الفهرس |
رسالة إلى كل محب وشيعي |
|
وبعد كل ذلك، على محبي أهل البيت عليهم السلام وشيعته، أن يكونوا (النموذج الأسمى) والمثال الأعلى للمؤمن الملتزم، المطيع لله ولرسوله، بحيث يكون كل واحد منهم (مضرب المثل) وممن يشار إليه بالبنان، في التقوى والأخلاق الحميدة، والسلوك الإيماني المشرق الوضاء وان لا يسوغوا لانفسهم ارتكاب حتى اصغر معصية، اعتماداً على كونهم محبي لآل بيت الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك لأن: |
|
إن المحب لمن يحب مطيع |
|
1: إن المحب يجند كل طاقاته ليكتسب (رضا المحبوب) ويتحرز عن كل ما يشينه أو يؤذيه أو يؤلمه أو ينغص عليه، ولاشك أن معصية الله سبحانه وتعالى ـ خاصة من قبل من ينتسب لأهل البيت (عليهم السلام) وممن ينسبه الناس إليهم ـ مما يؤذي آل بيت رسول الله ويسخطهم. إن أحدنا ابتغاء رضى أبيه أو ابنه أو صديق عزيز عليه أو امرأة تعلق بها، يجشم نفسه من العناء الكثير، ويضغط على رغباته، كي يلبي رغبات صديقه أو من يحب... فإذا كان من نحب، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها (صلوات الله عليهم)، وما أدراك من هم؟ أفلا يجدر بنا ـ محبيهم وشيعتهم ـ أن لا نسوؤهم بمعصية رب الأرباب وخالق البرايا وإله الكون؟! هذا وفي الشعر المنسوب للإمام الصادق (عليه السلام): تعصى الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في الفعال بديع لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيـع[1] ويكفي المحب والشيعي أن يلاحظ الرواية التالية[2]، لتكفيه رادعاً عن المعصية: إن رجلاً من المنافقين قال لمولانا الرضا (عليه السلام): إن من شيعتكم من يشرب الخمر على الطريق...، واعترضه آخر، فقال: إن من شيعتكم من يشرب النبيذ (يعني الخمر) قال: فعرق وجهه الشريف حياء.[3] |
|
التبليغ عبر العمل |
|
2: إن علينا باعتبارنا محبين وشيعة لأفضل مخلوقات الله على الإطلاق، أن ندعوا الناس إلى سادتنا وقادتنا ومن نحبهم، عبر العمل الصالح، وعبر السلوك الأخلاقي الأخاذ، فإن (سلوك الأتباع) ومحامد أخلاقهم هو من أقوى سبل الدعوة والهداية، ومن أسرع الطرق للتعريف بمن نحب، وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): (كونوا دعاة الناس بأعمالكم ولا تكونوا دعاة بألسنتكم)[4]. وفي الحديث: (عليكم بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير طيه وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، وعليكم بطول السجود والركوع)[5]. وقال (عليه السلام): (إن أحق الناس بالورع آل محمد وشيعتهم كي تقتدي الرعية بهم).[6] والعكس بالعكس فإن السلوك الشائن، واقتفاء سبيل العصاة والأشرار، مما يسبب نفرة الناس وابتعادهم عمن نحب، أفهل يجدر بالمحب أن يعطى انطباعاً سلبياً عن محبوبه؟ وهل يصح للمحب أن يشوّه ـ في أنظار الناس أو بعضهم على الأقل ـ الصورة المشرقة لمحبوبه؟ وفي هذا المجال يقول الشاعر الفارسي ما معناه: اذا كنت من محبي علي عليه السلام فينبغي لك أن تستحيي من علي (عليه السلام) ـ ومن النظر الى وجهه المبارك وانت عاص _ وتقلل من معاصيك.[7] |
|
أوامر أهل البيت (عليهم السلام) |
|
