الفهرس

فهرس الفصل الثامن

المؤلفات

 السياسة والدولة

الصفحة الرئيسية

 

العامل السابع

التعامل مع السلطات الفاسدة

الحكومات في بلاد الإسلام مكروهة عند الشعوب عادة وخصوصاً في هذا القرن الأخير لأن هذه الحكومات مستبدة (أولاً).

وعميلة للغرب والشرق على الأغلب (ثانياً).

وسبع ضار ـ حسب تعبير الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ بالنسبة إلى الأمة (ثالثاً).

وغير عاملة بقوانين الإسلام، وهو دين الناس (رابعاً).

وعليه فكل اقتراب من الحكومة يوجب انفضاض الناس من حول المتقرب فرداً كان أو هيئة أو جماعة أو جمعية أو منظمة أو حزباً أو ما أشبه.

والأحزاب والتنظيمات الإسلامية على الأغلب تقترب من الحكومات ـ سواء حكومات بلادهم أو الحكومات المعادية لحكومة بلدهم ـ بأخذ المال منهم، ومدحهم، والمسايرة معهم، ولذا تنفصل عن الأمة فلا تتمكن أن تتفاعل معها وتوجهها كما تريد، وبعد ذلك لا ينفع صياح الأحزاب بأن الأمة جاهلة أو متوانية أو غافلة أو تسير مسيراً غير صحيح، فإن الأمة تعرف إلى من تقترب وعمن تبتعد.

الإسلام ينهى عن التعامل مع الحكام

ولذا نرى التحذير الشديد ـ من قبل النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ـ عن العمل مع السلطان والاقتراب معه إذا كان فاسداً.

ففي الصحيح، عن موسى بن جعفر، عن آبائه (عليهم السلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ما قرب عبد من سلطان إلا تباعد من الله)(1).

وفي حديث آخر، قال (صلّى الله عليه وآله): (من نكث بيعة، أو رفع لواء الضلالة، أو كتم علماً، أو اعتقل مالاً ظلماً، أو أعان ظالماً على ظلمه وهو يعلم إنه ظالم فقد برء من الإسلام)(2).

وقال (صلّى الله عليه وآله): (إياكم وأبواب السلطان وحواشيها، وأبعدكم من الله من آثر سلطاناً على الله فجعل الميتة في قلبه ظاهرة وباطنة وأذهب عنه الورع وجعله حيران)(3).

وقال (صلّى الله عليه وآله): (من أرضى سلطاناً بما أسخط الله خرج من دين الإسلام)(4).

وقال (صلّى الله عليه وآله): (إذا كان يوم القيامة ناد منادٍ: أين الظلمة وأعوان الظلمة؟ من لا ق لهم دواة، أو ربط لهم كيساً أو مدّ لهم مدة احشروه معهم)(5).

وقال (صلّى الله عليه وآله): (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا).

قيل: يا رسول الله فما دخولهم في الدنيا؟

قال (صلّى الله عليه وآله): (اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على أديانكم)(6).

وفي حديث أنه دخل على الصادق (عليه السلام) رجل فمتّ له (أي حلف له) بالإيمان إنه من أوليائه، فولّى عنه وجهه، فدار الرجل إليه وعاود اليمين فولى عنه، فأعاد اليمين ثالثة فقال (عليه السلام) له: (يا هذا من أين معاشك؟).

فقال: إني أخدم السلطان وإني والله لك محب.

فقال (عليه السلام): (روى أبي عن أبيه عن جده (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: إذا كان يوم القيامة ناد منادٍ من السماء من قبل الله عز وجل أين الظلمة أين أعوان الظلمة؟ أين من برى لهم قلماً؟ أين من لاق لهم دواة؟ أين من جلس معهم ساعة؟ فيؤتى بهم جميعاً فيؤمر بهم أن يضرب عليهم بسور من نار، فهم فيه حتى يفرغ الناس من الحساب، ثم يؤمر بهم الى النار)(7).

وروى الحسن بن علي بن شعبة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لكميل: (يا كميل لا تطرق أبواب الظالمين للاختلاط بهم والاكتساب معهم، وإياك أن تعظمهم وتشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك)(8).

وعن يونس بن يعقوب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (ملعون ملعون عالم يؤم سلطاناً جائراً معيناً له على جوره)(9).

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (من ترك معصية الله مخافة من الله أرضاه الله يوم القيامة، ومن مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإيمان)(10).

وقال (صلّى الله عليه وآله): (شر الناس المثلث).

