الفهرس

المؤلفات

مؤلفات السيد مرتضى الشيرازي

الصفحة الرئيسية

 

الجانب الطريقي لمحبتهم (ع)

14: ولمحبة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها (عليهم أفضل الصلاة والسلام) جانب طريقي أيضاً، فإن المحب يندفع شعورياً أو لاشعورياً، وبإيحاءات من الوعي الباطن نحو التأسي بمن أحب، أو على حسب تعبير علماء النفس «لتقمص» شخصية المحبوب، ولذلك كان حب الله وحب أولياء الله من أقوى العوامل الدافعة لتهذيب النفس وتطهير الروح وتنامي الملكات الحميدة ومكارم الأخلاق.

وكلما ازداد الإنسان حباً ازداد إتباعاً وولاءاً وعطاءاً، وكلما ترسخ الحب في أعماق كيانه وتجذر أكثر فأكثر تأقلمت حياته وتحددت مسيرته على ضوء إشعاعات ذلك الحب، أكثر فأكثر، وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): (وهل الدين إلا الحب).[1]

وذلك من أسباب التركيز الكبير في الروايات على محبة المعصومين عليهم صلوات المصلين.

وإذا كانت النفس والدنيا والشياطين والهوى تدفع الإنسان نحو اقتراف الآثام واجتراح السيئات، فإن (المحبة) تعد سلاحاً يواجه به قوى الشر وعوامل الضلال.

فكما (العقل) فكذلك (المحبة).

وكما قد يعجز (العقل) عن مواجهة جيوش الضلال والإضلال، كذلك قد تقصر (المحبة) عن الردع عن المعاصي والطغيان.

وكما لا يفقد ذلك العجز قيمة (العقل)، كذلك لا يفقد ذلك القصور قيمة (المحبة).

بل كما أن شدة ضراوة قوى الضلال تدعونا لإذكاء العقل وتقويته وتعرفنا على قيمته أكثر فأكثر، كذلك تنامي جيوش الضلال تدعونا إلى إذكاء أوار (المحبة) والهابها، والى السعي لتنميتها ودفع الناس باتجاهها أكثر فأكثر.

وقد أكدت على ذلك الروايات الشريفة وفي منظار أشمل.. تتكامل أمام ناظرينا خطوط المواجهة وعناصر قوى الخير في مقابل مفردات قوى الشر، ففي معسكر الضلال تحتشد: الشياطين، وشهوات النفس، ومغريات الدنيا، لتواجهها في معسكر الإيمان: الحجة الظاهرة: الرسل، والحجة الباطنة: العقل، و (المحبة) تلك الشحنة الروحانية الإلهية السامية[2] التي نسبها الله تعالى إلى نفسه حيث قال سبحانه ((: وألقيت عليك محبة مني))[3] كما قال تعالى: ((قل الروح من أمر ربي)).[4]

وإذ اتضح لنا الجانب الطريقي (لمحبة أهل البيت عليهم السلام) ننتقل إلى تسليط الأضواء على الجانب الموضوعي لها:

الموضوعية في محبة آل بيت الرسول (ع)

إن الذي يستفاد من الآيات والروايات أن محبة فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها (صلوات الله عليهم أجمعين) لها الموضوعية، إضافة إلى مالها من الطريقية، فهي في حد ذاتها محمودة وممدوحة ومطلوبة، وهي في حد ذاتها مقياس، وهي في حد ذاتها عبادة.

فهي كـ (الصلاة) فكما أن الصلاة (عبادة في حد ذاتها) وطريق إلى الردع عن المعاصي حيث قال تعالى: ((إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)).[5]

كذلك محبة السيدة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها (عليهم أفضل صلوات المصلين)، قال تعالى: ((قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)).[6]

بل إن هذه المحبة هي أفضل العبادات على الإطلاق بعد محبة الله تعالى.

فقد ورد: (إن حبها (عليها السلام) إيمان وبغضها نفاق).[7]

ومن الواضح أن الإيمان له قيمة ذاتية وله الموضوعية، إلى جانب الطريقية.

ومن الواضح أيضاً أن الإيمان هو جوهر العبادات.

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إني لأرجو لامتي في حب علي كما أرجو في قول لا اله إلا الله).[8]

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (حب علي عبادة وأفضل العبادة).[9]

وعن أبي ذر: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مودة علي عبادة).[10]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (حب علي عبادة).[11]

وعن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (قلت لجبرئيل، أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل، قال: الصلاة عليك يا رسول الله، (صلى الله عليه وآله وسلم) وحب علي بن ابي طالب).[12]

بل إن: (النظر إلى وجه علي عبادة).[13]

و: (ذكر علي عبادة).[14]

بل قد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (أيها الناس من أراد أن يطفئ غضب الله وان يقبل الله عمله فلينظر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فالنظر إليه يزيد في الإيمان، وإن حبه يذيب السيئات كما تذيب النار الرصاص).[15]

ومن الواضح أن المراد (بالنظر إليه) ذلك الصادر عن غير المبغض له (عليه السلام).

