراهم يشتري بها إزاراً، وما يحتاج إليه، ثم يقسم كل ما في بيت المال على الناس ثم يصلي فيه فيقول: (الحمد لله الذي أخرجني منه كما دخلته)(41).

 

في سوق الكوفة

وفي البحار عن المناقب، عن أبي الجيش البلخي قال: (إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) اجتاز بسوق الكوفة فتعلق به كرسي فتخرق قميصه، فأخذه بيده، ثم جاء به إلى الخياطين فقال: خيطوا لي ذا بارك الله فيكم)(42).

 

قميص من كرابيس

وعن الأشعث العبدي قال: (رأيت علياً (عليه السلام) اغتسل في الفرات يوم جمعة، ثم ابتاع قميصاً كرابيس بثلاثة دراهم، فصلى بالناس الجمعة وما خيط جربانه بعد)(43).

وعن الزمخشري قال: (إن علياً اشترى قميصاً فقطع ما فضل عن أصابعه ثم قال للرجل حصه). أي: خط كفافه(44).

وعن أبي رجاء قال أخرج علي (عليه السلام) سيفاً إلى السوق فقال: (من يشتري مني هذا، فوالذي نفس علي بيده لو كان عندي ثمن أزار ما بعته. فقلت له: أنا أبيعك إزاراً، وأنسئك ثمنه إلى عطائك. فدفعت إليه إزاراً إلى عطائه، فلما قبض عطائه دفع إليّ ثمن الإزار)(45).

 

هدايا خاصة وعامة

وقال حكيم بن أوس: (أتُي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بأحمال فاكهة فأمر ببيعها، وأن يطرح ثمنها في بيت المال)(46).

وعن عاصم بن ميثم قال: (انه أهدي إلى علي (عليه السلام) سلال خبيص له خاصة، فدعا بسفرة، فنثره عليه ثم جلسوا حلقتين يأكلون).

وعن أبي حريز قال: إن المجوس أهدوا إلى علي (عليه السلام) يوم النيروز جامات من فضة فيها سكر، فقسم (عليه السلام) السكر بين أصحابه وحسبها من جزيتهم.

قال: وبعث دهقان إلى علي (عليه السلام) بثوب منسوج بالذهب، فابتاعه منه عمرو بن حريث بأربعة آلاف درهم إلى العطاء)(47)، أي وضعه في بيت المال.

 

أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان علي (عليه السلام) أشبه الناس طعمة وسيرة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يأكل الخبز والزيت، ويطعم الناس الخبز واللحم، وكان (عليه السلام): يستقي ويحتطب(48). وكان يرقع مدرعته بنفسه. وكان يخيط ثوبه بنفسه، وكان يخصف نعله بنفسه)(49).

 

مع طارق الليل

وقال علي (عليه السلام) في بعض خطبه ـ بعد ما ذكر قصة عقيل ورده (عليه السلام) له ـ: (واعجب من ذلك ـ أي: من رجاء عقيل أن أعطيه زائدا على سائر المسلمين ـ طارق طرقنا بملفوفةٍ(50) في وعائها، ومعجونة شنئتها (51) كأنما عجنت بريق حية أو قيئها. فقلت: أصلة، أم زكاة، أم صدقة؟ فذلك محرم علينا أهل البيت.

فقال: لا ذا، ولا ذاك، ولكنها هدية.

فقلت: هبلتك الهبول(52)، أعن دين الله أتيت لتخدعني؟ أمختبط أنت؟ أم ذو جنة؟ أم تهجر. والله! لو أعطيت الأقاليم السبعة ـ بما تحت أفلاكها ـ على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة(53) ما فعلته، وان دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها)(54).

 

ولما وُلّي علي (عليه السلام)

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لما ولي علي (عليه السلام) صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما إني والله لا أرزئكم من فيئكم هذا درهماً ما قام لي عذق بيثرب، فلتصدقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم؟

قال: فقام إليه عقيل كرم الله وجهه فقال له: أتجعلني وأسود في المدينة سواء!!

فقال (عليه السلام): اجلس ما كان هاهنا أحد يتكلم غيرك؟ وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى)(55).

 

حتى يخرج عطائي

أخرج ابن شهر آشوب في المناقب عن جمل أنساب الأشراف قال: (قدم عقيل على علي (عليه السلام) فقال للحسن (عليه السلام): اكس عمك، فكساه قميصاً من قميصه، ورداءاً من أرديته.

فلما حضر العشاء فإذا هو خبز وملح، فقال عقيل: ليس إلا ما أرى؟

فقال علي (عليه السلام): أو ليس هذا من نعمة الله وله الحمد كثيراً؟

فقال عقيل: أعطني ما أقضي به ديني، وعجل سراحي حتى أرحل عنك،

قال (عليه السلام): فكم دينك يا أبا يزيد؟

قال: مائة ألف درهم.

قال (عليه السلام): لا والله ما هي عندي ولا أملكها، ولكن اصبر حتى يخرج عطائي فأواسيكه، ولولا انه لا بد للعيال من شيء لأعطيتك كله.