قيل: يا رسول الله ما المثلث؟ قال: (الذي يسعى بأخيه إلى السلطان فيهلك نفسه ويهلك أخاه ويهلك السلطان)(11).

وقال (صلّى الله عليه وآله): (من مشى مع ظالم فقد أجرم)(12).

وعن الباقر (عليه السلام) أنه قال: (العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثة)(13).

وعن صبيح الكابلي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (من سود إسمه في ديوان بني شيصبان ـ أي بني العباس ـ حشره الله يوم القيامة مسوداً وجهه)(14).

وقال (صلّى الله عليه وآله): (ما من عالم أتى باب سلطان طوعاً إلا كان شريكه في كل لون يعذب في نار جهنم)(15).

وقال (صلّى الله عليه وآله): (من تعلم القرآن ثم تفقه في الدين ثم أتى صاحب سلطان تملقاً إليه وطمعاً لما في يديه خاض بقدر خطاه في نار جهنم)(16).

وعن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال: (ومن أحب بقاء الظالمين فقد أحب أن يعصي الله، إن الله تبارك وتعالى حمد نفسه على هلاك الظالمين فقال: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) (الأنعام: 45)(17).

وروي في كشف الغمة، عن ابن حمدون قال: كتب المنصور إلى جعفر بن محمد (عليه السلام): لم تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟ فأجاب (عليه السلام): (ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك، ولا أنت في نعمة فنهنيك، ولا تراها نقمة فنعزيك بها، فما نصنع عنك؟).

فكتب إليه: تصحبنا لتنصحنا.

فأجابه (عليه السلام): (من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك).

فقال المنصور: والله لقد ميّز عندي منازل الناس، من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة، وإنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا(18).

وعن صفوان قال: دخل على مولاي رجل فقال (عليه السلام) له: (أتتقلد لهم عملهم؟).

فقال: بلى يا مولاي.

قال: ولم ذلك؟.

قال: إني رجل عليّ عيلة وليس لي مال.

فالتفت إلى أصحابه ثم قال: (من أحب أن ينظر إلى رجل يقدّر أنه عصى الله رزقه، وإذا أطاعه حرمه فلينظر إلى هذا)(19).

وعن صفوان عن الكاظم (عليه السلام) أنه قال في حديث: (إن الله وعد من تقلد لهم عملاً أن يضرب عليهم سرادقاً من نار حتى يفرغ الله من حساب الخلائق)(20).

وعن محمد بن عذافر، عن أبيه قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): (يا عذافر نبئت إنك تعامل أبا أيوب والربيع، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟

قال: فوجم أبي.

فقال له أبو عبدالله (عليه السلام) لما رأى ما أصابه: (أي عذافر إنما خوفتك بما خوفني الله عز وجل به).

قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموماً مكروباً حتى مات(21).

وعن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أعمالهم؟ فقال لي: (يا أبا محمد لا، ولا مرة قلم، إن أحداً لا يصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا منه دينه مثله)(22).

وعن ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له: جعلت فداك إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة، فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكر به أو المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام): (ما احب إني عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاءً وإن لي ما بين لابيتها، لا ولا مدة بقلم، إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد)(23).

وعن جهم بن حميد قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): (أما تغشى سلطان هؤلاء؟).

قلت: لا.

قال: (ولم؟).

قلت: فراراً بديني.

قال: (وعزمت على ذلك؟).

قلت: نعم.

قال لي: (الآن سلم لك دينك)(24).

وعن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث المناهي قال: (ألا ومن علق سوطاً بين يدي سلطان جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعباناً من النار طوله سبعون ذراعاً يسلطه الله عليه في نار جهنم وبئس المصير)(25).

قال: وقال (عليه السلام): (إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة واعوان الظلمة وأشباه الظلمة؟ حتى من برى لهم قلماً ولاق لهم دواة؟ فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم)(26).

وعن صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام) فقال لي: (يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً).

قلت: جعلت فداك أي شيء؟

قال: (إكراؤك جمالك من هذا الرجل) يعني هارون.

قلت: والله ما أكريته إلا لهذا الطريق (يعني طريق مكة) ولا أتولاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني.

فقال لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟

قلت: نعم جعلت فداك.

فقال لي: (أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟).

قلت: نعم.

قال: (من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم ورد النار).

قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك إلى هارون فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك؟

قلت: نعم.

قال: ولم؟

قلت: أنا شيخ كبير، وإن الغلمان لا يفون بالأعمال!

