الفهرس |
العمل وغفران الذنوب |
6: واذا كانت بعض الاعمال سببا لغفران الذنوب ورفع العقاب وتطهير النفوس، فكيف لا يمكن ان تكون (المحبة الخالصة لمن أمر الله بحبهم) سببا لكل ذلك؟ خاصة اذا لاحظنا ان العمل هو القالب، والمحبة هي القلب، والعمل هو الجسم، والمحبة هي الروح، والعمل هو المظهر، وتلك هي المخبر. وبعبارة أخرى: العمل عمل الجوارج، والمحبة عمل الجوانح، وربما الى ذلك يشير قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (انما الاعمال بالنيات، ولكل امرء ما نوى). فاذا كان مقياس قبول العمل وعدم قبوله (النية) ـ لا ضخامة العمل وحجمه الكبير والاتعاب الهائلة ـ أفلا يمكن بعدها أن تكون المحبة والبغض كذلك؟ وببيان آخر: المحبة من مصاديق العمل، بل هي من أفضل مصاديقه[1]. وفي هذه الروايات استعراض سريع لـ (بعض الاعمال) كشاهد على هذا المقال: فقد قال الصادق (عليه السلام): (صوم يوم التروية كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين)[2]. وفي بعضها: (ثم جعل (عز وجل) هذه الخمس صلوات تعدل خمسين صلاة وجعلها كفارة خطاياهم فقال عز وجل: ((إن الحسنات يذهبن السيئات...))[3]. وفي الحديث: إن العبد إذا قال (حي على الصلاة حي على الصلاة) قال تعالى: (صدق عبدي ودعا إلى فريضتي فمن مشى إليها راغباً فيها محتسباً كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه).[4] وفي رواية عن الكاظم (عليه السلام): (كفارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم)[5]. وعنه (عليه السلام): (كفارة الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفس عن المكروب)[6]. وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: (من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره ما خلا الكبائر ومن توضأ لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته ما خلا الكبائر)[7]. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من اغتسل يوم الجمعة محيت ذنوبه وخطاياه)[8]. وعنه (عليه السلام) (.. إنما مثل الصلاة مثل النهر الذي ينقي، كلما صلى صلاة كان كفارة لذنوبه، إلا ذنب أخرجه من الإيمان مقيم عليه)[9]. وقال (عليه السلام): (إجابة المؤذن كفارة الذنوب)[10]. وقال (عليه السلام): (من صام ذلك اليوم ـ 27 رجب ـ كان كفارة ستين سنة)[11]. وفي الحديث: (صوم شعبان كفارة الذنوب العظام)[12]. وفي الرواية: (صوم يوم غديرخم كفارة ستين سنة)[13]. وفي الحديث: (العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما)[14]. وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضل الأضحية: (.. فإن بكل قطرة من دمها كفارة كل ذنب)[15]. ومثل هذه الروايات كثيرة جداً فراجع مظانها. |
القول وغفران الذنوب |
7: بل اذا كانت بعض (الاقوال) سبباً لغفران الذنوب وزيادة الحسنات، فكيف لا تكون (المحبة)؟ وهذه نماذج من الروايات عن (الاقوال): عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (من توضأ ثم خرج إلى المسجد فقال حين خروجه من بيته: بسم الله الذي خلقني فهو يهدين، هداه الله... وإذا مرضت فهو يشفين جعله الله عز وجل كفارة لذنوبه... وإذا قال: والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، غفر الله عز وجل خطاه كله وان كان أكبر من زبد البحر..)[16]. وقال (عليه السلام): (اكثروا ذكر الله عز وجل إذا دخلتم الأسواق وعند اشتغال الناس فإنه كفارة للذنوب وزيادة في الحسنات)[17]. وقال (عليه السلام): (من قال عشر مرات قبل أن تطلع الشمس وقبل غروبها: لا اله إلا الله وحده.. كانت كفارة لذنبه في ذلك اليوم)[18]. |
الشرك وحبط الأعمال |
