الفهرس

المؤلفات

مؤلفات السيد مرتضى الشيرازي

الصفحة الرئيسية

 

المحبة فرض عقلي فطري

وكما أن محبة الله تعالى فرض عقلي فطري، كذلك محبة من بيمنهم رزق الورى[1]، وبوجودهم ثبتت الأرض والسماء، وهم وسائط الفيض الإلهي بكافة جوانبه، حدوثاً وبقاءاً، وأصلاً ونماءاً.[2]

ومما يكشف عن الجانب الموضوعي للمحبة، الرواية التالية، فعن عبد الله بن مسعود: كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض أسفاره إذ هتف بنا أعرابي بصوت جهوري، فقال: يا محمد، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما تشاء؟ فقال: إن المرء يحب القوم ولا يعمل بأعمالهم؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (المرء مع من أحب).[3]

إذن (المحبة) في حد ذاتها مقياس ومعيار وميزان، بل هي المقياس الرئيسي، وعليها ـ وبتصريح الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ تدور معادلة الجنة والنار والسعادة والشقاء، ولاينافي ذلك أن يستحق العاصي العقوبة في الدنيا أو الآخرة، عقوبة لاتصل لدرجة الخلود في النار كما سيجيء.

والرواية التالية تؤكد ذلك وتوضحه أكثر فأكثر:

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إن شأن علي عظيم، إن حال علي جليل، إن وزن علي ثقيل، ما وضع حب علي في ميزان أحد إلا رجح على سيئاته، ولا وضع بغضه في ميزان أحد إلا رجح على حسناته).[4]

ومما يوضح المعادلة أكثر فأكثر[5]: لو أن مشركاً قضى عمره كله في الشرك تاركاً لأوامر الله مقتحماً نواهيه، ولكن تاب ولم يمهله الأجل حتى لحظة واحدة[6] للتكفير عن ماضيه أو لأداء أي عمل، كان من أهل الجنة.

والعكس بالعكس تماماً، فلو أن مؤمناً قضى عمره صائماً نهاره قائماً ليله، ثم ارتد لحظة واحدة ومات بعدها، فإنه من أهل النار ولولم يجترح أية معصية بجوارحه.[7]

وكذلك الأمر في جاحد الرسالة والمؤمن بها.

‎وكذلك الأمر في جاحد الولاية والمؤمن بها. ومما يوضح المعادلة أكثر فأكثر الخبر التالي: عن زيد النرسي قال: (قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): الرجل من مواليكم يكون عارفاً[8]، يشرب الخمر ويرتكب الموبق من الذنب، نتبرأ منه؟ فقال: تبرؤوا من فعله ولا تبرؤوا منه، أحبوه وأبغضوا عمله، قلت: فيسعنا أن نقول: فاسق فاجر؟ فقال: الفاسق الفاجر: الكافر الجاحد لنا، الناصب لاؤليائنا، أبى الله أن يكون ولينا فاسقاً فاجراً[9] وإن عمل ما عمل، ولكنكم تقولون: فاسق العمل، فاجر العمل، مؤمن النفس، خبيث الفعل، وطيب الروح والبدن).[10]

وببيان آخر، إن إطاعة الله تعالى في كافة أوامره، دون إطاعته في أهمها وهو ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر أهل البيت (عليهم السلام) لا ينفع مثقال ذرة.

فكما أن قبول العبادة مشروط بـ (التوحيد) وكما أنه مشروط بـ (الرسالة)، كذلك هو مشروط بـ (الولاية).[11]

وهل يستغرب ذلك، من لاحظ أن عبادة إبليس آلاف السنين[12]، لم تنفعه مثقال ذرة، لمجرد رفضه إطاعة أمر الله تعالى بالسجود لآدم (عليه السلام) فأخرج منها مذموماً مدحوراً واستحق لعنة الله إلى أبد الآباد؟.

