فهرس الباب الثاني | المؤلفات |
علاقة
الفرد بالمجتمع في الاسلام |
قال
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في
وصية له للحسنين عليهما السلام: (أوصيكما…
بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم(1)،
فإني سمعت جدكما صلى الله عليه وآله يقول:
صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام)(2). وقال
عليه السلام: (وعليكم بالتواصل والتباذل ،
وإياكم و التدابر والتقاطع)(3). وقال
عليه السلام: (وإنما أنتم أخوان على دين الله،
ما فرق بينكم إلا خبث السرائر وسوء الضمائر،
فلا توأزرون ولا تناصحون، ولا تباذلون ولا
توادون، وما يمنع أحدكم أن يستقبل أخاه بما
يخالف من عيبه، إلا مخافة أن يستقبله بمثله)(4). وقال
عليه السلام: فإن الله سبحانه قد امتن على
جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه
الألفة، التي ينتقلون في ظلها، ويأوون إلى
كنفها، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها
قيمة، لأنها أرجح من كل ثمن وأجل من كل خطر)(5). وقال
عليه السلام: (والزموا السواد الأعظم، فإن يد
الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشاذ
من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم
للذئب)(6). وقال
عليه السلام: (ألزموا ما عقد عليه حبل
الجماعة، وبنيت عليه أركان الطاعة)(7). وقال
عليه السلام: (فإياكم والتلون في دين الله،
فإن جماعة فيما تكرهون من الحق، خير من فرقة
فيما تحبون من الباطل، وإن الله سبحانه لم يعط
أحداً بفرقة خيراً ممن مضى ولا ممن بقى)(8). وقال
عليه السلام: (فانظروا كيف كانوا حيث كانت
الإملاء (جمع ملأ) مجتمعة، والأهواء مؤتلفة،
والقلوب معتدلة، والأيدي مترادفة، والسيوف
متناصرة، والبصائر نافذة، والعزائم واحدة،
ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضيين،
وملوكاً على رقاب العالمين، فانظروا إلى ما
صاروا إليه في آخر أمــورهم، حين وقـــعت الفرقة،
وتــشتت الألفة، واختلفت الكلمة والأفئدة،
وتشعبوا مختلفين وتفرقوا متحازبين)(9). |
المجتمع المتخلف بؤرة للرذائل الخلقية |
ثم إن الاجتماع
إذا انحرف صار مركزاً للرذائل الخلقية
والعملية، حيث أن الاجتماع هو الجهاز الضاغط
على الأفراد والجماعات في الاستقامة أو
الانحراف، والفرقة من مواليد الاجتماعات
المنحرفة. فإن
الاجتماع إذا كان مستقيماً، اشتغلت جماعاته
وأفراده بالبناء، فتوجد المؤسسات البانية،
والجمعيات الخيرة، والمنظمات العاملة في
سبيل التقدم، وهي تجذب أكثر قدر من الأفراد،
فيعجّ الاجتماعي بالفضيلة ويأخذ سبيل الرقي
والتقدم، والسير في مدارج الكمال. بينما
الاجتماع إذا كان منحرفاً، أخذت الجمعيات فيه
بالتحلل والتفسخ، وتفشت البطالة، وكثر
الجهل، وشاعت الفردية، وصار مركزاً للجمود
والتأخر، وشاع فيه الفساد والإفساد. أما
اختلاف الاجتهادات، ففي الاجتماع المتقدم
يعالج بسيادة الكلمة، والبحث الحر،
والانتقاد النزيه، وحتى في الحقول السياسية،
نجد الأحزاب الحرة، تحاول كل واحدة منها
التقدم بكثرة العمل وحسن الخدمة، ويقع
التنافس في البناء، والاستباق إلى الفضيلة،
وقد أكد الــقرآن الحكيم على ذلـــك، قال سبحانه:
(ســارعـــوا
إلى مغفرة من ربكم)(10) وقال: (استبقوا
الخيرات)(11) وقال (وفي
ذلك فلــيتـنـافس المتنافسون)(12). بالعكس
من الاجتماع المتخلف، حيث تأخذ القوة مكان
الكلمة، والسيف والسجن والسوط مكان الانتقاد
البنّاء والبحث الحر، ويسلط الأشرار حيث أنهم
أقدر على الفتك والإرهاب، هذا من ناحية، ومن
ناحية أخرى تكثر فيه العزلة والانزواء، حيث
لا يجد الصالحون مجالاً للتنفس، وتفشو
البطالة والترهب والتزهد، وكذلك صار المجتمع
المسيحي أبان حكم البابوات، بل والمجتمع
الإسلامي في فترات منه، وكان من تلك ما قبل
خلافة الإمام أمير المؤمنين، فقد ورد أن
علياً عليه السلام، لما جاء إلى الكوفة رأى في
مسجده أناساً لا عمل لهم يعيشون على صدقات
الناس، ويتزهدون في الدنيا، فأخرجهم الإمام
عليه السلام، عن المسجد بنهر وأمرهم بالعمل.
|
1
ـ
نهج البلاغة/ صالح/ ص421. 2
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص421. 3
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص422. 4 ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص168. 5
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص298. 6
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص184. 7
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص211. 8
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص255. 9
ـ نهج
البلاغة/ صالح/ ص297. 10
ـ سورة آل
عمران آية 133. 11
ـ سورة
البقرة آية 148. 12
ـ سورة
المطففين آية 26. |