فقال عقيل: بيت المال في يدك وأنت تسوفني إلى عطائك؟ وما عساه يكون، ولو أعطيتنيه كله؟

فقال (عليه السلام): ما أنا وأنت فيه إلا بمنزلة رجل من المسلمين ـ وكانا يتكلمان في مكان يشرف على صناديق أهل السوق ـ فقال له علي (عليه السلام): إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه.

فقال: وما في هذه الصناديق؟

قال: فيها أموال التجار.

قال: أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فأعطيك أموالهم وقد توكلوا على الله وأقفلوا عليها.

ثم قال له علي (عليه السلام) في صيغة استثارة لإيمانه وتديّنه ـ: وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعاً إلى الحيرة فإن بها تجاراً مياسير، فدخلنا على بعضهم وأخذنا ماله!

فقال عقيل: أو سارقاً جئت؟

قال: تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعاً(56).

 

ثكلتك الثواكل

وفي نهج البلاغة: (والله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى استماحني من بركم صاعا، ورأيت صبيانه شعث الشعور، غبر الألوان من فقرهم، كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكداً، وكرر علي القول مردداً. فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، واتبع قياده مفارقاً طريقتي، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه؟ أتئن من الأذى، ولا أئن من لظى؟).

 

لا تفاضل في العطاء

وأخرج الشيخ المفيد (رحمه الله) في الاختصاص حديثاً جاء فيه: (ثم ترك ـ يعني: أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ التفضيل لنفسه وولده على أحد من أهل الإسلام. دخلت عليه أخته أم هاني بنت أبي طالب فدفع إليها عشرين درهماً، فسألت أم هاني مولاتها العجمية فقالت: كم دفع إليك أمير المؤمنين؟

فقالت: عشرين درهماً، فانصرفت مسخطة، فقال لها علي (عليه السلام): انصرفي ـ رحمك الله ـ ما وجدنا في كتاب الله فضلاً لإسماعيل على إسحاق)(57).

 

أدخله بيت المال

وروى المؤرخون: (انه بعث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) من البصرة من غوص البحر بتحفة لا يدري ما قيمته، فقالت له ابنته أم كلثوم: يا أمير المؤمنين أتجمل به ويكون في عنقي؟

فقال علي (عليه السلام) لخازن بيت المال أبي رافع: يا أبا رافع أدخله إلى بيت المال، ثم قال لابنته: ليس إلى ذلك سبيل حتى لا تبقى امرأة من المسلمين إلا ولها مثل مالك)(58).

 

حتى يأتي حظّنا منه

وأخرج المناقب عن أم عثمان ـ أم ولد أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ قالت: جئت علياً (عليه السلام) وبين يديه قرنفل مكتوب في الرحبة، فقلت: يا أمير المؤمنين هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة، فقال (عليه السلام): هاك ذا، ونفذ بيده إلى درهماً، ثم قال (عليه السلام): فإنما هذا للمسلمين أولاً، فاصبري حتى يأتينا حظنا منه فنهب لابنتك قلادة)(59).

 

ما أجد لك شيئاً

وعبد الله بن جعفر الطيار، لما ضاقت عليه الدنيا ذات مرة جاء إلى عمه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا أمير المؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فوالله مالي نفقة إلا أن أبيع دابتي. فقال (عليه السلام) له: لا والله ما أجد لك شيئاً إلا أن تأمر عمك أن يسرق فيعطيك(60).

 

المشي خلف الراكب

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) على أصحابه وهو راكب، فمشوا خلفه فالتفت إليهم فقال: لكم حاجة؟

فقالوا: لا يا أمير المؤمنين، ولكننا نحب أن نمشي معك.

فقال لهم: انصرفوا فإن مشيَ الماشي مع الراكب مفسدة للراكب ومذلة للماشي).

قال: وركب مرة أخرى فمشوا خلفه فقال (عليه السلام): (انصرفوا، فإن خفق النعال خلف أعقاب الرجال مفسدة لقلوب النوكى)(61) أي الحمقى.

 

العاقبة للمتقين

وأخرج المناقب عن زاذان: أن علياً (عليه السلام) كان يمشي في الأسواق وحده وهو إذ ذاك يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)(62).

 

ليلة في بيت المال

وعن ابن مردويه قال: (وسمعت مذاكرة أنه (عليه السلام) دخل عليه عمرو بن العاص ليلة وهو في بيت المال، فأطفأ السراج، وجلس في ضوء القمر، ولم يستحل أن يجلس في الضوء من غير استحقاق)(63).

 

عَلَيَّ بالعرفاء

وفي المناقب: (أن قنبراً قدم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) جامات من ذهب وفضة في الرحبة وقال: إنك لا تترك شيئاً إلا قسمته فخبأت لك هذا.