ان المقياس هو ان تطيع الرب فيما يعتبره هو الاساس، لا ما تعتبره انت المقياس والاساس وإن الذي يحدد (مقاييس) القبول والرفض هو الله سبحانه وتعالى، وليس الإنسان الظلوم الجهول العاجز المحدود.

وإن بغض أمير المؤمنين (عليه السلام) مفسد للعمل، كما يفسد (العجب) العبادة[13] وكما يفسد ميكروب واحد مخازن المياه.. وكما تقضي قنبلة ذرية واحدة على ملايين البشر وآلاف العلماء وحضارات بشرية متكاملة.

وإن الجهاد في سبيل الله وتحت راية رسول الله يفقد قيمته تماماً ليتحول الشخص إلى (شهيد الحمار) و (شهيد ام جميل) كما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمجرد أن (نيته) كانت غير خالصة لوجه الله، ولم تنفعه جهوده وتضحياته شيئاً، ولم تصلح لقبول عمله بعد إن كانت النية ملوثة.

أفلا يكفي ذلك شاهداً ودليلاً؟

فكما اعتبر الله تعالى (النية) محور القبول والرد فـ (إنما الأعمال بالنيات)[14] (وإنما لكل امرئ ما نوى)[15] كذلك اعتبر (محبة فاطمة (عليها السلام) وذريتها) و (بغضهم) محور القبول والرد...

ولا تنفع الإنسان بعد ذلك، سجلات ضخمة يقدمها عن جهاده وجهوده! كما قال تعالى: ((وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءاً منثوراً))[16].

وقال سبحانه: ((إنما يتقبل الله من المتقين)).[17]

وعن عباد بن زياد قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): (يا عباد ما على ملة إبراهيم أحد غيركم، وما يقبل الله إلا منكم ولا يغفـر الذنوب إلا لكم).[18]

وعن أبان بن تغلب قال: قال أبو جعفر (عليه السلام)... (إذا قدمت الكوفة إنشاء الله فارو عني هذا الحديث: من يشهد أن لا إله إلا الله وجبت له الجنة، فقلت: جعلت فداك، يجئني كل صنف من الأصناف فأروي لهم هذا الحديث؟ قال: نعم، يا أبان بن تغلب إنه إذا كان يوم القيامة جمع الله تبارك وتعالى الأولين والآخرين في روضة واحدة، فيسلب لا إله إلا الله إلا ممن كان على هذا الأمر.[19]

وفي رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري: أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منادياً ينادى، من قال «لا إله إلا الله محمد رسول الله» دخل الجنة، فاستقبل المنادي عمر بن الخطاب فسأله أعام هو أم خاص؟ قال: فرجع المنادي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: أمرتني أن أنادي في الناس وإن عمر استقبلني فقال: أعام هو أم خاص؟ قال: فضرب رسول الله بيده على منكب علي عليه السلام، فقال، هي لهذا ولشيعته.[20]

إشكال وجواب

وربما يعترض على ما ذكر بالرواية التالية، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أما إن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته[21] وإن عدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته).[22]

والجواب:

1: إن المقابلة في الحديث الشريف هي، بين إطاعة الله تعالى وبين القرابة، وليست بين الإطاعة والمحبة، فتأمل.

وببيان آخر: ان الكلام في الاطاعة والمعصية في ظل لحاظ عامل القرابة، وليس بلحاظ وجود عامل آخر (هو مورد حديثنا) وهو المحبة، فهو نفي للقرابة كمقياس، وليس ناظراً الى موضوع المحبة ابداً.

وبعبارة أخرى: كما ان كون عاصي الله عدواً لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لاينفي كون الاستغفار والتوبة والشفاعة و.. عوامل غفران الذنوب والخروج عن دائرة المعصية والرفض الى دائرة التوبة وحضيرة الايمان، كذلك لا ينفي كون المحبة كذلك عاملاً لغفران الذنوب وسبباً للتكفير.

