الفهرس

المؤلفات

 السياسة والدولة

الصفحة الرئيسية

 

حسن السمعة

الإنسان غالبا يعيش بحسن السمعة فإذا فقد إمام الجماعة سمعته أو مرجع التقليد أو الخطيب أو المعلم أو التاجر أو الموظف أو… انفض الناس من حولهم فلا يحضرون صلاته ولا يقلدونه ولا يجتمعون حول منبره و لا يفوّضون تعليم أولادهم إليه ولا يتعاملون معه بل يعزلونه عن وظيفته وهكذا.
والتجمع حاله حال الأفراد سواءً كان هيئة أو منظمة أو جمعية أو جماعة أو حزبا أو حكومة فإذا فقدت الحكومة سمعتها تسقط إذا كانت حكومة ديمقراطية ويبدلها الناس بحكومة أخرى.
أما إذا كانت غير ديمقراطية فإنها تسقط بثورة الشعب أو شبه ذلك كما رأينا ذلك في الحكومات الديكتاتورية على طول التاريخ.
فكثرة السلاح وكثرة الاستخبارات وكثرة الإعلام والدعاية الكاذبة غير نافعة حتى بمقدار شروي نقير في الحيلولة دون سقوط الحكومة.
وقد قال الإمام علي عليه السلام من استبد برأيه هلك.
فإن العقل هو سبب الحياة فإذا فقد الإنسان فردا أو جماعة العقل بالاستبداد هلك قريبا أو بعيدا وهذا صادق في الجماعة كما هو صادق في الفرد.
ولذا فمن الضروري على الحكومة الإسلامية الفتية أن تواظب أشد المواظبة على حسن سمعتها وذلك غير ممكن إلا بأن تكون استشارية وشعبية ومتواضعة وخدومة ومتدينة فإن المسلمين وهم الأكثرية الساحقة في بلاد الإسلام لا يقبلون بالموظف غير المتدين فكيف بالحاكم إلى غير ذلك.
ولا يزعم الحاكم أو الموظف أن بمقدوره مزاولة اللادينية في الأصول أو الفروع بعيداً عن أعين الناس فقد قال سبحانه: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.

البساطة وتوفير الحاجات الأساسية

ان تطبيق منهج البساطة في مختلف شؤون الحياة يوجب هناءاً وراحة فكرية وجسدية على عكس الحياة المعقدة التي لم تعط للإنسان إلا المرض والشقاء وإن كان في التعقيد والزخرفة نوع من الجمال المادي والكبرياء والغرور النفسي.
ولذلك حرص الإسلام كل الحرص على البساطة في كل الشؤون: الفردية والاجتماعية الشعبية والحكومية.
فمثلا : يجلس القاضي في المسجد ويتخذه مقرا لقضاوته على مرأى من الناس ومسمع فهم ينظرون إلى تفاصيل أحكامه وأخذه وعطائه بلا حجاب ولا جلاوزة ولا ابهة ولا روتين ولا تأخير في الحكم ولا تلكؤ في الإجراء ولا أجرة ولا رسوم مما يوجب ذلك الاطمئنان الكامل بصحة قضائه واطمئنان الناس بأنه لا يمكن أن يأكل حقوقهم أو يتخذ من الامتياز الطبقي ونحوه سببا لانحراف قضائه.
وهكذا الأمر في بقية شؤون الحياة: كالولادة والزواج والموت والضيافة والسفر والبيت والدكان وألف شيء وشيء ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم : أفضل نساء أمتي أقلهن مهرا وقال صلى الله عليه وآله وسلم : بورك لقوم جل آنيتهم الخزف.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : يسروا ولا تعسروا.
وقال القرآن الحكيم قبل ذلك: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر.
إلى مئات الآيات والروايات والتطبيقات في السيرة النبوية العطرة وكذلك سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام.
ولذا فاللازم على الحكومة الإسلامية المرتقبة في العراق بإذن الله تعالى أن تجعل أجهزتها إلى أقصى حد ممكن أجهزة بسيطة وأن تربي الناس على ذلك.
فلو كان سلوك الحاكم سلوكا بسيطا تعلم الشعب منه ذلك حيث ان الناس على دين ملوكهم.
هذا بالإضافة إلى أن البساطة توجب التقليل من الجهل والمرض والفقر والمشاكل إذ التعقيد هو الذي ينقل حياة الإنسان إلى نظام غير طبيعي مما يخل بتوازنه وتكييفه الحيوي والصحي والاجتماعي.