3: إن أوامر أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) صريحة الاتجاه في هذا، فهم يؤكدون أكبر التأكيد على الالتزام بأوامر الله عز وجل حرفياً، ويحذرون أكبر التحذير من معصية الله عز وجل حتى في صغائر الأمور. يقول الأمام على (عليه السلام): (شر الذنوب ما استهان به صاحبه). وعن موسى بن جعفر (عليه السلام): قال لأحد أصحابه: (اعرف أصحابك وأقرئهم عني السلام وقل لهم: إني ومن جرى مجراي من أهل البيت لابد من حضور جنائزكم في أي بلد كان وكنتم، فاتقوا الله في أنفسكم وأحصنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم وفك رقابكم من النار).[8] وما أدق التعبير بـ (لتعينونا على خلاصكم) وما أعمق دلالته. وعن كليب بن معاوية الأسدي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (والله إنكم لعلى دين الله ودين ملائكته فأعينوني بورع واجتهاد، فوالله ما يقبل الله إلا منكم، فاتقوا الله).[9] وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (... واعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والاجتهاد، من ائتم منكم بقوم فليعمل بعملهم، انتم شيعة الله، وأنتم أنصار الله، وأنتم السابقون الأولون، والسابقون الآخرون، والسابقون في الدنيا إلى محبتنا، والسابقون في الآخرة إلى الجنة.)[10] الحديث. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله: (الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان).[11] وبعد كل ذلك إن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يريدون من أن نكون (شيعة) لهم حقاً إلى جوار كوننا محبين، والروايات التاليات تفصح عن ذلك: روي: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) خرج ذات ليلة من المسجد، وكانت ليلة قمراء فأم الجبانة، ولحقه جماعة يقفون إثره، فوقف عليهم ثم قال: (من أنتم؟ قالوا: شيعتك يا أمير المؤمنين، فتفرس في وجوههم، ثم قال: فما لي لا أرى عليكم سيماء الشيعة، قالوا: وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين، فقال: صفر الوجوه من السهر، عمش العيون من البكاء، حدب الظهور من القيام، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، عليهم غبرة الخاشعين).[12] وعن محمد بن عمر بن حنظلة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه وأتبع آثارنا وعمل بأعمالنا، أولئك شيعتنا).[13] وعن ابن المتوكل، عن البرقي، رفعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (والله ما شيعة على (عليه السلام) إلا من عف بطنه وفرجه، وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه).[14] |
|
آثار المعصية |
|
4: صحيح أن النار محرمة على من احب علياً وفاطمة (عليهما السلام) ولا يدخل النار[15] محب لهما، كما سبق في الروايات الشريفة، وصحيح أن كافة محبيها يدخلون الجنة وإن عصوا ما عصوا، كما سبق أيضاً ـ ولا ينبغي التشكيك في ذلك أبداً. ولكن: على المحب والشيعي أن يعرف أن معصية الباري جل وعلا تستوجب مراتب من العقاب والعذاب في الدنيا والأخرى: أ: فإن المعاصي لها (آثار وضعية) في هذه الحياة الدنيا، فلربما سببت له كثيراً من البلايا والمحن، فهذه المعصية قد تكون هي السبب في اصطدام سيارته وقتل فلذة كبده مثلاً، وتلك هي السبب في الضربة المالية التي وجهت له، والأخرى هي العامل الغيبي الخفي الذي كان وراء انهيار شركته، أو تهدم حياته العائلية، أو تعقد معاملاته، وهكذا و هكذا.[16] وكما أن لله لطفاً جلياً وخفياً، كذلك فإن لغضبه وانتقامه ظهوراً وإخفاء، ووضوحاً وجلاء.