فقال: هيهات هيهات! إني لأعلم من أشار عليك بهذا، أشار عليك بهذا موسى بن جعفر.

قلت: مالي ولموسى بن جعفر؟

فقال: دع هذا عنك، فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك(27).

وقال (عليه السلام): (من ولى جائراً على جور كان قرين هامان في جهنم)(28).

وعن سهل بن زياد رفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار) (هود: 113).

قال: (هو الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه إلى أن يدخل يده إلى كيسه فيعطيه).

وعن محمد بن هشام، عمن أخبره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (إن قوماً ممن آمن بموسى (عليه السلام) قالوا: لو أتانا عسكر فرعون فكنا فيه ونلنا من دنياه حتى إذا كان الذي نرجوه من ظهور موسى (عليه السلام) صرنا إليه). ففعلوا فلما توجه موسى (عليه السلام) ومن معه هاربين من فرعون ركبوا دوابهم وأسرعوا في السير ليلحقوا موسى (عليه السلام) وعسكره فيكونوا معهم فبعث الله ملكاً فضرب وجوه دوابهم فردهم إلى عسكر فرعون فكانوا فيمن غرق مع فرعون)(29).

وعن محمد بن سالم قال: كنا عند أبي جعفر (عليه السلام) على باب داره بالمدينة فنظر إلى الناس يرمون أفواجاً فقال لبعض من عنده: (حدث بالمدينة أمر؟).

فقال: أصلحك الله ولي المدينة وال فغدا الناس إليه يهنونه فقال: (إن الرجل ليغدى عليه بالأمر يهنى به وإنه لباب من أبواب النار)(30).

وعن يحيى بن إبراهيم بن مهاجر قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) فلان يقرؤك السلام وفلان وفلان.

فقال: (وعليهم السلام).

قلت: يسألونك الدعاء.

قال: (وما لهم؟).

قلت: حبسهم أبو جعفر.

فقال: (وما لهم وماله؟).

فقلت: (وما لهم وماله؟) ألم أنههم؟ ألم أنههم؟ ألم أنههم؟ هم النار هم النار هم النار).

ثم قال: (اللهم اجدع عنهم سلطانهم).

قال: وفانصرفنا من مكة فسألنا عنهم فإذا هم قد أخرجوا بعد الكلام بثلاثة أيام(31).

وعن داود بن زربى قال: أخبرني مولى لعلي بن الحسين (عليه السلام) قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبدالله (عليه السلام) الحيرة فأتيته فقلت: جعلت فداك لو كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الويلات؟

فقال: (ما كنت لأفعل).

ـ إلى أن قال ـ: جعلت فداك ظننت إنك إنما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم، وإن كل امرأة لي طالق وكل مملوك لي حر وعليّ أن أظلم أحداً أو جرت عليه وإن لم أعدل.

قال: (كيف قلت؟).

فأعدت عليه الإيمان، فرفع رأسه إلى السماء فقال: (تناول السماء أيسر عليك من ذلك)(32).

وعن حميد قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إني وليت عملاً فهل لي من ذلك مخرج؟

فقال: (ما أكثر من طلب المخرج من ذلك فعسر عليه).

قلت فما ترى؟

قال: (أرى أن تتقي الله عز وجل ولا تعد)(33).

وعن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه (عليهم السلام) في حديث المناهي قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (من تولى عرافة قوم أتى به يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله عز وجل أطلقه الله، وإن كان ظالماً هوى به في نار جهنم وبئس المصير)(34).

وعن مسعدة بن صدقة قال: سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان يعملون لهم ويجبون لهم ويوالونهم؟ قال: (ليس هم من الشيعة ولكنهم من أولئك)(35).

الاضطرار وحكم التقية

لكن يجب التنبيه على أنه إذا كان اضطرار، لم يكن بالدخول بأس، سواء كان الاضطرار من جهة تقية كما قال سبحانه: (إلاّ أن تتقوا منهم تقاة) (آل عمران: 28).

أو كان الاضطرار من جهة رفع مظلمة عن الناس على شرط أن يعمل العامل معهم بكتاب الله وسنة رسوله وذلك من باب قاعدة الأهم والمهم.

وهناك روايات تدل على ما ذكرناه:

مثل ما رواه زيد الشحام قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: (من تولى أمراً من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقاً على الله عز وجل أن يؤمّن روعته يوم القيامة ويدخله الجنة)(36).

ـ وهذا الحديث يدل على المنع عن اتخاذ الحاجب كما هو معروف في سيرة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام) وهناك روايات أيضاً تدل على ذلك ـ.