زهد الحكام

من الضروري على الحكام في بلاد الإسلام وخصوصا حكام العراق إذا أرادوا تطبيق الإسلام الالتزام بـ الزهد عن زخارف الدنيا والاقتناع بالضروري من العيش.
فإن الناس يلتفون حول الزاهدين ويطيعون أوامرهم ويعرفون بذلك صدقهم ولذا تحملهم القلوب وفي إحدى زيارات الإمام الحسين في قلب من يهواك قبرك ولذا سقطت كل تلك الابّهات التي كانت تحف بالخلفاء وبقي الإمام الحسين يتألق كالنجم الساطع بل كالشمس المضيئة على مر التاريخ وسيبقى إلى الأبد.
وان المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين على ارتفاع منزلتهم في الخلق فإنهم عليهم السلام خلقوا من جوهر رفيع جدا بل هم عليهم السلام في قمة الرفعة مع ذلك نقرأ في دعاء الندبة.
بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم.
فقد كان زهدهم عليهم السلام شرط قبول الله سبحانه لهم مع انه قال تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق.
هذا بالإضافة إلى أن زهد الحاكم يوفر على الأمة أقصى قدر ممكن من المال إذ المال ليس مالا للحاكم بل هو مال الأمة فإذا كان المال دولة بين الحكام وخاضعا لتصرفاتهم المطلقة وتعرضهم الطاغي ومن الواضح إن الحاكم ليس فردا أو عشرة أو مائة بل تحتف بــه حاشيـــة كبيـــرة مـن المتملقيــن والعاطلين والموظفين لم يبــق شيء للامة كما نشاهد ذلك في الحكام المستبدين الذين يصرفون أموال الأمة في اللهو والعبث والتطبيل لأنفسهم.
وقد ورد عنه في وصف بني أمية: فيتخذوا مال الله دولا وكذلك وصفهم أبوذر رحمه الله حيث قال اتخذوا مال الله دولا.
ولا يخفى أن الزهد الذاتي زائدا الاستشارية الديمقراطية التي توجب رقابة الأمة للحكام ومزيداً من تقيدهم في منهج التعامل وفي كيفية صرف الأموال فلا يتمكنون من التصرف في أموال الأمة تصرفا سيئا يوفر حاجات الأمة
والزهد وإن كان صعبا على الجسم لكنه راحة للروح حيث إن فيه لذة عظيمة لاتصل إليها لذائذ الجسم.