[17] بـ: ومن جهة أخرى فان المعاصي تستوجب العذاب الإلهي في لحظات الاحتضار، وفي القبر، وعالم البرزخ، والقيامة، وما بعدها أيضاً. إذن المحب لفاطمة وعلي وآلهما (عليهم السلام) يأمن من الخلود في نار جهنم أو من نار جهنم ـ حسب ما يستشم من بعض الروايات الأخرى ـ ولكنه ليس بمأمن من سائر أنواع العذاب الإلهي. والشيعي ـ العاصي ـ سيدخل الجنة حتما ولكن بعد اللتيا والتى، وبعد عملية (التطهير).. أفلا يكفي ذلك رادعاً عن ارتكاب المعاصي والآثام؟ واليكم الحديث التالي شاهد صدق على هذه النقطة: قال رجل لأمرته: اذهبي إلى فاطمة بنت رسول (صلى الله عليه وآله وسلم): فاسأليها عني أني من شيعتكم أم لست من شيعتكم؟ فسألتها، فقالت (عليها السلام): قولي له: (إن كنت تعمل بما أمرناك وتنتهي عما زجرناك عنه فأنت من شيعتنا وإلا فلا، فرجعت فأخبرته، فقال: يا ويلي ومن ينفك من الذنوب والخطايا، فانا إذاً خالد في النار، فإن من ليس من شيعتهم فهو خالد في النار، فرجعت المرأة فقالت لفاطمة (عليها السلام) ما قال زوجها، فقالت فاطمة عليها السلام: قولي له: ليس هكذا شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكل محبينا وموالي أوليائنا ومعادي أعدائنا والمسلم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنة، ولكن بعد ما يطهرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا أو في عرصات القيامة بأنواع شدائدها أو في الطبق الأعلى من جهنم بعذابها إلى أن نستنقذهم بحبنا منها وننقلهم الى حضرتنا).[18] وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اتقوا الله معاشر الشيعة، فإن الجنة لن تفوتكم وان أبطأت بها عنكم قبائح أعمالكم، فتنافسوا في درجاتها، قيل: فهل يدخل جهنم أحد من محبيك ومحبي علي (عليه السلام)؟. قال (صلى الله عليه وآله وسلم) من قذر نفسه بمخالفة محمد وعلي، وواقع المحرمات، وظلم المؤمنين والمؤمنات، وخالف ما رسم له من الشريعات جاء يوم القيمة قذراً طفساً، يقول محمد وعلي (عليهما السلام): يا فلان أنت قذر طفس لا تصلح لمرافقة مواليك الأخيار ولا لمعانقة الحور الحسان، ولا الملائكة المقربين، لاتصل الى ما هناك إلا بأن يطهر عنك ما ههنا، يعني ما عليك من الذنوب، فيدخل الى الطبق الأعلى من جهنم فيعذب ببعض ذنوبه، ومنهم من يصيبه الشدائد في المحشر ببعض ذنوبه، ثم يلتقطه من هنا من يبعثهم إليه مواليه من خيار شيعتهم، كما يلقط الطير الحب، ومنه من يكون ذنوبه أقل وأخف فيطهر منها بالشدائد والنوائب من السلاطين وغيرهم، ومن الآفات في الأبدان في الدنيا ليدلي في قبره وهو طاهر، ومنهم من يقرب موته وقد بقيت عليه سيئة فيشتد نزعه ويكفر به عنه، فان بقي شيء وقويت عليه ويكون عليه بطر أو اضطراب في يوم موته فيقل من بحضرته فيلحقه به الذل فيكفر عنه، فان بقي عليه شيء أتى به ولما يلحد فيتفرقون عنه فتطهر، فان كانت ذنوبه اعظم وأكثر طهر منها بشدائد عرصات يوم القيامة، فان كانت أكثر وأعظم طهر منها في الطبق الأعلى من جهنم، وهؤلاء أشد محبينا عذاباً وأعظمهم ذنوباً، ان هؤلاء لا يسمون بشيعتنا ولكن يسمون بمحبينا والموالين لأوليائنا والمعادين لاعدائنا، ان شيعتنا من شيعنا واتبع آثارنا واقتدى بأعمالنا).[19] وفي رواية أخرى، عن محمد بن مسلم قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): (والله لا يصف عبد هذا الأمر فتطعمه النار، فقلت: بأن فيهم من يفعل ويفعل! فقال عليه السلام: انه إذا كان ذلك ابتلى الله تبارك وتعالى أحدهم في جسده فان كان ذلك كفارة لذنوبه، وإلا ضيق الله عليه في رزقه، فان كان ذلك كفارة لذنوبه، وإلا شدد الله عليه عند موته، حتى يأتي الله ولا ذنب له ثم يدخله الجنة).[20] |