فسل سيفه وقال: ويحك لقد أحببت أن تدخل بيتي ناراً؟ ثم استعرضها بسيفه فضربها حتى انتثرت من بين إناء مقطوع بضعة وثلاثين وقال: عَلَيّ بالعرفاء. فجاءوا، فقال (عليه السلام): هذا بالحصص)(64).

 

لا فرق بين العرب والموالي

وروي: (أن امرأتين أتتا علياً (عليه السلام) إحداهما من العرب والأخرى من الموالي فسألتاه، فدفع إليهما دراهم وطعاماً بالسواء، فقالت إحداهما: إني امرأة من العرب وهذه من العجم. فقال (عليه السلام): إني والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً على بني إسحاق)(65).

1ـ قرب الإسناد: ص44.

2ـ مكارم الأخلاق: ص25.

3ـ علل الشرائع: ص528.

4ـ راجع بحار الأنوار: ج100 ص145 ب3 ح19.

5ـ الكافي: ج5 ص93 ح2.

6ـ انظر سفينة البحار: ج1 ص477، وبحار الأنوار: ج100 ص143 ب2 ح12.

7ـ بحار الأنوار: ج16 ص285 ب9 ح136.

8ـ الطمر: بالكسر، الثوب الخلق البالي.

9ـ التبر: بكسر فسكون، فتات الذهب والفضة قبل أن يصاغ.

10ـ الوفر: المال.

11ـ أتان دبرة: هي التي عقر ظهرها، فقل أكلها.

12ـ بحار الأنوار: ج3 ص474.

13ـ بطون غرثى: جائعة.

14ـ حرى: مؤنث حران، عطشان.

15ـ نهج البلاغة: ص72.

16ـ سورة القلم: الآية 4.

17ـ سورة التوبة: الآية 128.

18ـ مكارم الأخلاق: ص21.

19ـ مكارم الأخلاق: ص21.

20ـ مكارم الأخلاق: ص16.

21ـ مكارم الأخلاق: ص16.

22ـ مكارم الأخلاق: ص16.

23ـ راجع بحار الأنوار: ج16 ص229.

24ـ مكارم الأخلاق: ص17.

25ـ بحار الأنوار: ج16 ص236 ب9 ح35.

26ـ بحار الأنوار: ج40 ص339 ب98 ح25.

27ـ بحار الأنوار: ج40 ص325 ب98 ح7.

28ـ بحار الأنوار: ج40 ص323 ب98 ح6.

29ـ بحار الأنوار: ج40 ص323 ب98 ح6.

30ـ بحار الأنوار: ج40 ص323 ب98 ح6.

31ـ بحار الأنوار: ج40 ص334 ب98 ح15.

32ـ بحار الأنوار: ج40 ص327 ب98 ح9.

33ـ بحار الأنوار: ج40 ص331 ب98 ح13.

34ـ الطمر: هو الثوب الخلق، والطمران باعتبار أنهما قطعتان مئزر ورداء.

35ـ قرصيه: أي قرصين من خبز، ولعله كان يتغذى بأحدهما ويتعشى بالآخر، يعني: في كل يوم قرصان.

36ـ الفلذة، بالكسر: القطعة من اللحم.

37ـ بحار الأنوار: ج40 ص318 ب98 ح2.

38ـ نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد: ج19 ص67 ب233.

39ـ مناقب ابن شهر آشوب: ج2 ص95.

40ـ بحار الأنوار: ج1 ص384.

41ـ مناقب ابن شهر آشوب: ج2 ص95.

42ـ بحار الأنوار: ج40 ص322 ب98 ح5.

43ـ بحار الأنوار: ج40 ص322 ب98 ح5.

44ـ بحار الأنوار: ج40 ص322 ب98 ح5.

45ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص197 ب34.

46ـ بحار الأنوار: ج41 ص117 ب107 ح24.

47ـ بحار الأنوار: ج41 ص118 ب107 ح25.

48ـ الكافي: ج8 ص165 ب8 ح176.

49ـ بحار الأنوار: ج41 ص259.

50ـ نوع من الحلوى، أهداها الأشعث بن قيس إلى علي (عليه السلام) .

51ـ كرهتها.

52ـ هبلتك: ثكلتك، والهبول: المرأة لا يعيش لها ولد.

53ـ قشرة الشعيرة.

54ـ نهج البلاغة: الخطبة 224.

55ـ وسائل الشيعة: ج11 ص79 ب39 ح1.

56ـ بحار الأنوار: ج41 ص112 ب107 ح23.

57ـ الاختصاص: ص150.

58ـ بحار الأنوار: ج40 ص103 ب91 ح117.

59ـ مناقب آل أبي طالب: ج2 ص109.

60ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص197 ب34.

61ـ بحار الأنوار: ج41 ص55 ب105 ح2.

62ـ راجع بحار الأنوار: ج41 ص54 ب105 ح1، سورة القصص: 83.

63ـ بحار الأنوار: ج41 ص112 ب107 ح23.

64ـ بحار الأنوار: ج41 ص112 ب107 ح23.

65ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج2 ص197 ب34.