فهرس الباب الأول | المؤلفات |
عوامل
تشكل الجماعات |
قد تقدم بعض الكلام حول الاجتماع،
وبقي بعض آخر حول الجماعات بمختلف أشكالها
وأساميها فنشرحه في هذا البحث، إن الجماعة
إنما تتشكل لأحد أمور ثلاثة: 1
ـ
لأجل الاحتياج الذاتي، إما حاجة دينية أو
حاجة دنيوية، مادية، أو غير مادية. فالحاجة
الدينية مثلاً الصلاة الواجبة جماعة كالفطر
والأضحى والجمعة في أيام الحضور والحاجة
الدنيوية المادية، مثل ما إذا اجتمعوا لأجل
بناء أو صنع طعام، أو ما أشبه مما لا يتأتى
إلاّ بالجماعة، والحاجة الدنيوية غير
المادية، مثل الجماعة لأجل اللعب، أو النظر
إلى تمثيلية أو نحوهما. 2 ـ لأجل قضاء حاجة
الاجتماع، مثل الجماعات الخيرية الاجتماعية
لأجل حاجة الاجتماع، كما تتشكل جماعة لأجل
فتح المدارس والمستشفيات وبناء دور للفقراء،
وما أشبه ذلك، وفي هذا يدخل ما يتشكل لأجل دفع
حاجة الاجتماع الدينية، كتشكل الجمعية لأجل
بناء المساجد في القرى الجدد التي لا مساجد
لها. 3
ـ
لأجل الضغط الاجتماعي، مما ليس سببه القريب
الاحتياج الذاتي أو الغيري ـ وإن كان ينتهي
بالآخرة إلى أحد الأمرين السابقين ـ
كالاجتماع لأجل تكليف مجلس الأمة بعض أعضائه،
لأجل النظر في قانون أو حاجة اجتماعية أو ما
أشبه ذلك، فإن الضغط الاجتماعي المنصب على
المجلس، سبب تكليف الأعضاء من قبل المجلس
بذلك. |
التسالم
والتنازع في الجماعات |
ثم
إن الجماعات المتشكلة حسب اختلاف ثقافتها من
ناحية، واختلاف المحيطين الطبيعي والاجتماعي
من ناحية ثانية، تنقسم إلى: 1 ـ ما يميل إلى التسالم. 2 ـ وما يميل إلى التنازع. فقد
تكون الثقافة المبني عليها الجماعة ثقافة
سلام، وقد تكون بالعكس، كما أن الاجتماع قد
يحبّذ السلام، وقد يحبّذ النزاع، وطبقاً لذلك
فالجماعة أيضاً تميل إلى أي منهما. أما
المحيط الطبيعي فالمحيطات الحارة ذات المياه
الثقيلة أقرب إلى تربية الجماعة خشنة
الأخلاق، بينما المحيطات الباردة بالعكس
تربي الجماعة جانحة إلى السلام، ولا يخفى أنه
بالإمكان تبديل الثقافة الخشنة [في المجتمع]
إلى الثقافة المسالمة وكذلك المحيط الطبيعي
بتغيير الماء والهواء، بصنع الأنهار
الجارية، ولو من الآبار الارتوازية، فإن
الماء الجاري يكون خفيفاً من جهة كثرة مرور
الهواء في داخله بالعكس من الماء الراكد
الموجب لثقله، ثم يصفي الماء من المواد
العالقة، حتى يخف ولا يؤثر في أحداث الأرياح
الغليظة في البدن، مما يسبب سوء الهضم
والمرض، وأخيراً سوء الأخلاق. وأما
الهواء فبكثرة التشجير، والأحواض
والنافورات، والساحات العامة الملطفة بالماء
والشجر، وقد استخدمت حكومة بعض البلاد خبراء
لتخفيف حر الصيف حيث كان يصل إلى خمس وخمسين
درجة بالإضافة إلى رطوبة الهواء والغبار، مما
يزيد الأمر إعضالاً؟ فقالوا بأن التخفيف ممكن
بقدر عشر درجات، إذا غرست الدولة مأة وعشرة
ملايين شجرة… ثم للطعام أيضاً الأثر البالغ
في السلام والنزاع، كما أن المنهج الحيوي
المقرر له تأثيره أيضاً. فالأطعمة
الباردة طبعاً، تسبب ميل الإنسان إلى البرودة
المنتجة للسلام، وبالعكس من ذلك الأطعمة
الحارة، وإذا كانت الأنظمة مرعية، والمواعيد
مضبوطة، والمشاكل محلولة بمناهج سهلة و…
مالت الأمزجة إلى السلام، بينما العكس يكون
مبعثاً لخلاف ذلك. روى
حبيب الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضلكم
أحسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين
يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم)(1). وعن
القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المؤمن
ألف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)(2). وقال
علي عليه السلام ـ كما في نهج البلاغة ـ: (قلوب
الرجال وحشية فمن تألفها أقبلت عليه)(3). وعن
ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ألا
أخبركم بمن تحرم عليه النار غداً، قالوا: بلى
يا بن رسول الله، قال: الهين القريب، اللين
السهل)(4). وعن
علي بن دعبل، عن الرضا عليه السلام، عن آبائه،
عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: (المؤمن هيّن ليّن سمح له
خلق حسن، والكافر فظ غليظ له خلق سيء وفيه
جبرية)(5). وفي
الرسالة الذهبية للإمام الرضا عليه السلام: (إن
قوى النفس تابعة لمزاجات الأبدان، ومزاجات
الأبدان لتصرف الهواء، فإذا برد مرة وسخن
أخرى تغيرت بسببه الأبدان وتابعه الصور، فإذا
استوى الهواء واعتدل صار الجسم معتدلاً لأن
الله عز وجل بنى الأجسام على أربع طبائع: على
الدم، والبلغم، والصفراء، والسوداء. فاثنان
حاران، واثنان باردان، وخولف بينهما، فجعل
حار يابس، وحار لين، وبارد يابس، وبارد لين،
ثم فرق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد: على
الرأس، والصدر، والشراسيف، وأسفل البطن)(6)
إلى آخره. |
النضج
الفكري يقلل النزاعات |
ثم
إن الجماعة كلما قربت إلى الفهم مالت إلى
المعايشة بسلام مع كل الجماعات، سواء جمعهم
الإطار العام أم لا، وإنا نرى أن البلاد
الأوربية تحاربت طويلاً، ثم سالمت بعضها
البعض، لكنها لم تصل بعد إلى المسالمة مع
العالم الثالث ـ مثلاً ـ حيث أن استعمار فرنسا
وبريطانيا، وغيرهما لازال موجوداً بينما أنا
نجد أن البلاد الإسلامية حيث ابتعدت من
الكتاب والسنة تحارب بعضها بعضاً في سبيل
الأوهام، بمختلف أنواع المحاربة. ولو
أخذت الدنيا بالعقل والعدل، اختفت الحروب حيث
أن سبب الحروب والمنازعات إما الأوهام،
وإرادة كل أن يتقدم مما ليس حقه، وإما المال
حيث يستغل بعضهم بعضاً، فالاتحاد السوفياتي
وأمريكا مثلاً يحاربان الشعوب، الأولى لحب
السلطة والثانية لحب الثروة، أما بريطانيا
فإنها تحارب لأجل أن لا ترجع إلى مكانها
اللائق بها مما يقضيه حجمها الواقعي. لا
يقال: فكيف الإسلام يحارب؟ لأنه
يقال: إنه يحارب: 1 ـ لأجل الدفاع عن نفسه أمام
المهاجمين وهذا بسببهم لا بسببه. 2
ـ
لأجل إعلاء كلمة الله، وإنقاذ المستضعفين،
حيث يريد إنقاذ الناس من الخرافة، أو إنقاذ
المستضعفين من براثن المستغلين والمستكبرين،
فيحارب الذين انحرفوا لأجل إزاحتهم فقط،
وبقدر أقصى والضرورة. 3
ـ
لأجل إخماد البغاة الذين بغوا، وكل ذلك يرجع
إلى رد الاعتداء لا الاعتداء وذلك لا ينافي ما
ذكرناه من أن العقل والعدل يوجبان اختفاء
الحروب. ولذا
كان الوعي من أوليات لوازم العيش بسلام،
للجماعة مع الجماعات الأخر، فإن فهم [إن عدم
الانسجام ينتهي إلى سقوط عدم المنسجم بنفسه]
يوجب الانسجام والوئام، ولذا ورد في الحديث،
أنه سأل عليه السلام عن الحيلة؟ فقال: (في ترك
الحيلة). |
أنواع
التسالم |
ثم
اللازم أن لا يكون التسالم والتعاون ناشئاً
عن الاحتياج، وإلا لم يكن له فضيلة أولاً، ولا