|
استنتاج |
|
وبذلك نعرف ان القول بان محب فاطمة (عليها السلام) لا يدخل النار وستلتقطه حتماً إلى الجنة، ليس فيه إغراء للناس بالمعاصي على الإطلاق، إلا بالقدر الذي يكون في إخبار الناس بأن الاستغفار ماح للذنوب، وإذا كان ثمت إشكال، فههنا كذلك. |
|
بيان الجانبين |
|
وعلى العلماء أن يوضحوا للناس الصورة من كلا جانبيها فـ: أ: المحب العاصي لا يخلد في النار أبداً وهو حتماً سيدخل الجنة. ب: المحب العاصي حسب درجات معصيته يعاقب في هذه الدنيا أو يعذب في لحظات الاحتضار والقبر والبرزخ وما أشبه جزاءً على معاصيه، وهو ليس بالعذاب الهين بل لحظة واحدة من عذاب الاحتضار والقبر لا تقوم لها لذة عمر بأكمله[21]. فلا يصح بل لا يجوز لأتباع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف بالعلماء أن يغفلوا ذكر الجانب الأول من الصورة، وكيف لهم بأن ينكروها لاستحسانات منشأها ـ على أحسن الفروض ـ الجهل بالروايات وبحكم العقل وبمكانة آل البيت (عليهم السلام) عند الله وبفضل الله وكرمه سبحانه وتعالى، فراجع ما سبق. وإذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته (عليهم السلام) لا يتحرجون عن التصريح بأن محب فاطمة (عليها السلام) مفطوم من دخول النار، وبأنه من أهل الجنة حتما ـ بل نراهم يصرون أشد الإصرار على ذلك ـ افهل يجدر بنا أن نتحرج؟. وهل يا ترى نتوهم بأنهم (عليهم السلام) لم يتوصلوا ـ والعياذ بالله ـ للمحاذير التي توصلنا إليها في إطلاق تلك التصريحات؟!!. وأليس الإسلام هو التسليم؟ وألم يقل جل وعلا: ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما))[22]. وقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): (من أحبك ختم الله له بالأمن والإيمان، ومن أبغضك أماته الله ميتة الجاهلية).[23] وما أدق كلمة (ختم) فهو ليس آمناً طوال المسير وفي كل المراحل.. بل إن (خاتمته) الأمن والأمان، أما قبل ذلك.. في القبر والبرزخ و... فهل يعذب أم لا؟ ذلك يتبع مدى التزامه بتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) ومدى طاعته أو عصيانه.. والله المستعان. وأضيف: ان عدم التطرق لذكر الجانب الاول، الى جوار الجانب الثاني ـ فكيف بالتعرض لنفيه ـ يعد طمساً لحقيقة كبرى بذل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) جهودا كبيرة لايصالها الينا، وهو الى ذلك نوع من (سياسة التجهيل) ونوع من الاستخفاف والاستهانة بعقول الناس، وبمكانة محبي آل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهل هو الا كمن يصر على عدم ذكر الآيات والروايات الدالة على ان الاستغفار ماح للذنوب؟ |
|
الخطر الأكبر |
|
5: مرة اخرى نعود للمحب والشيعي، فنقول له، حذار حذار من المعصية، فإن المعاصي قد تؤدي بالإنسان الى أن تسلب منه نعمة المحبة لآل البيت (عليهم السلام) ونعمة توليهم! لا سمح الله. إن فاطمة عليها السلام ستلتقط محبيها وشيعتها يوم الحشر لتسوقهم الى الجنة حتماً ولكن من يضمن لي ـ أنا المحب والشيعي ـ إن تجرأت على عصيان الله تعالى: أن لا أسلب تلك المحبة والنور عند لحظات الاحتضار؟ وفي الرواية: إن السيئات بعضها آخذ بعنق بعض وكذلك الطاعات، وذلك إن كثيراً من المؤمنين يسلبون إيمانهم في لحظات الاحتضار، فان الإيمان منه مستقر ومنه مستودع كما في الحديث الشريف[24]. والمعاصي كلما تزايدت أكثر فأكثر، ازدادت نسبة الخطر في فقد أصل الإيمان والمحبة والولاء، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الحسرة والندامة والويل كله لمن لم ينتفع بما ابصر، ومن لو يدر الأمر الذي هو عليه مقيم انفع هو له أم ضرر، قال: فقلت: فبما يعرف الناجي، قال: من كان فعله لقوله موافقا، فاثبت له الشهادة بالنجاة، ومن لم يكن فعله لقوله موافقا فإنما ذلك مستودع).[25] وقد قال تعالى: ((لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد))[26]. ولاشك ان من مصاديق كفران نعمة الولاية لآل البيت ومحبتهم (عليهم السلام)، الإعراض عن أوامرهم وعصيانهم وإيذائهم، بتلك المعاصي التي هي معاصي للباري عز وجل. ونحن بعد (الشكر القولي والعملي) بحاجة أيضاً إلى الدعاء والإلحاح فيه، حتى تضمن لنا ((جنة عرضها السماوات والأرض))[27]. وتشير إلى ذلك الرواية التالية: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الله جعل النبيين على نبوتهم فلا يرتدون أبدا، وجعل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدون أبدا، وجعل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون ابداً، ومنهم من يعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان).[28] |
|
عرض الأعمال على الإمام (عليه السلام) |
|
6: وبعد كل ذلك يكفي لمحب آل البيت (عليهم السلام) رادعاً عن المعصية أن يتذكر أن أعمال الخلائق تعرض على ولي الله الأعظم صاحب الزمان وخليفة الرحمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كل اسبوع مرتين (يوم الاثنين ويوم الخميس)[29] وإذا كان أحدنا ليستحيي أن يكتشف أخوه أو صديقه نظرة منه مريبة إلى امرأة أجنبية، أو سرقة، أو دجلاً، أو خداعاً.. فكيف لا يذوب خجلاً بل لا يموت كمداً وحزناً وأسى.. لو اطلع ولي الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) على سجل أعماله، ليرى فيه انتهاكا لإحدى حرمات الله؟.. أعاذنا الله من ذلك. |
|
حبط الأعمال |
|
7: ومن جهة اخرى: على الإنسان أن لا يغره (صلاحه) و (جهاده) والتزامه بالأعمال الصالحة وتضحياته في سبيل الله، فان كلها ستكون ((كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف))[30] فيما لو خالطها (وعادة ما يخالطها) مثقال ذرة من عجب أو غرور أو رياء أو سمعة، أو فيما لو حدث ـ وعادة ما يحدث ـ أي عمل يؤدي إلى (حبط) كل تلك البطولات. فـ (غيبة) واحدة، أو تهمة، أو نظرة حرام، أو حكم بالباطل أو... ربما تؤدي إلى حبط ونسف كل ذلك التاريخ المشرق ((وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً)).[31] |
|
الحاجة إلى الشفاعة[32] |
|
وهنا تتجلى لنا: الحاجة الإستراتيجية لـ (الشفاعة) وهنا يتجلى لنا: ذلك الدور المصيري لـ (المحبة) لآل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).. والرواية التالية، تشير إلى تلك الحقيقة بوضوح: دخل أبو أيمن على الإمام الباقر (عليه السلام): فقال له: يا أبا جعفر تغرون الناس وتقولون شفاعة محمد شفاعة محمد، فغضب أبو جعفر (عليه السلام) حتى تربد وجهه (أي تغير وجهه) ثم قال: ويحك يا أبا أيمن أغرك أن عف بطنك وفرجك، أما لو قد رأيت إفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد، ويحك فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار، ثم قال (عليه السلام): ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة).[33] |