وعن زياد بن أبي سلمة قال: دخلت على أبي الحسن موسى (عليه السلام) فقال لي: (يا زياد إنك لتعمل عمل سلطان؟).

قلت: أجل.

قال لي: (ولم؟).

قلت: أنا رجل لي مروة، وعليّ عيال، وليس وراء ظهري شيء.

فقال لي: (يا زياد لئن أسقط من حالق ـ والحالق الارتفاع ـ فاتقطع قطعة قطعة أحب إلي من أن أتولى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم إلا لماذا؟).

قلت: لا أدري جعلت فداك.

قال: (إلا لتفريج كربة عن مؤمن، أو فك أسره، أو قضاء دينه، يا زياد إن أهون ما يصنع الله عز وجل بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادقاً من نار إلى أن يفرغ الله عز وجل من حساب الخلائق، يا زياد فإن وليت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة، والله من وراء ذلك، يا زياد أيما رجل منكم تولى لأحد منهم عملاً ثم ساوى بينكم وبينه فقولوا له: أنت منتحل كذاب، يا زياد إذا ذكرت مقدرتك على الناس فاذكر مقدرة الله عليك غداً) (الحديث)(37).

وعن علي بن أبي حمزة قال: كان لي صديق من كتاب بني أمية فقال لي استأذن لي على أبي عبدالله (عليه السلام)، فاستأذنت له عليه فأذن له، فلما أن دخل سلم وجلس ثم قال: جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالاً كثيراً وأغمضت في مطالبه؟.

فقال أبو عبدالله (عليه السلام): (لولا أن بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفيء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا، ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئاً إلا ما وقع في أيديهم).

قال: فقال الفتى: جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟

قال: (إن قلت لك تفعل؟).

فقال: أفعل.

قال (عليه السلام) له: فاخرج من جميع ما كسبت من ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، ومن لم تعرف تصدقت به، وأنا أضمن لك على الله عز وجل الجنة).

فأطرق الفتى طويلاً ثم قال له: لقد فعلت جعلت فداك.

قال ابن أبي حمزة، فرجع الفتى معنا إلى الكوفة، فما ترك شيئاً على وجه الأرض إلا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه، قال: فقسمت له قسمة واشترينا له ثياباً وبعثنا إليه بنفقة.

قال: فما أتى عليه إلا أشهر قلائل حتى مرض فكنا نعوده، فدخلت يوماً وهو في السوق ـ أي الاحتضار ـ ففتح عينيه ثم قال لي: (يا علي وفى لي والله صاحبك) ثم مات، فتولينا أمره، فخرجت حتى دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فلما نظر إليّ قال لي: (يا علي وفينا والله لصاحبك) فقلت: صدقت جعلت فداك هكذا قال لي عند موته(38).

وفي رواية الكليني، عن الحسن بن الحسن الأنباري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان، فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه ذكرت إني أخاف على خيط عنقي، وإن السلطان يقول لي: إنك رافضي ولسنا نشك في إنك تركت العمل للسلطان للرفض، فكتب إليّ أبو الحسن (عليه السلام): (فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك، فإن كنت تعلم إنك إذا دخلت عملت في عملك بما أمر به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثم تصير أعيانك وكتابك أهل ملتك وإذا صار إليك شيء وافيت به فقراء المؤمنين حتى تكون واحداً منهم كان ذا بذا وإلا فلا)(39).

وعن علي بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): (إضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثة، أضمن لي أنه لا يأتي أحد من موالينا في دار الخلافة إلا قمت له بقضاء حاجته، أضمن لك أن لا يصيبك حر السيف أبداً، ولا يظلك سقف سجن أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً).

وقال الحسن: ذكرت لمولاي (عليه السلام) تولّي أصحابنا أعمال السلطان واختلاطهم بهم؟

قال: (ما يكن أحوال إخوانهم معهم؟).

قلت: مجتهد ومقصر.

قال: (من أعز أخاه في الله وأهان أعداءه في الله وتولي ما استطاع نصيحته أولئك يتقلبون في رحمة الله) (الحديث)(40).

وفي رواية نصب المأمون الإمام الرضا (عليه السلام) ولي عهد له أنه (عليه السلام) لم يقبل منه إلا اضطراراً حيث قال المأمون له: أقسم لئن قبلت ولاية العهد، وإلا أجبرتك على ذلك، فإن فعلت، وإلا ضربت عنقك، فقال الرضا (عليه السلام): (قد نهاني الله أن ألقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هذا فافعل ما بدا لك، وإنما أقبل ذلك على أن لا أولي أحداً، ولا أعزل أحداً، ولا أنقض رسماً ولا سنة، وأكون في الأمر من بعيد مشيراً) فرضى بذلك منه فجعله ولي عهده على كراهية منه (عليه السلام) لذلك(41).