2: وقد يقال: بأن الحديث في مقام التعريض بغاصبي الخلافة، فهو يعدو واحدا من الأجوبة والاحتجاجات التي احتج بها الإمام (عليه السلام) على معارضيه، مضافاً إلى الأجوبة الأخرى التي كان منها:

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيف بهذا والمشـيرون غيّب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولـى بالنبي وأقـرب

3: المصداق الاجلى لإطاعة الله تعالى هو ـ حسب متواتر الروايات كما سبق ـ إطاعة الله عز وجل في أمره لمحبة أهل البيت عليهم السلام، بل يدل عليه القرآن الكريم: ((قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)).[23]

فلو أطاع عبد الربَ في هذا الأمر الأعظم، وعصاه في سائر أوامره، أو بالعكس[24] ماذا سيكون الحكم عندئذ؟!

هذه الرواية لا تجيب على ذلك، والجواب إضافة إلى ما سبق وسيأتي[25] تتعرض له سائر الروايات ومنها:

إن رجلاً من المنافقين قال لمولانا الرضا (عليه السلام): إن من شيعتكم من يشرب الخمر على الطريق، فقال: الحمد لله الذي جعلهم على الطريق فلا يزيغون عنه، واعترضه آخر فقال: إن من شيعتكم من يشرب النبيذ (يعنى الخمر)... قال: فعرق وجهه الشريف حياء ثم قال: (الله أكرم من أن يجمع في قلب المؤمن بين رسيس الخمر وحبنا أهل البيت، ثم صبر هنيئة وقال: وإن فعلها المنكوب منهم فإنه يجد رباً رؤوفاً، ونبياً عطوفاً، وإماماً على الحوض عروفاً، وسادة له بالشفاعة وقوفاً وتجد أنت روحك في برهوت ملوفاً).[26]

وقد ذكرنا سابقا رواية زيد النرسي عن الإمام أبو الحسن موسى الكاظم (عليه السلام): (الرجل من مواليكم، يكون عارفاً، يشرب الخمر...)[27] فليراجع.[28]

ومن هذه الرواية نستكشف جواباً آخر وهو أن الولاية والعداوة هي أمور إضافية، فمن التزم أمراً من أوامر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو له ولي بالإضافة إلى هذا الأمر، إذ قد تولاه وأتبعه في أمره هذا، وإذا عصاه في أمر آخر فهو له عدو بالقياس إلى هذا الأمر فحسب.

فالتولي والعصيان من جهتين وباعتبارين، بل نقول: وهو ما تصرح به هذه الرواية وهو ما يقتضيه الجمع بين الروايات: إن الولي من أطاع الله في أعظم أمر له، أي في ذلك الأمر الذي اعتبره الله المحور الأساسي والجوهر، وإن العدو من عصى الله في أعظم أمر له وهو ما جعله الله مناطاً لقبول الأعمال وردها.[29]

[1] ذكر هذه الصفات تتضمن الاشارة الى احدى علل القول بأن: (محبتهم فرض عقلي فطري) نظراً لكونهم اولياء النعم كلها ومحبتهم هي من أجلى مصاديق الشكر المنعم) الواجب بضرورة العقل، وبغضهم من اجى مصاديق كفران النعمة.

[2] راجع للتفصيل كتاب من (فقه الزهراء عليها السلام ج1) للإمام الشيرازي.

[3] بحار الأنوار ج27 ص 102 ب 4 ح 67.

[4] بحار الانوار ج39 ص 26 ب72 ح9.

[5] هذا يوضح أن المقياس الحقيقي هو الجوانح لا الجوارح.

[6] ويستثنى منه فقط ما لو آمن عند مشاهدة ((برهان ربه)) أي عند ما كشفت له آفاق عالم الآخرة، كما في قضية فرعون حيث جاء في القرآن، إما لو آمن وهو بحالة طبيعية ثم قتل باصطدام أو شبهه ـ مثلاً ـ كان من أهل الجنة.