|
الخاتمة |
|
وختاماً: فإن لنا أن نلخص معادلة الحب والبغض والعمل الصالح والطالح ـ من حيث استحقاق الجنة أو النار ـ في العناوين التالية: |
|
مبغض آل البيت (ع): |
|
1: مبغض آل البيت (عليهم السلام) مع أعمال صالحة: فهو في النار وأعماله ((كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف))[34] فـ ((إنما يتقبل الله من المتقين))[35] و.. 2: مبغض آل البيت (عليهم السلام) مع أعمال طالحة: فهو في النار مع درجات ومراتب أقوى من العذاب. 3: وعلى حسب درجات البغض ـ وهو حقيقة تشكيكة ذات مراتب ـ تزداد درجات العذاب. |
|
محب آل البيت (ع): |
|
1: المحب لآل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إن كانت له المحبة زائداً الأعمال الصالحة: فهو في الجنة مع أجر أكبر. 2: المحب بدون الأعمال الصالحة: في الجنة. 3: المحب مع المعاصي، لا يخلد في النار وسيدخل الجنة، بعد تطهير وتصفية، إما في الدنيا.. أو ـ إذا كانت المعاصي أكثر ـ ففي لحظات الاحتضار أيضاً... وإذا كانت اكبر ففي القبر، وبعدها في البرزخ والقيامة، وبعدها ولفترة في الطبقة العليا لجهنم[36]، ولربما عذب بعضهم سبعين ألف سنة ثم ينقلون إلى الجنة. 4: وعلى حسب درجات المحبة يعطي المحب لآل البيت الأطهار (عليهم السلام) منازل في الجنة. 5: وعلى حسب أعماله الصالحة يزداد الأجر والثواب. |
|
الصور الأخرى |
|
وتبقى ـ بعد كل ذلك ـ صور اخرى عديدة، منها: 1: محب لآل البيت (عليهم السلام) غير مبغض لأعدائهم. 2: أو مبغض لأعدائهم غير محب لهم (عليهم السلام). 3: أو محب لهم ولأعدائهم. ونشير هاهنا إشارة عابرة فقط، والتفصيل في دراسة قادمة بإذنه تعالى. إن التولي والتبري أمران (ارتباطيان) في جوهرهما، وكذلك (المحبة) لآل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والبغض لأعدائهم، فلا ينفع أحدهما دون الأخر.[37] والى ذلك تشير روايات عديدة، منها الرواية التالية التي تصرح بـ (فلا يرون محبا لنا أهل البيت محضا..): عن بلال بن حمامة قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم ضاحكاً مستبشراً، فقال إليه عبد الرحمن بن عوف، فقال: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: (بشارة أتتني من عند ربي، إن الله لما أراد أن يزوج علياً فاطمة أمر ملكاً أن يهز شجرة طوبى فهزها، فنثرت رقاقاً ـ يعني صكاكاً ـ وأنشا الله ملائكته التقطوها، فإذا كانت القيامة ثارت الملائكة في الخلق، فلا يرون محباً لنا أهل البيت محضاً إلا دفعوا إليه منها كتاباً برائة له من النار من أخي وابن عمي وابنتي، فكاك رقاب رجال ونساء من امتي من النار).[38] ويطلب تفصيل هذا البحث من مظانه. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ومحبيهم حقاً حقا، وأن يرزقنا الدرجات العليا من عمق المحبة الخالصة لفاطمة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها، (صلوات الله عليهم اجمعين)، إنه سميع الدعاء. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. |
|
دمشق ـ السيدة زينب عليها السلام مرتضى الشيرازي ج2/ 1418هـ |
|