8: وكما يكون (الشرك بالله) سبباً لحبط كافة الأعمال، قال تعالى: ((لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين))[19] وكما يكون (إنكار الرسالة) سبباً لحبط كافة الأعمال، كذلك، يكون (إنكار الولاية) سبباً لحبط كافة الأعمال. وكما كان الإيمان بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شرطا أساسيا، كذلك الإيمان بعلي (عليه السلام)، فالإيمان بالولاية شرط جوهري ومقوم أساسي وهو كالفصل للجنس[20]، ومما يوضح ذلك ويدل عليه، قوله تعالى: ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)).[21] وقد قال النبي بعد أن ذكر الأئمة (عليهم السلام) بأسمائهم: (المقر بهم مؤمن والمنكر لهم كافر)[22]. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا حذيفة إن حجة الله بعدي عليك علي بن أبي طالب، الكفر به كفر بالله، والشرك به شرك بالله، والشك فيه شك في الله، والإلحاد فيه إلحاد في الله، والإنكار له إنكار لله، والإيمان به إيمان بالله).[23] وكذلك الرياء والعجب، فانهما يفسدان العمل، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ان اخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء)[24]. وقال العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار: (قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فطهر سعيه) أي من الرياء والعجب وسائر ما يفسد العمل)[25] و..[26]. |
بين الماديات والمعنويات |
9: وكما في عالم الماديات كذلك في عالم المعنويات، فكما جعل الله سبحانه وتعالى بعض المواد (مطهرة) من النجاسات والخبائث والمكروبات، (فالماء) مطهر و (الشمس) من المطهرات و (الأرض) تطهر و...[27] وكذلك المضادات الحيوية (الأنتي بيوتيك) مثلاً قتالة الجراثيم والمكروبات. كذلك، في المعنويات فـ (المعاصي) لها مطهرات، منها: الاستغفار، ومنها: المحبة لآل البيت (عليهم السلام)، ومنها المصائب التي تلحق بالإنسان، ومنها غير ذلك. فعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (حب علي ابن أبي طالب يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب)[28]. وفي رواية: (يأكل الذنوب، كما تأكل النار الحطب)[29]. و: (حب علي ابن ابي طالب يحرق الذنوب كما تحرق النار الحطب).[30] وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن حبه (أي علياً (عليه السلام)) يذيب السيئات كما تذيب النار الرصاص).[31] ولذلك أيضاً قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (حب علي حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة).[32] والرواية التالية تكشف أفقاً آخر أوسع وأكبر: قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما من عبد ولا أمة يموت وفي قلبه مثقال حبة خردل من حب علي ابن ابي طالب إلا أدخله الله عز وجل الجنة).[33] |
الواحة الخضراء |
ط: وكما أن أحدنا يغفر لمحبه ما لا يغفر لمبغضه، وكذلك لمحب أولاده وأسرته، أو حتى لمحب تنظيمه وحزبه، ويتجاوز عن ذات المعصية التي لو صدرت من غير محبه لما عفي عنه. كذلك، رب الأرباب ومولى الموالي، بل هو بالصفح أولى وللعفو أقرب. مع فارق ان محبة متمم الكمال البشري ومن نذروا أنفسهم لله بما لم يبلغ مرتبته بشر، يصلح أن يكون سبباً كافياً للصفح والتجاوز والغفران، دون الأفراد (كالأبناء مثلا) والاعتبارات (كالتنظيمات وشبهها) التي يتخذها الإنسان محطات لعفوه وصفحه. فمحبتهم (عليهم السلام) ـ وهم ذلك المجلى الأتم لقدرة الله تعالى ورحمانيته ورحيميته، وهم مظهر جمال الحق ولطفه وكرمه ـ هي تلك الواحة الخضراء التي يلجأ اليها الضامي وسط البيداء هارباً من الموت الزؤام تحت سياط أشعة الشمس المحرقة. ومحبتهم (عليهم السلام) هي سفينة النجاة في خضمّ التيارات والامواج الهادرة في عالم الدنيا والآخرة. انها هي المنطلق.. وهي تلك الأرضية الصلبة التي يستند اليها الانسان لينال رضى الرب وغفران الذنب. والى ذلك تشير الروايات، ومنها: عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام)، يقول: (لفاطمة وقفة على باب جهنم فإذا كان يوم القيامة، كتب بين عيني كل رجل، مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ بين عينيه محباً، فتقول: الهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدك الحق، وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عز وجل: صدقت يا فاطمة، اني سميتك فاطمة وفطمت بك من احبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما امرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه، فاشفعك، ليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنة).[34] وفي حديث آخر: ... (فإذا صارت[35] عند باب الجنة، تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي، فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده، فأدخليه الجنة).[36] الحديث. |
[1] سيأتي تحت عنوان (الموضوعية في محبة اهل البيت عليهم السلام) ذكر بعض الروايات التي تصرح بان (محبة علي (عليه السلام)): (عمل) و (ايمان) و (عبادة). [2] بحار الأنوار ج 94 ص 124 ب 64 ح 5 عن ثواب الأعمال. [3] راجع البحار ج 16 ص 348 ب 11 ح 33. [4] راجع البحار ج 18 ص 330 ب 3 ح 34. [5] بحار الأنوار ج 48 ص 136 ب 6 ح 10. [6] بحار الأنوار ج 75 ص 67 ب 16 ح 5. [7] بحار الأنوار ج 77 ص 231 ب2 ح 4. [8] بحار الأنوار 78 ص 128 ب 5 ح 13. [9] بحار الأنوار ج 79 ص 236 ب 1 ح 66. [10] بحار الأنوار ج 81 ص 154 ب 13 ح 49. [11] بحار الأنوار ج 94 ص 51 ب 55 ح 40. [12] بحار الأنوار ج 94 ص 91 ب 58 ح 5. [13] بحار الأنوار ج 94 ص 112 ب 60 ح6. [14] بحار الأنوار ج 96 ص 50 ب 4 ح 46. [15] بحار الأنوار ج 96 ص 300 ب 52 ح37. [16] بحار الأنوار ج 81 ص 20 ب 9 ح 6. [17] بحار الأنوار ج 10 ص 92 ب7 ح1. [18] بحار الأنوار ج 83 ص 255 ب 25 ح 25 عن المحاسن والكافي. [19] الزمر: 65. [20] إن صح التعبير. [21] المائدة: 67. [22] الوسائل ج 18 ص 562. وبحار الأنوار ج 36 ص 244 ب 41 ح 57. [23] كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ص329... السادس في النجاسات فصل في طهارة المخالف. وشبهه في بحار الأنوار ج38 ص 97 ب61 ح14 وفيه: يا حذيفة إن حجة الله عليكم بعدي علي بن أبي طالب... [24] بحار الأنوار ج69 ص303 ب56 ح50. [25] بحار الأنوار ج1 ص128 ب4 ح11 (بيان). [26] سيأتي في مبحث (المحبة فرض عقلي فطري) ما يوضح هذا المبحث اكثر فأكثر. [27] راجع (المسائل الإسلامية) أحكام المطهرات ص. [28] بحار الأنوار ج 27 ص 136 ح4 ب 135و البحار ج 39 ص 306 ب 87 ب 123. [29] إحقاق الحق ج 17 ص 243. والبحار ج 39 ص 257 ب 87 ح34. [30] بحار الأنوار ج39 ص 266 ب 87 ح 42. [31] المناقب المرتضوية للعلامة الكشفي ص 123 ويقرب منه لسان الميزان ج1 ص185. [32] بحار الانوار ج39 ص 248 ب 87 ح 8. والبحار ج 39 ص256 ب 87 ح33. والبحار ج 39 ص 266 ب 87 ح 42. وينابيع المودة ص 491. وتفسير هذا الحديث كتفسير الحديث الآخر (لا يضر مع الإيمان عمل ولا ينفع مع الكفر عمل) قال العلامة المجلسي (لا يضر مع الإيمان عمل) أي ضرراً عظيماً يوجب الخلود في النار (البحار ج65 ص 103ب 18 ح 14). [33] بحار الأنوار ج39 ص 246 ب 87 ح 2. [34] بحار الأنوار ج8 ص 50 ب 21 ح 58. [35] أي فاطمة (صلوات الله عليها). [36] بحار الأنوار ج 8 ص 52 ب 21 ح 59. |