[7] قال تعالى: ((ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون)) الأنعام: 88.

وقال سبحانه: ((ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله)) المائدة: 5.

وقال سبحانه: ((وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)) هود: 16.

وقال سبحانه: ((لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين)) الزمر: 65.

[8] أي عارفاً بولاية أهل البيت (عليهم السلام).

[9] أي فاسقاًوخارجاً عن الدين، أي فاسق العقيدة وفاجر الإيمان.

[10] بحار الانوار ج68 ص 147 ب 18 ح 96، وشبهه في البحار ج 27 ص137 ب 4 ح 139.

[11] للتفصيل الأكثر راجع الغدير الجزء الثاني والجزء الثالث.

[12] ففي الرواية: إن إبليس ركع ركعتين في السماء في أربعة آلاف سنة. راجع بحار الأنوار ج 11 ص 142 ب 2 ح 8. وفي رواية: انه عبد الله ستة آلاف سنة، راجع البحار ج 14 ص 465 ب 31 ح 37. وفي رواية: إن إبليس سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام، راجع البحار ج 27 ص 174ـ175 ب7 ح20. وفي حديث: إن إبليس عبد الله في السماء سبعة آلاف سنة في ركعتين. راجع البحار ج 63 ص 240 ب 3 ح 84.

[13] وقد فسر العلامة المجلسي العجب بأنه استعظام العمل الصالح واستكثاره والابتهاج له والادلال به وان يرى نفسه خارجاً عن حد التقصير. راجع بحار الأنوار ج 72 ص 306 ب 117 ح 1 (بيان المجلسي). وراجع أيضاً البحار ج72 ص 310 ب117 ح 4.

[14] بحار الأنوار ج 70 ص 211 ب 53 ح 35. والبحار ج 80 ص 371 ب22 ح 32.

[15] بحار الأنوار ج 70 ص 186 ب 53 ح 1. والبحار ج 70 ص 210 ب 53 ح 32.

[16] الفرقان: 23.

[17] المائدة: 27.

[18] بحار الانوار ج68 ص89 ب16 ح17 عن المحاسن.

[19] بحار الانوار ج68 ص 95 ب 16 ح 38. والمحاسن ص 181 ومثله في ص33.

[20] بشارة المصطفى ص 189. وبحار الأنوار ج68 ص 136 ب 18 ح 74.

[21] (اللحمة: القرابة).

[22] نهج البلاغة الحكمة رقم 95. وفي بحار الأنوار ج 64 ص 25 ب 1 عنه (عليه السلام) قال: (إن أولى الناس بالأنبياء اعملهم بما جاؤوا به.. إن ولي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من أطاع الله وان بعدت لحمته، وان عدو محمد من عصى الله وان قربت قرابته). ومثله في البحار ج 65 ص 83 ب 16. والبحار ج 68 ص189 ب 64 ح 55.

[23] الشورى: 23.

[24] بأن عصى الربَ في هذا الأمر الأعظم، وأطاعه في سائر اوامره، كما صنع ابليس عند امره بالسجود لآدم (عليه السلام).

[25] ومما سبق: إن حكم هذا كحكم من أنكر الرسالة وأطاع الله فيما عدا ذلك.

[26] بحار الأنوار ج 27 ص 314 ب 9 ح 12. وشبهه في علم اليقين للفيض الكاشاني ج2 ص 603.

[27] بحار الأنوار ج 65 ص 147 ب 18 ح 96 عن كتاب زيد النرسي.

[28] بحار الأنوار ج 68 ص 147 ب 18 ح 96. وشبهه في البحار ج 27 ص137 ب 4 ح 139.

[29] أي الإيمان بالله تعالى وبرسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبولاية على ابن أبي طالب (عليه السلام) والأئمة الإثنى عشر (عليهم السلام).