دوام ثانياً، بل اللازم أن يكون عن علاقة وحب
لنوع الإنسان، وقد قال الإمام الحسين عليه
السلام لأهل الكوفة: (إن لم يكن لكم دين، وكنتم
لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم)(7). وعليه،
فالتسالم على ثلاثة أنواع: 1 ـ أن يكون لعدم التصادم في
المصالح. 2 ـ أن يكون للاحتياج والترابط
في المصالح. 3
ـ
أن يكون لأجل الإنسانية والفضيلة وهذا
الثالث، بالإضافة إلى أنه معنى سام، أدوم
وأبقى وأكمل وأجمل، وقد سمى بعض علماء
الاجتماع القسم الثاني، بالوحدة
الميكانيكية، والقسم الثالث بالوحدة الحيوية. وحيث
أن أفراد الجماعة المتشكلة لا يمكن أن يكون
تسالمهم من القسم الأول كان لابد وأن يكون من
أحد القسمين الأخيرين، من غير فرق بين أن يكون
الاحتياج في القسم الثاني مادياً، كما إذا
تشكلوا لأجل مطعمهم ومسكنهم، أو معنوياً كما
إذا تشكلوا لأجل العلم والثقافة والفن ونحوها. ثم
إنه كلما كان الانسجام بين أفراد الجماعة
أكثر، بأن كانت الأنفس مماثلة في التربية،
كان التحام الجماعة أكثر، وكان التقدم أسرع،
وكانت النتائج أكبر، وبالعكس من كل ذلك ما كان
الابتعاد بين النفسيّات أكثر، لعدم وحدة
التربية، بله ما إذا كان بعض سيء التربية. |
طرق
تحقيق الانسجام |
والانسجام
الأكثر يتحقق بأمور: (الأول):
قلة أفراد الجماعة بالحد المحتاج إليه فقط،
إذ كون الأفراد أقل من المحتاج إليه، يوجب عدم
إمكان الوصول الهدف مثل سيارة تحتاج إلى أربع
عجلات، بينما لها ثلاث عجلات، كما أنه كلما
كان الأفراد أكثر من الاحتياج كان الانسجام
أبعد، إذ تزداد الروابط الموجبة لبطوء تقدم
الجماعة، مثلاً: إذا احتاج الأمر إلى خمسة
أعضاء فصعد العدد إلى سبعة، كانت الأكثرية
المطلوبة لحسم الاختلاف [أربعة] بينما في [الخمسة]
الحسم يكون بثلاثة، ومن الواضح أن الحصول على
الثلاثة أسهل من الحصول على أربعة. ويمكن
أن يقال ذلك ببيان آخر، فإنه إذا كان الاحتياج
إلى اثنين، فصاروا ثلاثة كانت الروابط في [ثلاثة]
ثلاثاً، بينما الروابط في [اثنين] واحد فقط،
والرابط الواحد أخف ثقلاً من ثلاث روابط فإن
إرضاء إنسان واحد أسهل من إرضاء إنسانين،
وهكذا إذا صار في المثال الأعضاء أكثر من
ثلاثة. (الثاني):
أن يكون الاجتماع أكثر مدة، وأبعد عمقاً، فإن
الجماعة التي تتجمع كل ليلة ثلاث ساعات مثلا،
أكثر انسجاماً من التي لا تجتمع إلا في
الأسبوع مرة وهكذا، ولذا قسم بعض علماء
الاجتماع الجماعة إلى الابتدائية والثانوية،
وجعل من الأولى مثل العائلة، ومثل الأصدقاء،
وجعل من الثانية مثل الجمعيات المتداولة، حيث
أن أفراد الأولى أكثر انسجاماً، لطول مدة
الصحبة بينما الثانية ليست كذلك لقصر مدة
الصحبة. والبحث
الحر النزيه غير المشتمل على الجدل، والمراء
بين أفراد الجماعة يوجب متانة الرابطة وقوة
العلاقة، وذلك لأن نقاط الاختلاف تقل، بل قد
تختفي نهائياً. وبالعكس
من ذلك إذا تحكمت الديكتاتورية بين أفراد
الجماعة، حيث أنها تؤول إلى الشتات والفرقة. (الثالث):
أن تقل في الجماعة أسباب الفرقة، فإن الجماعة
إذا كان فيهم سبب، أو أسباب للفرقة، يكون
التجانس بينهم أقل، وربما آل إلى التشتت،
فالعائلة الواحدة ذات الأديان المختلفة،
والألوان السياسية المختلفة والتصادم
المصالحي، مثل جماعة بقالين، كل يريد كسب
المشتري من الآخر والانهزام النفسي في بعض