العمل أولا : قبل الشعار

الشعار العنيف والمجرد من العمل يخلق الاستفزاز مما يجلب كراهية العقلاء وغالبا ما يستغله السفهاء لإيذاء الآخرين ولذا فاللازم تركه إلا في أقصى موارد الضرورة.
والتمسك بالشعار الفارغ وإن كان يتصور فائدته على مستوى السطح ولكنه يضر في العمق لأنه يصرف الأنظار والأفكار عن حقيقة العمل وعمقه إلى مجرد الكلام وكذلك كونه وقتيا لا يستمر في تأثيره طول الخط.
وقد قال ذلك الكافر لما رأى جيش الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : قوائم سيوفهم بأيديهم:يتلمظون تلمظ الأفاعي.
وقد كان شعار إحدى الأحزاب الإسلامي اعمل ولا تتكلم ولذلك نجح في إنقاذ بلاده من الاستعمار الذي دام أكثر من قرن.
ثم إن بعض السطحيين ينظرون إلى الشعار ويتمسكون به ويتركون العمل به ولكن العقلاء لا ينظرون إلا إلى العمل المدروس حسب الفكر المنطقي وقد قال الإمام: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم فالعمل هو مقياس الحياة لا مجرد القول.
ثم ان الشعار غالبا ما يكون فيه مبالغة أكثر من الواقع الموجود مما يؤدي إلى الإضرار بالواقع بسبب مبالغة الشعار فإذا قلت للناس على سبيل المثال: ان لك مائة مؤسسة والحال ان لك تسعين فسيشككون في حقيقة عملك وينفون حتى التسعين أيضا.
أما إذا لم تقل شيئا وركزت جهودك على عملك وأدائه على أحسن وجه ظنوا بك خيرا وكبر عملك في أعينهم فالعامل المجد الصامت يظن الناس به فوق حقه بينما المكثار في الكلام يظن الناس به دون حقه ويشكون في أصل عمله حتى لو كان عاملا.
ولهذا لابد أن يكون فعل الإنسان أكثر من قوله وينبغي أن لا يكون حتى مساويا له فكيف يكون العمل أقل من القول والشعار من القول والواقع من العمل ولذلك قالوا: يلزم على الإنسان أن يتحسب لعدوه في حالين.
الأول: إذا رآه يعمل بما يخشى عاقبته.
الثاني: إذا رآه يطلق شعارات أكبر من حجمه وواقعه لأن معنى ذلك أنه يتجه نحو الطريق الخاطئ.
ومن مساوئ الشعار: انه يوجب طمع الأصدقاء بما لا يتمكن من أطلق الشعار من إنجازه وبذلك يخسر أصدقاءه بالإضافة إلى استفزاز أعدائه لأنه بإطلاق الشعار الكبير يوجه الأنظار إليه بحيث يعتقد الآخرون أنه يملك الكثير حسب ما يصدره من شعارات لذلك يتوقع الأصدقاء منه أكثر من إمكانيته ويستفز أعداءه فيحاولون أن يحطموه لكي لا يتفوق عليهم.

العفو العام

من اللازم على الدولة الإسلامية الناهضة إعلان العفو العام عن كل من أجرم قبل قيام الدولة وهذا الأمر في غاية الأهمية من ناحية وفي غاية الصعوبة من ناحية ثانية.
ان العفو العام يسبب اطمئنان الناس بالحكومة القائمة مما يؤد ي إلى تعاونهم مع الحكومة وهذا يعني انتشار الاستقرار والأمن والحكومة خصوصا في أول أمرها بحاجة إلى التعاون الواسع من الناس.
ولذا عفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أهل مكة وعفى أمير المؤمنين علي عن أهل البصرة ولما ظفر بأهل النهروان عفى عنهم.
وعدم العفو يوقع الحكومة في مشاكل لا تعدّ حيث ان القتل والملاحقة لا تبقى في دائرة خاصة بل تتعداها إلى دوائر أوسع وأوسع كالحجر إذا القيته في الماء حيث تتسع دوائر أمواجه.
هذا بالإضافة إلى ان عدم العفو من معانيه ـ أيضاً ـ : مصادرة الأموال وكلا الأمرين يوجبان تكوين الأعداء وأحيانا يسقط أولئك الأعداء الحكومة كما شاهدنا ذلك في بعض الحكومات التي قامت في العراق فتكاتف أعداؤها عليها حتى أسقطوها.
هذا بالإضافة إلى ان عدم العفو يوجب تأليب الإعلام في سائر البلاد على الحكومة الفتية مما يسبب فقدان شوكتها وضياع سمعتها وذلك يوجب الفشل قال سبحانه: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم.
وإذا اشتغلت أجهزة الدولة الفتية بالقتل والمصادرة والعداوات استفزت المناوئين لها بإظهار الأحقاد وتشغيل ماكنة العداوات القديمة للانتقام منهم مما توقع الدولة في مشكلة لا منجى لها منها بينما كان اللازم على الدولة الجديدة حل المشكلات القديمة لا إيجاد مشكلات جديدة فإنها توقفها عن البناء وتزيدها وهنا على وهن.
وهذا ـ العفو العام ـ هو الأصل وإذا كان استثناء فاللازم أن تقد ر بقدر أقصى الضرورة كما وكيفا.

