الفهرس

التفسير وعلوم القرآن

الصفحة الرئيسية

 

(63)

 ۞ سورة المنافقون ۞

 مدنية وهي إحدى عشر آية

عزة الله، وعزة رسوله

(...وَللهِ الْعِزَّةُ،

وَلِرَسُولِهِ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ.

وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ)(1).

مباحث:

المبحث الأول:

هذه الآية تفصل العزة ثلاثة أقسام: عزة الله، وعزة الرسول، وعزة المؤمنين.

1ـ عزة الله، هي العزة الذاتية. لأن الله مصدر جميع الخلائق: الذوات، والمعاني، على حد سواء. والعزة ـ إذا كانت من المعاني ـ فهي من جملة مخلوقات الله، التي يوزعها كيف يشاء.

وعزة الله ليست من نوع العزة المفهومة لنا، لأن العزة التي نفهمها من مخلوقات الله، وليست من صفاته. لأن صفاته عين ذاته، وذات الله ليست مخلوقة، وإنما ذاته مصدر الخلق كله. وما دمنا لا نفهم ذات الله، فلا نفهم صفاته. وإنما عبر عن صفته تلك بكلمة: (العزة) ـ التي تطلق عادة على المعنى المعروف ـ لمجرد التقريب إلى الأذهان، أو لمجرد التهييب، حتى يفهم الناس أن كل ما يفتخرون بها من صفات فالأفضل منها لله. وإلا فليست صفات الله متعددة، لأن تعددية الصفات تعني تعددية الذات، ولو باعتبار تلك الصفات، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فالتعبير بالصفات متعددة، إما للتقريب أو للتهييب. وأصل التعبير لمجرد التقريب أو للتهييب، وإلا فالله ـ تعالى ـ أجل من كل هذه الصفات بمفاهيمها المعروفة. وعجز لغات البشر عن الروحانيات أمر طبيعي، فكيف بها لو حاولت التعبير عن مقام الربوبية؟!

2ـ عزة الرسول، وهي عزة إضافية، خولها الله للرسول بمقدار قدرته على القبول. وكما أن التركيبة الروحية للرسول، تجعله شخصية ذات جانبين:

جانب التلقي من قبل الخالق، وجانب التفريغ على الخلق، هكذا... تكون عامة صفاته فلها جانبان: جانب التلقي، وجانب التفريغ.

فعزة الرسول: عزة متلقاة من الله، وعزة تفيض على المؤمنين. شأنها شأن السحاب، الذي يجمع فيض البحر إلى الأجواء في صورة ذرات متبخرة، ويفيض بما جمع على الصحارى الظامئة في صور جليد وثلج ومطر. شأنها شأن العدسة الموجهة، التي تلتقط خيوط الشمس لتنسجها، ثم تدفعها ـ في الصيغة المطلوبة ـ إلى ما وجهت إليه.

وعزة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومثلها عزة كل الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) إضافية، أكرمهم الله بها، حيث فطر أرواحهم من نوره، وفطر أجسادهم من صفو الأرض، فأصبحوا ـ بالتقييم الموضوعي ـ عناصر نادرة، تتميز ـ من هذه الجهة ـ ذواتهم عن ذوات غيرهم وشتان بين من تطور نور الله فكان، وبين من تطورت طاقات الأرض فكان. فأصل المعدن يبقى محتفظاً بكل خواصه، في جميع أطواره، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

فالروح، طاقة عاقلة مستقلة، تطورت إليها طاقات نواتية غامضة.

كما أن الجسد، كيان مادي مستقل، تطورت إليه مواد نواتية غامضة. وكما أن ذرات المواد النواتية تحتفظ بهوياتها ـ رغم اندماجها ـ في جسم الإنسان، هكذا... تحافظ الطاقات النواتية بفعالياتها ـ رغم انسجامها ـ في روح الإنسان.

فمن ينحدر من أبوين سليمين، تكون بنيته سليمة. ومن ينحدر من أبوين سقيمين، يرث عنها بذور الأسقام.

وأنت حينما تتناول طعاماً يشتمل على مواد حديد، إنما تمد جسمك بالحديد. وعندما تتناول مواداً عفنة، تعرض جسمك للعفونة.

(1) ـ سورة المنافقين: آية 8.