الأفراد، لأكثرية علم أو مال أو مكانة الآخر،
حيث تثير تلك الأمور في المتأخر حسّ الغبن
والضعة… لا تنسجم أفرادها كما تنسجم أفراد
العائلة، إذا لم تكن كذلك. ولذا
نشاهد أن الجماعات التي تهاجر عن وطنها
بالطرد أو غيره، والجماعات التي تهاجم من قبل
أعدائها، أو تبتلى بالكوارث الطبيعية، أو ما
أشبه ذلك تتحطم بسرعة بينما ليست كذلك أحوال
الجماعة المستقرة. |
بين
الجماعة والأعضاء والجماعات الأخرى |
بقي
شيء، وهو أن اللازم في الجماعة ملاحظة ثلاثة
أمور: 1 ـ حالة الجماعة مع جماعة أخرى. 2 ـ حالة أعضاء الجماعة مع نفس
الجماعة. 3 ـ حالة بعض أعضاء الجماعة مع
بعض الأعضاء الأخر. أما
الأولى: فهي على ثلاثة أقسام: أ
ـ الحيادية بينهما، وتلك توجب عدم التأثير
والتأثر بينهما. ب
ـ النزاع: وذلك يوجب تماسك كل جماعة حول
نفسها، والتنافس بينهما لأجل السبق وكسب
المغانم. ج
ـ الصداقة: وهي إن كانت في سبيل الهدف أوجبت
التعاون والتقدم وإن كانت خالية عن ذلك لم تضر
ولم تنفع، لكن الغالب كون الصداقة في سبيل
الهدف المشترك. وأما
الثانية: فإن الجماعة إذا خالف بعض أعضائها
لها، كانت بقدر تلك المخالفة راكدة، وبالعكس
إذا كان الانسجام التام، ومعنى هذا القسم أن
تكون الأكثرية الكاسحة إلى جانب، بينما
الأقلية إلى جانب آخر، والغالب أن يكون
الخلاف والوفاق تابعين لحسن الإدارة في
الاجتماع وسوئها، واللازم اهتمام الجماعة
لعدم حدوث مثل هذا الانشقاق. وأما
الثالثة: أ
ـ قد يكون الأعضاء مع الأعضاء في حالة رقابة،
ومثل هذه الحالة توجب التقدم، إذ التنافس
الحر يوجب استشارة الأعضاء لئلا يتأخر بعضهم
عن بعض والإدارة الحازمة تجعل التنافس
والرقابة بين الأعضاء، لكن اللازم أن لا يصل
التنافس إلى حالة العداء وما أشبه. ب
ـ العداوة: وفي هذه الحالة تهدد الجماعة
بالانفصام، وتكوين كل جماعة منها جماعة
جديدة، بالإضافة إلى وقوف تقدم الجماعة، بل
تأخرها. ج
ـ الصداقة: وحالها كما تقدم في الحالة الأولى…
ثم الجماعتين المعاديتين أو المتصادفتين، قد
يكون بعض أعضائها على خلاف المجموع بأن تكون
صداقة بين بعض أفرادها [في المتعادية] وبالعكس
[في المتصادقة]. |
بين
الفرد والجماعة |
الجماعة ـ سواء كانت كبيرة
كالاجتماع، أو صغيرة كجمعية اقتصادية أو
ثقافية، كالنهر الجاري لها وحدة واحدة، وإن
تبدلت أجزاؤها، فالأجزاء تتجدد: 1
ـ
من حيث الكم، حيث في الاجتماع الكبير: يموت
الفرد ويولد الفرد وفي الاجتماع الصغير يدخل
عضو جديد، ويخرج عضو جديد. 2
ـ
ومن حيث الكيف حيث يصعد الاجتماع وينزل، من
حيث الأخلاق والدين والاقتصاد والسياسة
وغيرها، وكذلك في الاجتماع الصغير من حيث
النشاط والخمول، والأعمال الموجبة لصعوده أو
نزوله، اجتماعياً. والجماعة
دائماً توجه أفرادها إلى: 1
ـ
جهتها العلمية، فإن لكل جماعة ثقافة خاصة،
تهتم الجماعة بالسير فيها، والتبني لها. 2
ـ
وجهتها العملية، حيث أن كل جماعة [غير الفكرية
البحتة: وهي قليل] لها هدف تسير إليه، وذلك ما
لا يكون إلا بالعمل. والتوجيه: 1 ـ في الأوليات بأن يقبل الفرد
الانضمام إلى الجماعة والسير في ركابها. 2
ـ
وفي الثانويات، بأن يقبل الفرد التعمق في
الثقافة الخاصة بالجماعة… والفرد السطحي
يقبل الأول بينما الفرد العميق يقبل الثاني. كما
أن العضو: 1 ـ قد يكون عضواً حقيقياً سجل
نفسه مع الجماعة ويشاركهم في كل شيء. 2