وفي رواية أخرى قال الإمام الرضا (عليه السلام): (فإني مجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على إنني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولي ولا أعزل ولا أغير شيئاً مما هو قائم) فأجابه المأمون إلى ذلك كله(42).

الاقتراب إلى السلطان يوجب تلويث السمعة

فحسب القاعدة، الحكومات في بلاد الإسلام مكروهة لشعوبها أشد كراهية إذ أنهم يرون أنها عميلة، وأنها لا تعمل بالإسلام، وأنها تهدر الحقوق والكرامات وتسحق القيم والموازين، ولهذا فإذا رأوا شخصاً أو منظمة أو جماعة أو هيئة أو جمعية أو حزباً يقترب من الحكومة يجتنبون عنه فلا يتمكن هؤلاء من تحريك الجماهير لإقامة حكم الإسلام ولو كانوا مخلصين حقيقة لأهدافهم.

من دخل مداخل السوء اتّهم

وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ومن دخل مداخل السوء اتهم)(43).

وعن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن)(44).

وعن الحسين بن يزيد، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: (من دخل موضعاً من مواضع التهمة فاتهم فلا يلومن إلا نفسه)(45).

وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جده (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من وقف بنفسه موقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن)(46).

وعن العقيلي في وصية أمير المؤمنين لولده الحسن (عليه السلام) أنه قال فيها: (وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغير جليسه)(47).

وعن جامع البزنطي، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): (اتقوا مواقف الريب، ولا يقض أحدكم مع أمه في الطريق فإنه ليس كل أحد يعرفها)(48).

وفي نهج البلاغـــة عن أميـــر المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (مـــن وضــــع نفسه مواضع التهمة فلا يلومن من أساء به الظن)(49).

وقال (عليه السلام): (من سلّ سيف البغي قتل به، ومن كايد الأمور عطب، ومن اقتحم اللجج غرق، ومن دخل مداخل السوء اتهم)(50).

وعن أبي حمزة الثمالي، عن الصادق (عليه السلام) قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): (أولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة)(51).

 

1 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص122.

2 ـ بحار الأنوار: ج68، ص380.

3 ـ المصدر السابق.

4 ـ المصدر السابق.

5 ـ المصدر السابق.

6 ـ المصدر السابق.

7 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص124.

8 ـ المصدر السابق.

9 ـ المصدر السابق: ص125.

10 ـ المصدر السابق.

11 ـ المصدر السابق.

12 ـ المصدر السابق.

13 ـ المصدر السابق.

14 ـ المصدر السابق: ص126.

15 ـ المصدر السابق: ص127.

16 ـ المصدر السابق.

17 ـ المصدر السابق: ص128.

18 ـ المصدر السابق: ج12، ص307.

19 ـ المصدر السابق: ج13، ص129.

20 ـ المصدر السابق.

21 ـ المصدر السابق: ج12، ص128.

22 ـ وسائل الشيعة: ج12، ص129.

23 ـ المصدر السابق.

24 ـ المصدر السابق.

25 ـ المصدر السابق.

26 ـ المصدر السابق: ص131.

27 ـ المصدر السابق.

28 ـ المصدر السابق: ص133.

29 ـ المصدر السابق.

30 ـ المصدر السابق: ص135.

31 ـ المصدر السابق: ص136.

32 ـ المصدر السابق.

33 ـ المصدر السابق.

34 ـ المصدر السابق.

35 ـ المصدر السابق: ص138.

36 ـ المصدر السابق: ص140.

37 ـ الكافي: ج5، ص110.

38 ـ المصدر السابق: ص106.

39 ـ المصدر السابق: ص111.

40 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص137.

41 ـ وسائل الشيعة: ج12، ص148.

42 ـ مستدرك الوسائل: ج13، ص141.

43 ـ وسائل الشيعة: ج8، ص423.

44 ـ المصدر السابق: ص422.

45 ـ المصدر السابق.

46 ـ المصدر السابق.

47 ـ المصدر السابق.

48 ـ المصدر السابق: ص423.

49 ـ المصدر السابق.

50 ـ المصدر السابق.

51 ـ مستدرك الوسائل: ج8، ص339.