فما بالك بمحبته وهي تتعلق بالقلب الذي يفوق شرفاً، العين واللسان؟، بل إليه يرجع ما لها من الشرف، وباعتباره لهما المكانة والقيمة، وباعتباره يمدحان أو يذمان.

وذلك أن محبتهم (عليهم السلام) امتداد لمحبة الله، بل هي قوام محبته تعالى، وتشير إلى ذلك روايات كثيرة منها:

عن جماعة: قلنا يا ابن عباس! أينفع حب علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الآخرة، قال: قد تنازع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حبه حتى سألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: (دعوني حتى اسأل الوحي، فلما هبط جبرئيل (عليه السلام) سأله، فقال: اسأل ربي عز وجل عن هذا، فرجع إلى السماء ثم حبط إلى الأرض فقال: يا محمد إن الله تعالى يقرئ عليك السلام ويقول: (أحب علياً، فمن أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني، يا محمد حيث تكن يكن علي، وحيث يكن علي يكن محبوه وإن اجترحوا وإن اجترحوا).[16]

ذلك انه ليس محباً لله من لم يحب من أحبهم الله واعتبرهم افضل مخلوقاته على الإطلاق،... وإلى ذلك تشير هذه الرواية:

(... ومن لم يشهد أن لا اله إلا أنا وحدي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمداً عبدي ورسولي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي، فقد جحد نعمتـي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي ورسلي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أسمع دعاءه، وإن رجاني خيبته، وذلك جزاؤه مني وما أنا بظلام للعبيد).[17]

ومحبتهم أجلى مصداق، للحب في الله والحب لله والحب بالله، فكما أن الإيمان بالله تعالى والاعتراف بالوحدانية والاعتراف بالرسالة، له الموضوعية، كذلك الاعتراف بالإمامة، فإن الإمامة أصل من أصول الدين دون ريب.[18]

ومما يدل على موضوعية المحبة أيضاً مختلف الروايات الدالة على أن (حب علي يذيب السئيات) فلتراجع في مظانها.[19] ولأجل ذلك قال جابر بن عبد الله الأنصاري: يا عطية سمعت حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (من أحب قوما حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم).[20]

[1] بحار الأنوار ج 27 ص95 ب 4 ح 58، والبحار ج 66 ص 238 ب 36 ح9، والبحار ج101 ص 130 ب 5 ح 19.

[2] يراجع كتاب (السيدة نرجس (ع) مدرسة الأجيال) للسيد المؤلف.

[3] طه: 39.

[4] الإسراء: 85.

[5] العنكبوت: 45.

[6] الشورى: 23.

[7] شرح الحديدي ج 16 ص 282.

[8] بحار الأنوار ج39 ص249 ب 87 ح 13.

[9] تاريخ بغداد ج 12 ص301.

[10] العلامة الأميني عن الحيدر آبادي في مناقب علي ص 53.

[11] تفريح الأحباب في مناقب الآل والأصحاب ص 340. وإحقاق الحق ص 17 ص 234. وبحار الأنوار ج 39 ص 279 ب 87 ح 60 عن الصادق (عليه السلام).

[12] السخاوي الشافعي في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع ص 94، إحقاق الحق ج17 ص 251. وشبهه أيضاً في بحار الأنوار ج 93 ص 171 ب19 ح 6.

[13] وقد روي هذا الحديث بطرق مختلفة من الشيعة والسنة، كما يرويها ابن حجر ‎في كتابه الصواعق المحرقة. وفي بحار الأنوار ج 25 ص 324 ب10 ح92. والبحار ج 38 ص 195 ب 64 ح 1. والبحار ج 38 ص 197 ب64 ح5. والبحار ج 38 ص 201 ب 64 ح 9. والبحار ج 40 ص 78 ب91 ح113.

[14] وقد روي هذا الحديث بطرق مختلفة من الشيعة والسنة، كما يرويها ابن حجر ‎في كتابه الصواعق المحرقة. وفي بحار الأنوار ج 25 ص 324 ب10 ح92. والبحار ج 38 ص 195 ب 64 ح 1. والبحار ج 38 ص 197 ب64 ح5. والبحار ج 38 ص 201 ب 64 ح 9. والبحار ج 40 ص 78 ب91 ح113.

[15] كشف النجفي، المناقب المرتضوية ص123.

[16] بحار الأنوار ج39 ص 294 ب 87 ح 97.

[17] إكمال الدين ص 150. وبحار الأنوار ج 27 ص 119 ب 4 ح 99.

[18] راجع (دلائل الصدق) للمظفر ج2 ص 11و29. والبحار ج68 ص334. و (الألفين) للعلامة الحلي (قدس سره) وسائر كتب الحديث والكلام.

[19] وقد أشرنا إلى بعضها فيما سبق.

[20] بشارة المصطفى ص 89. وبحار الأنوار ج 68 ص 130 ب 18 ح 62. ‎