ـ
وقد يكون عضو شرف لا يشاركهم إلا في بعض
الأمور، سواء كان [عضو شرف] يشرفهم لرفعة
مكانه، أو يتشرف بهم لضعة مكانه. والجماعة: 1 ـ قد تستفيد من الفرد أكثر مما
تفيده. 2 ـ وقد يكون الأمر بالعكس. 3
ـ
وثالثة بين الأمرين تساو، وقد يكون العضو
ضاراً محضاً، لكن اللابدية توجب إبقائه. والجماعة
تؤثر في الفرد أثرين: 1 ـ الأثر العمدي بتربية
الاجتماع للفرد. 2
ـ
الأثر التلقائي بتأثر الفرد بالجماعة
لاتخاذه لهم أسوة، ويرى الأثران في العائلة
بالنسبة إلى الأولاد، حيث أن الأب ـ مثلاً ـ
يربي ولده، بينما الولد يتعلم من أبيه السلوك
تلقائياً… وكذلك الحال في الجمعيات
الاصطناعية والاجتماع الإنساني. |
الانغلاق
والانطلاق والانفلاق |
والجماعة
ـ وكذلك الاجتماع ـ تنقسم إلى: 1
ـ
المنغلق، حيث تقدس نفسها وتريد كل خير
لنفسها، بينما لا ترى محاسن الغير، ولا معايب
نفسها، وهذه الجماعة أنانية جاهلة منكمشة، لا
يمر زمان ـ طال أو قصر ـ إلا وينفضّ الناس من
حولها، وأحياناً تخسر حتى جماعتها، بالتبدد
والاضمحلال، وتسمى هذه الجماعة [المنغلقة]. 2
ـ
والمنفتح، حيث أنها ترى معايب نفسها كما ترى
محاسنها، وترى محاسن غيرها،كما ترى معايبها
وهذه الجماعة تأخذ في الصعود،ويلتف الناس
حولها وهي جماعة واقعية مثقفة متواضعة خيرة،
وتسمى: [المنطلقة]. 3
ـ
والمنبهر، حيث أنها ترى معايب نفسها، ومحاسن
غيرها، ولا ترى محاسن نفسها، ولا معايب غيرها
ـ وهي عكس الأولى تماماً ـ وهي جماعة منهزمة
مهزوزة جاهلة، لا يمر زمان ـ طال أو قصر ـ حتى
تتشقق، ويؤول أمرها إلى الفناء والاضمحلال
وتسمى [المنفلقة]. وحيث
يكثر القسم الأول [المنغلق] في الأفراد
والجماعات والجمعيات نبه الإسلام إلى أضراره
وأمر باجتنابه. قال
علي عليه السلام ـ في وصيته لابنه الحسن عليه
السلام ـ: (يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك
وبين غيرك فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له
ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم،
وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك
ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه
لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما
تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك)(8). وقال
عليه السلام: (وكفى أدباً لنفسك تجنبك ما
كرهته لغيرك)(9). وقال
عليه السلام: (كفاك أدباً لنفسك اجتناب ما
تكرهه من غيرك)(10). وقال
عليه السلام: (ومن نظر في عيوب الناس فأنكرها
ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه)(11). وقال عليه السلام: (أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله)(12).
|
1
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص542. 2
ـ الكافي ج/ 2
ص102. 3
ـ الكافي ج/ 2
ص102. 4
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص477. 5
ـ الوسائل ج/
8 ص511. 6
ـ الوسائل ج/
8 ص511. 7
ـ الرسالة
الذهبية: ص47. 8
ـ بحار
الأنوار ج/ 45 ص51. 9
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص397. 10
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص538. 11
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص548. 12
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص536. |