[1] بحار الأنوار ج 47 ص 24 ب 4 ح26. ومثله في البحار ج 67 ص 15 ب43 ح 3. والبحار ج 75 ص 174 ب 22 ح 5. [2] وقد سبقت الإشارة إليها. [3] علم اليقين للفيض ج2 ص 603. وراجع بحار الأنوار ح 27 ص 314 ب9 ح12. [4] بحار الأنوار ج 75 ص 199 ب 60 ح 19. [5] بحار الأنوار ج 75 ص 199 ب 60 ح 8 عن الصادق (عليه السلام). [6] بحار الأنوار ج 65 ص 166 ب 19 ح 21 عن الصادق (عليه السلام). [7] شرم از رخ على كن وكمتر كناه كن. [8] دار السلام للنوري ج4 ص 293. [9] بحار الأنوار ج65 ص 87 ب 16 ح13 نقلاً عن رجال الكشي 289. [10] بحار الأنوار ج65 ص65 ب 15 ح 118 نقلاً عن فضائل الشيعة ص141. وشبهه في البحار ج 65 ص 80 ب 15 ح 141. [11] عيون الأخبار ج1 ص 227. الأمالي ص160. الخصال ج6 ص 84. بحار الأنوار ج 66 ص 63 ب 30 ح 9. والبحار ج 66 ص 68 ب 30 ب22 ح 23. [12] إرشاد المفيد ص114. أمالي الطوسي ج1 ص 219. بحار الأنوار ج 65 ص150 ب 19 ح 4. والبحار ج 74 ص 404 ب 15 ح 30. [13] بحار الأنوار ج 65 ص 164 ب 19 ح 13. [14] صفات الشيعة ص 166. وبحار الأنوار ج 65 ص 168 ب 19 ح 26. [15] أو لا يخلد في النار، اذ تصرح بعض الروايات بدخول بعض المحبين للنار ولكن دون خلود فيها، والمسألة بحاجة الى تنقيح وتتبع اكثر. [16] للبلايا عوامل عديدة: منها المعاصي، ومنها الامتحان والتمحيص رفعة للدرجات وغير ذلك، فالمعاصي من العوامل وليست هي كل العامل، فلا مجال للاستشكال أو التوهم بعد التدقيق. اضافة الى ان البلايا التي تحل بالانسان لرفعة درجاته هي فضل وكرامة، اما ما يحل به نتيجة لمعصيته فهو عقوبة، وما أعظم الفرق بينهما؟. [17] إضافة إلى أن المعاصي إذا كثرت قد توجب سلب التوفيق من الإنسان وقد تسبب خروج محبة فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) من قلبه وعند ذلك سيخلد في نار جهنم. [18] بحار الأنوار ج 68 ص155 ب19 ح11. [19] بحار الأنوار ج 8 ص 352 ب 27 ح 2. [20] المحاسن 172. وبحار الأنوار ج 6 ص 160 ب 68. والبحار ح 65 ص104 ب 18 ح 5. [21] يتضح هذا الامر اكثر عندما نلاحظ (النظرية النسبية) فيما يتعلق بالبعد الرابع (الزمن) حيث ان لحظة واحدة من عالم آخر قد تعدل ملايين السنين أو اكثر من عالمنا، وقد تطرق السيد المؤلف عن هذه النقطة بالذات في كتاب (المقالات) الذي ألفه وهو في السجن، اضافة الى كتاب (السيدة نرجس عليها السلام مدرسة الأجيال) وسيطبع الكتاب الثاني ايضا قريباً انشاء الله تعالى. [22] إحقاق الحق ج7 ص 138. [23] راجع بحار الأنوار ج 38 ص 347 ب 68 ح 22. وفيه: (ألا من أحبك فقد حف بالأمن والإيمان ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية). [24] راجع بحار الأنوار ج48 ص159 ب7 ح2. [25] المحاسن ص 252. وبحار الأنوار ج 2 ص 30 ب 9 ح 17. والبحار ح 66 ص 218 ب 34 ح 2. [26] إبراهيم: 7. [27] آل عمران: 133. [28] الكافي ج2 ص 419. وبحار الأنوار ح 66 ص 220 ب 34 ح 4. [29] راجع بحار الأنوار ج23 ب2: باب عرض الأعمال عليهم (عليهم السلام) وانهم شهداء على الخلق. والبحار ج56 ص40 ب18 ح14 عن جمال الأسبوع. [30] إبراهيم: 18. [31] الفرقان: 23. [32] راجع كتاب (من فقه الزهراء عليها السلام) للإمام الشيرازي دام ظله وكتاب (السيدة نرجس عليها السلام مدرسة الأجيال) للسيد المؤلف. [33] حق اليقين ج2 ص 206 عنوان الشفاعة. وبحار الأنوار ج8 ص 38 ب21 ح16. [34] إبراهيم: 18. [35] المائدة: 27. [36] كما سبق ذلك في روايات ذكرناها. راجع بحار الأنوار ج 43 ص 123 ب 5 ح 31. وج 27 ص 117 ح 96 ب 4. [37] قد يكون عدم النفع مطلقا وقد يكون عدم النفع لمراتب معينة. [38] تاريخ بغداد ج4 ص 210. |