عدم تلويث الثورة بالدم

ان إراقة الدماء تقود الحكم نحو التحطم والفناء إن لم يكن في القريب ففي البعيد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله.
فالحكم الذي يوغل في قتل الناس ويتورط في دمائهم يبدأ العد العكسي لسقوطه فإن الناس لا يصبرون على قتل أولادهم وإخوانهم وآبائهم وذويهم وأصدقائهم فيأخذون في ذم القاتل وترصد عثراته وينصرفون إلى هدم كيانه وإسقاط شرعيته وإثارة الرأي العام ضده فالحكم الذي لا يقوم على ولاء الشعب يفقد مقومات البقاء.
وسقوط الحاكم المتلوثة يده بدماء شعبه يبدأ من جرائم متناثرة فقتل هنا وقتل هناك وهكذا تتراكم حتى يسقط الحكم.
وخصوصا إذا تبنت الدولة قتل الأفراد تحت ستار انها من فئة معينة تختلف معها أو من حزب سياسي أو جماعة دينية أو مجموعات انخرطت في تجارة السلاح أو المواد المخدرة أو ما أشبه ذلك حيث ان هذه المقاتل والمجازر وإن حصلت تحت مظلة القانون عبر تشكيل المحاكم الصورية التي ظاهرها القانون والعدالة وحفظ النظام وباطنها تعبيد الطريق للحاكم وأعوانه وتثبيتهم في الحكم أكثر فأكثر كما يتوهمون.
ومن المعلوم ان ذلك من أكبر معاول هدم الدولة إذ ان الدولة تحتاج إلى أكثر قدر من الالتفات الشعبي والشرعي حولها ومعاونتها والدفاع عنها فإذا لم يتحقق ذلك كانت في طريق الزوال فكيف إذا انقلب الأمر فصار الأعوان أعداءاً والأنصار خصماء.
وقد رأيت أنا دولاً وكما يتحدث التاريخ عن امبراطوريات ودول كانت فيها مقومات البقاء مئات السنين إلا انها قلصت أعمارها لسنوات معدودات فقط لشهوتها في قتل الناس وولوغها في دمائهم.
ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتل حتى قاتل عمه حمزة وقاتل بنته زينب وحفيده في قصتين مشهورتين لا لأنهما لم يستحقا القتل بل ملاحظة لما ذكرناه وغيره وكذلك الإمام علي عليه السلام عفى عن مجرمي الحرب الذين تم أسرهم في حروبه الثلاثة أليس في ذلك أكبر العبر وأعظم الدروس للذين يريدون النهضة بالإسلام؟
وعلى هذا: فإذا اضطر ت الدولة إلى استخدام القوة في تطبيق القانون فاللازم أن لا يعدو ذلك السجن في الموارد الخاصة القليلة جداً وبعض الغرامات البسيطة وذلك عبر المحاكم الشرعية والإنسانية التي توفر جميع الضمانات الحقوقية لإجراء العدالة.
وبذلك يمكن تفادي مشكلة إطلاق المجرم يعيث كما يشاء ومشكلة تلويث الثورة بالدم.
ومما يضعف الدولة أيضا: تعذيب الناس وإرهابهم ونشر فضائح واقعية أو مزعومة لهم ومصادرة أموالهم إلى غير ذلك مما هو كثير.